الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الواحد والعشرون
325 -
عن أمّ عطية رضي الله عنها، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تُحدّ امرأةٌ على ميتٍ فوق ثلاثٍ، إلَّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلَّا ثوب عصْبٍ، ولا تكتحل، ولا تمسّ طيباً، إلَّا إذا طهرت: نبذةً من قسطٍ أو أظفار. (1)
قال المُصنِّف: العصب: ثياب من اليمن فيها بياض وسواد.
والنبذة: الشيء اليسير.
والقسط: العود أو نوع من الطيب تُبخّر به النفساء.
والأظفار: جنس من الطيب لا واحد له من لفظه ، وقيل: هو عطر أسود. القطعة منه تشبه الظفر.
قوله: (لا تحدّ امرأةٌ .. عشراً) ولهما من طريق أيّوب عن حفصة عن أمّ عطيّة، قالت: كنّا ننهى أن نحدّ على ميّتٍ فوق ثلاثٍ إلَّا على زوجٍ، أربعة أشهرٍ وعشراً ولا نكتحل .. الحديث ".
ورواه أيّوب عن ابن سيرين بلفظ " أمرنا بأن لا نحدّ على هالك فوق ثلاث. الحديث. أخرجه عبد الرّزّاق.
وللطّبرانيّ من طريق قتادة عن ابن سيرين عن أمّ عطيّة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره معناه.
(1) أخرجه البخاري (307 ، 5027 ، 5028) ومسلم في كتاب الطلاق (938) من طريق أيوب وهشام عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية رضي الله عنها.
وأخرجه البخاري (1220 ، 5026) من طريق سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن أم عطية نحوه.
وللبخاري من طريق سلمة بن علقمة عن محمّد بن سيرين، قال: توفّي ابنٌ لأمّ عطيّة رضي الله عنها، فلمّا كان اليوم الثّالث دعت بصفرةٍ، فتمسّحت به، وقالت: نهينا أن نحدّ أكثر من ثلاثٍ إلَّا بزوج.
وفي رواية الكشميهنيّ (1)" إلَّا لزوجٍ " باللام، ووقع في العِدد من طريقه بلفظ " إلَّا على زوج " والكلّ بمعنى السّببيّة.
وقوله " أن نحدّ " بضمّ أوّله من الرّباعيّ، ولَم يعرف الأصمعيّ غيره. وحكى غيرُه فتح أوّله وضمّ ثانيه من الثّلاثيّ. يقال: حدّت المرأة وأحدّت بمعنىً.
قوله: (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلَّا ثوب عصبٍ) بمهملتين. مفتوحة ثمّ ساكنة ثمّ موحّدة وهو بالإضافة ، وهي برود اليمن يعصب غزلها. أي: يربط ثمّ يصبغ ، ثمّ ينسج معصوباً فيخرج موشىً لبقاء ما عصب به أبيض لَم ينصبغ، وإنّما يعصب السّدى دون اللحمة.
وقال صاحب " المنتهى ": العصب هو المفتول من برود اليمن.
وذكر أبو موسى المدنيّ في " ذيل الغريب ": عن بعض أهل اليمن أنّه من دابّة بحريّة تسمّى فرس فرعون. يتّخذ منها الخرز وغيره ويكون أبيض، وهذا غريب.
وأغربُ منه قول السّهيليّ: إنّه نبات لا ينبت إلَّا باليمن. وعزاه لأبي حنيفة الدّينوريّ.
(1) هو أبو الهيثم محمد بن مكي ، سبق ترجمته (1/ 32)
وأغربُ منه قول الدّاوديّ (1): المراد بالثّوب العصب الخضرة وهي الحبرة، وليس له سلف في أنّ العصب الأخضر.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنّه لا يجوز للحادّة لبس الثّياب المعصفرة ولا المصبغة، إلَّا ما صبغ بسوادٍ ، فرخّص فيه مالك والشّافعيّ ، لكونه لا يتّخذ للزّينة بل هو من لباس الحزن، وكره عروةُ العصب أيضاً، وكره مالك غليظه.
قال النّوويّ: الأصحّ عند أصحابنا تحريمه مطلقاً، وهذا الحديث حجّة لمن أجازه.
وقال ابن دقيق العيد: يؤخذ من مفهوم الحديث جواز ما ليس بمصبوغٍ وهي الثّياب البيض، ومنع بعض المالكيّة المرتفع منها الذي يتزيّن به، وكذلك الأسود إذا كان ممّا يتزيّن به.
قال النّوويّ: ورخّص أصحابنا فيما لا يتزيّن به ولو كان مصبوغاً. واختلف في الحرير. فالأصحّ عند الشّافعيّة منعه مطلقاً مصبوغاً أو غير مصبوغ، لأنّه أبيح للنّساء للتّزيّن به ، والحادّة ممنوعة من التّزيّن فكان في حقّها كالرّجال.
وفي التّحلي بالذّهب والفضّة وباللؤلؤ ونحوه وجهان الأصحّ جوازه، وفيه نظرٌ من جهة المعنى في المقصود بلبسه، وفي المقصود بالإحداد، فإنّه عند تأمّلها يترجّح المنع. والله أعلم.
قوله: (ولا تكتحل) سيأتي الكلام عليه إن شاء الله في حديث أم
(1) هو أحمد بن نصر ، سبق ترجمته (1/ 312)
سلمة الذي بعده.
قوله: (ولا تمسّ طيباً إلَّا إذا طهرت) ولهما من رواية أيوب " وقد رخّص للمرأة في طهرها إذا اغتسلت إحدانا من محيضها ".
ولهما من طريق هشام عن حفصة عنها " ولا تمسّ طيباً، إلَّا أدنى طهرها " أي: عند قرب طهرها ، أو أقلّ طهرها
قوله: (نُبذةً) بضمّ النّون وسكون الموحّدة بعدها معجمة. أي: قطعة، وتطلق على الشّيء اليسير
قوله: (من قسطٍ أو أظفار) بإثبات " أو " وهي للتّخيير ، وفي رواية لهما " قسطٍ وأظفارٍ " بقاف وواو عاطفة وهو أوجه.
وللبخاري " كست أظفار " كذا في هذه الرّواية. قال ابن التّين صوابه " قسط ظفار ".
كذا قال، ولَم أر هذا في هذه الرّواية، لكن حكاه صاحب المشارق.
ووجّهه بأنّه منسوب إلى ظفار مدينة معروفة بسواحل اليمن يجلب إليها القسط الهنديّ، وحكى في ضبط ظفار وجهين. كسر أوّله وصرفه ، أو فتحه والبناء بوزن قطام.
ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه " من قسط أو أظفار " بإثبات " أو " وهي للتّخيير.
قال في المشارق: القسط بخور معروف وكذلك الأظفار، قال في البارع: الأظفار ضربٌ من العطر يشبه الظّفر.
وقال صاحب المحكم: الظّفر ضرب من العطر أسود مغلف من
أصله على شكل ظفر الإنسان يوضع في البخور والجمع أظفار.
وقال صاحب العين: لا واحد له.
والكست بضمّ الكاف وسكون المهملة بعدها مثنّاة هو القسط، قاله البخاري، وكذا قاله غيره، وحكى المفضّل بن سلمة: أنّه يقال بالكاف والطّاء أيضاً.
قال النّوويّ: ليس القسط والظّفر من مقصود التّطيّب، وإنّما رخّص فيه للحادّة إذا اغتسلت من الحيض لإزالة الرّائحة الكريهة.
قال المُهلَّب: رخّص لها في التّبخّر لدفع رائحة الدّم عنها لِمَا تستقبله من الصّلاة.
قلت: المقصود من التّطيّب بهما أن يخلطا في أجزاء أخر من غيرهما ثمّ تسحق فتصير طيباً، والمقصود بهما هنا كما قال الشّيخ أن تتبّع بهما أثر الدّم لإزالة الرّائحة لا للتّطيّب.
وزعم الدّاوديّ: أنّ المراد أنّها تسحق القسط. وتلقيه في الماء آخر غسلها لتذهب رائحة الحيض.
وردّه عياض (1): بأنّ ظاهر الحديث يأباه، وأنّه لا يحصل منه رائحة طيّبة إلَّا من التّبخّر به. كذا قال. وفيه نظرٌ.
واستدل به على جواز استعمال ما فيه منفعة لها من جنس ما منعت منه إذا لَم يكن للتّزيّن أو التّطيّب كالتّدهّن بالزّيت في شعر الرّأس أو غيره.
(1) هو القاضي عياض بن موسى ، سبق ترجمته (1/ 103)