المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - باب التخلي عند قضاء الحاجة

- ‌2 - باب الرجل يتبوأ لبوله

- ‌3 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء

- ‌4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

- ‌5 - باب الرخصة في ذلك

- ‌6 - باب كيف التكشف عند الحاجة

- ‌7 - باب كراهية الكلام عند الخلاء [وفي نسخة: عند الحاجة]

- ‌8 - باب في الرجل يردُّ السلام وهو يبول

- ‌9 - باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر

- ‌10 - باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء

- ‌11 - باب الاستبراء من البول

- ‌12 - باب البول قائمًا

- ‌13 - باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده

- ‌(1/ 1843/160 - 1847).***14 -باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها

- ‌15 - باب في البول في المستحم

- ‌16 - باب النهي عن البول في الجحر

- ‌17 - باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء

- ‌18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء

- ‌19 - باب الاستتار في الخلاء

- ‌20 - باب ما يُنهى عنه أن يُستنجى به

- ‌21 - باب الاستنجاء بالحجارة

- ‌22 - باب الاستبراء

- ‌23 - باب في الاستنجاء بالماء

- ‌ 251).***24 -باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى

- ‌25 - باب السواك

- ‌ 208)].***26 -باب كيف يستاك

- ‌27 - باب في الرجل يستاك بسواك غيره

- ‌28 - باب غسل السواك

- ‌29 - باب السواك من الفطرة

- ‌38)].***30 -باب السواك للذي قام من الليل

- ‌31 - باب فرض الوضوء

- ‌32 - باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث

- ‌33 - باب ما ينجس الماء

- ‌ 343)].***34 -باب ما جاء في بئر بضاعة

- ‌35 - باب الماء لا يجنب

- ‌36 - باب البول في الماء الراكد

- ‌37 - باب الوضوء بسؤر الكلب

- ‌ 304)].*** •38 -باب سؤر الهرة

- ‌39 - باب الوضوء بفضل وضوء المرأة

- ‌40 - باب النهي عن ذلك

- ‌41 - باب الوضوء بماء البحر

- ‌42 - باب الوضوء بالنبيذ

- ‌43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن

- ‌44 - باب ما يجزئ من الماء في الوضوء

- ‌4).***45 -باب الإسراف في الماء

- ‌46 - باب في إسباغ الوضوء

- ‌47 - باب الوضوء في آنية الصفر

الفصل: ‌43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن

رواه عن أبي خلدة خالد بن دينار البصري الحناط: عبد الرحمن بن مهدي، ومروان بن معاوية، والنضر [هو: ابن شميل، أو: ابن محمد المروزي]، وإسناده صحيح.

ولفظ مروان بن معاوية، والنضر: قلت لأبي العالية: رجل ليس عنده ماء، عنده نبيذ، أيغتسل به في جنابة؟ قال: لا، فذكرت له ليلة الجن، فقال: أنبذتكم هذه الخبيثة؟ إنما كان ذلك زبيب وماء.

وأما قول ابن الجوزي في التحقيق (1/ 57): "ولا يثبت عنه"، فلم أر له عليه حجة.

***

‌43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن

؟

88 -

. . . زهير: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن أرقم، أنه خرج حاجًّا أو معتمرًا، ومعه الناس وهو يؤمُّهم، فلما كان ذات يوم أقام الصلاةَ - صلاةَ الصبح-، ثم قال: ليتقدم أحدكم -وذهب إلى الخلاء-؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء، وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء".

قال أبو داود: روى وهيب بن خالد، وشعيب بن إسحاق، وأبو ضمرة هذا الحديث: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن رجل حدثه، عن عبد الله بن أرقم، والأكثر الذين رووه عن هشام قالوا كما قال زهير.

• حديث صحيح

اختلف في هذا الحديث على هشام بن عروة:

1 -

فرواه مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، وأيوب السختياني، وسفيان الثوري، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، ووكيع بن الجراح، وزائدة بن قدامة، ومحمد بن بشر، وعبدة بن سليمان، وجرير بن عبد الحميد، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعمر بن علي المقدمي، وعبد الله بن نمير، وزهير بن معاوية، وحفص بن غياث، ومحمد بن عبد الله بن كناسة، ومرجَّى بن رجاء، ومالك بن سُعير بن الخِمس، وأبو معاوية محمد بن خازم، وأيوب بن موسى، ومعمر بن راشد، وعيسى بن يونس، وقيس بن سعد المكي، وغيرهم [وهؤلاء ستة وعشرون رجلًا من الثقات، فيهم أثبت أصحاب هشام؛ لا سيما مالك والثوري ويحيى القطان وابن نمير. انظر: سؤالات ابن بكير (40)، شرح علل الترمذي (2/ 678)].

كلهم رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن أرقم به.

وفي رواية الثوري ومعمر وأيوب بن موسى [عند عبد الرزاق] إثبات لقاء عروة

ص: 360

لعبد الله بن أرقم، ففي رواية أيوب: خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم، وفي رواية الآخرين: كنا معه في سفر.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 33)، وفي الأوسط (1/ 161 و 162/ 226) متصلًا ومعلقًا. وأبو داود (88)، والترمذي (142)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(124)، والنسائي (2/ 110 - 111/ 852)، وابن ماجه (616)، والدارمي (1/ 392/ 1427)، ومالك في الموطأ (1/ 226/ 439 - رواية يحيى الليثي)(286 - رواية القعنبي)(514 - رواية أبي مصعب الزهري)(165 - رواية الحدثاني)، وعنه: الشافعي في الأم (1/ 155)، وفي المسند (53)، وكذا عن الثقة عن هشام. وأحمد (3/ 483) و (4/ 35)، وابن خزيمة (2/ 65/ 932) و (3/ 76/ 1652)، وابن حبان (5/ 427/ 2071)، والحاكم (1/ 168 و 257) و (3/ 335)، والضياء في المختارة (8/ 400 - 402/ 494 - 499)، وعبد الرزاق (1/ 450 - 451/ 1759 - 1761)، والحميدي (872)، وابن أبي شيبة (2/ 185/ 7938)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (1/ 97)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 460/ 640)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 142/ 1916)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 371 و 372/ 1030 - 1032 - ترتيبه)، والمحاملي في الأمالي (285)، وابن قانع في المعجم (2/ 131)، والطبراني في الأوسط (7/ 92 و 122/ 6949 و 7042)، وفي الكبير (452 - 465 - قطعة من الجزء الثالث عشر)، والجوهري في مسند الموطأ (769)، والدارقطني في الأفراد (4/ 188/ 4015 - أطرافه)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1582/ 3993 و 3994)، والخليلي في الإرشاد (3/ 837)، وابن حزم في المحلى (4/ 47)، والبيهقي في السنن (3/ 72)، وفي المعرفة (2/ 349/ 1446 و 1447)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 204 و 205)، والخطيب في التاريخ (13/ 83)، وفي الفقيه والمتفقه (2/ 247)، وفي تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 590 و 591)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 359/ 803)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 337)، والمزي في التهذيب (14/ 302)، وانظر: المتفق والمفترق (1/ 176/ 46) ففي سنده سقط.

ولفظ القعنبي وأبي مصعب والحدثاني عن مالك: أن عبد الله بن الأرقم كان يؤم أصحابه، فحضرت الصلاة يومًا، فذهب لحاجته ثم رجع، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 296): "ولم يختلف الرواة للموطأ في إسناد هذا الحديث"، وقال في التمهيد (22/ 203):"ولم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه".

ولفظ أحمد عن يحيى بن سعيد القطان به: عن عبد الله بن أرقم: أنه حج فكان يصلي بأصحابه، يؤذن ويقيم، فأقام يومًا الصلاة، وقال: ليصلِّ أحدكم، فإني سمعت

ص: 361

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء، وأقيمت الصلاة، فليذهب إلى الخلاء".

وسرد أبو نعيم في المعرفة، وابن عبد البر في التمهيد، والخطيب في التلخيص: الخلاف فيه مفصلًا.

2 -

خالفهم: وهيب بن خالد، وشعيب بن إسحاق، وأبو ضمرة أنس بن عياض [وهم ثقات؛ إلا أنهم دون الأولين في الرتبة والعدد] فزادوا رجلًا مبهمًا في الإسناد.

قالوا: [حدثنا] عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن رجل، [حدثه] عن عبد الله بن الأرقم به مرفوعًا.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 32)، وفي الأوسط (1/ 161/ 225 و 226)، وأبو داود (88) تعليقًا. والطحاوي في المشكل (2/ 372/ 1033 - ترتيبه).

3 -

وخالف الجميع فسلك فيه الجادة والطريق السهل: عبد الرحمن بن أبي الزناد، فرواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أراد أحدكم الخلاء وأقيمت الصلا فلببدأ به".

أخرجه الطحاوي (1029).

وقال: "فكان من رواه كما ذكرنا وهم: مالك، وعيسى بن يونس، وعبد الله بن نمير، وأبو معاوية، ووهيب بن خالد، عن هشام: أولى بالصواب مما رواه عليه ابن أبي الزناد.

وكل واحد من هؤلاء الذين رووه كذلك حجة على ابن أبي الزناد، وليس ابن أبي الزناد حجة عليه؛ فكيف بهم جميعًا؟! ".

إلا أنه قال: "وفي حديث وهيب عن هشام ما قد دل على فساد إسناد هذا الحديث من أصله؛ لأنه أدخل فيه بين عروة وعبد الله بن الأرقم رجلًا مجهولًا لا يعرف".

قلت: وهذا منه غير مقبول؛ فإن الذين خالفوا وهيبًا ومن معه: أحفظ منهم وأتقن، وأضبط وأكثر عددًا، لا سيما وفيهم الأئمة الكبار، الحفاظ المتقنون، الذين لا يدانيهم أحد: مالك والثوري والقطان، وهم أعرف بهشام وبحديثه من غيرهم، فالقول قولهم، والله أعلم.

قال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 204) بعد رواية أيوب بن موسى والتي فيها ثبوت اللقاء: "فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه في هذا الحديث: متصلة؛ وابن جريج وأيوب بن موسى: ثقتان حافظان".

وأما قول الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/ 568/69): "ورجح البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل المفرد: رواية من زاد فيه: عن رجل"، فإن هذا الذي استنبطه من كلام البخاري مجرد احتمال؛ إذ يقول الترمذي في العلل (81): "سألت محمدًا عن حديث هشام؟ فقال: رواه وهيب عن هشام عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن الأرقم، وكان هذا أشبه عندي.

ص: 362

قال أبو عيسى: رواه مالك وغير واحد من الثقات: عن هشام عن أبيه عن ابن الأرقم: لم يذكروا فيه: عن رجل".

فإن هناك احتمالًا آخر لكلام البخاري، وهو أن هذا كان أشبه عنده فيما سبق ثم ظهر له بعدُ خلافه، وذلك لاستعماله لفظة "كان" فإنه في الغالب لا يذكرها؛ إلا أن تكون "كأن"، والله أعلم.

ويؤيده ما أتبعه الترمذي من بيان رواية الأوثق والأكثر، ثم هو في الجامع يرجح رواية الأئمة فيقول:"حديث عبد الله بن الأرقم: حديث حسن صحيح؛ هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم، وروى وهيب وغيره: عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن الأرقم"، فلو لم تكن رواية مالك ومن معه هي الصواب عنده لما قال:"حسن صحيح"، والله أعلم.

• وممن رجح رواية مالك والثوري والقطان ومن معهم، أو صحح الحديث [غير الترمذي]:

أبو داود؛ لقوله: "والأكثر الذين رووه عن هشام قالوا كما قال زهير".

والنسائي؛ فقد احتج به في صحاحه، ولم يذكر الاختلاف فيه، فقد اقتصر على إخراجه من طريق مالك، معتمدًا قوله، مطرحًا قول غيره ممن خالفه.

وقد أودعه مالك في موطئه، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والضياء المقدسي، والحاكم، فقال في موضع:"صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وفي الثاني "هذا حديث صحيح، من جملة ما قدمت ذكره من تفرد التابعي عن الصحابي، ولم يخرجاه"، وفي الثالث:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وقال الخليلي في الإرشاد: "حديث صحيح".

وقال ابن عبد البر في التمهيد: "أحسن شيء رُوي مسندًا في هذا الباب: حديث عبد الله بن الأرقم، وحديث عائشة".

وقال البغوي: "حديث صحيح".

وذكره النووي في فصل الصحيح من الخلاصة (1626).

وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 428): "حديث صحيح".

وانظر: علل ابن أبي حاتم (1/ 88/ 237)، فإن سياقه يدل على أن أبا حاتم يرى أن إسناد مالك هو المحفوظ، وهو الذي يدل عليه أيضًا صنيع الدارقطني في العلل (14/ 203/ 3555)(5/ 48/ أ).

• وللحديث طريق أخرى:

يرويها الطبراني في الكبير (466 - قطعة من الجزء الثالث عشر)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1583/ 3995).

ص: 363

قال الطبراني: حدثنا المقدام بن داود، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، أنه سمع عروة يقول: كنا في سفر مع عبد الله بن الأرقم الزهري، وحضرت الصلاة، وكان هو يتقدمنا فأذَّن لنا، فخرج إلى الغائط، فقيل له: لو صليت ثم خرجت؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حضرت الصلاة وكان بأحدكم الغائط فليبدأ به، ثم ليصلِّ بعدُ، ولا يأتي الصلاة وهو يدافع".

وإسناده ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة، وهي متابعة جيدة لحديث هشام، من رواية مالك ومن معه، لكن إذا لم يكن يُروى إلا بهذا الإسناد فهو حديث غريب؛ فإن شيخ الطبراني: المقدام بن داود الرعيني المصري: ضعيف، واتهم [انظر: تلخيص المستدرك (1/ 569)، الجرح والتعديل (8/ 303)، سير أعلام النبلاء (13/ 345)، الكشف الحثيث (782)، اللسان (8/ 144)].

***

89 -

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ومسدد ومحمد بن عيسى -المعنى- قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن أبي حَزْرة، قال: حدثنا عبد الله بن محمد -قال ابن عيسى في حديثه: ابن أبي بكر، ثم اتفقوا- أخو القاسم بن محمد، قال: كنا عند عائشة فجيء بطعامها، فقام القاسم يصلي، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يُصلَّى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان".

• حديث صحيح

أخرجه من طريق أبي داود:

أبو عوانة (1/ 225/ 745 و 746)، عن أبي داود به هكذا. وابن حزم في المحلى (1/ 178)، من طريق ابن داسة، وأفرد فيه طريق أحمد بن حنبل، ولم يقرن به مسدد ولا ابن عيسى، وقال فيه:"ثنا عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخو القاسم بن محمد"، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 205 - 206)، من طريق ابن داسة، وفيه:"حدثنا عبد الله بن محمد -يعني: ابن أبي بكر، أخو القاسم بن محمد-"، هكذا ولم يميز بين الروايات الثلاث. والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 359/ 802)، من طريق: أبي علي اللؤلؤي، وأفرد فيه طريق أحمد بن حنبل، ولم يقرن به مسدد ولا ابن عيسى، وقال فيه:"حدثنا عبد الله بن محمد -أخو القاسم بن محمد-"، ولم يذكر: ابن أبي بكر.

هكذا روى أبو داود هذا الحديث عن ثلاثة من مشايخه عن يحيى بن سعيد القطان:

أ- أما رواية محمد بن عيسى [وهو: ابن نجيح البغدادي، أبو جعفر بن الطباع: ثقة فقيه]: والتي قال فيها: "حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي بكر -أخو القاسم بن محمد-": فلم أقف عليها من غير طريق أبي داود.

ص: 364

وقد وجدت له متابعًا:

فقد رواه محمد بن أبي بكر المقدمي [وهو: ثقة]: ثنا يحيى بن سعيد، عن أبي حزرة القاضي: ثنا عبد الله بن محمد بن أبي بكر، قال: كنا عند عائشة

فذكر الحديث.

أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 158/ 1225)، قال: حدثنا حبيب بن الحسن: ثنا يوسف بن يعقوب: ثنا محمد بن أبي بكر به.

وهذا إسناد صحيح متصل إلى يحيى بن سعيد؛ إن كان حفظه شيخ أبي نعيم: حبيب بن الحسن القزاز، فهو وإن وثقه: أبو نعيم وابن أبي الفوارس والخطيب؛ فقد ضعفه البرقاني [تاريخ بغداد (8/ 253)، اللسان (2/ 549)]، والله أعلم.

ب- وأما رواية مسدد بن مسرهد [وهو ثقة حافظ]:

فقد أخرجها أيضًا: البخاري في التاريخ الكبير (5/ 185)، مثل أبي داود، قال فيها:"حدثنا عبد الله بن محمد -أخو القاسم بن محمد-".

قال البخاري: "ولا أراه محفوظًا".

ج- وأما رواية أحمد بن حنبل:

فهكذا رواها عنه أبو داود، وهي وهم:

فقد روى الإمام أحمد هذا الحديث في مسنده (6/ 43 و 54)، قال: ثنا يحيى، عن أبي حزرة، قال: حدثني عبد الله بن محمد، قال: سمعت عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصلَّى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان".

هكذا لم يزد شيئًا في نسب عبد الله بن محمد، ورواه من طريق أحمد: المزي في التهذيب (16/ 51)، وقال:"وهذه الرواية أقرب إلى الصواب من رواية أبي داود"، يعني: عن أحمد بن حنبل، وقال في تحفة الأشراف (11/ 464):"كذا وقع عند أبي داود: أبو عتيق أخو القاسم بن محمد، وهو في مسند أحمد بن حنبل: عن عبد الله بن محمد، ولم يزد، وهو أقرب إلى الصواب، والله أعلم".

• والحاصل أن هذا الحديث قد اختلف فيه على يحيى بن سعيد القطان في نسبة شيخ شيخه عبد الله بن محمد:

أ- فرواه محمد بن عيسى بن الطباع، ومحمد بن أبي بكر المقدمي [إن كان محفوظًا عنه]، فقالا فيه:"عبد الله بن محمد بن أبي بكر" زاد ابن الطباع: "أخو القاسم بن محمد".

ب- ورواه مسدد بن مسرهد، فقال:"عبد الله بن محمد -أخو القاسم بن محمد-".

ج- ورواه الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن بشار بندار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن عبدة، ويحيى بن حكيم المقوم [وهم: ثقات حفاظ]، وموسى بن محمد بن حيان [ترك أبو زرعة حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "ربما خالف"، الجرح والتعديل (8/ 161)، الثقات (9/ 161)، اللسان (8/ 220)]، عن يحيى بن سعيد به:

ص: 365

فقالوا: "عبد الله بن محمد"، ولم يزيدوا في نسبه شيئًا.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 66/ 933)، وأحمد (6/ 43 و 54)، وأبو يعلى (8/ 233/ 4804)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 236)، والمزي في التهذيب (16/ 51).

هذا هو المحفوظ عن يحيى القطان في هذا الحديث، وما جاء في رواية ابن خزيمة من نسبة عبد الله بن محمد بأنه: ابن أبي بكر الصديق، فالأظهر أنه من ابن خزيمة نفسه، والله أعلم.

ويؤيد أن هذا هو المحفوظ عن يحيى بن سعيد القطان: أن الدارقطني لما ذكر الاختلاف في هذا الحديث على أبي حزرة، جعل رواية يحيى موافقة لرواية الجماعة، فكان مما قال:"والصحيح من ذلك ما رواه يحيى القطان، عن أبي حزرة، عن ابن أبي عتيق، قال: كنت أنا والقاسم، عند عائشة فجيء بطعام، فقام القاسم يصلي، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول ذلك"[العلل (14/ 370/ 3717)].

• وهذا الحديث قد رواه عن يعقوب بن مجاهد أبي حرزة المدني: المدنيون أهل بلده: إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير [مدني، ثقة ثبت. التقريب (138)]، وأخوه محمد بن جعفر [مدني، ثقة. التقريب (832)]، وسليمان بن بلال [مدني، ثقة. التقريب (405)]، وحاتم بن إسماعيل [مدني، صدوق، صحيح الكتاب]، ومحمد بن عمر الواقدي [مدني، متروك]، وتابعهم من الغرباء: صفوان بن عيسى [بصري، ثقة. التقريب (454)]:

كلهم رواه عن أبي حرزة فقالوا: عن عبد الله بن أبي عتيق، وقال سليمان بن بلال: عبد الله بن محمد بن أبي عتيق، وهو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وأبو عتيق: هو محمد بن عبد الرحمن والد عبد الله هذا، وابن عم القاسم بن محمد.

أخرجه مسلم (560)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 184 و 185)، وأبو عوانة (1/ 224 - 225/ 744) و (1/ 1296/360)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 158 و 159/ 1225 و 1226)، وأحمد (6/ 73)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (432)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 269/ 1639)، وأبو جعفر بن البختري في الرابع من حديثه (192)(436 - مجموع مصنفاته)[وفي سنده سقط، فلا أدري أهو من تخليط الواقدي، أم سهو من الناسخ]. وابن حزم في المحلى (4/ 46 - 47 و 203)، والبيهقي في السنن (3/ 71 و 72 و 73)، وفي المعرفة (2/ 349/ 1448)، والخطيب في التاريخ (4/ 157)، والبغوي في شرح السُّنة (3/ 358/ 801)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 236).

قال الإمام مسلم: حدثنا محمد بن عباد: حدثنا حاتم -هو: ابن إسماعيل-، عن يعقوب بن مجاهد، عن ابن أبي عتيق، قال: تحدثت أنا والقاسم عند عائشة رضي الله عنهما حديثًا، وكان القاسم رجلًا لحانةً، وكان لأم ولد، فقالت له عائشة: ما لك لا تحدث كما يتحدث

ص: 366

ابن أخي هذا؟ أما إني قد علمت من أين أُتيت؟ هذا أدَّبته أمه، وأنت أدَّبتك أمك، قال: فغضب القاسم وأضب عليها، فلما رأى مائدة عائشة قد أتي بها قام، قالت: أين؟ قال: أصلي، قالت: اجلس، قال: إني أصلي، قالت: اجلس غدر! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان".

ثم رواه من طريق إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني فقال: بمثله، ولم يذكر في الحديث قصة القاسم.

• وعلى هذا فقد اتفق هؤلاء الثقات الستة على أن شيخ أبي حزرة في هذا الحديث هو ابن أبي عتيق؛ إلا أن القطان لم يزد على أن قال: "عبد اللَّه بن محمد" فظنه بعضهم أخا القاسم بن محمد، وكلاهما يروي عن عائشة وسمع منها.

وهذا هو ما رجحه المزي في التهذيب (16/ 51) فقال: "وهو المحفوظ"، وقد قال البخاري في رواية مسدد التي زاد فيها: أخو القاسم بن محمد: "ولا أراه محفوظًا".

وأخطأ ابن حجر لما تعقب المزي في النكت الظراف فجعله من رواية عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخي القاسم بن محمد، وإنما هو ابن أبي عتيق، كما رواه المدنيون، وقد تراجع عن ذلك في إتحاف المهرة (17/ 71/ 21895).

• والحديث قد رواه الحاكم (1/ 168)(1/ 78/ أ- رواق المغاربة)(17/ 450/ 22608 - إتحاف المهرة) من طريق: يحيى بن سعيد القطان، عن أبي حزرة: ثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن القاسم بن محمد، قال: كنا عند عائشة

فذكر الحديث.

هكذا رواه الحاكم من طريق مسدد وأحمد بن حنبل، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان به هكذا، وإسناده صحيح إليهما، وقد علمت المحفوظ من روايتهما، وعلى هذا فلا أستبعد أن يكون الوهم من الحاكم نفسه، وهذا وهم قبيح وخطأ فاحش، ويحيى بن سعيد إنما يروي هذا الحديث عن أبي حزرة عن عبد الله بن محمد عن عائشة، فوهم فيه مرتين.

• وممن وهم في هذا الإسناد على أبي حرزة:

1 -

يحيى بن أيوب المصري [صدوق ربما أخطأ. التقريب (1049)]، رواه عن يعقوب بن مجاهد، عن القاسم بن محمد وعبد الله بن محمد، حدثاه أن عائشة

فذكره.

هكذا قال، والحديث ليس من رواية القاسم وإن كان له ذكر وقصة في الحديث.

أخرجه البخاري في التاريخ (5/ 184)، وابن حبان (5/ 429/ 2073)، والطحاوي في المشكل (2/ 374/ 1034 - ترتيبه).

2 -

حسين بن علي الجعفي الكوفي [ثقة. التقريب (249)]، رواه عن أبي حزرة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به.

ص: 367

أخرجه البخاري في التاريخ (5/ 184 - 185)، وابن حبان (5/ 430/ 2074)، وابن أبي شيبة (2/ 185/ 7940)، والطحاوي في المشكل (1035 - ترتيبه).

قال الدارقطني في العلل: "والصحيح من ذلك: ما رواه يحيى القطان، عن أبي حرزة، عن ابن أبي عتيق، قال: كنت أنا والقاسم، عند عائشة فجيء بطعام، فقام القاسم يصلي، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول ذلك.

فاشتبه على حسين الجعفي، فجعله: عن القاسم دون ابن أبي عتيق.

وكذلك اشتبه على يحيى بن أيوب في روايته عن أبي حزرة عنهما.

وقد بيَّن ذلك يحيى بن عمير في روايته عن أبي حزرة، عن عبد الله بن محمد بن أبي عتيق، عن عائشة" [العلل (14/ 370/ 3717)].

3 -

عبد العزيز بن محمد الدراوردي [صدوق، كان يحدث من كتب غيره فيخطئ. التقريب (615)]، رواه عن محمد بن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة مثله. وله فيه إسناد آخر.

أخرجه البخاري في التاريخ (5/ 185)، والبيهقي في السنن (3/ 71).

• والمحفوظ ما أخرجه مسلم وغيره كما تقدم، وقال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 206):"هذا حديث ثابت صحيح"، وقال البغوي:"هذا حديث صحيح".

***

90 -

. . . حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤمُّ رجلٌ قومًا فيخصَّ نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قَعرِ بيتٍ قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حَقِنٌ حتى يتخفَّف".

• حديث ضعيف

أخرجه الترمذي (357)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 267/ 335)، وابن ماجه (619 و 923)، وأحمد (5/ 280)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 207)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 119 - 120)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 127 و 163/ 1042 و 1113)، وابن عدي في الكامل (2/ 79)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 636 - 637)، والدارقطني في الأفراد (2/ 337/ 1536 - أطرافه)، وابن المقرئ في المعجم (65)، والبيهقي في السنن (3/ 129 - 130)، وفي الشعب (7/ 518/ 11185)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 235)، والبغوي في شرح السُّنة (3/ 129 و 130/ 641 و 641 م)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 12 - 13)[وفي سنده سقط وتصحيف]. والمزي في التهذيب (12/ 393).

ص: 368

رواه عن حبيب بن صالح: إسماعيل بن عياش، وبقية بن الوليد، وصفوان بن عمرو.

واختلف فيه على إسماعيل بن عياش، والمحفوظ ما تقدم [انظر: مسند الروياني (650)، ولعل التبعة فيه على شيخ الروياني: علي بن شيبة، له ترجمة في تاريخ بغداد (11/ 436)، وتاريخ الإسلام (20/ 403)].

• تابع حبيبًا عليه [وحبيب: حمصي، ثقة. التقريب (220)]:

محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي الحمصي [ثقة ثبت. التقريب (905)]، قال: حدثنا يزيد بن شريح، أن أبا حي المؤذن حدثه، أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يؤم قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم حتى ينصرف، ولا يصلي وهو حاقن حتى يتخفف".

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1093).

وقال: "أصح ما يروى في هذا الباب هذا الحديث" يعني: باب النظر في الدور.

قال الترمذي: "وفي الباب: عن أبي هريرة وأبي أمامة، ثم قال: حديث ثوبان: حديث حسن.

وقد رُوي هذا الحديث عن معاوية بن صالح، عن السفر بن نُسَير، عن يزيد بن شريح، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورُوي هذا الحديث عن يزيد بن شريح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكأن حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن عن ثوبان في هذا: أجود إسنادًا وأشهر".

• قلت: قد اختلف في هذا الحديث على يزيد بن شريح:

1 -

فرواه حبيب بن صالح ومحمد بن الوليد الزبيدي [وهما: ثقتان حمصيان]، عن يزيد بن شريح، عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان به مرفوعًا. كما تقدم.

2 -

ورواه معاوية بن صالح، عن السَّفْر بن نُسَير، عن يزيد بن شريح، أنه سمع أبا أمامة، يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يأت أحدكم الصلاة وهو حاقن، ولا يخص نفسه بشيء دون أصحابه [وفي رواية: ولا يؤمَّن أحدُكم فيخصَّ نفسه بالدعاء دونهم، فمن فعل فقد خانهم]، ولا يُدخل عينيه بيتًا حتى يستأذن".

أخرجه بأطرافه الثلاثة، أو مقتصرًا منه على طرف: أحمد (5/ 250 و 260 و 261) وهذا لفظه بالروايتين. والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 341)، وابن ماجه (617)، وابن أبي شيبة (2/ 185/ 7934)، وابن قانع في المعجم (2/ 7)، والطبراني في الكبير (8/ 105/ 7507)، وفي مسند الشاميين (3/ 163/ 1997)، والبيهقي في السنن (3/ 129)، وفي المعرفة (2/ 409/ 1562)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (65/ 235)، والمزي في التهذيب (11/ 135).

ص: 369

• واختلف فيه على السفر:

أ- فرواه معاوية بن صالح [بن حدير: صدوق له أوهام. التقريب (955)]، عن السفر به هكذا.

ب- ورواه عبد الله بن رجاء الشيباني [ابن صبيح الحمصي الشامي: قال الذهبي: "روى الكتاني عن أبي حاتم أنه مجهول"، الميزان (2/ 421)، وقال في التقريب (505): "مقبول"]، عن السفر بن نسير، عن ضمرة بن حبيب بن صهيب، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان يشهد أني رسول الله فلا يشهد الصلاة حاقنًا حتى يتخفف، ومن كان يشهد أني رسول الله قائم قومًا فلا يختص نفسه بالدعاء، ومن كان يشهد أني رسول الله فلا يدخل على أهل بيت حتى يستأنس ويسلم، فإذا نظر في قعر البيت فقد دخل".

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 104/ 7505)، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 1265/ 796).

ورواية معاوية بن صالح هي الصواب، ووهم فيه عبد الله بن رجاء الشامي.

وقد يقال بأن السفر بن نسير هو الذي اضطرب فيه؛ فهو وإن أدخله ابن حبان في جملة ثقاته (4/ 349) و (6/ 434) فقد أخطأ، وأصاب الدارقطني حين قال فيه:"لا يعتبر به"[سؤالات البرقاني (211)، التهذيب (3/ 392)، الميزان (2/ 164)، التقريب (393)، وقال: "أرسل عن أبي الدرداء، وهو ضعيف"].

3 -

ورواه:

***

91 -

. . . ثور، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حي المؤذن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصليَ وهو حَقِنٌ حتى يتخفَّف"، ثم ساق نحوه على هذا اللفظ، قال:"ولا يحلُّ لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤمَّ قومًا إلا بإذنهم، ولا يختصَّ نفسه بدعوة دونهم؛ فإن فعل فقد خانهم".

قال أبو داود: هذا من سنن أهل الشام لم يشركهم فيها أحد.

• حديث ضعيف

أخرجه الحاكم (1/ 168) مختصرًا. والبيهقي (3/ 129)، وساقه بتمامه ولفظه:"لا يحل لرجل -أو: لامرئ- أن يصلي وهو حاقن حتى يتخفف، ولا يحل لامرئ مسلم أن يؤمَّ قومًا إلا بإذنهم، ولا يخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا يحل لامرئ مسلم أن ينظر في قعر بيت فإن نظر فقد دمر -أو قال: فقد دخل-". ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (65/ 236).

ص: 370

قال البيهقي: "وقوله: "دمر" يعني: دخل بغير إذنهم"[وانظر: القاموس (503)].

وثور بن يزيد: حمصي قدري، ثقة ثبت في الحديث.

• وحاصل هذا الاختلاف: أن الطريق الثاني لا يصح عن يزيد بن شريح؛ فإن السفر بن نسير: ضعيف، لا يعتبر به.

وأما الأول والثالث: فمحفوظان عن يزيد، فالذين رووه عنه ثقات حفاظ، وتبرئتهم من الوهم فيه أولى من تبرئة يزيد بن شريح، وإن كان إسناد حديث ثوبان: أجود وأشهر، كما قال الترمذي، فقد رواه عن يزيد اثنان من الثقات، وتفرد بالآخر ثور بن يزيد.

قال الدارقطني في العلل (8/ 282/ 1568) بعد أن سرد الاختلاف في هذا الحديث: "والصحيح: عن معاوية بن صالح، عن السفر، عن يزيد بن شريح، عن أبي أمامة.

وعن حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح، عن أبي حي، عن ثوبان".

فلا أدري ما السبب في ترجيح الدارقطني رواية السفر [على ضعفه] على رواية ثور [على تثبته وضبطه]، مع كون كل منهما بلدي لشيخه، والطريق إليهما صحيح ثابت، إلا أن يكون مراده بيان المحفوظ عن معاوية بن صالح، فإن ثمة اختلاف وقع عليه، أو لكون الإسناد الذي رجحه كله شامي، والله أعلم.

وأيًّا كان: فإن هذا الحديث ضعيف، لا يصح ولا يثبت مثله، فإن مداره على يزيد بن شريح الحضرمي، روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال يعقوب بن سفيان:"حدثنا محمد بن مصفى، قال: حدثنا بقية، قال: حدثنا حبيب بن صالح -وهو حسن الحديث-، عن يزيد بن شريح -وهو من صالحي أهل الشام، حضرمي-"، وقال الدارقطني:"حمصي يعتبر به"[انظر ترجمته: الجرح والتعديل (9/ 271)، الثقات (5/ 541)، المعرفة والتاريخ (2/ 355)، سؤالات البرقاني (558)، تاريخ دمشق (65/ 234)، الميزان (4/ 429)، تاريخ الإسلام (7/ 277)، التهذيب (9/ 351)، وغيرها].

فمثل هذا وإن كان كما قال الذهبي: "تابعي، صالح الحديث"؛ إلا أنه لا يُقبل ما تفرد به من أصل وسُنَّة، فإن هذا الحديث لا يعرف إلا به، ولم يأت النهي عن اختصاص الإمام نفسه بالدعاء دون المأمومين إلا من طريقه؛ فكيف وقد جاء في السُّنَّة الصحيحة ما يعارضه، مما أخرجه الشيخان، واشتهر بين أهل العلم بالحديث صحته.

قال أبو داود: "هذا من سنن أهل الشام، لم يشركهم فيها أحد".

وقال ابن عبد البر في التمهيد: "ومثل هذا الخبر لا تقوم به حجة عند أهل العلم بالحديث".

وقال في الاستذكار (2/ 297): "وقد رُوي من حديث الشاميين في هذا الباب حديث: لا حجة فيه؛ لضعف إسناده، منهم من يجعله عن أبي هريرة، ومنهم من يجعله عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جدًّا".

وقال ابن خزيمة في صحيحه (3/ 63): "باب الرخصة في خصوصية الإمام نفسه

ص: 371

بالدعاء دون المأمومين، خلاف الخبر غير الثابت المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قد خانهم إذا خص نفسه بالدعاء دونهم"، ثم أخرج حديث أبي هريرة المتقق عليه [البخاري (744)، مسلم (598)، ابن خزيمة (1579 و 1630)]، في دعاء الاستفتاح "اللَّهُمَّ باعد بيني وبين خطاياي"، واستشهد أيضًا بحديث علي بن أبي طالب في الافتتاح: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض

" [مسلم (771)، ابن خزيمة (462 و 1631)]، وفي حديث علي هذا: دعاء الركوع والسجود، وما يقال بعد التشهد، وقبل التسليم، وكلها بالإفراد والخصوصية، وهذا باب واسع كبير، كله يرد هذا الحديث الذي تفرد به يزيد بن شريح هذا.

وقال ابن المنذر في الأوسط (4/ 236) بعد أن ترجم للمسألة بقوله: "ذكر الإمام يخص نفسه بالدعاء دون القوم"، قال:"ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا كبر في الصلاة وسكت هنيهة قبل القراءة: "اللَّهُمَّ باعد بيني وبين خطيئتي، كما باعدت ببن المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد"، وبهذا نقول.

وقد روينا عن غير واحد أنهم كرهوا ذلك، فممن روينا عنه أنه كره ذلك: عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وليس يثبت عن واحد منهما ما رُوي عنه

[ثم ذكر من قال به، ثم قال:] والشيء إذا صح [و] ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم اقتدي به، ووجب القول به" [وانظر: طبقات الشافعية الكبرى (3/ 104)].

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (23/ 116 - 119) عن هذا الحديث ومعناه وما يعارضه؟ فأجاب: "الحمد لله رب العالمين، قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة؟

[فذكر الحديث ثم قال:] فهذا حديث صحيح، صريح في أنه دعا لنفسه خاصة وكان إمامًا، وكذلك حديث علي في الاستفتاح

[ثم ساقه مع آخر، ثم قال:] وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد من فعله، ومن أمره، لم ينقل فيها إلا لفظ الإفراد

[ثم استشهد بأحاديث أخرى، ثم قال:] فهذه الأحاديث في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد

، وإذا عُرِف ذلك تبين أن الحديث المذكور -إن صح- فالمراد به الدعاء الذي يؤمِّن عليه المأموم -كدعاء القنوت-، فإن المأموم إذا أمَّن كان داعيًا، وإذا كان المأموم مؤَمِّنًا على دعاء الإمام فيدعو بصيغة الجمع، كما في دعاء الفاتحة في قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} [الفاتحة: 6]، فإن المأموم إنما أمَّن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما جميعًا، فإن لم يفعل فقد خان الإمام المأموم.

فأما المواضع التي يدعو كل إنسان فيها لنفسه، كالاستفتاح وما بعد التشهد ونحو ذلك، فكما أن المأموم يدعو لنفسه، فالإمام يدعو لنفسه

، وهذا الحديث لو كان صحيحًا صريحًا معارضًا للأحاديث المستفيضة المتواترة، ولعمل الأمة والأئمة؛ لم يلتفت

ص: 372

إليه، فكيف وليس من الصحيح! ولكن قد قيل: إنه حسن، ولو كان فيه دلالة لكان عامًّا، وتلك خاصة، والخاص يقضي على العام

، ولهذا جاء دعاء القنوت بصيغة الجمع: "اللهم إنا نستعينك ونستهديك

". اهـ كلامه.

وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 263): "والمحفوظ في أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة كلها بلفظ الإفراد

[وذكر أحاديث، ثم ذكر حديث ثويان، فقال:] قال ابن خزيمة في صحيحه وقد ذكر حديث "اللَّهُمَّ باعد بيني وبين خطاياي

" الحديث، قال: في هذا دليل على رد الحديث الموضوع [سبق نقل كلام ابن خزيمة من صحيحه وليس فيه حكمه عليه بالوضع؛ إنما قال: "غير الثابت"] "لا يؤم عبد قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم"، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث عندي في الدعاء الذي يدعو به الإمام لنفسه وللمأمومين، ويشتركون فيه كدعاء القنوت ونحوه، والله أعلم".

وانظر: النكت على ابن الصلاح لابن حجر (2/ 846).

وقد انتقد ابن القطان الفاسي أبا محمد عبد الحق الإشبيلي لإيراده حديث ثوبان في الأحكام الوسطى (4/ 46)، من طريق أبي داود ولم يبين أنه من رواية ابن عياش عن أهل بلده، فهي وإن كانت مستقيمة؛ إلا أن ابن عياش قد ضعفه قوم على الإطلاق، ووثقه قوم عن الشاميين، فيرى ابن القطان أنه يجب أن يقال لحديثه بأنه حسن [بيان الوهم (4/ 187/ 1670)].

قلت: لم ينفرد به ابن عياش؛ بل تابعه بقية وصفوان بن عمرو، وكان ينبغي أن يُعلَّه بيزيد بن شريح؛ فإنه علة الحديث، وينبغي لأجله أن يُرَدَّ الحديث ويضعَّف لما سبق بيانه، والله أعلم.

وأما تحسين الترمذي للحديث، فليس دليلًا على ثبوت الحديث عنده، وقد تقدم مرارًا الكلام على تحسين الترمذي، وأن الأصل فيه أنه داخل في قسم الضعيف حتى يأتي دليل على تقويته، وهو كما قال الذهبي في الميزان (4/ 416):"فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف".

• فالحديث في جملتيه الأخيرتين [غير جملة الدعاء: "لا يؤمُّ رجل قومًا فيخصَّ نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم"] قد رُوي من غير وجه، ففي الصحيح [البخاري (5924 و 6241 و 6901)، مسلم (2156)]: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر"، وفي صحيح مسلم (560)"لا صلا بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان"، وتقدم معنا برقم (89)، فهو حسن بهذا الاعتبار، وأما جملة الدعاء -في اختصاص الإمام نفسه بالدعاء دون المأمومين-: فلم يأت ما يشهد لصحتها بل أتى ما يدل على نكارتها وردها كما تقدم بيانه.

كذلك فإن الحديث ليس في إسناده متهم، وليس هو بالشاذ في جملتيه المذكورتين آنفًا، فهذا وجه تحسين الترمذي، والله أعلم.

ص: 373

وأما قول البخاري: "أصح ما يُروى في هذا الباب هذا الحديث": فليس هذا احتجاج منه بهذا الحديث، نعم إسناده محتمل للتحسين لولا انفراد تابعيه بأصل وسُنَّة، وهو ممن لا يحتمل منه هذا التفرد، ولولاه لصار حسنًا، فقوله:"أصح ما يُروى" لا يقتضي التصحيح ولا التحسين، بل غاية ما فيه أن إسناده أصلح من غيره، وقد أعرض البخاري في صحيحه عن هذا الحديث، فذكر في (79) كتاب الاستئذان، (11) باب الاستئذان من أجل البصر، (6241) حديث سهل بن سعد قال: اطَّلع رجلٌ من جُحْر في حُجَرِ النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مِدْرى يحُكُّ به رأسه، فقال:"لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر"[البخاري (5924 و 6241 و 6901)، مسلم (2156)]، ثم أتبعه بحديث أنس: أن رجلًا اطَّلع من بعض حُجَرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص -أو: بمشاقص-، فكأني أنظر إليه يخْتِلُ الرجلَ ليطعُنَه [البخاري (6242 و 6889 و 6900)، مسلم (2157)].

• ولحديث أبي هريرة في هذا الباب إسناد آخر بلفظ آخر:

يرويه أبو شهاب الحناط عبد ربه بن نافع الكناني [صدوق، تكلموا في حفظه]، عن إدريس بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُصل أحدكم وهو يدافعه الأخبثان".

أخرجه ابن حبان (5/ 428/ 2072)، بإسناد صحيح إلى أبي شهاب الحناط.

• خالفه في لفظه:

أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]، فرواه عن إدريس بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقوم أحدكم إلى الصلاة وبه أذى".

أخرجه ابن ماجه (618)، وإسحاق بن راهويه (1/ 415/ 467)، وابن أبي شيبة (2/ 185/ 7935).

ورواه محمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي، ووكيع بن الجراح [وهما: ثقتان حافظان]، قالا: ثنا داود، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقومَنَّ أحدكم إلى الصلاة وبه أذى، يعني: البول والغائط.

أخرجه أحمد (2/ 442 و 471).

قلت: إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي: ثقة، وأخوه: داود: ضعيف، وأبوهما: يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الزعافري، أبو داود الأودي: قال ابن المديني: "كان ثبتًا"، وقال العجلي:"كوفي تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه أربعة، وأخرج له الترمذي حديثًا (2004) من رواية عبد الله بن إدريس عن أبيه عن جده عن أبي هريرة، وقال:"صحيح غريب"، ولم يذكر الأودي سماعًا من أبي هريرة، وقد سمع علي بن أبي طالب، وعليه فسماعه من أبي هريرة محتمل، والله أعلم [التاريخ الكبير (8/ 347)، كنى البخاري (85)، كنى مسلم (1061)، الجرح والتعديل (9/ 277)، معرفة

ص: 374

الثقات (1639)، الثقات (5/ 542)، الضعفاء الكبير (2/ 41)، فتح الباب (2662)، تاريخ الإسلام (6/ 505) و (9/ 128)، التهذيب (4/ 421)].

فهو حديث حسن، والله أعلم.

• ومن فقه هذا الحديث:

ما بوَّبه أبو داود فقال: "أيصلي الرجل وهو حاقن؟ "، ويدخل في معناه: الصلاة بحضرة الطعام أو الشراب أو الجماع -يعني: وهو تائق إليها-.

قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (5/ 194): "فإن المطلوب من المصلي الإقبال على الله تعالى بقلبه وترك الالتفات إلى غيره، والخلو عن كل ما يشوش عليه من: نوم، وحقنة، وجوع، وكل ما يشغل البال ويغير الحال، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا حضر العَشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعَشاء" [البخاري (671 و 5465)، مسلم (558)] فراعى صلى الله عليه وسلم زوال كل مشوش يتعلق به الخاطر؛ حتى يقبل على عبادة ربه بفراغ قلبه وخالص لبه، فيخشع في صلاته ويدخل في هذه الآية:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون: 1، 2]. اهـ.

• وفي هذه الأحاديث: دليل على تقديم فضيلة حضور القلب على فضيلة أول الوقت، فإنها لما تزاحما قدم صاحب الشرع الوسيلة إلى حضور القلب على أداء الصلاة في أول الوقت [إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 178)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 298)، فتح الباري (2/ 189)].

قال العز بن عبد السلام في القواعد الكبرى (1/ 54): "وأما الإبراد بالظهر مع ما فيه من تفويت المبادرة إلى الصلاة، فإنه من باب تقديم مصلحة راجحة على مصلحة مرجوحة، فإن المشي إلى الجماعات في شدة الحر يشوش الخشوع الذي هو من أفضل أوصاف الصلاة، فقدم الخشوع -الذي هو من أفضل أوصاف الصلاة- على المبادرة التي لا تدانيه في الرتبة، ولهذا المعنى أمر بالمشي إلى الجماعات بالسكينة والوقار مع ما فيه من تفويت البدار وتكميل الاقتداء بالإمام؛ لأنه لو أسرع لانزعج وذهب خشوعه، فقدم الشرع رعاية الخشوع على المبادرة وعلى الاقتداء في جميع الصلوات، كذلك تؤخر الصلوات بكل ما يشوش الخشوع كإفراط الظمأ والجوع، وكذلك يؤخرها الحاقن والحاقب".

• أما حكم المسألة:

فإن ظاهر أحاديث النهي: نفي الصحة والإجزاء، والصحيح أنه فيه تفصيل يأتي بيانه في آخر الكلام.

قال النووي في شرح مسلم (5/ 46): "في هذه الأحاديث: كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله؛ لما فيه من اشتغال القلب به، وذهاب كمال الخشوع، وكراهتها مع مدافعة الأخبثين، وهما البول والغائط، ويلحق بهذا ما كان في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع، وهذه الكراهة عند جمهور أصحابنا وغيرهم؛ إذا صلى كذلك وفي

ص: 375

الوقت سعة، فإذا ضاق بحيث لو أكل أو تطهر خرج وقت الصلاة، صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها

، وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند الجمهور، لكن يستحب إعادتها ولا يجب".

قال العلامة ابن باز -رحمه الله تعالى- معلقًا على فتح الباري (2/ 161)[الأحاديث (671 - 674)]: "الأولى عدم استحباب الإعادة؛ لأن من صلى كما أمر فليس عليه إعادة، فقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، والله أعلم"، وقال الشيخ:"هذه الأحاديث وما في معناها: تدل على أن المشروع للمؤمن أن يعتني بحاجته قبل إتيان الصلاة، حتى لا تشغل باله بغيرها، وهذا من تعظيمها أن أمر بإزالة ما قد يشغله"[الحلل الأبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (1/ 215)].

والدليل على صرف النهي عن التحريم إلى الكراهة حديث عائشة: "لا صلاة بحضرة الطعام" قال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 206): "قد أجمعوا أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته ولم يترك من فرائضها شيئًا أن صلاته مجزية عنه، فكذلك إذا صلاها حاقنًا فأكمل صلاته، وفي هذا دليل على أن النهي عن الصلاة بحضرة الطعام من أجل خوف اشتغال بال المصلي بالطعام عن الصلاة وتركه إقامتها على حدودها، فإذا أقامها على حدودها خرج من المعنى المخوف عليه، وأجزأته صلاته لذلك".

قال ابن عبد البر (22/ 205): "واختلف الفقهاء فيمن صلى وهو حاقن: فقال ابن القاسم عن مالك: إذا شغله ذلك فصلى كذلك، فإني أحب أن يعيد في الوقت وبعده. وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبيد الله بن الحسن [قلت: وكذا الحنابلة]: يُكره أن يصلي وهو حاقن، وصلاته جائزة مع ذلك؛ إن لم يترك شيئًا من فرضها

، وقال الطحاوي: لا يختلفون أنه لو شغل قلبه بشيء من أمر الدنيا لم تستحب له الإعادة؛ كذلك إذا شغله البول".

وختم الكلام بقوله: "الذي نقول به: أنه لا ينبغي لأحد أن يفعله، فإن فعل وسلمت له صلاته أجزأت عنه، وبئسما صنع".

وقال في الاستذكار (2/ 297): "وقد أجمعوا أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته ولم يترك من فرائضها شيئًا: أن صلاته مجزية عنه، وكذلك إذا صلى حاقنًا فأكمل صلاته، وفي هذا دليل على أن الصلاة بحضرة الطعام إنما هو لأن لا يشتغل قلب المصلي بالطعام فيسهو عن صلاته ولا يقيمها بما يجب عليه فيها، وكذلك الحاقن، وإن كنا نكره لكل حاقن أن يبدأ بصلاته في حالته؛ فإن فعل وسلمت صلاته جزت عنه، وبئس ما صنع، والمرء أعلم بنفسه، فليست أحوال الناس في ذلك سواء، ولا الشيخ في ذلك كالشاب، والله أعلم".

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 494 - 495): "وتأوله بعض أصحابنا على أنه إن شغله حتى لا يدري كيف صلى فهو الذي يعيد قبل وبعد، وأما إن شغله شغلًا

ص: 376

لم يمنعه من إقامة حدودها وصلى ضامًا بين وركيه فهذا يعيد في الوقت [يعني: في تأويل قول مالك]، وذهب الشافعي والحنفي في مثل هذا إلى أنه لا إعادة عليه، وظاهر قول مالك في هذا استحباب الإعادة، وكلهم مجمعون: أن من بلغ به ما لا يعقل به صلاته ولا يضبط حدودها أنه لا تجزئه، ولا يحل له الدخول كذلك في الصلاة، وأنه يقطع الصلاة إن أصابه ذلك فيها" [وانظر: المفهم للقرطبي (2/ 165)].

وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (1/ 179 - 180): "ومدافعة الأخبثين: إما أن تؤدي إلى الأخلال بركن أو شرط، أو لا، فإن أدى إلى ذلك: امتنع دخول الصلاة معه، وإن دخل واختل الركن أو الشرط: فسدت بذلك الاختلال، وإن لم يؤدِّ إلى ذلك: فالمشهور فيه الكراهة".

ثم نقل كلام القاضي عياض ثم تعقبه بقوله: "فيه بعض إجمال، والتحقيق: ما أشرنا إليه أولًا

، وأما ما ذكر من التأويل: أنه لا يدري كيف صلى، أو ما قال القاضي عياض: أن من بلغ به ما لا يعقل صلاته، فإن أريد بذلك: الشك في شيء من الأركان، فحكمه حكم من شك في ذلك بغير هذا السبب، وهو البناء على اليقين، وإن أريد به: أنه يُذهب الخشوع بالكلية: فحكمه حكم من صلى بغير خشوع، ومذهب جمهور الأمة: أن ذلك لا يبطل الصلاة، وقول القاضي: ولا يضبط حدودها، إن أريد به: أنه لا يفعلها كما وجب عليه، فهو ما ذكرناه مبينًا، وإن أريد به أنه لا يستحضرها، فإن أوقع ذلك شكًا في فعلها، فحكمه حكم الشاك في الإتيان بالركن أو الإخلال بالشرط من غير هذه الجهة، وإن أريد به غير ذلك: من ذهاب الخشوع: فقد بيناه أيضًا".

ونقل ابن الملقن كلام ابن دقيق العيد وزاد عليه في الإعلام (2/ 303 - 305) ثم قال: "فتخلص أن لمدافع الأخبثين أربعة أحوال:

أحدها: أن يكون بحيث لا يعقل بسببها الصلاة، وضبط حدودها، فلا تحل له الصلاة، ولا الدخول فيها إجماعًا.

ثانيها: أن يكون بحيث يعقلها مع ذهاب خشوعه بالكلية.

ثالثها: أن يكون بحيث يؤدي إلى الإخلال بركن أو شرط.

رابعها: أن يكون بحيث يؤدي إلى الشك في شيء من الأركان.

وقد عرفت حكم ذلك".

وقال ابن قدامة في المغني (1/ 364): "فهذان من الأعذار التي يعذر بها في ترك الجماعة والجمعة لعموم اللفظ؛ فإن قوله: "وأقيمت الصلاة" عام في كل صلاة، وقوله: "لا صلاة" عام أيضًا".

وفي كشاف القناع (1/ 371)، والإنصاف (2/ 92) وغيرها: أنه إنما يكره ابتداء الصلاة وهو حاقن أو حاقب أو حازق أو تائق إلى طعام أو شراب أو جماع، لا من طرأ عليه ذلك وهو في الصلاة فلا تكره.

ص: 377

- رضي الله عنه وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله للإمامين أحمد وإسحاق: "قلت: إذا وجد البول وهو في الصلاة؟ قال [الإمام أحمد]: أما قبل الدخول فلا يدخل حتى يبدأ بالخلاء، وإذا كان في الصلاة ما لم يشغله ويثبت فلا ينصرف. قال إسحاق: كما قال وأحسن الإجابة"[مسائل إسحاق بن منصور الكوسج (91)][وانظر: مسائل ابنه عبد الله (300)].

قال ابن رجب في الفتح (4/ 105): "وحاصل الأمر: أنه إذا حضر الطعام كان عذرًا في ترك صلاة الجماعة، فيقدم تناول الطعام، وإن خشي فوات الجماعة، ولكن لابد أن يكون له ميل إلى الطعام، ولو كان ميلًا يسيرًا

، فأما إذا لم يكن له ميل بالكلية إلى الطعام: فلا معنى لتقديم الأكل على الصلاة".

وقال أيضًا (4/ 109): "وبكل حال: فلا يرخص مع حضور الطعام في غير ترك الجماعة، فأما الوقت فلا يرخص بذلك في تفويته عند جمهور العلماء، ونص عليه أحمد وغيره، وشذت طائفة فرخصت في تأخير الصلاة عن الوقت بحضور الطعام أيضًا، وهو قول بعض الظاهرية، ووجه ضعيف للشافعية حكاه المتولي وغيره".

وقال أيضًا (4/ 110): "ومتى خالف، وصلى بحضرة طعام تتوق نفسه إليه: فصلاته مجزئة عند جميع العلماء المعتبرين، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن عبد البر وغيره، وإنما خالف فيه شذوذ من متأخري الظاهرية، لا يعبأ بخلافهم الإجماع القديم".

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن الحاقن: أيما أفضل: يصلي بوضوء محتقنًا، أو أن يحدث ثم يتيمم لعدم الماء؟

فأجاب: "صلاته بالتيمم بلا احتقان أفضل من صلاته بالوضوء مع الاحتقان، فإن هذه الصلاة مع الاحتقان مكروهة، منهي عنها، وفي صحتها روايتان، وأما صلاته بالتيمم فصحيحة، لا كراهة فيها بالاتفاق، والله أعلم"[مجموع الفتاوى (21/ 473)].

• فائدة:

قال ابن حجر في الفتح (2/ 190): "قال ابن الجوزي: ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الحق؛ ليَدخل الخلقُ في عبادته بقلوب مقبلة، ثم إن طعام القوم كان شيئًا يسيرًا لا يقطع عن لحاق الجماعة غالبًا".

• وفي الباب فروع كثيرة تركنا ذكرها طلبًا للاختصار، تراجع في المراجع السابق ذكرها، ومما لم يذكر: المجموع شرح المهذب (3/ 61) و (4/ 38)، معالم السنن (1/ 39)، شرح مشكل الآثار (2/ 376 - ترتيبه)، المبدع (1/ 478)، الموسوعة الفقهية، احتقان. وغيرها كثير.

***

ص: 378