المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثامن عشر - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌الحديث الثامن عشر

‌الحديث الثامن عشر

322 -

عن فاطمة بنت قيسٍ رضي الله عنها، أنَّ أبا عمرو بن حفصٍ طلَّقها ألبتّة، وهو غائبٌ ، وفي روايةٍ: طلَّقها ثلاثاً. فأرسل إليها وكيله بشعيرٍ، فسخِطَتْه، فقال: والله ما لكِ علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك عليه نفقةٌ. وفي لفظ: ولا سكنى ، فأمرها أن تَعتدّ في بيت أمّ شريكٍ، ثم قال: تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم، فإنه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللتِ فآذنيني.

قالت: فلمَّا حللتُ، ذكرتُ له ذلك، وأنَّ معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهمٍ خطَبَاني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهمٍ فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصُعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيدٍ، فكرهْتُه، ثم قال: انكحي أسامة بن زيد، فنكحتُه، فجعل الله فيه خيراً، واغتبطت به. (1)

(1) أخرجه مسلم في " صحيحه "(1480) من طرق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها. مطوّلاً ومختصراً.

ورواه مسلم أيضاً (1480 ، 1481) من طرق أخرى عن فاطمة نحوه. مختصراً ومطولاً.

ولَم يروه البخاري في صحيحه بهذا السياق

قال الشارح في " الفتح ": أخرج مسلمٌ قصتَها من طرق متعددة عنها، ولَم أرها في البخاري ، وإنما ترجم لها (باب قصّة فاطمة بنت قيس)، وأورد أشياء من قصتها بطريق الإشارة إليها، ووهم صاحب " العمدة " فأورد حديثها بطوله في المتفق. انتهى

قلت: وقد شرح ابن حجر غالب ألفاظه. وأورد أهمَّ مسائله. وسأوردها إن شاء الله.

ص: 33

قوله: (فاطمة بنت قيسٍ) هي بنت قيس بن خالد من بني محارب بن فهر بن مالك، وهي أخت الضّحّاك بن قيس الذي ولِيَ العراق ليزيد بن معاوية ، وقُتل بمرج راهط، وهو من صغار الصّحابة، وهي أسنّ منه.

وكانت من المهاجرات الأُوَل، وكان لها عقل وجمال.

وتزوّجها أبو عمرو بن حفص ، ويقال: أبو حفص بن عمرو بن المغيرة المخزوميّ - وهو ابن عمّ خالد بن الوليد بن المغيرة - فخرج مع عليّ لَمَّا بعثه النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فبعث إليها بتطليقةٍ ثالثةٍ بقيت لها، وأَمرَ ابني عمّيه الحارث بن هشام وعيّاش بن أبي ربيعة أنْ يدفعا لها تمراً وشعيراً، فاستقلَّت ذلك ، وشَكَتْ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال لها: ليس لكِ سُكنى ولا نفقة.

قوله: (أنَّ أبا عمرو بن حفصٍ طلَّقها البتّة، وهو غائبٌ) اتّفقت الرّوايات عن فاطمة على كثرتها عنها أنّها بانت بالطّلاق.

ووقع في آخر صحيح مسلم في حديث الجسّاسة عن فاطمة بنت قيس " نكحتُ ابن المغيرة، وهو من خِيَار شباب قريش يومئذٍ، فأصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا تأيّمت خطبني أبو جهم. الحديث.

وهذه الرّواية وهْم، ولكن أوّلَها بعضهم على أنّ المراد أصيب بجراحةٍ أو أصيب في ماله أو نحو ذلك. حكاه النّوويّ وغيره.

والذي يظهر أنّ المراد بقولها " أصيب " أي: مات على ظاهره،

ص: 34

وكان في بعث عليّ إلى اليمن، فيصدق أنّه أصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يلزم من ذلك أن تكون بينونتها منه بالموت بل بالطّلاق السّابق على الموت.

فقد ذهب جمعٌ جمٌّ إلى أنّه مات مع عليٍّ باليمن ، وذلك بعد أن أرسل إليها بطلاقها، فإذا جمع بين الرّوايتين استقام هذا التّأويل وارتفع الوهْم، ولكن يبعد بذلك قول مَن قال: إنّه بقي إلى خلافة عمر.

قوله: (فأرسل إليها وكيله بشعيرٍ، فسَخِطَتْه

فجاءتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتْ ذلك له) قال ابن دقيق العيد: سياق الحديث يقتضي أنّ سبب الحكم أنّها اختلفت مع الوكيل بسبب استقلالها ما أعطاها، وأنّها لَمَّا قال لها الوكيل " لا نفقة لك " سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأجابها بأنّها لا نفقة لها ولا سكنى، فاقتضى أنّ التّعليل إنّما هو بسبب ما جرى من الاختلاف لا بسبب الاقتحام والبذاءة، فإن قام دليل أقوى من هذا الظّاهر عمل به.

قلت: المتّفق عليه في جميع طرقه أنّ الاختلاف كان في النّفقة، ثمّ اختلفت الرّوايات: ففي بعضها " فقال: لا نفقة لك ولا سكنى " وفي بعضها أنّه لَمَّا قال لها " لا نفقة لك " استأذنته في الانتقال فأذن لها، وكلّها في صحيح مسلم.

فإذا جمعت ألفاظ الحديث من جميع طرقه خرج منها أنّ سبب استئذانها في الانتقال ما ذكر من الخوف عليها ومنها، واستقام

ص: 35

الاستدلال حينئذٍ على أنّ السّكنى لَم تسقط لذاتها ، وإنّما سقطت للسّبب المذكور.

نعم. كانت فاطمة بنت قيس تجزم بإسقاط سكنى البائن ونفقتها وتستدلّ لذلك كما سيأتي ذكره، ولهذا كانت عائشة تنكر عليها.

فأخرج الشيخان واللفظ للبخاري عن عائشة أنّها قالت: ما لفاطمة ألا تتّقي الله. يعني في قولها لا سكنى ولا نفقة " وفي رواية للشيخين قالت: أما إنّه ليس لها خيرٌ في ذكر هذا الحديث ". كأنّها تشير إلى أنّ سبب الإذن في انتقال فاطمة ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشّرّ.

ويؤيّده ما أخرج النّسائيّ من طريق ميمون بن مهران قال: قدمتُ المدينة ، فقلتُ لسعيد بن المسيّب: إنّ فاطمة بنت قيس طُلّقت فخرجت من بيتها، فقال: إنّها كانت لَسِنةً. ولأبي داود من طريق سليمان بن يسار: إنّما كان ذلك من سوء الخلق.

وللبخاري مُعلقاً عن ابن أبي الزّناد عن هشامٍ عن أبيه ، عابتْ عائشة أشدّ العيب ، وقالت: إنّ فاطمة كانت في مكانٍ وحشٍ فخيف على ناحيتها ، فلذلك أرخص لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

ووصله أبو داود من طريق ابن وهب عن عبد الرّحمن بن أبي الزّناد بلفظ " لقد عابتْ " وقوله " وحْش " بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة. أي: خالٍ لا أنيس به.

ص: 36

ولرواية ابن أبي الزّناد هذه شاهد من رواية أبي أسامة (1) عن هشام بن عروة ، لكن قال: عن أبيه عن فاطمة بنت قيس قالت: قلت: يا رسولَ الله إنّ زوجيّ طلقني ثلاثاً فأخاف أن يقتحم عليّ، فأمرها فتحوّلت.

وقد أخذ البخاريّ الترجمةَ من مجموع ما ورد في قصّة فاطمة فرتّب الجواز على أحد الأمرين:

الأول: إمّا خشية الاقتحام عليها.

والثاني: إمّا أن يقع منها على أهل مطلقها فُحش من القول، ولَم ير بين الأمرين في قصّة فاطمة معارضةً لاحتمال وقوعهما معاً في شأنها.

تنْبيهٌ: طعن أبو محمّد بن حزم في رواية ابن أبي الزّناد المعلَّقة.

فقال: عبد الرّحمن بن أبي الزّناد ضعيف جدّاً، وحكم على روايته هذه بالبطلان.

وتعقّب: بأنّه مختلف فيه، ومن طعن فيه لَم يذكر ما يدلّ على تركه فضلاً عن بطلان روايته، وقد جزم يحيى بن معين بأنّه أثبت النّاس في هشام بن عروة، وهذا من روايته عن هشام.

(1) رواية أبي أسامة. أخرجها مسلم (1482) لكن ليس فيها ما ذكره الشارح هنا. ولفظه: عن هشام حدَّثني أبي. قال: تزوَّج يحيى بنُ سعيد بن العاص بنتَ عبدالرحمن بن الحكم فطلَّقها فأخرجها من عنده فعاب ذلك عليهم عروة. فقالوا: إنَّ فاطمة قد خرجت. قال عروة: فأتيت عائشة فأخبرتها بذلك. فقالت: ما لفاطمة بنت قيس خيرٌ في أن تذكر هذا الحديث.

ثم أخرجه مسلم (1482) وغيره من طريق حفص بن غياث عن هشام. باللفظ الذي ذكره الشارح تماماً. والله أعلم.

ص: 37

فلله درّ البخاريّ ما أكثر استحضاره وأحسن تصرّفه في الحديث والفقه.

قوله: (ليس لك عليه نفقةٌ ، وفي لفظ: ولا سكنى).

اختلف السّلف في نفقة المطلقة البائن وسكناها.

القول الأول: قال الجمهور: لا نفقة لها. ولها السّكنى.

واحتجّوا لإثبات السّكنى: بقوله تعالى (أسكنوهنّ من حيث سكنتم من وجدكم) ولإسقاط النّفقة بمفهوم قوله تعالى (وإن كنّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ) فإنّ مفهومه أنّ غير الحامل لا نفقة لها وإلا لَم يكن لتخصيصها بالذّكر معنىً، والسّياق يفهم أنّها في غير الرّجعيّة، لأنّ نفقة الرّجعيّة واجبة لو لَم تكن حاملاً.

القول الثاني: ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور. إلى أنّه لا نفقة لها ولا سكنى على ظاهر حديث فاطمة بنت قيس، ونازعوا في تناول الآية الأولى المطلقة البائن.

وقد احتجّت فاطمة بنت قيس صاحبة القصّة على مروان حين بلغها إنكاره بقولها: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى (لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ - إلى قوله - يحدث بعد ذلك أمراً) قالت: هذا لمن كانت له مراجعة، فأيّ أمر يحدث بعد الثّلاث؟ وإذا لَم يكن لها نفقة وليست حاملاً. فعلامَ يحبسونها؟ (1)

(1) قصّة مراجعة فاطمة رضي الله عنها مع مروان في صحيح مسلم (2417)

ص: 38

وقد وافق فاطمةَ على أنّ المراد بقوله تعالى (يُحدثُ بعد ذلك أمراً) المراجعة قتادةُ والحسنُ والسّدّيّ والضّحّاك. أخرجه الطّبريّ عنهم. ولَم يحك عن أحدٍ غيرهم خلافه.

وحكى غيره: أنّ المراد بالأمر ما يأتي من قِبَل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر ذلك في المراجعة.

وأمّا ما أخرجه أحمد من طريق الشّعبيّ عن فاطمة في آخر حديثها مرفوعاً " إنّما السّكنى والنّفقة لمن يملك الرّجعة " فهو من أكثر الرّوايات موقوف عليها.

وقد بيّن الخطيب في " المدرج " أنّ مجالد بن سعيد تفرّد برفعه. وهو ضعيف، ومن أدخله في رواية غير رواية مجالد عن الشّعبيّ فقد أدرجه.

وهو كما قال، وقد تابع بعضُ الرّواة عن الشّعبيّ في رفعه مجالداً ، لكنّه أضعف منه.

وأمّا قولها " إذا لَم يكن لها نفقة فعلام يحبسونها "؟.

فأجاب بعض العلماء عنه: بأنّ السّكنى التي تتبعها النّفقة هو حال الزّوجيّة الذي يمكن معه الاستمتاع ولو كانت رجعيّة.

وأمّا السّكنى بعد البينونة فهو حقّ لله تعالى ، بدليل أنّ الزّوجين لو اتّفقا على إسقاط العدّة لَم تسقط بخلاف الرّجعيّة ، فدلَّ على أن لا ملازمة بين السّكنى والنّفقة. وقد قال بمثل قول فاطمة أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم.

ص: 39

القول الثالث: ذهب أهل الكوفة من الحنفيّة وغيرهم إلى أنّ لها النّفقة والكسوة.

وأجابوا عن الآية. بأنّه تعالى إنّما قيّد النّفقة بحالة الحمل ليدلّ على إيجابها في غير حالة الحمل بطريق الأولى، لأنّ مدّة الحمل تطول غالباً.

وردّه ابن السّمعانيّ: بمنع العلة في طول مدّة الحمل، بل تكون مدّة الحمل أقصر من غيرها تارة وأطول أخرى فلا أولويّة؛ وبأنّ قياس الحائل على الحامل فاسد، لأنّه يتضمّن إسقاط تقييد ورد به النّصّ في القرآن والسّنّة.

وأمّا قول بعضهم: إنّ حديث فاطمة أنكره السّلف عليها كما تقدّم من كلام عائشة، وكما أخرج مسلم من طريق أبي إسحاق: كنت مع الأسود بن يزيد في المسجد فحدّث الشّعبيّ بحديث فاطمة بنت قيس ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَم يجعل لها سكنى ولا نفقة، فأخذ الأسود كفّاً من حصى. فحصبه به ، وقال: ويلك تحدّث بهذا؟ قال عمر: لا ندع كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، قال الله تعالى (لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ).

فالجواب عنه: أنّ الدّارقطنيّ قال: قوله في حديث عمر " وسنّة نبيّنا " غير محفوظ. والمحفوظ " لا ندع كتاب ربّنا ".

وكأنّ الحامل له على ذلك أنّ أكثر الرّوايات ليست فيها هذه الزّيادة، لكن ذلك لا يردّ رواية النّفقة، ولعلَّ عمر أراد بسنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما

ص: 40

دلَّت عليه أحكامه من اتّباع كتاب الله، لا أنّه أراد سنّة مخصوصة في هذا، ولقد كان الحقّ ينطق على لسان عمر، فإنّ قوله " لا ندري حفظت أو نسيت " ، قد ظهر مصداقه في أنّها أطلقت في موضع التّقييد أو عمّمت في موضع التّخصيص كما تقدّم بيانه.

وأيضاً فليس في كلام عمر ما يقتضي إيجاب النّفقة ، وإنّما أنكر إسقاط السّكنى.

وادّعى بعض الحنفيّة: أنّ في بعض طرق حديث عمر " للمطلقة ثلاثاً السّكنى والنّفقة ".

وردّه ابن السّمعانيّ: بأنّه من قول بعض المجازفين فلا تحلّ روايته.

وقد أنكر أحمد ثبوت ذلك عن عمر أصلاً، ولعله أراد ما ورد من طريق إبراهيم النّخعيّ عن عمر لكونه لَم يلقه.

وقد بالغ الطّحاويّ في تقرير مذهبه. فقال: خالفت فاطمةُ سنّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنّ عمر روى خلاف ما روت، فخرج المعنى الذي أنكر عليها عمر خروجاً صحيحاً، وبطل حديث فاطمة فلم يجب العمل به أصلاً.

وعمدته على ما ذكر من المخالفة ما روى عمر بن الخطّاب، فإنّه أورده من طريق إبراهيم النّخعيّ عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لها السّكنى والنّفقة.

وهذا منقطعٌ لا تقوم به حجّة.

قوله: (ذكرت له ذلك، وأن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهمٍ

ص: 41

خطباني) تقدّم الكلام عليه (1).

قوله: (أما أبو جهمٍ فلا يضع العصا عن عاتقه)(2)

قوله: (واغتبطت به)(3)

(1) انظر حديث أبي هريرة رضي الله عنه رقم (277)

(2)

قال النووي في " شرح مسلم "(10/ 97): العاتق هو ما بين العنق والمنكب.

فيه تأويلان مشهوران. أحدهما: أنه كثير الأسفار. والثاني: أنه كثير الضرب للنساء. وهذا أصح ، بدليل الرواية التي ذكرها مسلم بعد هذه " أنه ضرَّاب للنساء ".

وفيه دليل على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحة ، ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة. وقد قال العلماء: إن الغيبة تباح في ستة مواضع ، أحدها الاستنصاح. انتهى

(3)

قال النووي في " شرح مسلم "(10/ 98): هو بفتح التاء والباء ، وفي بعض النسخ. واغتبطت به ولَم تقع لفظة به في أكثر النسخ.

قال أهل اللغة: الغبطة أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه وليس هو بحسد ، أقول منه غبطته بما نال أغبطه بكسر الباء غبطا وغبطة فاغتبط هو كمنعته فامتنع وحبسته فاحتبس.

وأما إشارته صلى الله عليه وسلم بنكاح أسامة فلما علمه من دينه وفضله وحسن طرائقه وكرم شمائله ، فنصحها بذلك فكرهتْه لكونه مولى ، ولكونه كان أسود جداً فكرَّر عليها النبي صلى الله عليه وسلم الحث على زواجه لِمَا علم من مصلحتها في ذلك ، وكان كذلك ولهذا قالت: فجعل الله لي فيه خيرا واغتبطت ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذا: طاعة الله وطاعة رسوله خير لك. انتهى

ص: 42