المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث والثلاثون - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌الحديث الثالث والثلاثون

‌الحديث الثالث والثلاثون

337 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّ أفلح أخا أبي القُعيس استأذن عليّ بعد ما أنزل الحجاب، فقلتُ: والله لا آذن له، حتى أستأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّ أخا أبي القعيس، ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسولَ الله، إنّ الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته، فقال: ائذني له، فإنه عمّك تربت يمينك.

قال عروة بن الزبير: فبذلك كانت عائشة تقول: حرِّموا من الرضاع، ما يحرم من النسب (1)

وفي لفظ: استأذن عليّ أفلح، فلم آذن له، فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك.! فقلت: كيف ذلك؟! قال: أرضعتك امرأة أخي، بلبن أخي، قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدق أفلح، ائذني له. (2)

قوله: (إنّ أفلح أخا أبي القعيس) بقافٍ وعين وسين مهملتين

(1) أخرجه البخاري (2501 ، 4518 ، 4815 ، 4941 ، 5804) ومسلم (1445) من طرق عن عروة بن الزبير عن عائشة.

(2)

أخرجه البخاري (2501) ومسلم (1445) من طريق عراك بن مالك عن عروة عن عائشة به. واللفظ للبخاري.

تنبيه: وقع في نسخ العمدة: ائذني له تربت يمينك. وهذه الزيادة ليست في هذه الرواية ، والذي أوقع كثيراً من النسَّاخ في هذا الخطأ أن مصنف العمدة المقدسي قال بعد الحديث: تربت يمنك. أي افتقرت ، والعرب تدعو على الرجل ، ولا تريد وقوع الأمر به. انتهى. فحذفوا تعريف الكلمة وأبقوا الكلمة ضمن الرواية. والله أعلم

ص: 192

مصغّر، وللبخاري من طريق الحكم عن عراك بن مالك عن عروة " استأذن عليّ أفلح فلم آذن له ". وفي رواية مسلم من هذا الوجه " أفلح بن قعيس " ، والمحفوظ أفلح أخو أبي القعيس.

ويحتمل: أن يكون اسم أبيه قعيساً أو اسم جدّه فنسب إليه ، فتكون كنية أبي القعيس وافقت اسم أبيه أو اسم جدّه.

ويؤيّده ما في البخاري من طريق عقيل عن الزّهريّ عن عروة بلفظ " فإنّ أخا بني القعيس ". وكذا وقع عند النّسائيّ من طريق وهب بن كيسان عن عروة، وللبخاري من طريق شعيب عن ابن شهاب بلفظ " إنّ أفلح أخا أبي القعيس " وكذا لمسلمٍ من طريق يونس ومعمر عن الزّهريّ.

وهو المحفوظ عن أصحاب الزّهريّ. لكن وقع عند مسلم من رواية ابن عيينة عن الزّهريّ " أفلح بن أبي القعيس ". وكذا لأبي داود من طريق الثّوريّ عن هشام بن عروة عن أبيه.

ولمسلمٍ من طريق ابن جريجٍ عن عطاء أخبرني عروة ، أنّ عائشة ، قالت: استأذن عليّ عمّي من الرّضاعة أبو الجعد " قال: فقال لي هشام: إنّما هو أبو القعيس. وكذا وقع عند مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام " استأذن عليها أبو القعيس ".

وسائر الرّواة عن هشام قالوا: أفلح أخو أبي القعيس كما هو المشهور، وكذا قال سائر أصحاب عروة.

ووقع عند سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمّد " أنّ أبا

ص: 193

قعيس أتى عائشة يستأذن عليها " وأخرجه الطّبرانيّ في " الأوسط " من طريق القاسم عن أبي قعيس.

والمحفوظ أنّ الذي استأذن هو أفلح. وأبو القعيس هو أخوه.

قال القرطبيّ: كلّ ما جاء من الرّوايات وهمٌ إلَّا مَن قال " أفلح أخو أبي القعيس " أو قال " أبو الجعد " لأنّها كنية أفلح.

قلت: وإذا تدبّرت ما حرّرت ، عرفتَ أنّ كثيراً من الرّوايات لا وهْم فيه ، ولَم يخطئ عطاء في قوله " أبو الجعد " فإنّه يحتمل أن يكون حفظ كنية أفلح.

وأمّا اسم أبي القعيس ، فلم أقف عليه إلَّا في كلام الدّارقطنيّ فقال: هو وائل بن أفلح الأشعريّ، وحكى هذا ابن عبد البرّ ، ثمّ حكى أيضاً أنّ اسمه الجعد.

فعلى هذا يكون أخوه وافق اسمه اسم أبيه.

ويحتمل: أن يكون أبو القعيس نُسب لجدّه ، ويكون اسمه وائل بن قعيس بن أفلح بن القعيس، وأخوه أفلح بن قعيس بن أفلح أبو الجعد.

قال ابن عبد البرّ في " الاستيعاب ": لا أعلم لأبي القعيس ذكراً إلَّا في هذا الحديث.

قوله: (استأذن عليّ بعد ما أُنزل الحجاب) وللبخاري من طريق مالك عن الزهري " وهو عمّها من الرّضاعة بعد أن نزل الحجاب " فيه التفات، وكان السّياق يقتضي أن يقول " وهو عمّي " وكذا وقع

ص: 194

عند النّسائيّ من طريق معنٍ عن مالك، وفي رواية يونس عن الزّهريّ عند مسلم " وكان أبو القعيس أخا عائشة من الرّضاعة ".

وكان الحجاب في ذي القعدة سنة أربعٍ عند جماعةٍ.

أمّا قول الواقديّ: إنّ الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمسٍ ، فمردودٌ ، وقد جزم خليفةٌ وأبو عبيدة وغير واحدٍ ، بأنّه كان سنة ثلاثٍ فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوالٍ ، أشهرها سنة أربعٍ. والله أعلم

قال عياض: فرض الحجاب ممّا اختصصن به ، فهو فرض عليهنّ بلا خلاف في الوجه والكفّين، فلا يجوز لهنّ كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ، ولا إظهار شخوصهنّ ، وإن كنّ مستترات إلَّا ما دعت إليه ضرورة من براز.

ثمّ استدل بما في " الموطّأ ": أنّ حفصة لَمَّا توفّي عمر سترها النّساء عن أن يرى شخصها؛ وأنّ زينب بنت جحش ، جعلت لها القبّة فوق نعشها ليستر شخصها. انتهى.

وليس فيما ذكره دليل على ما ادّعاه من فرض ذلك عليهنّ، وقد كنّ بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن، وكان الصّحابة ومن بعدهم يسمعون منهنّ الحديث وهنّ مستترات الأبدان لا الأشخاص.

وفي البخاري عن ابن جريجٍ ، قلت لعطاءٍ لَمَّا ذُكر له طواف عائشة: أقبل الحجاب أو بعده؟ قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب. (1)

(1) قال الشارح في " الفتح "(3/ 480): قوله (لقد أدركته بعد الحجاب) ذكر عطاءٌ هذا لرفع توهّم من يتوهم أنه حمل ذلك عن غيره ، ودلَّ على أنه رأى ذلك منهنَّ ، والمراد بالحجاب نزول آية الحجاب ، وهي قوله تعالى {وإذا سألتموهنَّ متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} وكان ذلك في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، ولم يُدرك ذلك عطاءٌ قطعاً. انتهى

ص: 195

قوله: (والله لا آذن له، حتى أستأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّ أخا أبي القعيس، ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس) في رواية مالك " فأبيت أن آذن له " وفي رواية معمر عن الزّهريّ عن مسلم " وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة ".

قوله: (ائذني له، فإنه عمّك) في رواية مالك عن ابن شهاب " فأمرني أن آذن له " وفي رواية مالك عن هشام بن عروة " إنّه عمّك فليلج عليك ".

ووقع في رواية سفيان الثّوريّ عن هشام عند أبي داود " دخل عليّ أفلح فاستترت منه فقال: أتستترين منّي وأنا عمّك؟ قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي، قلت: إنّما أرضعتني المرأة ولَم يرضعني الرّجل. الحديث.

ويُجمع بأنّه دخل عليها أوّلاً فاستترت ودار بينهما الكلام، ثمّ جاء يستأذن ظنّاً منه أنّها قبِلَت قوله فلم تأذن له حتّى تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ووقع في رواية شعيب في آخره من الزّيادة. قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرّموا من الرّضاع ما يحرم من النّسب " ، ووقع في رواية سفيان بن عيينة " ما تحرّمون من النّسب " وهذا ظاهره

ص: 196

الوقف.

وقد أخرجه مسلم من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن عروة في هذه القصّة " فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لا تحتجبي منه، فإنّه يحرم من الرّضاعة ما يحرم من النّسب ".

وقد تقدّمت هذه الزّيادة عن عائشة أيضاً مرفوعة من وجه آخر (1)

وفي الحديث أنّ لبن الفحل يحرّم. فتنتشر الحرمة من ارتضع الصّغير بلبنه، فلا تحلّ له بنت زوج المرأة التي أرضعته من غيرها مثلاً.

وفيه خلاف قديم

القول الأول: حكي عن ابن عمر وابن الزّبير ورافع بن خديج وزينب بنت أمّ سلمة وغيرهم، ونقله ابن بطّال عن عائشة. وفيه نظرٌ.

ومن التّابعين عن سعيد بن المسيّب وأبي سلمة والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشّعبيّ وإبراهيم النّخعيّ وأبي قلابة وإياس بن معاوية. أخرجها ابن أبي شيبة وعبد الرّزّاق وسعيد بن منصور وابن المنذر.

وعن ابن سيرين: نبّئت أنّ ناساً من أهل المدينة اختلفوا فيه ، وعن زينب بنت أبي سلمة ، أنّها سألت والصّحابة متوافرون وأمّهات المؤمنين ، فقالوا: الرّضاعة من قبل الرّجل لا تحرّم شيئاً.

(1) انظر الحديث الماضي.

ص: 197

وقال به من الفقهاء ربيعة الرّأي وإبراهيم بن عليّة وابن بنت الشّافعيّ وداود وأتباعه.

وأغرب عياض ومن تبعه ، في تخصيصهم ذلك بداود وإبراهيم ، مع وجود الرّواية عمّن ذكرنا بذلك.

وحجّتهم في ذلك: قوله تعالى {وأمّهاتكم اللاتي أرضعنكم} ولَم يذكر العمّة ولا البنت كما ذكرهما في النّسب.

وأجيبوا: بأنّ تخصيص الشّيء بالذّكر لا يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه، ولا سيّما وقد جاءت الأحاديث الصّحيحة.

واحتجّ بعضهم من حيث النّظر: بأنّ اللبن لا ينفصل من الرّجل وإنّما ينفصل من المرأة ، فكيف تنتشر الحرمة إلى الرّجل؟.

والجواب: أنّه قياس في مقابلة النّصّ فلا يلتفت إليه.

وأيضاً فإنّ سبب اللبن هو ماء الرّجل والمرأة معاً ، فوجب أن يكون الرّضاع منهما كالجدّ لمَّا كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به لتعلقه بولده.

وإلى هذا أشار ابن عبّاس بقوله في هذه المسألة " اللقاح واحد " أخرجه ابن أبي شيبة. وأيضاً ، فإنّ الوطء يدرّ اللبن فللفحل فيه نصيب.

القول الثاني: ذهب الجمهور من الصّحابة والتّابعين وفقهاء الأمصار كالأوزاعيّ في أهل الشّام والثّوريّ وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة ، وابن جريجٍ في أهل مكّة ، ومالك في أهل المدينة ،

ص: 198

والشّافعيّ وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم ، إلى أنّ لبن الفحل يُحرّم.

وحجّتهم هذا الحديث الصّحيح.

وألزم الشّافعيُّ المالكيّةَ في هذه المسألة بردّ أصلهم بتقديم عمل أهل المدينة ، ولو خالف الحديث الصّحيح إذا كان من الآحاد. لِمَا رواه عن عبد العزيز بن محمّد عن ربيعة ، من أنّ لبن الفحل لا يحرّم، قال عبد العزيز بن محمّد: وهذا رأي فقهائنا إلَّا الزّهريّ.

فقال الشّافعيّ: لا نعلم شيئاً من علم الخاصّة أولى بأن يكون عامّاً ظاهراً من هذا، وقد تركوه للخبر الوارد، فيلزمهم على هذا. إمّا أن يردّوا هذا الخبر وهم لَم يردّوه ، أو يردّوا ما خالف الخبر، وعلى كلّ حالٍ هو المطلوب.

قال القاضي عبد الوهّاب: يتصوّر تجريد لبن الفحل برجلٍ له امرأتان ترضع إحداهما صبيّاً والأخرى صبيّة ، فالجمهور قالوا: يحرم على الصّبيّ تزويج الصّبيّة. وقال من خالفهم: يجوز.

واستدل به على أنّ من ادّعى الرّضاع وصدّقه الرّضيع ، يثبت حكم الرّضاع بينهما ولا يحتاج إلى بيّنة، لأنّ أفلح ادّعى وصدّقته عائشة وأذن الشّارع بمجرّد ذلك.

وتعقّب: باحتمال أن يكون الشّارع اطّلع على ذلك من غير دعوى أفلح وتسليم عائشة.

واستدل به على أنّ قليل الرّضاع يُحرّم كما يُحرّم كثيره. لعدم

ص: 199

الاستفصال فيه (1).

ولا حجّة فيه ، لأنّ عدم الذّكر لا يدلّ على العدم المحض.

وفيه أنّ من شكّ في حكم يتوقّف عن العمل حتّى يسأل العلماء عنه، وأنّ من اشتبه عليه الشّيء طالب المدّعي ببيانه ليرجع إليه أحدهما، وأنّ العالم إذا سئل يصدّق مَن قال الصّواب فيها.

وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرّجال الأجانب ومشروعيّة استئذان المحرم على محرمه، وأنّ المرأة لا تأذن في بيت الرّجل إلَّا بإذنه.

وفيه جواز التّسمية بأفلح (2).

ويؤخذ منه أنّ المستفتي إذا بادر بالتّعليل قبل سماع الفتوى أنكر عليه لقوله لها " تربت يمينك " فإنّ فيه إشارة إلى أنّه كان من حقّها أن

(1) ستأتي هذه المسألة إن شاء الله مبسوطة في الحديث الذي بعده.

(2)

أخرج مسلم في " الصحيح "(2136) عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُسمينَّ غلامك يساراً، ولا رباحاً، ولا نجيحاً، ولا أفلح، فإنك تقول: أَثَم هو؟ فلا يكون. فيقول: لا " وله أيضاً (2136) من حديث جابر رضي الله عنه قال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وبنحو ذلك، ثم رأيته سكتَ بعدُ عنها، فلم يقل شيئاً، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولَم ينه عن ذلك "

قال النووي: قال أصحابنا: يكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث وما في معناها ، ولا تختص الكراهة بها وحدها. وهي كراهة تنزيه لاتحريم ، والعلة في الكراهة ما بيَّنه صلى الله عليه وسلم في قوله: فإنك تقول: أثم هو؟ فيقول: لا. فكُره لبشاعة الجواب ، وربما أوقع بعض الناس في شيء من الطيرة.

وأما قوله " أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن هذه الأسماء " فمعناه أراد أن ينهى عنها نهي تحريم فلم ينه ، وأما النهي الذي هو لكراهة التنزيه فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية. انتهى

ص: 200

تسأل عن الحكم فقط ، ولا تعلل.

وألزم به بعضُهم مَن أطلق من الحنفيّة القائلين: أنّ الصّحابيّ إذا روى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثاً وصحّ عنه ، ثمّ صحّ عنه العمل بخلافه أنّ العمل بما رأى لا بما روى، لأنّ عائشة صحّ عنها أن لا اعتبار بلبن الفحل. ذكره مالك في " الموطّأ " وسعيد بن منصور في " السّنن " ، وأبو عبيد في " كتاب النّكاح " بإسنادٍ حسنٍ.

وأخذ الجمهور ومنهم الحنفيّة بخلاف ذلك ، وعملوا بروايتها في قصّة أخي أبي القعيس وحرّموه بلبن الفحل ، فكان يلزمهم على قاعدتهم أن يتّبعوا عمل عائشة ويعرضوا عن روايتها، ولو كان روى هذا الحكم غير عائشة لكان لهم معذرة ، لكنّه لَم يروه غيرها، وهو إلزام قويّ.

وفي الحديث الرّدّ على من كره للمرأة أن تضع خمارها عند عمّها أو خالها، كما أخرجه الطّبريّ من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة والشّعبيّ أنّه قيل لهما: لِمَ لَمْ يُذكر العمّ والخال في هذه الآية؟ فقالا: لأنّهما ينعتاها لأبنائهما، وكرها لذلك أن تضع خمارها عند عمّها أو خالها.

وحديث عائشة في قصّة أفلح يردّ عليهما ، وهذا من دقائق ما في تراجم البخاريّ (1).

ص: 201

قوله: (تربت يمينك) في رواية سفيان عن الزهري عند مسلم " يداك أو يمينك " أي: لصقتا بالتّراب ، وهي كناية عن الفقر. وهو خبر بمعنى الدّعاء، لكن لا يراد به حقيقته، وبهذا جزم صاحب " العمدة ".

زاد غيره ، أنّ صدور ذلك من النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حقّ مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربّه (1).

وقال النّحّاس: معناه إن لَم تفعل لَم يحصل في يديك إلَّا التّراب.

وحكى ابن العربيّ: أنّ معناه استغنت، وردّ بأنّ المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر، ووجّه بأنّ الغنى النّاشئ عن المال تراب ، لأنّ جميع ما في الدّنيا تراب ، ولا يخفى بعده.

وقيل: معناه ضعف عقلك.

وقيل: افتقرت من العلم.

وقيل: فيه تقدير شرط أي: وقع لك ذلك إن لَم تفعل. ورجّحه ابن العربيّ.

وقيل: معنى افتقرت حابت.

(1) أخرجه مسلم (2600) عن عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلَّماه بشيء، لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبَّهما، فلما خرجا، قلت: يا رسولَ الله. من أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان، قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما، قال: أو ما علمتِ ما شارطتُ عليه ربي؟ قلت: اللهمَّ إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته، أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً.

ص: 202

وقيل: هي كلمة تستعمل في المدح عند المبالغة كما قالوا للشّاعر: قاتله الله لقد أجاد.

وصحّفه بعضهم ، فقاله بالثّاء المثلثة ، ووجّهه. بأنّ معنى ثربت تفرّقت وهو مثل حديث " نهى عن الصّلاة إذا صارت الشّمس كالأثارب "(1) وهو جمع ثروب وأثرب مثل فلوس وأفلس. وهي جمع ثرْب بفتح أوّله وسكون الرّاء ، وهو الشّحم الرّقيق المتفرّق الذي يغشى الكرش.

(1) ذكره جماعة من أهل اللغة معلّقاً ، ولَم أره موصولاً

ص: 203