الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السلم
وهو عَقْد على موصوفٍ في الذمَّة مؤجلٌ بثمنٍ مقبوضٍ بمجلسِ العقد. ويصح بألفاظِ البيعِ والسَّلَفِ والسَّلَمِ، بشروطٍ سبعةٍ:
أحدها: انضباطُ صفاتِه بمَكيلٍ وموزونٍ ومذروعٍ، وأما المعدودُ المختلفُ كالفواكه والبُقولِ والجُلودِ والرُّؤوسِ والأواني المختلفةِ الرؤوسِ والأوساطِ كالقَماقمِ والأَسْطالِ الضيقةِ الرؤوسِ والجواهرِ والحواملِ من الحيوانِ (*) وكل مغشوشٍ وما يُجمعُ أخلاطاً غير متميزة كالغاليةِ والمعاجينِ، فلا يصح السَّلَمُ فيه ويصح في الحيوانِ والثيابِ المنسوجةِ من نوعين، وما خَلْطُه غيرُ مقصودٍ كالجُبْنِ وخَلِّ التمرِ والسكنجبين ونحوها.
الثاني: ذِكْرُ الجِنسِ والنَّوعِ وكل وصفٍ يختلف به الثمنُ ولا يصح شرطُ الأَرْدإِ والأجْودِ، بل جيدٌ ورديءٌ، فإن جاء بما شَرَط أو أجودَ منه من نوعه ولو قبلَ محلِّه، ولا ضررَ في قبضه لزمه أخذُه.
الثالث: ذكرُ قدرِه بكيلٍ أو وَزْنٍ أو ذَرْعٍ يُعلم، فإن أَسْلَم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصحَّ (*).
ــ
(*) قوله: (والحاملُ من الحيوان)، قال في الشرح الكبير: ولا يصح في الحوامل من الحيوان، لأن الصِّفَةَ لا تأتي عليها، ولأن الولدَ مجهولٌ غيرُ مُتحققٍ، وفيه وجهٌ آخرُ أنَّه يصح، لأن الحَمْلَ لا حُكْمَ له مع الأم بدليل صحة بيعِ الحامل.
(*) قوله: (فإن أسلم في المكيل وزناً أو الموزون كيلاً لم يصح) وعنه يصح، اختارها الموفقُ وغيرُه؛ لأن الغرضَ معرفةُ قَدْرِه وإمكانُ تسليمهِ من غير تنازعٍ فبأي قَدْرٍ قدَّرهُ جاز.
الرابع: ذكرُ أجلٍ معلومٍ له وَقْعٌ في الثَّمَن، فلا يصحُّ حالاً (*) ولا إلى الجِذاذِ والحصادِ (*)، ولا إلى يومٍ إلا في شيءٍ يَأْخُذُهُ منه كلَّ يوم، كخبزٍ ولحمٍ ونحوهما.
الخامس: أن يوجد غالباً في مَحَلِّه ومكانِ الوفاء لا وقتَ العَقْد، فإن تعذَّر أو بعضُه فله الصبرُ، أو فَسْخُ الكُلِّ أو البعضِ، ويأخذُ الثمنَ الموجودَ أو عِوَضَه.
السادس: أن يَقبضَ الثمنَ تاماً معلوماً قدرُه ووصفُه قبل التفرُّقِ (*)، وإن قَبضَ البعضَ ثم افْترقا بَطَلَ فيما عداه، وإن أَسْلَم في جِنْسٍ إلى أجلَيْن أو عكسه صح إن بيَّنَ كلَّ جنسٍ وثمنه وقِسْط كلِّ أجل.
السابع: أن يُسْلِم في الذمَّة، فلا يصحُّ في عَيْن.
ــ
(*) قوله: (فلا يصح حالاً)، قال في الاختيارات: ويصحُّ السَّلَمُ حالاً إن كان المُسَلَّم فيه موجوداً في مِلْكه وإلا فلا.
(*) قوله: (ولا إلى الحَصَادِ والجِذَاذ)، قال في المقنع: ولابد أن يكون الأجلُ مُقدَّراً بزمنٍ معلومٍ، فإن أسلم إلى الحَصَادِ والجِذَاذِ أو اشترط الخيار إليه فعلى روايتين، قال ابن رشد: وأما الأجلُ إلى الجِذاذ والحصادِ وما أشبه ذلك، فأجازه مالكٌ، ومنعه أبو حنيفة والشافعي، فمن رأى أن الاختلافَ الذي يكون في أمثال هذه الآجال يسيراً أجاز ذلك، إذ الضررُ اليسيرُ معفوٌّ عنه في الشرع، وشَبَّهه بالاختلاف الذي يكون في الشهور من قِبَلِ الزيادة والنُّقصان، ومن رأى أنه كثير، وأنه أكثر من الاختلاف الذي يكون من قبل نُقصانِ الشهور وكمالِها لم يُجْزِه اهـ. والله أعلم.
(*) قوله: (قبل التَّفَرق). قال في الإفصاح: واختلفوا فيما إذا تَفرَّقا قبل قبضِ رأسِ مالِ السَّلَمِ في المجلس، فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: يَبْطُل السَّلَمُ، وقال مالك: يصح، وإن تأخر قبضُ رأسِ مال السَّلَم يومين أو ثلاثة أو أكثر ما لم يكن شرطاً.
ويجبُ الوفاءُ موضعَ العَقْدِ، ويصح شرطُه في غيره وإن عقد ببرٍّ أو بَحْرٍ شَرَطاه، ولا يصح بيعُ المُسْلَمِ فيه قبل قبضِه (*) ولا هبتُه (*) ولا الحوالةُ به ولا عليه ولا أَخْذُ عِوَضِه، ولا يصح أخذُ الرهنِ والكفيلِ به (*).
ــ
(*) قوله: (ولا يصح بيعُ المُسْلَمِ فيه قبل قَبْضِه). قال في الاختيارات: ويجوز بيعُ الدَّين في الذمة من الغَرِيم وغيرِه، ولا فَرْق بين دين السَّلَم وغيرِه، وهو روايةٌ عن أحمد. وقاله ابن عباس، لكن بِقَدر القيمةِ فقط، لئلا يَرْبَحَ فيما لم يضمن.
(*) قوله: (ولا هِبَتُه). قال في الفروع: والمذهب من أَذِنَ لغَرِيمِه في الصدقةِ بدينة عنه أو صَرْفِه أو المُضاربةِ لم يصح، وعنه يصحُّ بَنَاه القاضي على من نفسِه وبَنَاه في النهاية على قَبْضِه من نفسه لموكِّلِه وفيها روايتان.
(*) قوله: (ولا يصح أَخْذُ الرهنِ والكفيلِ به). قال في المقنع، وهل يجوز الرهنُ والكفيل بالمُسْلَمِ فيه على روايتين. وقال البخاري: باب الكفيلُ في السَّلَمِ، وقال أيضاً: باب الرَّهْنُ في السَّلَم وذكر حديثَ الأعْمشِ، قال تذاكَرْنا عند إبراهيم الرَّهْنَ في السَّلَف، فقال: حدثني الأسودُ عن عائشةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجلٍ معلومٍ وارْتَهَنَ منه دِرْعاً من حَديدٍ (1)، قال الحافظُ: وفي الحديث الرَّدُّ على من قال أن الرَّهْنَ في السَّلَمِ لا يجوز.
قال الموفق: رُوِّيْتُ كراهَةَ ذلك عن ابنِ عمرَ والحسنِ والأوزاعي، وإحدى الروايتين عن أحمد ورخَّصَ فيه الباقون والحُجَّةُ فيه قولُه تعالى:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: الآية: 282]، إلى أن قال:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ، واللفظُ عامٌّ فيدخلُ السَّلَمُ في عُمومه لأنه أحدُ نوعي البيع.
(1) أخرجه البخاري، في: باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، وباب شراء الإمام الحوائج بنفسه، وباب شراء الطعام إلى أجل، من كتاب البيوع، وفي: باب من رهن درعه، وباب الرهن عند اليهود، من كتاب الرهن، صحيح البخاري 3/ 73، 74، 81، 101، 186، 187.