المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌41 - باب الوضوء بماء البحر - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - باب التخلي عند قضاء الحاجة

- ‌2 - باب الرجل يتبوأ لبوله

- ‌3 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء

- ‌4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

- ‌5 - باب الرخصة في ذلك

- ‌6 - باب كيف التكشف عند الحاجة

- ‌7 - باب كراهية الكلام عند الخلاء [وفي نسخة: عند الحاجة]

- ‌8 - باب في الرجل يردُّ السلام وهو يبول

- ‌9 - باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر

- ‌10 - باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء

- ‌11 - باب الاستبراء من البول

- ‌12 - باب البول قائمًا

- ‌13 - باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده

- ‌(1/ 1843/160 - 1847).***14 -باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها

- ‌15 - باب في البول في المستحم

- ‌16 - باب النهي عن البول في الجحر

- ‌17 - باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء

- ‌18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء

- ‌19 - باب الاستتار في الخلاء

- ‌20 - باب ما يُنهى عنه أن يُستنجى به

- ‌21 - باب الاستنجاء بالحجارة

- ‌22 - باب الاستبراء

- ‌23 - باب في الاستنجاء بالماء

- ‌ 251).***24 -باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى

- ‌25 - باب السواك

- ‌ 208)].***26 -باب كيف يستاك

- ‌27 - باب في الرجل يستاك بسواك غيره

- ‌28 - باب غسل السواك

- ‌29 - باب السواك من الفطرة

- ‌38)].***30 -باب السواك للذي قام من الليل

- ‌31 - باب فرض الوضوء

- ‌32 - باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث

- ‌33 - باب ما ينجس الماء

- ‌ 343)].***34 -باب ما جاء في بئر بضاعة

- ‌35 - باب الماء لا يجنب

- ‌36 - باب البول في الماء الراكد

- ‌37 - باب الوضوء بسؤر الكلب

- ‌ 304)].*** •38 -باب سؤر الهرة

- ‌39 - باب الوضوء بفضل وضوء المرأة

- ‌40 - باب النهي عن ذلك

- ‌41 - باب الوضوء بماء البحر

- ‌42 - باب الوضوء بالنبيذ

- ‌43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن

- ‌44 - باب ما يجزئ من الماء في الوضوء

- ‌4).***45 -باب الإسراف في الماء

- ‌46 - باب في إسباغ الوضوء

- ‌47 - باب الوضوء في آنية الصفر

الفصل: ‌41 - باب الوضوء بماء البحر

وابن عمر وأم صُبية وأنس وابن عباس وميمونة وغيرهم، راجع الأحاديث المتقدمة برقم (77 - 80).

2 -

قد صح في النهي عن تطهر الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل مع إباحة اغترافهما جميعًا: حديث حميد بن عبد الرحمن عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم[تقدم برقم 281 و 81)]، وأما ما في معناه من حديث الحكم بن عمرو الغفاري وعبد الله بن سرجس وعلي بن أبي طالب فلا يصح منها شيء، والعمدة على الأول.

3 -

يمكن الجمع بين الدليلين على حمل النهي على الكراهة، مع جواز الأول، والله أعلم.

قال ابن المنذر في الأوسط (1/ 295): "والذي نقول به الرخصة في أن يغتسل كل واحد منهما ويتوضأ بفضل طهور صاحبه، وإن كانا جنبين أو أحدهما، أو كانت المرأة حائضًا، وسواء في ذلك خلت به أو لم تخل به، لثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على صحة ذلك

[ثم أسند بعضها، ثم قال:] وحديث ابن عباس يدل على إغفال قول من قال: إذا خلت المرأة به فلا يتوضأ منه".

ثم أسند حديث ابن عباس الَّذي أخرجه أصحاب السنن [تقدم برقم (68)، وهو حديث صحيح، في اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة، وقد خلت به في طهارة كاملة من جنابة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الماء لا يجنب"، قال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح، وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (14/ 165): "والذي ذهب إليه جمهور العلماء وجماعة فقهاء الأمصار: أنَّه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، وتتوضأ المرأة بفضله؛ انفردت بالإناء أو لم تنفرد، وفي مثل هذا آثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح، والذي يُذهب إليه: أن الماء لا ينجسه شيء إلا ما ظهر فيه من النجاسات، أو غلب عليه منها، فلا وجه للاشتغال بما لا يصح من الآثار والأقوال، والله المستعان"، ثم أسند حديث ابن عمر، وقال على إثره:"وهذا على عمومه يجمع الانفراد وغير الانفراد، والله أعلم".

وفي الباب آثار كثيرة عن الصحابة، والمعوَّل على ما صح من المرفوع.

وانظر قول الإمام أحمد في المسألة: مسائل ابنه عبد الله (18 و 19)، مسائل ابنه صالح (437)، مسائل أبي داود (15)، مسائل الكوسج (57).

***

‌41 - باب الوضوء بماء البحر

83 -

. . . صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق، أن المغيرة بن أبي بردة -وهو من بني عبد الدار- أخبره، أنَّه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل

ص: 340

من الماء، فإن توضأنا به عطِشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هو الطهورُ ماؤه، الحِلُّ مَيْتَتُه".

• حديث صحيح

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 478)، والترمذي (69)، وأبو علي الطوسي

في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(60)، والنسائي (1/ 50 و 176/ 59 و 332) و (7/

207/ 4350)، وابن ماجة (386 و 3246)، والدارمي (1/ 201/ 729) و (2/ 126/ 2011)، وابن خزيمة (1/ 59/ 111)، وابن حبان (4/ 49/ 1243) و (12/ 62 / 5258)، وابن الجارود (43)، والحاكم (140/ 1 - 141 و 141)، ومالك (1/ 55/ 45)، والشافعي في الأم (1/ 3)، وفي المسند (7)، وأحمد (2/ 237 و 361 و 392)، والقاسم بن سلام في الطهور (220)، وابن أبي شيبة (1/ 122/ 1392)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 247/ 157 و 158)، والطحاوي في المشكل (6/ 401 / 4468 و 4469 - ترتيبه)، وفي أحكام القرآن (59 و 60)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (5)، والجوهري في مسند الموطأ (441)، والدارقطني (1/ 36)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (87)، والبيهقي في السنن (1/ 3) و (9/ 52 2)، وفي المعرفة (1/ 132 - 133/ 2 - 4)، والخطيب في التاريخ (9/ 129)، وفي تلخيص المتشابه (2/ 723)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 55 - 56/ 281)، وفي التفسير (2/ 67)، والجوزقاني في الأباطيل (1/ 522/ 331)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (20/ 279) و (37/ 316)، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (2/ 555)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 31)، والرافعي في التدوين (3/ 37)، وابن دقيق العيد في الإمام (1/ 101)، والمزي في التهذيب (10/ 481).

قال الإمام البخاري: "هو حديث صحيح"[العلل الكبير للترمذي (33)].

وقال الترمذي في الجامع: "هذا حديث حسن صحيح".

وقال ابن المنذر: "ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في ماء البحر: "هو الطهورُ ماؤه، الحِلُّ مَيْتَتُه".

وقال ابن حبان في المجروحين (2/ 299): "صحيح من حديث أبي هريرة"[بتصرف]، وقد أخرجه في صحيحه.

وقال البغوي: "هذا حديث حسن صحيح".

وقال الجوزقاني في الأباطيل: "هذا حديث حسن، لم نكتبه إلا بهذا الإسناد، وهو إسناد متصل ثابت".

واحتج به مالك فاودعه موطأه، وكذلك احتج به أبو داود فسكت عليه، واحتج به النسائي في المجتبي فلم يذكر اختلافًا في إسناده، ووثق رواته، وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والبيهقي والخطابي وابن منده وابن العربي وابن تيمية وغيرهم

ص: 341

[الإمام (1/ 98)، أحكام القرآن (1/ 78) و (3/ 4)، القبس (2/ 637)، مجموع الفتاوى (21/ 26)، البدر المنير (1/ 350)].

وقال ابن الأثير في الشافي في شرح مسند الشافعي: جهذا حديث صحيح مشهور، أخرجه الأئمة في كتبهم، واحتجوا به، ورجاله ثقات" [البدر المنير (1/ 350)، وقد سقط من المطبوع من شرح المسند (1/ 61) لسقوطه من المخطوط].

وقال النووي: "حديث صحيح"[المجموع (1/ 127 و 130)، شرح مسلم (13/ 86)].

وقال ابن الملقن في البدر المنير (1/ 348): "هذا الحديث صحيح جليل".

وقال في طرح التثريب (6/ 10): "حديث صحيح".

وصححه الألباني في صحيح السنن، وفي الإرواء (9)، وفي الصحيحة (485).

• إلا أن هناك من أهل العلم من طعن في صحته من قبل الإسناد:

قال الشافعي: "في إسناده من لا أعرفه".

وقال ابن حزم: "لا يصح"[المحلى (1/ 221)].

وقال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 107): "لا أدري ما هذا من البخاري رحمه الله، ولو كان عنده صحيحًا لأخرجه في مصنفه الصحيح عنده، ولم يفعل لأنَّه لا يعوِّل في الصحيح إلا على الإسناد، وهذا الحديث: لا يحتج أهل الحديث بمثل إسناده، وهو عندي صحيح؛ لأنَّ العلماء تلقوه بالقبول له والعمل به، ولا يخالف في جملته أحد من الفقهاء، وإنما الخلاف في بعض معانيه على ما نذكر إن شاء الله".

وكان قبلُ أعلَّ إسناده بجهالة سعيد بن سلمة، فقال:"فهو مجهول؛ لا تقوم به حجة عندهم"، ثم تردد في جهالة المغيرة بن أبي بردة.

وقال في الاستذكار (1/ 158): "وهو مرسل؛ لا يصح فيه الاتصال" وانظر: (5/ 286).

وقال ابن دقيق العيد في الإمام: "وهذا الحديث يعل بأربع علل"، وهي:

1 -

جهالة سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة.

2 -

الاختلاف في اسم سعيد بن سلمة.

3 -

الإرسال: لأنَّه وقع في بعض طرقه: عن يحيى بن سعيد عن المغيرة بن أبي بردة: أن ناسًا من بني مدلج أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث.

4 -

الاضطراب.

[انظر: شرح مشكل الآثار. الإمام (1/ 99)، النفح الشذي (2/ 155)، البدر المنير (1/ 351)، نصب الراية (1/ 96)].

قلت: أما اعتراض ابن عبد البر على تصحيح البخاري له، بأنه لو كان صحيحًا عنده لأخرجه في صحيحه: فمردود؛ لأنَّ البخاري لم يلتزم في جامعه استيعاب الصحيح عنده

ص: 342

[شرح الإلمام (1/ 179)، النفح الشذي (2/ 159)، البدر المنير (1/ 350)، التلخيص (1/ 8)].

وهذه العلل كلها ساقطة، وإسناد مالك: صحيح، رجاله ثقات.

• وقد تابع مالكًا عليه، فرواه عن صفوان بن سليم [المدني الثقة]: عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي المدني [صدوق يهم. التقريب (518)]، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني [صدوق. التقريب (570)]، وإسحاق بن إبراهيم بن سعيد المدني المزني [لين الحديث. التقريب (125)]: أربعتهم عن صفوان به.

[وانظر: إتحاف المهرة (15/ 612)، علل الدارقطني (9/ 8)].

• وتابع صفوان بن سليم المدني: الجلاح أبو كثير المصري مولى الأمويين [صدوق. التقريب (205)]، لكن اختلف عليه في اسم سعيد بن سلمة:

1 -

رواه ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن الجلاح، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم . . . الحديث.

أخرجه البخاري في التاريخ (3/ 478)، والبيهقي في المعرفة (1/ 134/ 7).

وهذا إسناد مصري، غاية في الصحة إلى الجلاح.

2 -

ورواه الليث بن سعد، واختلف عليه:

أ - فرواه يحيى بن عبد الله بن بكير [مصري، ثقة في الليث. التقريب (1059)]، وشعيب بن الليث بن سعد [ثقة نبيل فقيه، من أثبت الناس في أبيه. التقريب (438)، سؤالات ابن بكير (53)]، وأبو النضر [هاشم بن القاسم: بغدادي، ثقة ثبت. التقريب (1017)]، وعبد الله بن عبد الحكم بن أعين [مصري، ثقة. التهذيب (2/ 370)]:

رواه أربعتهم: يحيى بن بكير، وشعيب بن الليث، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعبد الله بن عبد الحكم: عن اللبث بن سعد، عن يزيد بن أبي جبيب: حدثني الجلاح أبو كثير، أن سعيد بن سلمة المخزومي حدثه، أن المغيرة بن أبي بردة أخبره، أنَّه سمع أبا هريرة يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فجاءه صياد، فقال: يا رسول الله! إنا ننطلق في البحرين نريد الصيد، فيحمل أحدنا معه الإداوة أو الاثنين وهو يرجو أن يجد الصيد قريبًا، فربما وجده كذلك، وربما لم يجد الصيد حتَّى يبلغ من البحرين مكانًا لم يظن أن يبلغه، فلعله يحتلم أو يتوضأ، فإن اغتسل أو توضأ به في كل صلاة فقد الماء، فلعل أحدنا أن يُهلِكه العطش فما ترى يا رسول الله في ماء البحر، أنغتسل به أو نتوضأ إذا خفنا ذلك؟ فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"نعم، فاغتسلوا منه، وتوضؤوا؛ فإنه الطهور ماؤه، الحل ميتته".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 478)، والحاكم (1/ 141)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الطهور (221)، والطحاوي في المشكل (6/ 403 - 404/ 4473 - ترتيبه)، وفي أحكام القرآن (63 و 64)، والبيهقي في السنن (1/ 3)، وفي المعرفة (1/ 133 - 134/ 5 و 6).

ص: 343

وتابع الليث بن سعد على هذا الوجه: ابن لهيعة [ضعيف، يكتب حديثه في المتابعات والشواهد]، فرواه عن يزيد به هكذا، إلا أنَّه قال: الجلاخ، بالخاء المعجمة.

أخرجه أبو عبيد في الطهور (222).

• وخالف هؤلاء الثقات الأربعة:

ب - قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت. التقريب (799)]، فرواه عن الليث، عن الجلاح أبي كثير، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

أخرجه أحمد (2/ 378)، والدولابي في الكنى (3/ 935/ 1637).

ووهم فيه قتيبة مرتين: الأُولى: بإسقاط يزيد بن أبي حبيب من بين الليث والجلاح، والثانيه: بإسقاط سعيد بن سلمة من بين الجلاح والمغيرة، والمحفوظ إثباتهما في الإسناد، كما رواه الجماعة عن الليث، لا سيما وفيهم من أهل بيته ابنه شعيب، وأهل بيت الرجل أعلم بحديثه من غيرهم، أضف إلى ذلك أن شعيبًا من أثبت الناس في أبيه الليث، وتابعه على ذلك: ابن بكير، وهو ثبت في الليث أيضًا، ثم أبو النضر وهو ثقة ثبت، ثم عبد الله بن عبد الحكم، وهو مصري ثقة، فظهر بذلك وهم قتيبة في هذا الإسناد، وقصة وهم قتيبة في حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين الَّذي رواه عن الليث مشهورة عند أهل العلم.

وهذا التحقيق خلاف ما ذهب إليه العلامة الألباني - رحمه الله تعالى - في الصحيحة (480) من ترجيح رواية قتيبة بن سعيد على رواية ابن بكير؛ وذلك لعدم اطلاعه على المتابعات التي ذكرناها.

وهذا أيضًا: إسناد مصري صحيح إلى الجلاح، وقد صرح يزيد فيه بالتحديث.

لكن اختلف فيه على يزيد:

1 -

فرواه الليث بن سعد عنه به هكذا.

2 -

ورواه ابن إسحاق عنه واختلف عليه:

أ - فرواه محمد بن سلمة [الحراني: ثقة. التقريب (849)] عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الجلاح، عن عبد الله بن سعيد المخزومي، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

أخرجه البخاري في التاريخ (3/ 478)، والدارمي (1/ 201/ 728) وزاد:"عن أبيه" بعد المغيرة، وهو وهم. والطحاوي في المشكل (6/ 405 - 406/ 4475 - ترتيبه)، والبيهقي في المعرفة (1/ 134 - 135/ 8).

ب - تابعه عبد الرحمن بن مغراء [صدوق، حدث عن الأعمش بأحاديث لم يتابع عليها. التقريب (600) التهذيب (5/ 179)]، فرواه عن ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن اللجلاج - وكان رضىً -، عن عبد الله بن سعيد المخزومي، عن مغيرة بن أبي بردة الكناني، عن أبي هريرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم . . . الحديث، كذا قال: اللجلاج.

ص: 344

أخرجه البخاري في التاريخ (3/ 479)، ومن طريقه: البيهقي في المعرفة (1/ 135/ 8).

ج - خالفهما: سلمة بن الفضل الأبرش [صدوق كثير الأخطأ، من أثبت الناس في ابن إسحاق. التقريب (401)، التهذيب (3/ 439)]، فرواه عن ابن إسحاق، عن يزيد، عن اللجلاج، عن سلمة بن سعيد، عن المغيرة بن أبي بردة حليف بني عبد الدار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البخاري في التاريخ. ومن طريقه: البيهقي في المعرفة.

قال في المعرفة: "قال البخاري: وحديث مالك أصح، واللجلاج خطأ"، وليست في المطبوع من التاريخ.

وفي هذا إشارة إلى أن محمد بن إسحاق لم يضبط إسناد هذا الحديث عن يزيد، وقد اضطرب فيه، فمرة يقول:"عبد الله بن سعيد المخزومي"، ومرة يقول:"سلمة بن سعيد"، ومرة يقول:"عن الجلاح"، وأخرى يقول:"عن اللجلاج".

والليث بن سعد أثبت من مائة مثل ابن إسحاق، وإسناد الليث هو المحفوظ، وقد تابعه عليه: ابن لهيعة عن يزيد، وتابع يزيد بن أبي حبيب: عمرو بن الحارث فرواه عن الجلاح مثله، وقد تقدم، وهؤلاء مصريون، وابن إسحاق: مدني.

قال البيهقي في المعرفة (1/ 135): "الليث بن سعد أحفظ من محمد بن إسحاق، وقد أقام إسناده عن يزيد بن أبي حبيب، وتابعه على ذلك: عمرو بن الحارث عن اللجلاج [كذا، والصواب عن الجلاح]، فهو أولى أن يكون صحيحًا".

فظهر بذلك أن عمرو بن الحارث ويزيد بن أبي حبيب قد رويا هذا الحديث: عن الجلاح، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

فزالت بذلك دعوى الاختلاف في اسم سعيد بن سلمة، وإنما الَّذي اضطرب في اسمه هو ابن إسحاق، وقد حفظه غيره.

وزالت أيضًا: دعوى جهالة سعيد بن سلمة بن الأزرق المخزومي؛ فقد روى عنه ثقتان: صفوان بن سليم المدني، والجلاح أبو كثير المصري، وقال النسائي:"ثقة"، وحسبك به في الجرح والتعديل، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له هذا الحديث جماعة من كبار الأئمة في مقدمتهم: البخاري والترمذي وابن خزيمة وغيرهم، وأدخله مالك في موطئه، فماذا بعدُ؟! [وانظر في هذا المعنى: حديث أبي قتادة في سؤر الهرة المتقدم برقم (75)].

• ولم ينفرد سعيد بن سلمة به عن المغيرة، فقد رواه أيضًا: يزيد بن محمد القرشي ويحيى بن سعيد الأنصاري.

1 -

أما رواية يزيد بن محمد القرشي:

فأخرجها الحاكم (1/ 142)، والبيهقي في السنن (1/ 4)، وفي المعرفة (1/ 135/ 9).

من طريق عبيد بن عبد الواحد بن شريك، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثني

ص: 345

يحيى بن أيوب، قال: حدثني خالد بن يزيد، أن يزيد بن محمد القرشي حدثه، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، قال: أتى نفر من بني فراس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نصير في البحر فنتزود معنا من الماء العذب، فربما تخوَّفنا العطش، فهل يصلح أن نتوضأ من ماء البحر [من البحر المالح]؟ كما فقال:"نعم، توضؤوا منه، وحل ميت ما طرح".

وهذا إسناد حسن، ما بين عبيد وأبي هريرة كلهم مصريون، أما عبيد بن عبد الواحد فهو: بغدادي صدوق، حدث عن جماعة من أهل مصر [تاريخ بغداد (11/ 99)، سؤالات الحاكم (154)، الثقات (8/ 434)، سير أعلام البلاء (13/ 385)، اللسان (4/ 140)].

وابن أبي مريم: هو سعيد بن الحكم: مصري، ثقة ثبت، ويحيى بن أيوب هو الغافقي المصري: صدوق ربما أخطأ، وخالد بن يزيد: هو الجمحي السكسكي المصري: ثقة فقيه، ويزيد بن محمد: هو ابن قيس بن مخرمة القرشي المطلبي البصري، مدني الأصل، نزيل مصر: ثقة، والمغيرة يأتي الكلام عليه بعدُ.

2 -

وأما رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، فقد اختلف عليه فيه اختلافًا شديدًا، والاضطراب فيه منه؛ كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 9).

قال البيهقي في المعرفة (1/ 137): "هذا الاختلاف يدل على أنَّه لم يحفظه كما ينبغي".

أخرج روايته هذه: البخاري في التاريخ (5/ 205)، والحاكم (1/ 141 - 142)، وأحمد (5/ 365)، وعبد الرزاق (1/ 94/ 321)، وابن أبي شيبة (1/ 121/ 1378)، وأبو عبيد في الطهور (223)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 291 / 2818)، والطحاوي في المشكل (6/ 401 - 402/ 4470 و 4471 - ترتيبه)، وفي أحكام القرآن (61)، والدارقطني في العلل (9/ 13)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3145/ 7240)، والبيهقي في المعرفة (1/ 136 و 137/ 10 - 18)، وابن عبد البر في التمهيد (96/ 211).

وانظر وجوه الاختلاف على يحيى بن سعيد: مشكل الآثار، وعلل الدارقطني، والمعرفة للبيهقي. البدر المنير (1/ 360).

• قال الحافظ ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 100): "قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: "فاتفاق صفوان والجلاح: مما يوجب شهرة سعيد بن سلمة، واتفاق يحيى بن سعيد وسعيد بن سلمة على المغيرة بن أبي بردة: مما يوجب شهرة المغيرة، فصار الإسناد مشهورًا" ثم قال:"فتلخص أن المغيرة بن أبي بردة: روى عنه ثلاثة: يحيى بن سعيد، ويزيد بن محمد، وسعيد بن سلمة، وأن سعيد بن سلمة روى عنه: صفوان بن سليم، والجلاح، وبطلت دعوى من ادعى انفراد سعيد عن المغيرة، وانفراد صفوان عن سعيد".

وانظر: شرح الإلمام لابن دقيق العيد (1/ 178)، البدر المنير (1/ 353).

• وبذلك تزول دعوى الجهالة عن المغيرة بن أبي بردة، فقد روى عنه ثلاثة من الثقات: يحيى بن سعيد الأنصاري [إلا أنَّه اضطرب فيه، ولم يقم إسناده]، ويزيد بن محمد

ص: 346

القرشي، وسعيد بن سلمة، وقد روى عنه غيرهم غير هذا الحديث، وقال أبو داود:"معروف"، وقال النسائي:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، ولي غزو البحر لسليمان بن عبد الملك، وكان وجهًا من وجوه التابعين بأفريقية [التهذيب (8/ 296)].

قال الحاكم في المستدرك (1/ 142): "

أن هذه المتابعات والشواهد لهذا الأصل الَّذي صدر به مالك كتابه الموطأ، وتداوله فقهاء الإسلام رضي الله عنهم، من عصره إلى وقتنا هذا، وأن مثل هذا الحديث لا يعلل بجهالة سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة، على أن اسم الجهالة مرفوع عنهما بهذه المتابعات".

• وتزول أيضًا: دعوى الاضطراب والإرسال، فإنما وقع هذا من يحيى بن سعيد الأنصاري نفسه، وقد حفظه غيره وأقام إسناده.

• وبهذا بظهر بوضوح: أن هذا الحديث: حديث صحيح، كما قال البخاري والترمذي وغيرهما، وأفضل من حفظه وأقام إسناده هو الإمام مالك رحمه الله تعالى.

قال البخاري: "وحديث مالك أصح".

وقال الدارقطني: "وأشبهها بالصواب: قول مالك ومن تابعه عن صفوان بن سليم"[العلل (9/ 13)].

وقال العقيلي بعد أن ساق بعض الاختلاف فيه على الأوزاعي، مما لا يصح عنه، وختمه بطريق مالك فقال:"وهو الصواب"[ضعفاء العقيلي (2/ 132)].

وقال البيهقي في المعرفة (1/ 137 - 138): "وقد أقام إسناده: مالك بن أَنس عن صفوان بن سليم، وتابعه على ذلك: الليث بن سعد عن يزيد عن الجلاح أبي كثير، ثم عمرو بن الحارث عن الجلاح: كلاهما عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة، ثم يزيد بن محمد القرشي عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فصار الحديث بذلك صحيحًا، كما قال البخاري في رواية أبي عيسى عنه، والله أعلم".

• ولحديث أبي هريرة هذا أسانيد أخرى، لا يصح منها شيء، إنما هي أباطيل؛ تفرد بها المجاهيل عن المشاهير، أو لا تصح إلى رواتها عن المذكورين [انظر مثلًا: أحكام القرآن للطحاوي (62)، ضعفاء العقيلي (2/ 132)، المجروحين (2/ 39 - 40 و 299)، الكامل (6/ 153)، علل الدارقطني (9/ 7/ 1614)، المستدرك (1/ 142)].

• ورُوي هذا الحديث أيضًا: عن أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، والعركي، والفراسي، وغيرهم، ولا يصح منها شيء [انظر: المستدرك. شرح مشكل الآثار. أحكام القرآن (65)، سنن الدارقطني (1/ 35)، علل الدارقطني (9/ 12)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (4/ 1913/ 4808)، سنن البيهقي (1/ 4)، غوامض الأسماء المبهمة (2/ 556)، كان الوهم (2/ 440/ 445)، الإمام (1/ 109)، البدر المنير (1/ 363 - 374)].

ص: 347

• وأحسن ما روي فيه غير ما تقدم عن أبي هريرة:

حديث جابر، وله إسنادان:

• الأول: يرويه أبو القاسم بن أبي الزناد: أخبرني إسحاق بن حازم، عن ابن مقسم -يعني: عبيد الله بن مقسم-، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر:"هو الطهور ماؤه، الحل ميتته".

أخرجه ابن ماجة (388)، وأبو الحسن القطان في زوائده عليه (388 م)، وابن خزيمة (1/ 59/ 112)، وابن حبان في صحيحه (4/ 51 / 1244)، وفي المجروحين (2/ 139 و 303)، وابن الجارود (879)، وأحمد (3/ 373)، وابنه عبد الله في العلل ومعرفة الرجال (3/ 41)، والدارقطني (1/ 34)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 229)، والبيهقي (1/ 253) و (9/ 252)، والخطيب في التاريخ (14/ 398)، وفي المتفق والمفترق (3/ 1429/ 812)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 31)، والمزي في التهذيب (34/ 192).

وهذا إسناد مدني صحيح، رجاله ثقات إلا أنَّه فرد غريب.

وقد سأل الترمذي الإمام البخاري عن هذا الحديث فقال: "لا أعرفه إلا من حديث أبي القاسم بن أبي الزناد"، فقال الترمذي:"رواه غير أحمد بن حنبل؟ " قال: "نعم"[العلل الكبير (35)].

• وقد أخطأ فيه خطأ فاحشًا، ووهم فيه وهمًا قبيحًا:

عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، المعروف بابن أبي ثابت [وهو: متروك، منكر الحديث. التقريب (615)، التهذيب (5/ 252)]، فرواه عن إسحاق بن حازم الزيات مولى آل نوفل، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر؟ فقال:"هو الطهور ماؤه، الحل ميتته".

أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 139)، والدارقطني في السنن (1/ 34).

قال ابن حبان: "وهو خطأ فاحش: إنما هو عن إسحاق بن حازم، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم" ثم أسنده ثم قال: "والخبر عن أبي بكر الصديق مشهور قوله غير مرفوع من حديث عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق".

وقال الدارقطني في العلل (1/ 220/ 6): "هو حديث تفرد به عبد العزيز بن أبي ثابت الزهري، وهو عبد العزيز بن عمران بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف: مديني ضعيف الحديث، رواه عن إسحاق بن حازم الزيات، عن وهب بن كيسان، عن جابر، عن أبي بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإسحاق بن حازم هذا: شيخ مديني ليس بالقوي، وقد اختلف عنه في إسناد هذا الحديث

، وقد رُوي هذا الحديث عن أبي بكر الصديق موقوفًا من قوله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من رواية صحيحة عنه، حدث به عبيد الله بن عمر عن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن أبي بكر قوله".

ص: 348

وحديث أبي بكر الموقوف: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 121 / 1379)، والدارقطني في السنن (1/ 35)، وفي العلل (1/ 240/ 41)، وقال بعد أن ذكر الاختلاف في رفعه ووقفه:"والموقوف أصح"، وكذا قال في الموضع الأول (1/ 220/ 6).

وانظر فيمن وهم على عبيد الله بن عمر العمري في رفعه: المجروحين (1/ 355).

• الإسناد الثاني: يرويه المعافى بن عمران، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في البحر:"هو الطهور ماؤه، الحلال ميتته".

أخرجه الحاكم (1/ 143)، والدارقطني (1/ 34)، والطبراني في الكبير (2/ 186/ 1759).

قال أبو علي بن السكن: "حديث جابر أصح ما رُوي في هذا الباب".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (1/ 363): "وهذا سند على شرط الصحيح، إلا أنَّه يخشى أن يكون ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير فإنه مدلس، وأبو الزبير مدلس أيضًا، وقد عنعنا في هذا الحديث".

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 11): "وإسناده حسن، ليس فيه إلا ما يخشى من التدليس".

قلت: هو سند صحيح، ليس فيه إلا ما يخشى من تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، وأما أبو الزبير: فما لم يسمعه من جابر فإنما هو من كتاب سليمان بن قيس اليشكري من كبار أصحاب جابر الثقات، وجادةً، وهي وجادة صحيحة احتج بها مسلم.

ولم يظهر لنا من طرق الحديث أن ابن جريج دلسه، أو رواه بصيغة دالة على وقوع التدليس وعدم السماع، مثل: قال وذكر وأُخبِرت ونحو ذلك، وابن جريج مشهور بالرواية عن أبي الزبير، وقد سمع منه، واحتج مسلم بروايته عنه؛ فالأصل صحة هذا الإسناد حتَّى تظهر له علة، والله أعلم.

ولم ينفرد به ابن جريج: فقد رواه سهل بن تمام: نا مبارك بن فضالة، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن البحر حلال ميتته، طهور ماؤه".

أخرجه الدارقطني (1/ 34).

وهذا إسناد ضعيف؛ سهل: صدوق يخطئ، ومبارك: صدوق يدلس ويسوى، إلا أنَّه يصلح في الشواهد والمتابعات.

• وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، تلقته الأمة بالقبول، وتداوله فقهاء الأمصار في سائر الأعصار في جميع الأقطار، ورواه الأئمة الكبار [شرح الزرقاني (1/ 81)]، يحمل من معاني العلم الكثير، فمنها:

1 -

أن البحر طهور ماؤه، وأن الوضوء به جائز من غير ضرورة، كما جاء في جواب السائل، لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب السائل بقوله: نعم، مقتصرًا عليها، وإلا لزم منه أن يختص الحكم بحال السائل، فلما قال:"الطهور ماؤه" دل على عموم طهوريته مطلقًا،

ص: 349

وعدم اختصاص الجواب بحال السائل، وأنه داخل في عموم قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48][الشافي في شرح مسند الشافعي (1/ 664)، شرح الإلمام (1/ 238)، مجموع الفتاوى (14/ 89)، بدائع الفوائد (2/ 282)]، وكذلك حكم ما كان داخلًا في معنى ماء البحر [انظر: مجموع الفتاوى (21/ 26)].

2 -

فيه إباحة ركوب البحر سواء لطلب الرزق أو للحج أو للجهاد إلا إذا خيف منه العطب والهلاك فحينئذ لا يجوز.

وهذه الإباحة مستفادة أيضًا مما ذكره الله تعالى في معرض الامتنان في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22]، وقوله:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ} [لقمان: 31]، وغيرها مما في معناها كثير [انظر: شرح الإلمام (1/ 198)].

3 -

أن المسافر إذا لم يكن معه من الماء إلا ما يكفيه لشربه وحاجته فإنه جائز له التيمم [التمهيد (6/ 109)].

4 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "الحل ميتته": يدل على أنة يؤكل ما في البحر من السمك والدواب وسائر ما فيه من الحيوان، سواء اصطيد أو وجد ميتًا طافيًا أو غير طاف، من غير سبب ضار كالسموم وغيرها، ولا يحتاج شيء من ذلك إلى ذكاة، وهو ما يدل عليه قوله تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96]، فطعام البحر: ميتته وما ألقاه وقذفه، على ما فسره به جماعة من الصحابة، منهم: أبو بكر الصديق؛ فقد صح عنه أنَّه قال: "إن السمكة الطافية حلال لمن أراد أكلها"[مصنف عبد الرزاق (4/ 553/ 8654)، مصنف ابن أبي شيبة (4/ 248/ 19756)، غريب الحديث للحربي (2/ 569)، مشكل الآثار (6/ 407/ 4478 - ترتيبه)، سنن الدارقطني (4/ 269)، معرفة علوم الحديث (33)، سنن البيهقي (9/ 253)، التغليق (4/ 506)، وصحح إسناده النووي في المجموع (9/ 31)]، وسيأتي لذلك مزيد كان عند الحديث رقم (3815)، إن شاء الله تعالى.

وانظر: مشكل الآثار. التمهيد (16/ 223) و (23/ 13)، شرح البخاري لابن بطال (5/ 401)، أضواء البيان (1/ 75)، وغيرها.

5 -

في هذا الحديث جواب الحكيم، وهو الزيادة في الجواب عما لم يأت في سؤال السائل مما له تعلق به وهو بحاجة إليه، قال الخطابي: "وفيه أن العالم والمفتي إذا سئل عن شيء وهو يعلم أن بالسائل حاجة إلى معرفة ما وراءه من الأمور التي يتضمنها مسألته أو تتصل بمسألته كان مستحبًا له تعليمه إياه والزيادة في الجواب عن مسألته، ولم يكن ذلك عدوانًا في القول ولا تكلفًا لما لا يعني من الكلام، ألا تراهم سألوه عن ماء البحر حسب فأجابهم عن مائه وعن طعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد في البحر كما يعوزهم الماء العذب فلما جمعتهم الحاجة منهم انتظمها الجواب منه لهم، وأيضًا فإن علم طهارة الماء مستفيض عند الخاصة والعامة، وعلم ميتة البحر وكونها حلالًا مشكل في

ص: 350