الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهو حديث باطل [وانظر: الخلافيات (3/ 52)، البدر المنير (1/ 549)، التنقيح (1/ 54)].
• وحاصل ما تقدم:
أن التتريب إنما جاء من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة، ولا يضر تفرد ابن سيرين به فإنه: تابعي جليل، حافظ متقن، من أثبت أصحاب أبي هريرة، وبيان فقيهًا إمامًا، لا يرى الرواية بالمعنى، لكن جاء في روايته "أولاهن بالتراب"، وجاء في حديث عبد الله بن مغفل:"وعفروه الثامنة بالتراب"، وكلاهما صحيح.
انظر في الجمع بينهما: سنن البيهقي (1/ 242)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 76)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (1/ 311)، التلخيص (1/ 31)، الفتح (1/ 331)، المحلى (1/ 110)، الأوسط (1/ 304)، وغيرها.
• فائدة:
قال ابن المنذر في الأوسط (1/ 307): "والدليل على إثبات النجاسة للماء الَّذي ولغ فيه الكلب: غير موجود؛ فليس في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يغسل الإناء من ولوغ الكلب فيه سبعًا: دليل على نجاسة الماء الَّذي يلغ فيه الكلب، وذلك أن الله قد يتعبد عباده بما شاء، فمما تعبدهم به: أن أمرهم بغسل الأعضاء التي لا نجاسة عليها غسل عبادة لا لنجاسة، وكذلك أمر الجنب بالاغتسال، وقد ثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل جنب: "المؤمن ليس بنجس"، وقوله: "طهور إناء أحدكم" يحتمل هذا المعنى أن تكون طهارة عبادة لا طهارة نجاسة، وإذا احتمل الشيء معنيين لم يجز أن يصرف إلى أحدهما دون آخر بغير حجة، وقد أجمع أهل العلم أن النجاسات تزال بثلاث غسلات، وقال بعضهم: بل تزال بغسلة واحدة، كالدم والبول والعذرة والخمر، ولا يجوز أن يكون حكم الماء المختلط به لعاب الكلب أكبر في النجاسة من بعض ما ذكرناه، فلو ثبت أن لعاب الكلب أكبر من النجاسة لوجب أن تطهر الإناء بثلاث غسلات أو بغسلة في قول بعضهم، ووجب أن تكون الغسلات الأربع بعد الثلاث عبادة؛ إذ ليس بمعقول أن النجاسة باقية فيه بعد الغسلات الثلاث، وإذا كان هكذا واختلفوا في الغسلات الثلاث وجب أن يكون حكمها في أنها عبادة حكم الغسلات الأربع، ولا أعلم مع من أثبت نجاسة لعاب الكلب حجة" [وانظر: شرح البخاري لابن بطال (1/ 267)، الحاوي الكبير للماوردي (1/
304)].
*** •
38 -
باب سؤر الهرة
75 -
. . . مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن حُميدة بنت عُبيد بن رِفاعة، عن كبشة بنت كعب بن مالك - وكانت تحت ابن أبي قتادة -: أن أبا قتادة دخل فسكبت له وَضوءًا، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتَّى
شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟! فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قه قال: إنها ليست بنجَس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات".
• حديث صحيح
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 56/ 46 - رواية يحيى بن يحيى الليثي)(32 - رواية القعنبي، وهذا لفظها إذ من طريقه: أخرجه أبو داود)(1/ 25/ 54 - رواية أبي مصعب الزهري)(28 - رواية سويد بن سعيد الحدثاني)(123 - رواية ابن القاسم بتلخيص القابسي)(90 - رواية محمد بن الحسن الشيباني)، وفي بعض الروايات:"أو الطوافات".
ومن طريقه:
أبو داود (75)، والترمذي (92)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(75)، والنسائي (1/ 55/ 68) و (1/ 178/ 340)، وابن ماجة (367)، والدارمي (1/ 253/ 736)، وابن خزيمة (154)، وابن حبان (4/ 115/ 1299)، وابن الجارود (65)، والحاكم (1/ 160)، والشافعي في الأم (1/ 6 - 7) و (7/ 192)، وفي المسند (9)، وأحمد (5/ 353 و 359)، وعبد الرزاق (1/ 101 / 353)، وأبو عبيد في الطهور (256)، وابن سعد في الطبقات (8/ 478)، وابن أبي شيبة (1/ 36/ 325) و (7/ 308/ 36348)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 303/ 226)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 18)، وفي المشكل (1/ 246/ 232 - ترتيبه)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (209)، والجوهري في مسند الموطأ (290)، والدارقطني (1/ 70)، وابن حزم في المحلى (1/ 117)، والبيهقي في السنن (1/ 245)، وفي المعرفة (1/ 314/ 375)، وفي الخلافيات (3/ 84/ 910)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 319)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 69 / 286)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 79/ 61)، والمزي في التهذيب (35/ 290)، وابن دقيق العيد في الإمام (1/ 233).
قال أبو عيسى الترمذي: "سألت محمدًا -يعني: ابن إسماعيل البخاري- عن هذا الحديث؛ فقال: جوَّد مالك بن أَنس هذا الحديث، وروايته أصح من رواية غيره"[سنن البيهقي].
وقال الترمذي في الجامع: "هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، مثل: الشافعي وأحمد واسحاق: لم يروا بسؤر الهرة بأسًا.
وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب، وقد جوَّد مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأت به أحد أتم من مالك".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه، على أنهما على ما أصَّلاه في تركه، غير أنهما قد شهدا جميعًا لمالك بن أَنس أنَّه الحكم في حديث المدنيين، وهذا الحديث مما صححه مالك واحتج به في الموطأ".
وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، واحتج به النسائي وأبو داود.
وقال ابن المنذر (1/ 312): "ثابت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في الهرة: "ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات".
ولم يستطع الطحاوي رد الحديث كما رده غيره، فعمد إلى تأويله، وهذا تصحيح ضمني منه.
وقال العقيلي (2/ 141): "إسناد ثابت صحيح".
وقال الدارقطني: "إسناد حسن ورواته ثقات معروفون"[تعليقة على العلل (135)].
وقال في العلل (6/ 163/ 1044): "فرواه مالك بن أَنس عن إسحاق فحفظ إسناده"، ثم قال بعد أن انتهى من سرد الاختلاف في إسناد هذا الحديث:"ورفعه صحيح، ولعل من وقفه لم يسأل أبا قتادة: هل عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر أم لا؟ لأنهم حكوا فعل أبي قتادة حسب، وأحسنها إسنادًا: ما رواه مالك عن إسحاق عن امرأته عن أمها [المحفوظ: عن خالتها، عن أبي قتادة، وحفظ أسماء النسوة وأنسابهن، وجوَّد ذلك، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال البيهقي: "إسناده صحيح، والاعتماد عليه"[المعرفة (1/ 313)].
وقال البغوي: "هذا حديث حسن صحيح".
وقال النووي في المجموع (1/ 168 و 223): "حديث صحيح".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (1/ 552): "هذا الحديث: صحيح مشهور، رواه الأئمة الأعلام، حفاظ الإسلام".
لكن قال ابن منده: "أم يحيى اسمها حميدة، وخالتها هي كبشة، ولا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، ومحلهما محل الجهالة، ولا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه، وسبيله سبيل المعلول"[الإمام (1/ 235)].
قال ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 235): "إذا لم تعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، فلعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتهما مع شهرته بالتشدد"، ثم نقل من سؤالات أبي زرعة قول أحمد:"إذا روى مالك عن رجل لا يعرف، فهو حجة"، ونقل قول البخاري:"جوَّد مالك بن أَنس هذا الحديث، وروايته أصح من رواية غيره".
وقال في شرح الإلمام [البدر المنير (1/ 555)]: "جرى ابن منده على ما اشتهر عن أهل الحديث أنَّه من لم يروِ عنه إلا واحد، فهو مجهول.
قال: ولعل من صححه اعتمد على كون مالك رواه وأخرجه، مع ما عُلم من تشدده وتحرِّيه في الرجال، وأن كل من روى عنه فهو ثقة، كما صح عنه.
قال: فإن سلكت هذا الطريق في تصحيح هذا الحديث - أعني: على تخريج مالك له - وإلا فالقول ما قال ابن منده، وقد ترك الشيخان إخراجه في صحيحيهما".
وقال الحافظ في التلخيص (1/ 68): "وصححه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني
…
وأعله ابن منده بأن حميدة وخالتها كبشة محلهما محل الجهالة، ولا يعرف لهما إلا هذا الحديث ا هـ.
فأما قوله: إنهما لا يعرف لهما إلا هذا الحديث، فمتعقب بأن لحميدة حديثًا آخر في تشميت العاطس، رواه أبو داود (5036)، ولها ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة.
وأما حالهما: فحميدة روى عنها مع إسحاق: ابنه يحيى، وهو ثقة عند ابن معين، وأما كبشة: فقيل: إنها صحابية، فإن ثبت فلا يضر الجهل بحالها، والله أعلم.
وقال ابن دقيق العيد: لعل من صححه اعتمد على تخريج مالك، وإن كل من أخرج له فهو ثقة عند ابن معين،
…
، فإن سلكت هذه الطريقة في تصحيحه - أعني: تخريج مالك - وإلا فالقول ما قال ابن منده".
قال الألباني في الإرواء (1/ 193): "وهذا تحقيق دقيق من الإمام ابن دقيق العيد، ويترجح من كلامه إلى أنَّه يميل إلى ما قاله ابن منده، وهو الَّذي يقتضيه قواعد هذا العلم، ولكن هذا كلّه في خصوص هذا الإسناد، وإلا فقد جاء الحديث من طرق أخرى
…
".
قلت: التحقيق والذي يقتضيه قواعد هذا العلم: هو ما قاله الترمذي والحاكم، فإن هذا إسناد مدني صحيح، ومالك بن أَنس إمام دار الهجرة هو الحكم فيه، ولا قول فيه لأحد بعده وأين ابن منده من الإمام؟!.
وحميدة: قد زالت جهالتها برواية زوجها إسحاق وابنها يحيى عنها، وإخراج مالك حديثها في موطئه، وهو الحكم في أهل المدينة وحديثهم، وهو لا يروي إلا عن ثقة عنده، وقد ذكرها ابن حبان في الثقات [انظر: التهذيب (15/ 466)، الثقات (6/ 250)]، وكبشة: هي زوج عبد الله بن أبي قتادة، وهي خالة حميدة، قال ابن حبان في الثقات (3/ 357):"لها صحبة".
• والحديث قد احتج به مالك والنسائي وأبو داود، وصححه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود والبغوي، وهذا اتفاق منهم على تصحيح الحديث والاحتجاج به، فلا يُعوَّل بعد ذلك على قول من أعله ممن جاء بعدهم ممن هم عيال عليهم في هذا العلم.
قال ابن الملقن في البدر المنير (1/ 555): "وقال شيخنا الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس اليعمري: بقي على ابن منده أن يقول: ولم يُعرف حالهما من جارح، فكثير من رواة الأحاديث مقبولون.
قلت: هذا لا بد منه، وأنا أستبعد كل البعد توارد الأئمة المتقدمين على تصحيح هذا الحديث، مع جهالتهم بحال حميدة وكبشة، فإن الإقدام على التصحيح - والحالة هذه - لا
يحلُّ بإجتماع المسلمين، فلعلهم اطَّلعوا على حالهما، وخفي علينا،
…
" ثم أطال في الرد على ابن منده بما ذكر ابن حجر ملخصه في التلخيص، ونقلته آنفًا.
• وقد تابع مالكًا على هذا الإسناد:
1 -
الحسين بن ذكوان المعلم [بصري ثقة]، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أم يحيى، عن خالتها بنت كعب به.
أخرجه البيهقي (1/ 245).
2 -
همام بن يحيى [بصري ثقة]: ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: حدثتني أم يحيى، عن خالتها - وكانت عند عبد الله بن أبي قتادة - . . . فذكر الحديث.
أخرجه البيهقي (1/ 245 - 246).
وقد سأل ابن أبي حاتم أباه وأبا زرعة عن حديث مالك وقال لهما: "إن حسين المعلم وهمام يقولان: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أم يحيى؟ فقالا: اسمها حميدة، وكنيتها أم يحيى" ولم ينكراه [العلل (1/ 52/ 126)].
هكذا روى مالك وحسين المعلم وهمام الحديث بهذا الإسناد.
وخالفهم: سفيان بن عيينة، وعلي بن المبارك، وهشام بن عروة [واختلف عليه فيه]، وغيرهم: فلم يحفظوا هذا الإسناد فمنهم من أسقط حميدة أو كبشة أو كليهما معًا مع الإبهام.
لكن مالك بن أَنس هو أحفظ من روى هذا الحديث، وقوله هو الصواب، لا سيما وقد تابعه عليه ثقتان بصريان: حسين المعلم وهمام بن يحيى.
انظر فيمن روى هذه الأسانيد:
مصنف عبد الرزاق (1/ 150/ 351 و 352)، مسند الحميدي (430)، الطهور لأبي عبيد (205)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 37/ 337)، مسند أحمد (5/ 296)، علل الدارقطني (6/ 160/ 1044)، أطراف الغرائب والأفراد (5/ 120).
قال البيهقي: "هكذا رواه مالك بن أَنس في الموطأ، وقد قصر بعض الرواة بروايته فلم يقم إسناده. قال أبو عيسى: سألت محمدًا -يعني: ابن إسماعيل البخاري- عن هذا الحديث؟ فقال: جوَّد مالك بن أَنس هذا الحديث، وروايته أصح من رواية غيره".
وقال الترمذي: "وقد جوَّد مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأت به أحد أتم من مالك".
وقال الدارقطني: "فرواه مالك بن أَنس عن إسحاق فحفظ إسناده"، ثم قال بعد أن انتهى من سرد الاختلاف في إسناد هذا الحديث:"وأحسنها إسنادًا: ما رواه مالك عن إسحاق عن امرأته عن أمها [المحفوظ: عن خالتها] عن أبي قتادة، وحفظ أسماء النسوة وأنسابهن، وجوَّد ذلك، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن عبد البر: "وهو أصح الناس له نقلًا عن إسحاق".
وقال أيضًا: "قد روى هذا الحديث جماعة عن إسحاق، كما رواه مالك، منهم: همام بن يحيى وحسين المعلم وهشام بن عروة وابن عيينة، كان كان هشام وابن عيينة لم يقيما إسناده،
…
وإن كان بعضهم يخالف في إسناده، فمالك ومن تابعه قد أقام إسناده وجوده".
• تنبيه: وقع في رواية يحيى بن يحيى الليثي: "عن حُميدة بنت أبي عُبيدة بن فروة"، قال ابن عبد البر:"ولم يتابعه أحد على قوله ذلك، وهو غلط منه، وإنما يقول الرواة للموطأ كلهم: ابنة عبيد بن رفاعة".
• ولحديث أبي قتادة طرق أخرى لكنها لا تخلو من مقال:
أخرجها: البخاري في التاريخ الكبير (8/ 389)، والشافعي في الأم (1/ 7)، وفي المسند (9)، وأحمد (5/ 309)، والطحاوي (1/ 19)، والبيهقي في السنن (1/ 246)، وفي المعرفة (1/ 315/ 373)، وفي الخلافيات (3/ 94/ 911).
وانظر: إتحاف المهرة (4/ 147)، التمهيد (1/ 322).
• وأحسنها إسنادًا:
أ - ما رواه تمتام محمد بن غالب: حدثنا عفان: حدثنا همام: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه به مرفوعًا.
أخرجه البيهقي.
وهذا إسناد صحيح قريب، وقد رواه الشافعي عن الثقة عن يحيى، والله أعلم.
ب - قال الدارقطني في الأفراد: ثنا موسى بن هارون: ثنا أبو عمران الهيثم بن أيوب الطالقاني: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن أَسِيد بن أبي أَسِيد، عن أبيه: أنَّ أبا قتادة كان يُصْغِي الإناء للهرة، فتشرب منه، ثم يتوضأ بفضلها، فقيل له: أتتوضأ بفضلها؛ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم"[البدر المنير (1/ 557)].
تنببهان:
الأول: وقع في مطبوعة البدر المنير (1/ 557): عمر بن الهيثم بن أيوب، وهو تصحيف، فإن أبا عمران الهيثم بن أيوب الطالقاني معروت بالرواية عن الدراوردي، وعنه: موسى بن هارون الحمال الحافظ.
الثاني: هكذا وقع في مطبوعة البدر: عن أبيه، وأكبر ظني أنها تحرفت عن أمه؛ وذلك لأمرين:
أولهما: أني لم أجد لأسيد رواية عن أبيه [سوى ما ذُكر في ترجمته من التهذيب]، وإنما وجدته يروي حديثًا عن أمه، فقد روى عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وسليمان بن بلال، عن أسيد بن أبي أسيد البراد، عن أمه، قالت: قلت لأبي قتادة: ما لك لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
…
الحديث [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (954)، والشافعي
في الرسالة (397)، وفي المسند (239)، والطبراني في طرق حديث "من كذب عليَّ متعمدًا"(97)، وابن عساكر تاريخ دمشق (67/ 150 و 151)].
ثانيهما: قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 323): "وقد روى إسحاق بن راهويه، عن الدراوردي، عن أسيد بن أبي أسيد، عن أمه، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، قال: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم"".
فاستفدنا من مجموع ذلك فوائد، منها: أن الهيثم بن أيوب الطالقاني لم ينفرد بهذا الحديث عن الدراوردي، فقد تابعه عليه إسحاق بن راهويه، ومنها: أن هذا الحديث يرويه أسيد عن أمه، لا عن أبيه، ومنها: أن أم أسيد قد صح سماعها من أبي قتادة، فهو إسناد متصل، رجاله ثقات، غير أسيد بن أبي أسيد، وهو: أبو سعيد البراد المدني: ذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء، وقال الدارقطني:"يعتبر به"، وقال الذهبي وابن حجر:"صدوق"[التاريخ الكبير (2/ 13)، الجرح والتعديل (2/ 317)، الثقات (6/ 71)، مشتبه أسامي المحدثين (6)، تاريخ الإسلام (8/ 378)، الكاشف (1/ 251)، التهذيب (1/ 174)، التقريب (84)].
وأما أم أسيد فإنها لا تُعرف، وهذا الإسناد قواه ابن الملقن في البدر المنير (1/ 557)، وقال:"وهذا سند لا أعلم به بأسًا"، قلت: هو صالح في المتابعات، والله أعلم.
***
76 -
. . . عبد العزيز، عن داود بن صالح بن دينار التَّمَّار، عن أمه، أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضي الله عنها، فوجدتها تصلي، فأشارت إليَّ: أنْ ضعيها، فجاءت هرة فأكلت منها، فلما انصرفتْ أكلتْ من حيثُ أكلتِ الهرة، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم" وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها.
• شاذ؛ والمحفوظ: موقوف على عائشة بإسناد ضعيف.
أخرجه أبو عبيد في الطهور (207)، وإسحاق بن راهويه (2/ 436 و 458/ 1003 و 1030)، والطحاوي في المشكل (1/ 245 و 246/ 230 و 231 - ترتيبه)، والطبراني في الأوسط (1/ 117/ 364) و (8/ 55/ 7949)، والدارقطني في السنن (1/ 70)، وفي الأفراد (5/ 557/ 6450 - أطرافه)، وأبو نعيم الحلية (9/ 358)، والبيهقي في السنن (1/ 246 - 247)، وفي المعرفة (1/ 315/ 374)، وفي الخلافيات (3/ 99/ 913)، والمزي في التهذيب (8/ 453).
وقع في بعض المصادر: "عن أبيه" بدل: أمه، وهو خطأ.
قال البزار: "لا يثبت من جهة النقل"[البدر المنير (1/ 567)].
وقال الطحاوي: "فتأملنا هذا الحديث، فوجدناه قد رجع إلى أم داود بن صالح، وليست من أهل الرواية التي يؤخذ مثل هذا عنها، ولا هي معروفة عند أهل العلم".
وقال ابن الملقن: "أمه مجهولة، لا يُعلَم لها حال"، وقال ابن حجر:"لا تعرف"[البدر المنير (1/ 567)، التقريب (1380)، [وانظر: الميزان (4/ 615)].
وقال الدارقطني في الأفراد: "تفرد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ".
وقال في السنن: "رفعه الدراوردي عن داود بن صالح، ورواه عنه هشام بن عروة ووقفه على عائشة".
وقال في العلل (14/ 434 / 3783): "واختلف عن هشام بن عروة: فرواه عن داود بن صالح، عن أمه، عن عائشة، موقوفًا.
واختلف عن هشام:
فقال عيسى بن يونس، وأبو أسامة: عن هشام، عن داود، عن أمه.
وقال علي بن مسهر، وأبو معاوية، ويحيى بن سعيد الأموي: عن هشام، عن داود بن صالح، عن جدته، عن عائشة.
ولم يختلف عن هشام في إيقافه على عائشة".
قلت: تابع علي بن مسهر ومن معه على الوجه الثاني، لكن أبهم داود:
ابن جريج، فرواه عن هشام بن عروة، عن مولى للأنصار، أن جدته أخبرته، أن مولاتها أرسلتها بجشيش أو رز إلى عائشة تهديه، فجاءت به وعائشة تصلي فوضعته، فدنت منه هرة فأكلت منه، وعند عائشة نساء، فلما انصرفت دعت به، فلما رأت النسوة يتوقين المكان الَّذي أكلت منه الهرة، وضعت عائشة يدها في المكان الَّذي أكلت منه الهرة وقالت: إنها ليست بنجس.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 101 / 355).
وأيًّا كان الصحيح: عن أمه، أم عن جدته، فكلاهما: مجهولة، لا تعرف، فالقول: قول هشام بن عروة، فإنه أعلم بحديث عائشة من غيره، وهو أخص بحديثها من الدراوردي، وعليه: فالموقوف: "صح، وإسناده ضعيف؛ لجهالة التابعية.
قال ابن الملقن في البدر المنير (1/ 567) معلقًا على صنيع الدارقطني في العلل: "واقتضى كلامه: أن وقفه هو الصحيح".
وقد وهم بعضهم فيه على هشام، وسيأتي ذكره في الطريق الآتي:
• ولحديث عائشة طرق أخرى منها ما رواه:
1 -
حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة، قالت: كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، قد أصابت منه الهرة قبل ذلك.
أخرجه ابن ماجة (368)، وعبد الرزاق (1/ 102/ 356)، وإسحاق (2/ 435/ 1002)،
والطحاوي في شرح المعاني (1/ 19)، وفي المشكل (1/ 244/ 228 و 229 - ترتيبه)، وابن البختري في الرابع من حديثه (113)، وابن عدي (2/ 199)، وابن شاهين في الناسخ (142 و 143)، والدارقطني (1/ 52 و 69)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 103/ 914)، والخطيب في الموضح (2/ 43).
وقد وهم بعضهم فقال: "حدثنا أبو الرجال عن أمه عمرة"، فبيَّن أخطأه الطحاوي وغيره، ثم قال الطحاوي:"وإنما هو حارثة بن أبي الرجال، وهو ممن يُتكلم في حديثه، ويضعَّف غاية الضعف".
قلت: وهذا أيضًا من مناكير حارثة بن أبي الرجال؛ فإنه منكر الحديث [التهذيب (2/ 136)، الميزان (1/ 445)].
فقد روى عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، والأسود بن يزيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وحفصة بنت عبد الرحمن، ومعاذة بنت عبد الله العدوية، وغيرهم:
عن عائشة: أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد.
فلم يذكروا هذه الزيادة في سؤر الهرة.
أخرجه البخاري (250 و 261 و 263 و 299 و 5956 و 7339)، ومسلم (319 و 321)، ويأتي تخريجه بطرقه في الحديث الآتي (77).
• حديث حارثة هذا يرويه في بعض طرقه: عبد الله بن وهب، وعبد الرزاق:
كلاهما عن سفيان الثوري، عن حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة به.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 102/ 356)، الطحاوي في شرح المعاني (1/ 19)، وفي المشكل (229)، والخطيب في الموضح (2/ 43).
هذا هو المحفوظ عن الثوري في هذا الحديث.
ووهم في إسناده: سلم بن المغيرة [قال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن حجر: ضعيف. العلل (14/ 434/ 3783)، تاريخ بغداد (9/ 146)، اللسان (3/ 78)، التلخيص (1/ 70)]، فرواه عن مصعب بن ماهان [له عن الثوري أحاديث لا يتابع عليها، وهو صدوق كثير الخطأ. التهذيب (193/ 8)، التقريب (946)]: حدثنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: توضأت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد قد أصابته الهرة قبل.
أخرجه أبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(481)، وأبو سعيد النقاش في ثلاثة مجالس من أماليه (12)، والخطيب في التاريخ (9/ 146).
قال أبو سعيد: "لا أعلم أحدًا رواه عن سفيان غير مصعب، وعنه سلم".
وقال الخطيب: "تفرد برواية هذا الحديث عن سفيان الثوري: مصعب بن ماهان، ولم أره إلا من حديث سلم بن المغيرة عنه، ورواه عبد الله بن وهب عن الثوري عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة
…
".
وقال ابن حجر في التلخبص (1/ 70): "قال الدارقطني: تفرد به [يعني: سلم بن
المغيرة] عن مصعب بن ماهان عن الثوري عن هشام عن أبيه عن عائشة، والمحفوظ عن الثوري عن حارثة".
وانظر فيمن وهم فيه أيضًا على أبي بدر شجاع بن الوليد عن حارثة: تاريخ بغداد (11/ 437).
2 -
يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر به الهر فيصغي لها الإناء فتشرب، ثم يتوضأ بفضلها.
أخرجه ابن عدي (7/ 145)، والدارقطني (1/ 66 - 76)، وابن شاهين (141)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 104/ 915)، والخطيب في الموضح (2/ 208 و 259).
ورواه البزار (154 - مختصر الزوائد) من طريق: مندل بن علي، عن عبد الله بن سعيد به.
وإسناده واهٍ، عبد الله بن سعيد: متروك، ذاهب الحديث [التقريب (320)، التهذيب (2/ 345)]، وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي: صدوق، كثير الخطأ [اللسان (8/ 518)، الجرح والتعديل (9/ 201)]، ومندل بن علي: ضعيف [التقريب (611)].
وأما قول ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 164): "وهو حديث لا بأس به "؛ فهو غير مقبول، ويعارضه قول الحافظ أبي بكر النيسابوري:"يعقوب هذا: أبو يوسف القاضي، وعبد ربه هو: عبد الله بن سعيد المقبري، وهو: ضعيف"[سنن الدارقطني. الخلافيات. الموضح]، وقال ابن عدي:"ويعقوب بن إبراهيم الأنصاري الَّذي يروي عنه الليث في هذا الحديث هو: أبو يوسف".
قلت: خالف أبا يوسف ومندل في إسناده:
أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الأيامي [ليس بالقوي. التهذيب (1/ 185)، الميزان (1/ 266)]، فرواه عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصغي الإناء للسنور فشرب منه، ثم يتوضأ للصلاة.
أخرجه سريج بن يونس في كتاب الصلاة [الإمام (1/ 245)]. وأحمد بن منيع في مسنده [الإمام (1/ 240)]. وأبو يعلى (8/ 361/ 4951).
وهذا من اضطراب عبد الله بن سعيد وتخاليطه، فإنه متروك، منكر الحديث.
3 -
خالد بن عمرو الخراساني، قال: ثنا صالح بن حيان، قال: ثنا عروة بن الزبير، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصغي الإناء للهر، ويتوضأ بفضله.
أخرجه الطحاوي (1/ 19).
وهذا إسناد تالف؛ خالد بن عمرو هو: الأموي السعيدي أبو سعيد الكوفي: متهم بالوضع [التهذيب (1/ 528)، الميزان (1/ 635)]، وصالح بن حيان: ضعيف [التقريب (444)].
4 -
محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي: حدثنا سليمان بن مسافع بن شيبة الحجبي، قال: سمعت منصور بن صفية بنت شيبة، يحدث عن أمه صفية، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "إنها ليست بنجس، هي كبعض أهل البيت" يعني: الهرة.
أخرجه ابن خزيمة (102)، والحاكم (1/ 160)، والعقيلي (2/ 141)، والدارقطني (1/ 69 - 70)، والبيهقي في السنن (1/ 246)، وابن الجوزي في التحقيق (62).
قال الدارقطني: "تفرد به سليمان بن مسافع"[البدر المنير (1553)].
وقال الذهبي في الميزان (2/ 223)، وفي المغني (1/ 444): سليمان بن مسافع الحجبي، عن منصور بن صفية: لا يعرف، وأتى بخبر منكر" [وانظر: اللسان (3/ 125)].
قلت: والإسناد من لدن منصور فمن فوقه على شرط الشيخين، فتفرد مثل مسافع به منكر، كما قال الذهبي.
ثم رواه العقيلي من طريق زهدم بن الحارث [هو المكي: روى ما لا يتابع عليه، ولم يوثَّق، وقال الذهبي: "حديثه منكر"، ضعفاء العقيلي (2/ 92)، اللسان (2/ 605)، المغني (1/ 241)، قال: حدثنا عبد الملك بن مسافع الحجبي [لم أر من ترجم له]، عن منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة، أنها قالت: الهرة ليست بنجسة، إنها من عيال البيت.
ثم قال: "وهذه الرواية أولى"[(2/ 508 - ط حمدي السلفي)]، يعني: موقوفًا على عائشة.
5 و 6 - ورواه محمد بن عمر الواقدي: نا عبد الحميد بن عمران بن أبي أَنس، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: وحدثنا عبد الله بن أبي يحيى، عن سعيد بن أبي هند، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يصغي إلى الهرة الإناء حتَّى تشرب، ثم يتوضأ بفضلها.
أخرجه الدارقطني (1/ 70)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (3/ 106 / 917 و 918)، وابن الجوزي (63).
وأخرجه البزار (155 - مختصر الزوائد) بالإسناد الأول فقط.
قال البزار: "لا نعلم روى عمران ولا سعيد عن عروة إلا هذا".
وإسناده ضعيف جدًّا؛ فالواقدي: متروك.
• وله أسانيد أخرى عن عائشة؛ ولا تصح أيضًا: انظر: الناسخ لابن شاهين (144)، وغيره.
وخلاصة القول: أن الحديث لا يصح عن عائشة، لا مرفوعًا ولا موتوفًا.
• وقد روى ذلك أيضًا من حديث أَنس وجابر:
أ - أما حديث أَنس:
فيرويه الطبراني في الصغير (1/ 379/ 634)، وعنه: أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 32).
من طريق جعفر بن عنبسة [هو: ابن عمرو الكوفي: مجهول. اللسان (2/ 152)، بيان الوهم (3/ 369/ 1112)]: حدثنا عمر بن حفص المكي [قال الدارقطني والبيهقي: "ضعيف"، من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن لابن زريق الحنبلي (294)، تخريج الأحاديث الضعاف (230)، بيان الوهم (3/ 369/ 1112)، اللسان (3/ 236)، المغني (1/ 182)، مجمع الزوائد (1/ 216)]، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أَنس بن مالك، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض بالمدينة، يقال لها: بطحان، فقال:"يا أنس اسكب لي وَضوءًا" فسكبت له، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، أقبل إلى الإناء، وقد أتى هو فولغ في الإناء، فوقف له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة حتَّى شرب الهر، ثم توضأ، فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الهر، فقال:"يا أنس إن الهر من متاع البيت، لن يقذر شيئًا ولن ينجسه".
قال الطبراني: "لم يروه عن جعفر إلا عمر بن حفص، ولا روى عن علي بن الحسين عن أَنس حديثًا غير هذا".
قلت: فهو حديث منكر.
ج - وأما حديث جابر:
فيرويه ابن شاهين في الناسخ (145) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن محمويه العسكري بالبصرة، قال: أنا محمد بن خالد بن صالح [كذا في المطبوعة، وصوابه: محمد بن خالد بن خلي] الكلاعي، قال: نا أبي، قال: نا سلمة بن عبد الملك العوصي، قال: نا أبو الحسن -يعني: علي بن صالح-، عن محمد بن إسحاق، عن صالح، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع الإناء للسنور، فيلغ فيه، ثم يتوضأ من فضله.
قلت: علي بن صالح هذا هو: أبو الحسن المكي، ذكره ابن حبان في ثقاته، وقال:"يغرب"، وقال أبو حاتم:"لا أعرفه، مجهول"، وهو قليل الرواية [التهذيب (3/ 168)، الميزان (3/ 133)، وقال: "لا أدري من هو"، تاريخ الإسلام (9/ 529)].
وصالح هذا يحتمل أن يكون هو ابن نبهان مولى التوأمة؛ فإن له رواية عن جابر في أفراد الدارقطني (2/ 349 - أطرافه)؛ فإن كان هو، فلهذا الإسناد ثلاث علل:
الأُولى: عنعنة ابن إسحاق فهو مشهور بالتدليس، ولا تعرف له رواية عن صالح مولى التوأمة.
الثانية: أن مولى التوأمة لا يعرف له سماع من جابر بن عبد الله.
وأما اختلاط صالح بن نبهان فلا يؤثر هنا؛ لأنَّ ابن إسحاق من القدماء، ورواية القدماء عن صالح لا بأس بها لأنَّها كانت قبل اختلاطه.
الثالثة: تفرد غير المشهورين الغرباء به عن أهل المدينة، فهو إسناد مدني، ثم مكي، ثم حمصي، ثم بصري.
وأما بقية رجال السند فموثقون.
وعليه فهو إسناد غريب جدًّا، مع ضعفه.
• وحاصل ما تقدم: أنَّه إنما يصح في سؤر الهرة مرفوعًا: حديث أبي قتادة الَّذي رواه مالك في موطئه، وصححه جمع من الأئمة، منهم: البخاري والترمذي والحاكم وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والعقيلي والدارقطني وابن المنذر والبغوي وغيرهم.
• ولا يعارَض هذا بما رُوي عن أبي هريرة مرفوعًا: "طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر غسل مرة" فإنه شاذ، والمحفوظ فيه: عن أبي هريرة قوله، لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال الدارقطني في العلل (8/ 118):"والصحيح قول من وقفه على أبي هريرة في الهر خاصة"، وقد تقدم الكلام على بعض طرق هذا الحديث أثناء تخريج حديث: غسل الإناء من ولوغ الكلب برقم (71).
قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 319): "فيه أن الهر ليس ينجس ما شرب منه، وأن سؤره طاهر، وهذا قول مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي، وأبي يوسف القاضي، والحسن بن صالح بن حي".
وقال في الاستذكار (1/ 165): "وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: الَّذي صار إليه جلُّ أهل الفتوى من أهل الأمصار من أهل الأثر والرأي جميعًا: إنه لا بأس بسؤر السنور، اتباعًا للحديث الَّذي رويناه -يعني: عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم -.
قال: وممن ذهب إلى ذلك: مالك في أهل المدينة، والليث في أهل مصر، والأوزاعي في أهل الشام، وسفيان الثوري فيمن وافق من أهل العراق، وكذلك قول الشافعي وأصحابه، وأحمد بن حنبل، وأبي ثور، وإسحاق، وأبي عبيدة.
قال: وكان النعمان يكره سؤره، وقال: إن توضأ به أجزأه".
وقال ابن المنذر في الأوسط (1/ 299 - 304): "أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم: أن سؤر ما يؤكل لحمه طاهر، يجوز شربه والتطهر به.
واختلفوا في سؤر ما لا يؤكل لحمه، فمن ذلك سؤر الهر
…
[ثم ذكر فيه خمسة أقوال قال في آخرها:] وفيه قول خامس، وبه قال عوام أهل العلم: وهو الرخصة في سؤر الهر، والأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على ذلك، وعلى طهارة سؤره، وهو قول فقهاء الأمصار من أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل الشام، وسائر أهل الحجاز والعراق، وأصحاب الحديث
…
[ثم ذكر أقوال الصحابة الذين قالوا بذلك ثم قال:] وممن رخص فيه: الأوزاعي وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وأصحاب الرأي إلا النعمان فإنه كان يكره الوضوء بسؤره، وقال: فإن توضأ به أجزأه.
وبقول جمل أهل العلم نقول، وذلك لثبوت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على طهارة سؤره".
• وانظر في معني الحديث: غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 270)، معالم