المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثامن 357 - عن عائشة رضي الله عنها، أنها سمعت - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث الثامن 357 - عن عائشة رضي الله عنها، أنها سمعت

‌الحديث الثامن

357 -

عن عائشة رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقطع اليد، في ربع دينارٍ فصاعداً. (1)

قوله: (تقطع اليد) في رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عند الشيخين " تقطع يد السّارق ". وفي رواية حرملة عن ابن وهب عن يونس عند مسلم " لا تقطع يد السّارق إلَّا في ربع دينار " وكذا عنده من طريق سليمان بن يسار عن عمرة.

وأخرجه النّسائيّ (2) من رواية عبد الرّحمن بن أبي الرّجال بن محمّد بن عبد الرّحمن عن أبيه عن عمرة عن عائشة مرفوعًا ، ولفظه " تقطع يد السّارق في ثمن المجنّ ، وثمن المجنّ ربع دينار ".

وأخرجه من طريق سليمان بن يسار عن عمرة بلفظ: لا تقطع يد

(1) أخرجه البخاري (6407) ومسلم (1684) من طرق عن الزهري عن عمرة. زاد يونس: وعروة عن عائشة عنها.

وأخرجه مسلم (1684) من طريق سفيان بن عيينة. فخالفهم في لفظه كما سيأتي في الشرح.

وأخرجه البخاري (5407) ومسلم (1684) من وجوهٍ أخرى عن عمرة عن عائشة.

وأخرجه البخاري (6408 ، 6409 ، 6410) ومسلم (1684) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: لم تُقطع يدُ سارقٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدنى من ثمن المجن ، ترس أو حجفة ، وكان كل واحدٍ منهما ذا ثمن.

(2)

وأخرجه البخاري في " الصحيح "(6791) من رواية يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة به مختصراً. بلفظ " تقطع اليد في ربع دينار "

ص: 483

السّارق فيما دون ثمن المجنّ، قيل لعائشة: ما ثمن المجنّ؟ قالت: ربع دينار.

قوله: (فصاعدًا) قال صاحب المحكم: يختصّ هذا بالفاء ، ويجوز ثمّ بدلها ولا تجوز الواو.

وقال ابن جنّيٍّ: هو منصوبٌ على الحال المؤكّدة ، أي: ولو زاد ، ومن المعلوم أنّه إذا زاد لَم يكن إلَّا صاعدًا.

قلت: ووقع في رواية سليمان بن يسار عن عمرة عند مسلم " فما فوقه " بدل " فصاعدًا " وهو بمعناه.

ورواه مالك في " الموطّأ " عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة: ما طال عليّ ولا نسيت، القطع في ربع دينارٍ فصاعدًا " - وهو إن لَم يكن رفعه صريحًا - لكنّه في معنى المرفوع، وأخرجه الطّحاويّ من رواية ابن عيينة عن يحيى كذلك، ومن رواية جماعة عن عمرة موقوفًا على عائشة.

قال ابن عيينة: ورواية يحيى مشعرةٌ بالرّفع ، ورواية الزّهريّ صريحةٌ فيه ، وهو أحفظهم.

وقد أخرجه مسلم من طريق أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم عن عمرة ، مثل رواية سليمان بن يسار عنها ، التي أشرت إليها آنفًا. وكذا أخرجه النّسائيّ من طريق ابن الهاد بلفظ " لا تقطع يد السّارق إلَّا في ربع دينار فصاعدًا " وأخرجه من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة موقوفًا.

ص: 484

وحاول الطّحاويّ تعليل رواية أبي بكر المرفوعة ، برواية ولده الموقوفة ، وأبو بكر أتقن وأعلم من ولده، على أنّ الموقوف في مثل هذا لا يخالف المرفوع ، لأنّ الموقوف محمول على طريق الفتوى.

والعجب. أنّ الطّحاويّ ضعّف عبد الله بن أبي بكر في موضع آخر ، ورام هنا تضعيف الطّريق القويمة بروايته.

وكأنّ البخاريّ أراد الاستظهار لرواية الزّهريّ عن عمرة ، بموافقة محمّد بن عبد الرّحمن الأنصاريّ عنها (1) ، لِما وقع في رواية ابن عيينة عن الزّهريّ من الاختلاف في لفظ المتن ، هل هو من قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، أو من فعله.

وكذا رواه ابن عيينة عن غير الزّهريّ ، فيما أخرجه النّسائيّ عن قتيبة عنه عن يحيى بن سعيد وعبد ربّه بن سعيد وزريق صاحب أيلة ، أنّهم سمعوا عمرة عن عائشة ، قالت: القطع في ربع دينار فصاعدًا.

ثمّ أخرجه النّسائيّ من طرقٍ عن يحيى بن سعيد به مرفوعًا وموقوفًا.

وقال: الصّواب ما وقع في رواية مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة: ما طال عليّ العهد ولا نسيت ، القطع في ربع دينار فصاعدًا: وفي هذا إشارة إلى الرّفع. والله أعلم.

وقد تعلَّق بذلك بعض من لَم يأخذ بهذا الحديث ، فذكره يحيى بن

(1) أي: أنَّ البخاري روى طريق محمد بن عبد الرحمن عن عمرة عقِب رواية الزهري تقويةً له. انظر تخريج حديث الباب.

ص: 485

يحيى وجماعة عن ابن عيينة بلفظ " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السّارق في ربع دينار فصاعدًا. (1) أورده الشّافعيّ والحميديّ وجماعة عن ابن عيينة بلفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقطع اليد " الحديث.

وعلى هذا التّعليل عوّل الطّحاويّ ، فأخرج الحديث عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن عيينة بلفظ " كان يقطع ".

وقال: هذا الحديث لا حجّة فيه ، لأنّ عائشة إنّما أخبرت عمّا قطع فيه ، فيحتمل أن يكون ذلك لكونها قوّمت ما وقع القطع فيه إذ ذاك ، فكان عندها ربع دينار ، فقالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقطع في ربع دينار. مع احتمال أن تكون القيمة يومئذٍ أكثر.

وتعقّب: باستبعاد أن تجزم عائشة بذلك مستندة إلى ظنّها المجرّد، وأيضًا فاختلاف التّقويم ، وإن كان ممكنًا ، لكن محال في العادة أن يتفاوت هذا التّفاوت الفاحش ، بحيث يكون عند قوم أربعة أضعاف قيمته عند آخرين، وإنّما يتفاوت بزيادةٍ قليلة أو نقصٍ قليلٍ ، ولا يبلغ المثل غالبًا.

وادّعى الطّحاويّ. اضطراب الزّهريّ في هذا الحديث ، لاختلاف الرّواة عنه في لفظه.

وردّ: بأنّ من شرط الاضطراب أن تتساوى وجوهه ، فأمّا إذا رجّح بعضها فلا، ويتعيّن الأخذ بالرّاجح، وهو هنا كذلك ، لأنّ

(1) رواية ابن عيينة. أخرجها مسلم في " صحيحه "(1684) عن يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر عنه.

ص: 486

جُلَّ الرّواة عن الزّهريّ ذكروه عن لفظ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، على تقرير قاعدة شرعيّة في النّصاب ، وخالفهم ابن عيينة تارة ، ووافقهم تارة ، فالأخذ بروايته الموافقة للجماعة أولى.

وعلى تقدير أن يكون ابن عيينة اضطرب فيه ، فلا يقدح ذلك في رواية من ضبَطَه.

وأمّا نقل الطّحاويّ عن المحدّثين ، أنّهم يقدّمون ابن عيينة في الزّهريّ على يونس ، فليس متّفقًا عليه عندهم ، بل أكثرهم على العكس.

وممّن جزم بتقديم يونس على سفيان في الزّهريّ ، يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصريّ. وذكر: أنّ يونس صحِب الزّهريّ أربع عشرة سنة ، وكان يزامله في السّفر ، وينزل عليه الزّهريّ إذا قدم أيلة ، وكان يذكر ، أنّه كان يسمع الحديث الواحد من الزّهريّ مرارًا، وأمّا ابن عيينة ، فإنّما سمع منه سنة ثلاثٍ وعشرين ومائة ، ورجع الزّهريّ فمات في التي بعدها.

ولو سُلّم أنّ ابن عيينة أرجح في الزّهريّ من يونس ، فلا معارضة بين روايتيهما ، فتكون عائشة أخبرت بالفعل والقول معًا ، وقد وافق الزّهريَّ في الرّواية عن عمرة جماعةٌ كما سبق.

وقد وقع الطّحاويّ فيما عابه على من احتجّ بحديث الزّهريّ ، مع اضطرابه على رأيه ، فاحتجّ بحديث محمّد بن إسحاق عن أيّوب بن موسى عن عطاء عن ابن عبّاس قال: قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في

ص: 487

مجنّ ، قيمته دينار أو عشرة دراهم. أخرجه أبو داود واللفظ له ، وأحمد والنّسائيّ والحاكم، ولفظ الطّحاويّ: كان قيمة المجنّ الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم.

وهو أشدّ في الاضطراب من حديث الزّهريّ. فقيل: عنه هكذا.

وقيل: عنه عن عمرو بن شعيب عن عطاء عن ابن عبّاس.

وقيل: عنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ، ولفظه " كانت قيمة المجنّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم ".

وقيل: عنه عن عمرو عن عطاء مرسلاً.

وقيل: عن عطاء عن أيمن ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع في مجنٍّ ، قيمته دينار. كذا قال منصور والحكم بن عتيبة عن عطاء.

وقيل: عن منصور عن مجاهد وعطاء جميعًا عن أيمن.

وقيل: عن مجاهد عن أيمن بن أمّ أيمن عن أمّ أيمَن قالت: لَم يُقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا في ثمن المجنّ ، وثمنه يومئذٍ دينار " أخرجه النّسائيّ، ولفظ الطّحاويّ: لا تقطع يد السّارق إلَّا في حجفة ، وقوّمت يومئذٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا أو عشرة دراهم.

وفي لفظ له " أدنى ما يقطع فيه السّارق ثمن المجنّ، وكان يقوّم يومئذٍ بدينارٍ ".

واختلف في لفظه أيضًا على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه.

فقال حجّاج بن أرطاة عنه بلفظ " لا قطع فيما دون عشرة دراهم " ، وهذه الرّواية لو ثبتت لكانت نصًّا في تحديد النّصاب ، إلَّا أنّ حجّاج

ص: 488

بن أرطاة ضعيف ومدلّس ، حتّى ولو ثبتت روايته لَم تكن مخالفة لرواية الزّهريّ ، بل يجمع بينهما ، بأنّه كان أوّلاً لا قطع فيما دون العشرة ، ثمّ شرع القطع في الثّلاثة فما فوقها ، فزيد في تغليظ الحدّ كما زيد في تغليظ حدّ الخمر كما سيأتي.

وأمّا سائر الرّوايات. فليس فيها إلَّا إخبار عن فعلٍ وقع في عهده صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه تحديد النّصاب ، فلا ينافي رواية ابن عمر الماضية " أنّه قطع في مجنّ قيمته ثلاثة دراهم " وهو مع كونه حكاية فعلٍ ، فلا يخالف حديث عائشة من رواية الزّهريّ ، فإنّ ربع دينار صرفه ثلاثة دراهم.

وقد أخرج البيهقيّ من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان بن يسار عن عمرة قالت: قيل لعائشة: ما ثمن المجنّ؟ قالت: ربع دينار.

وأخرج أيضًا من طريق ابن إسحاق عن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم قال: أتيت بنبطيٍّ قد سرق ، فبعثتُ إلى عمرة فقالت: أي بُنيّ. إن لَم يكن بلغ ما سرق ربع دينار فلا تقطعه ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثتني عائشة أنّه قال: لا قطع إلَّا في ربع دينار فصاعدًا.

فهذا يعارض حديث ابن إسحاق الذي اعتمده الطّحاويّ ، وهو من رواية ابن إسحاق أيضًا.

وجمع البيهقيّ بين ما اختلف في ذلك عن عائشة ، بأنّها كانت تحدّث به تارة وتارة تُستفتى فتُفتي، واستند إلى ما أخرجه من طريق عبد الله

ص: 489

بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم عن عمرة ، أنّ جارية سرقت، فسئلت عائشة ، فقالت: القطع في ربع دينار فصاعدًا.

تنبيه: روى النسائي من رواية القاسم بن مبرور عن يونس عن الزهري عن عروة بلفظ " أو نصف دينار فصاعدًا ". وهي رواية شاذّة.

تكميل:

اختلف السّلف فيمن سرق فقطع ، ثمّ سرق ثانيًا.

القول الأول: قال الجمهور: تقطع رجله اليسرى، ثمّ إن سرق فاليد اليسرى، ثمّ إن سرق فالرّجل اليمنى.

واحتجّ لهم: بآية المحاربة ، وبفعل الصّحابة ، وبأنّهم فهموا من الآية أنّها في المرّة الواحدة ، فإذا عاد السّارق وجب عليه القطع ثانيًا ، إلى أن لا يبقى له ما يقطع، ثمّ إن سرق عزّر وسجن.

القول الثاني: يقتل في الخامسة ، قاله أبو مصعب الزّهريّ المدنيّ صاحب مالك.

وحجّته ما أخرجه أبو داود والنّسائيّ من حديث جابر قال: جيء بسارقٍ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسولَ الله إنّما سرق، قال: اقطعوه، ثمّ جيء به الثّانية فقال اقتلوه - فذكر مثله إلى أن قال - فأتي به الخامسة فقال: اقتلوه. قال جابرٌ: فانطلقنا به ، فقتلناه ورميناه في بئرٍ.

قال النّسائيّ: هذا حديث منكر ، ومصعب بن ثابت راويه ، ليس

ص: 490

بالقويّ.

وقد قال بعض أهل العلم ، كابن المنكدر والشّافعيّ: إنّ هذا منسوخٌ.

وقال بعضهم: هو خاصٌّ بالرّجل المذكور ، فكأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اطّلع على أنّه واجب القتل ، ولذلك أمر بقتله من أوّل مرّةٍ.

ويحتمل: أنّه كان من المفسدين في الأرض.

قلت: وللحديث شاهدٌ من حديث الحارث بن حاطب أخرجه النّسائيّ ولفظه ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بلصٍّ فقال: اقتلوه، فقالوا: إنّما سرق. فذكر نحو حديث جابر في قطع أطرافه الأربع ، إلَّا أنّه قال في آخره: ثمّ سرق الخامسة في عهد أبي بكرٍ ، فقال أبو بكر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال اقتلوه، ثمّ دفعه إلى فتيةٍ من قريشٍ ، فقتلوه.

قال النّسائيّ: لا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا.

قلت: نقل المنذريّ تبعًا لغيره فيه الإجماع، ولعلهم أرادوا أنّه استقرّ على ذلك، وإلا فقد جزم الباجيّ في " اختلاف العلماء " أنّه قول مالك ثمّ قال: وله قول آخر لا يقتل.

وقال عياض: لا أعلم أحدًا من أهل العلم قال به ، إلَّا ما ذكره أبو مصعب صاحب مالك في مختصره ، عن مالك وغيره من أهل المدينة ، فقال: ومن سرق ممّن بلغ الحلم قطع يمينه ، ثمّ إن عاد فرجله اليسرى ، ثمّ إن عاد فيده اليسرى ، ثمّ إن عاد فرجله اليمنى ، فإن

ص: 491

سرق في الخامسة قُتل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ وعمر بن عبد العزيز. انتهى.

القول الثالث: تقطع اليد بعد اليد ، ثمّ الرّجل بعد الرّجل ، نقل عن أبي بكر وعمر. ولا يصحّ، وأخرج عبد الرّزّاق بسندٍ صحيح عن القاسم بن محمّد ، أنّ أبا بكر قطع يد سارق في الثّالثة.

ومن طريق سالم بن عبد الله ، أنّ أبا بكر إنّما قطع رجله ، وكان مقطوع اليد. ورجال السّندين ثقات مع انقطاعهما.

القول الرابع: تقطع الرّجل اليسرى بعد اليمنى ، ثمّ لا قطع ، أخرجه عبد الرّزّاق من طريق الشّعبيّ عن عليّ. وسنده ضعيفٌ، ومن طريق أبي الضّحى ، أنّ عليًّا نحوه. ورجاله ثقات مع انقطاعه.

وبسندٍ صحيح عن إبراهيم النّخعيّ: كانوا يقولون: لا يترك ابن آدم مثل البهيمة ، ليس له يدٌ يأكل بها ويستنجي بها.

وبسندٍ حسن عن عبد الرّحمن بن عائذ ، أنّ عمر. أراد أن يقطع في الثّالثة ، فقال له عليٌّ: اضربه واحبسه ففعل.

وهذا قول النّخعيّ والشّعبيّ والأوزاعيّ والثّوريّ وأبي حنيفة.

القول الخامس: قاله عطاء: لا يقطع شيءٌ من الرّجلين أصلاً على ظاهر الآية ، وهو قول الظّاهريّة.

قال ابن عبد البرّ: حديث القتل في الخامسة منكر ، وقد ثبت " لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاث " وثبت " السّرقة فاحشة وفيها عقوبة " وثبت عن الصّحابة ، قطع الرّجل بعد اليد وهم يقرءون

ص: 492

{والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} .

كما اتّفقوا على الجزاء في الصّيد ، وإن قتل خطأً ، وهم يقرءون {ومن قتله منكم متعمّدًا فجزاء مثل ما قتل من النّعم} ، ويمسحون على الخُفّين ، وهم يقرءون غسل الرّجلين، وإنّما قالوا جميع ذلك بالسّنّة.

ص: 493