المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث العشرون 324 - عن زينب بنت أمّ سلمة رضي الله - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٦

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب العدّة

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌كتاب اللّعان

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌كتاب الرّضاع

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب القسامة

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث العشرون 324 - عن زينب بنت أمّ سلمة رضي الله

‌الحديث العشرون

324 -

عن زينب بنت أمّ سلمة رضي الله عنهما، قالت: توفّي حَميمٌ لأمّ حبيبة، فدعتْ بصُفرةٍ فمسحت بذراعيها، فقالت: إنما أصنع هذا لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يَحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تُحدِّ على ميتٍ فوق ثلاثٍ، إلَّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشراً. (1)

قوله: (زينب بنت أمّ سلمة) أي: بنت أبي سلمة بن عبد الأسد، وهي ربيبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، وزعم ابن التّين (2). أنّها لا رواية لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كذا قال، وقد أخرج لها مسلم حديثها: كان اسمي برّة فسمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب. الحديث، وأخرج لها البخاريّ حديثاً في أوائل السّيرة النّبويّة. (3)

(1) أخرجه البخاري (1221 ، 1222 ، 5024 ، 5025 ، 5030) ومسلم (1468) من طرق عن حُميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة.

(2)

هو عبدالواحد بن التين ، سبق ترجمته (1/ 151)

(3)

يقال: ولدت بأرض الحبشة، وتزوّج النبيّ صلى الله عليه وسلم أمها وهي ترضعها. وفي مسند البزّار ما يدلّ على أنَّ أم سلمة وضعتها بعد قتل أبي سلمة، فحلَّت، فخطبها النبيّ صلى الله عليه وسلم فتزوّجها، وكان ترضع زينب. وقصّتها في ذلك مطولة.

قال ابن سعد: كانت أسماء بنت أبي بكر أرضعتها، فكانت أخت أولاد الزبير، وقال بكر بن عبد اللَّه المزني: أخبرني أبو رافع، يعني الصائغ، قال: كنت إذا ذكرت امرأة فقيهة بالمدينة ذكرتُ زينب بنت أبي سلمة.

وروينا في " القطعيّات "، من طريق عطاف بن خالد عن أمه عن زينب بنت أبي سلمة، قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل يغتسل تقول أمي: ادخلي عليه، فإذا دخلت نضح في وجهي من الماء، ويقول: ارجعي. قالت: فرأيت زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شيء. وفي رواية ذكرها أبو عمر: فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعمرت. قاله في الإصابة.

ص: 58

قوله: (توفّي حميمٌ لأمّ حبيبة) وللشيخين من طريق سفيان حدّثنا أيّوب بن موسى قال: أخبرني حميد بن نافعٍ عن زينب بنت أبي سلمة قالت: لَمَّا جاء نعي أبي سفيان " زاد البخاري " من الشّأم. دعت في اليوم الثّالث بصفرةٍ ".

والنعي - بفتح النّون وسكون المهملة وتخفيف الياء وكسر المهملة وتشديد الياء - هو الخبر بموت الشّخص، وأبو سفيان هو ابن حرب بن أُميَّة والد معاوية.

وفي قوله " من الشّام " نظرٌ، لأنّ أبا سفيان مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل العلم بالأخبار.

والجمهور على أنّه مات سنة اثنتين وثلاثين ، وقيل: سنة ثلاث.

ولَم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك ، إلَّا في رواية سفيان بن عيينة هذه. وأظنّها وهماً، وكنت أظنّ أنّه حذف منه لفظ " ابن " لأنّ الذي جاء نعيه من الشّام ، وأمّ حبيبة في الحياة ، هو أخوها يزيد بن أبي سفيان الذي كان أميراً على الشّام.

لكن رواه البخاري من طريق مالك ، ومن طريق سفيان الثّوريّ كلاهما عن عبد الله بن بكر بن حزم عن حميد بن نافع بلفظ " حين توفّي عنها أبوها أبو سفيان بن حرب ".

ص: 59

فظهر أنّه لَم يسقط منه شيء، ولَم يقل فيه واحد منهما من الشّام، وكذا أخرجه ابن سعد في ترجمة أمّ حبيبة من طريق صفيّة بنت أبي عبيد عنها.

ثمّ وجدت الحديث في مسند ابن أبي شيبة قال: حدّثنا وكيع حدّثنا شعبة عن حميد بن نافع ، ولفظه " جاء نعي أخي أمّ حبيبة ، أو حميم لها ، فدعتْ بصفرةٍ فلطخت به ذراعيها ".

وكذا رواه الدّارميّ عن هاشم بن القاسم عن شعبة ، لكن بلفظ " إنّ أخاً لأمّ حبيبة مات أو حميماً لها ". ورواه أحمد عن حجّاج ومحمّد بن جعفر جميعاً عن شعبة بلفظ " إنّ حميماً لها مات " من غير تردّد.

وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب، فقوي الظّنّ عند هذا أن تكون القصّة تعدّدت لزينب مع أمّ حبيبة عند وفاة أخيها يزيد ، ثمّ عند وفاة أبيها أبي سفيان. لا مانع من ذلك. والله أعلم

قوله: (بصفرةٍ فمسحت بذراعيها) في رواية مالك عن حميد عند الشيخين " بطيبٍ فيه صفرة خلوق ". وزاد فيه " فدهنت منه جارية ثمّ مسّت بعارضيها - أي بعارضي نفسها - ثم قالت: والله مالي بالطيب حاجة. غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. "

قوله: (لا يحلّ) استدل به على تحريم الإحداد على غير الزّوج وهو واضح، وعلى وجوب الإحداد المدّة المذكورة على الزّوج.

واستشكل بأنّ الاستثناء وقع بعد النّفي ، فيدلّ على الحلّ فوق

ص: 60

الثّلاث على الزّوج لا على الوجوب.

وأجيب: بأنّ الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع.

ورُدّ: بأنّ المنقول عن الحسن البصريّ ، أنّ الإحداد لا يجب. أخرجه ابن أبي شيبة، ونقل الخلال بسنده عن أحمد عن هشيم عن داود عن الشّعبيّ ، أنّه كان لا يعرف الإحداد.

قال أحمد: ما كان بالعراق أشدّ تبحّراً من هذين - يعني الحسن والشّعبيّ - قال: وخفي ذلك عليهما. انتهى

ومخالفتهما لا تقدح في الاحتجاج ، وإن كان فيها ردٌّ على من ادّعى الإجماع.

وفي أثر الشّعبيّ تعقّب على ابن المنذر ، حيث نفى الخلاف في المسألة إلَّا عن الحسن، وأيضاً فحديث التي شكَتْ عينها (1) دالٌ على الوجوب، وإلا لَم يمتنع التّداوي المباح.

وأجيب أيضاً: بأنّ السّياق يدلّ على الوجوب، فإنّ كلّ ما منع منه إذا دلَّ دليل على جوازه كان ذلك الدّليل دالاً بعينه على الوجوب ، كالختان والزّيادة على الرّكوع في الكسوف ونحو ذلك.

قوله: (لامرأةٍ) تمسّك بمفهومه الحنفيّة ، فقالوا: لا يجب الإحداد على الصّغيرة.

وذهب الجمهور. إلى وجوب الإحداد عليها كما تجب العدّة.

وأجابوا عن التّقييد بالمرأة: أنّه خرج مخرج الغالب، وعن كونها

(1) سيأتي حديث الشكوى بعد حديث إن شاء الله.

ص: 61

غير مكلفة بأنّ الوليّ هو المخاطب بمنعها ممّا تمنع منه المعتدّة.

ودخل في عموم قوله " امرأة " المدخول بها وغير المدخول بها حرّة كانت أو أمة ، ولو كانت مبعّضة أو مكاتبة ، أو أمّ ولد إذا مات عنها زوجها لا سيّدها ، لتقييده بالزّوج في الخبر خلافاً للحنفيّة.

قوله: (تؤمن بالله واليوم الآخر) استدل به الحنفيّة بأن لَّا إحداد على الذمّيّة للتّقييد بالإيمان، وبه قال بعض المالكيّة وأبو ثور، وترجم عليه النّسائيّ بذلك.

وأجاب الجمهور: بأنّه ذكر تأكيداً للمبالغة في الزّجر فلا مفهوم له، كما يقال هذا طريق المسلمين وقد يسلكه غيرهم.

وأيضاً فالإحداد من حقّ الزّوج، وهو ملتحقٌ بالعدّة في حفظ النّسب، فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النّهي عن السّوم على سوم أخيه، ولأنّه حقّ للزّوجيّة فأشبه النّفقة والسّكنى.

ونقل السّبكيّ في فتاويه عن بعضهم ، أنّ الذّمّيّة داخلة في قوله " تؤمن بالله واليوم الآخر " وردّ على قائله ، وبيّن فساد شبهته. فأجاد.

وقال النّوويّ: قيّد بوصف الإيمان ، لأنّ المتّصف به هو الذي ينقاد للشّرع.

قال ابن دقيق العيد: والأوّل أولى، وفي رواية عند المالكيّة ، أنّ الذّمّيّة المتوفّي عنها تعتدّ بالأقراء.

قال ابن العربيّ: هو قول مَن قال: لا إحداد عليها

قوله: (تُحدّ) بضمّ أوّله وكسر ثانيه من الرّباعيّ، ويجوز بفتحةٍ ثمّ

ص: 62

ضمّة من الثّلاثيّ.

قال ابن بطّال: الإحداد بالمهملة امتناع المرأة المتوفّى عنها زوجها من الزّينة كلّها من لباس وطيب وغيرهما ، وكلّ ما كان من دواعي الجماع. وأباح الشّارع للمرأة أن تحدّ على غير زوجها ثلاثة أيّام لِمَا يغلب من لوعة الحزن ويهجم من أَلَم الوجد، وليس ذلك واجباً لاتّفاقهم على أنّ الزّوج لو طالبها بالجماع لَم يحلّ لها منعه من تلك الحال.

قال أهل اللغة: أصل الإحداد المنع ، ومنه سُمّي البوّاب حدّاداً لمنعه الدّاخل، وسُمّيت العقوبة حدّاً لأنّها تردع عن المعصية.

وقال ابن درستويه: معنى الإحداد منع المعتدّة نفسها الزّينة وبدنها الطّيب ومنع الخطّاب خطبتها والطّمع فيها كما منع الحدّ المعصية.

وقال الفرّاء: سمّي الحديد حديداً للامتناع به أو لامتناعه على محاوله، ومنه تحديد النّظر بمعنى امتناع تقلبه في الجهات.

ويروى بالجيم حكاه الخطّابيّ ، قال: يروى بالحاء والجيم، وبالحاء أشهر، والجيم مأخوذ من جددت الشّيء إذا قطعته، فكأنّ المرأة انقطعت عن الزّينة.

وقال أبو حاتم: أنكر الأصمعيّ حدّت ، ولَم يعرف إلَّا أحدّت.

وقال الفرّاء: كان القدماء يؤثرون أحدّت. والأخرى أكثر ما في كلام العرب.

قوله: (على ميّت) يعمّ كلّ ميّت غير الزّوج. سواء كان قريباً أو

ص: 63

أجنبيّاً.

واستدل به لمَن قال لا إحداد على امرأة المفقود ، لأنّه لَم تتحقّق وفاته خلافاً للمالكيّة.

قوله: (فوق ثلاثٍ) في رواية للشيخين " فوق ثلاث ليالٍ " وللبخاري " فوق ثلاثة أيّامٍ " وجمع بإرادة الليالي بأيّامها، ويحمل المطلق هنا على المقيّد الأوّل. ولذلك أنّث، وهو محمول أيضاً على أنّ المراد ثلاث ليالٍ بأيّامها.

وذهب الأوزاعيّ: إلى أنّها تحدّ ثلاث ليالٍ فقط، فإن مات في أوّل الليل أقلعت في أوّل اليوم الثّالث ، وإن مات في أثناء الليل أو في أوّل النّهار أو في أثنائه لَم تقلع إلَّا في صبيحة اليوم الرّابع، ولا تلفيق.

قوله: (إلَّا على زوج) أخذ من هذا الحصر أن لا يزاد على الثّلاث في غير الزّوج أباً كان أو غيره.

وأمّا ما أخرجه أبو داود في " المراسيل " من رواية عمرو بن شعيب ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رخّص للمرأة أن تحدّ على أبيها سبعة أيّام، وعلى من سواه ثلاثة أيّام. فلو صحّ لكان خصوص الأب يخرج من هذا العموم، لكنّه مرسل أو معضل، لأنّ جلّ رواية عمرو بن شعيب عن التّابعين ، ولَم يرو عن أحد من الصّحابة إلَّا الشّيء اليسير عن بعض صغار الصّحابة.

ووهم بعض الشّرّاح فتعقّب على أبي داود تخريجه في " المراسيل " فقال: عمرو بن شعيب ليس تابعيّاً فلا يخرج حديثه في المراسيل.

ص: 64

وهذا التّعقّب مردود لِمَا قلناه، ولاحتمال أن يكون أبو داود كان لا يخصّ المراسيل برواية التّابعيّ كما هو منقول عن غيره أيضاً.

واستدل به للأصحّ عند الشّافعيّة ، في أن لا إحداد على المطلقة، فأمّا الرّجعيّة فلا إحداد عليها إجماعاً.

وإنّما الاختلاف في البائن.

القول الأول: قال الجمهور: لا إحداد.

القول الثاني: وقالت الحنفيّة وأبو عبيد وأبو ثور: عليها الإحداد قياساً على المتوفّى عنها، وبه قال بعض الشّافعيّة والمالكيّة.

واحتجّ الأوّلون: بأنّ الإحداد شرع لأنّ تركه من التّطيّب واللبس والتّزيّن يدعو إلى الجماع ، فمنعت المرأة منه زجراً لها عن ذلك ، فكان ذلك ظاهراً في حديث الميّت ، لأنّه يمنعه الموت عن منع المعتدّة منه عن التّزويج ولا تراعيه هي ولا تخاف منه، بخلاف المطلِّق الحيّ في ذلك، ومن ثَمَّ وجبت العدّة على كلّ متوفّىً عنها ، وإن لَم تكن مدخولاً بها ، بخلاف المطلقة قبل الدّخول فلا إحداد عليها اتّفاقاً ، وبأنّ المطلقة البائن يمكنها العود إلى الزّوج بعينه بعقدٍ جديد.

وتعقّب: بأنّ الملاعنة لا إحداد عليها.

وأجيب: بأنّ تركه لفقدان الزّوج بعينه لا لفقدان الزّوجيّة.

واستدل به على جواز الإحداد على غير الزّوج من قريب ونحوه ثلاث ليالٍ فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها، وكأنّ هذا القدر أبيح لأجل حظّ النّفس ومراعاتها وغلبة الطّباع البشريّة، ولهذا تناولت أمّ

ص: 65

حبيبة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما الطّيب لتخرجا عن عهدة الإحداد، وصرّحت كلّ منهما بأنّها لَم تتطيّب لحاجةٍ، إشارة إلى أنّ آثار الحزن باقية عندها، لكنّها لَم يسعها إلَّا امتثال الأمر.

قوله: (أربعة أشهر وعشراً) قيل الحكمة فيه. أنّ الولد يتكامل تخليقه وتنفخ فيه الرّوح بعد مضيّ مائة وعشرين يوماً، وهي زيادة على أربعة أشهر بنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط. (1)

(1) قال بعض الباحثين: من الشبهات المثارة حول التشريع الإسلامي أنَّه لا يصلح في العصر الحديث. على سبيل المثال قوله تعالى: {وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (سورة البقرة، آية 228) فإذا كان الهدف من قضاء المرأة للعدة قبل الزواج من شخص آخر هو إستبراء الرحم من الحمل فهذا أصبح أسهل ما يكون ، إذ بالعلم الحديث يمكن معرفة. هل المرأة حامل أم لا؟ من خلال التحاليل الطبية.

وقد تمَّ الرد على هذه الشبهة، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ ماء الرجل يحتوي على 62 نوعاً من البروتين ، وأن هذا الماء يختلف من رجل إلى آخر فلكل رجل بصمة في رحم زوجته. وإذا تزوجت من رجل آخر بعد الطلاق مباشرة، قد تصاب المرأة بمرض سرطان الرحم لدخول أكثر من بصمة مختلفة في الرحم.

وقد أثبتت الأبحاث العلمية أنَّ أول حيض بعد طلاق المرأة يزيل من 32 % إلى 35 %، وتزيل الحيضة الثانية من 67 % إلى 72 % منها، بينما تزيل الحيضة الثالثة 99.9 % من بصمة الرجل، وهنا يكون الرحم قد تمَّ تطهيره من البصمة السابقة ، وصار مستعداً لاستقبال بصمة أخرى.

أما عن عدة المتوفي عنها زوجها في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (آية: 234 سورة البقرة) فقد أثبتت الأبحاث أن المرأة المتوفى عنها زوجها بحزنها عليه وبالكآبة التي تقع عليها هذا يزيد من تثبيت البصمة لديها ، وقالوا إنها تحتاج لدورة رابعة كي تزيل البصمة نهائياً، وبالمقدار الذي قال عنه الله عز وجل تقريباً أربعة أشهر وعشراً. انتهى.

ص: 66

وذكَرَ العشرَ مؤنّثاً لإرادة الليالي ، والمراد مع أيّامها عند الجمهور، فلا تحلّ حتّى تدخل الليلة الحادية عشر.

وعن الأوزاعيّ وبعض السّلف. تنقضي بمضيّ الليالي العشر بعد مضيّ الأشهر ، وتحلّ في أوّل اليوم العاشر.

واستثنيت الحامل كما تقدّم شرح حالها قبلُ. في الكلام على حديث سبيعة بنت الحارث (1).

وقد ورد في حديثٍ قويّ الإسناد. أخرجه أحمد وصحّحه ابن حبّان عن أسماء بنت عميسٍ قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثّالث من قَتْل جعفر بن أبي طالب فقال: لا تحدّي بعد يومك. هذا لفظ أحمد.

وفي رواية له ولابن حبّان والطّحاويّ: لَمَّا أصيب جعفر أتانا النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: تسلَّبي ثلاثاً ، ثمّ اصنعي ما شئت.

قال شيخنا في " شرح التّرمذيّ ": ظاهره أنّه لا يجب الإحداد على المتوفّى عنها بعد اليوم الثّالث ، لأنّ أسماء بنت عميسٍ كانت زوج جعفر بن أبي طالب بالاتّفاق ، وهي والدة أولاده عبد الله ومحمّد وعون وغيرهم.

قال: بل ظاهر النّهي أنّ الإحداد لا يجوز، وأجاب بأنّ هذا الحديث شاذّ مخالف للأحاديث الصّحيحة، وقد أجمعوا على خلافه.

قال: ويحتمل أن يقال: إنّ جعفراً قتل شهيداً والشّهداء أحياء عند

(1) انظر الحديث الماضي.

ص: 67

ربّهم. قال: وهذا ضعيف ، لأنّه لَم يرد في حقّ غير جعفر من الشّهداء ممّن قطع بأنّهم شهداء كما قطع لجعفرٍ. كحمزة بن عبد المطّلب عمّه وكعبد الله بن عمرو بن حرام - والد جابر -. انتهى كلام شيخنا ملخّصاً.

وأجاب الطّحاويّ: بأنّه منسوخ، وأنّ الإحداد كان على المعتدّة في بعض عدّتها في وقت ، ثمّ أمرت بالإحداد أربعة أشهر وعشراً.

ثمّ ساق حديث الباب. وليس فيها ما يدلّ على ما ادّعاه من النّسخ. لكنّه يكثر من ادّعاء النّسخ بالاحتمال فجرى على عادته.

ويحتمل وراء ذلك أجوبة أخرى:

أحدها: أن يكون المراد بالإحداد المقيّد بالثّلاث قدراً زائداً على الإحداد المعروف ، فعلته أسماء مبالغة في حزنها على جعفر ، فنهاها عن ذلك بعد الثّلاث.

ثانيها: أنّها كانت حاملاً فوضعت بعد ثلاث فانقضت العدّة ، فنهاها بعدها عن الإحداد، ولا يمنع ذلك قوله في الرّواية الأخرى " ثلاثاً " ، لأنّه يحمل على أنّه صلى الله عليه وسلم اطّلع على أنّ عدّتها تنقضي عند الثّلاث.

ثالثها: لعله كان أبانَها بالطّلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد.

رابعها: أنّ البيهقيّ أعلَّ الحديث بالانقطاع ، فقال: لَم يثبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء.

ص: 68

وهذا تعليل مدفوع، فقد صحّحه أحمد ، لكنّه قال: إنّه مخالف للأحاديث الصّحيحة في الإحداد.

قلت: وهو مصير منه إلى أنّه يعله بالشّذوذ.

وذكر الأثرم ، أنّ أحمد سئل عن حديث حنظلة عن سالم عن ابن عمر رفعه " لا إحداد فوق ثلاث " فقال: هذا منكرٌ، والمعروف عن ابن عمر من رأيه. انتهى.

وهذا يحتمل أن يكون لغير المرأة المعتدّة فلا نكارة فيه، بخلاف حديث أسماء والله أعلم.

وأغرب ابن حبّان فساق الحديث بلفظ " تسلمي " بالميم بدل الموحّدة ، وفسّره بأنّه أمرها بالتّسليم لأمر الله، ولا مفهوم لتقييدها بالثّلاث ، بل الحكمة فيه كون القلق يكون في ابتداء الأمر أشدّ فلذلك قيّدها بالثّلاث.

هذا معنى كلامه، فصحّف الكلمة ، وتكلَّف لتأويلها.

وقد وقع في رواية البيهقيّ وغيره " فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتسلب ثلاثاً " فتبيّن خطؤه

تكميل: قال ابن بطّالٍ: ذهب مجاهد إلى أنّ الآية ، وهي قوله تعالى {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً} نزلت قبل الآية التي فيها {وصيّة لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج} كما هي قبلها في التّلاوة، وكأنّ الحامل له على ذلك استشكال أن يكون النّاسخ قبل المنسوخ، فرأى أنّ استعمالها ممكن بحكم غير متدافع، لِجواز أن

ص: 69

يوجب الله على المعتدّة تربّص أربعة أشهر وعشر ، ويوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول إن أقامت عندهم. انتهى ملخّصاً.

قال: وهو قولٌ لَم يقله أحدٌ من المفسّرين غيره. ولا تابعه عليها من الفقهاء أحدٌ، وأطبقوا على أنّ آية الحول منسوخة ، وأنّ السّكنى تبع للعدّة، فلمّا نسخ الحول في العدّة بالأربعة أشهر وعشر نسخت السّكنى أيضاً.

وقال ابن عبد البرّ: لَم يختلف العلماء أنّ العدّة بالحول نسخت إلى أربعة أشهر وعشر، وإنّما اختلفوا في قوله {غير إخراج} فالجمهور على أنّه نسخ أيضاً.

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً} [البقرة: 234] قال: كانت هذه العدّة تعتدّ عند أهل زوجها واجباً، فأنزل الله:{والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ ، فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ من معروفٍ} .

قال: جعل الله لها تمام السّنة سبعة أشهرٍ وعشرين ليلةً وصيّةً، إن شاءت سكنت في وصيّتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى:{غير إخراجٍ فإن خرجن فلا جناح عليكم} [البقرة: 240] فالعدّة كما هي واجبٌ عليها "

قال: ولَم يُتابع على ذلك، ولا قال أحدٌ من علماء المسلمين من

ص: 70

الصّحابة والتّابعين به في مدّة العدّة، بل روى ابن جريجٍ عن مجاهد في قدرها مثل ما عليه النّاس، فارتفع الخلاف. واختصّ ما نقل عن مجاهد وغيره بمدّة السّكنى، على أنّه أيضاً شاذّ لا يعوّل عليه. والله أعلم.

ص: 71