الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنائز
تُسَنُّ عيادةُ المريض، وتذكيُره التوبةَ والوصيةَ، وإذا نزل به سُنَّ تعاهدُ بَلِّ حَلْقِه بماءٍ أو شرابٍ، ويُنَدِّي شفتيه بقطنة، وتلقينه لا إله إلا الله مرةً، ولم يزدْ على ثلاث إلا أن يتكلم بعده فيُعيد تلقينه برفقٍ، ويقرأ عنده (يس)(1)، ويوجهه إلى القبلة، فإذا مات سُنَّ تغميضُه، وشدُّ لحييه وتليينُ مفاصله، وخلعُ ثيابه، وسترُه بثوب، ووضعُ حديدةٍ على بطنه، ووضعُه على سريرِ غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه، وإسراعُ تجهيزه إن مات غير فجأة، وإنفاذُ وصيته، ويجب في قضاء دينه.
فصل
غسلُ الميت وتكفينُه والصلاةُ عليه ودفنهُ فرضُ كفاية، وأَوْلى الناس بغسله وصيُّه ثم أبوه ثم جَدُّه ثم الأقربُ فالأقربُ من عَصَباتِه ثم ذوو أرحامِه، وبأنثى وَصِيَّتُها ثم القربى فالقربى من نسائها، ولكل واحد من الزوجين غسلُ صاحبه، وكذا سيد مع سُرِّيته، ولرجل وامرأة غسلُ من له دون سبعِ سنينَ فقط. وإن مات رجل بين نسوة أو عكسه يُمِّم كخُنْثَى مُشْكلٍ، ويحرم أن يغسل مسلمٌ كافراً أو يَدفِنَه، بل يُوارى لعدم من يُواريه، وإذا أخذ في غسله سَتَر عورتَه وجرَّده، وسَتَره عن العيون.
ويكره لغير مُعِينٍ في غسله حضورُه، ثم يرفع رأسه إلى قُرْبِ جلوسه ويعصر بطنه برفق، ويكثر صَبَّ الماء حينئذ، ثم يلفُّ على يده خِرْقةً فينجيه ولا يحلُّ مسُّ عورةِ مَنْ له سبعُ سنين، ويستحب أن لا يمسَّ سائره إلا بخرقة ثم يوضئه ندباً، ولا يدخل الماء في فيه ولا في أنفه، ويدخل
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) حديث (اقرؤوا يس على موتاكم) رواه أبو داود برقم (3121) وابن أبي شيبة 4/ 74 طبعة الهند وابن ماجه برقم (1448) والحاكم 1/ 565 والبيهقي 3/ 383 وانظروا إرواء الغليل للألباني 3/ 150 ففيه مزيد بيان، والحديث ضعيف.
إصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي مِنْخريه فينظفهما، ولا يدخلهما الماء، ثم ينوى غسله ويسمي، ويغسل برغوة السِّدْر رأسه ولحيته فقط، ثم يغسل شقّه الأيمن ثم الأيسر، ثم كله ثلاثاً يُمِرُّ في كل مرة يَدَه على بطنه، فإن لم ينق بثلاث زِيْدَ حتى ينقى ولو جاوز السبع، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، والماء الحار والأشنان والخلال يُستعمل إذا احتيج إليه، ويقص شاربه، ويقلم أظفاره، ولا يسرح شعره (*)، ثم ينشف بثوب، ويُضْفَر شعرُها ثلاثةَ قُرون ويُسْدَل
ــ
(*) قوله: (ولا يسرح شعره). قال في الشرح: أي: يكره ذلك ما فيه تقطيع الشعر من غير حاجة إليه، وقال البخاري: باب نقض شعر المرأة، وقال ابن سيرين: لا بأس أن ينقض شعر الميت. وذكر حديث أم عطية إنهن جَعَلْنَ رأسَ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ قُرونٍ نَقَضْنَه ثم غَسَلْنَه ثم جَعَلْنَه ثلاثةَ قُرون (1).
قال الحافظ: قوله: باب نقض شعر المرأة أي: الميتة قبل الغسل، والتقييد بالمرأة خرج مخرج الغالب أو الأكثر، وإلا فالرجل إذا كان له شعر يُنْقَض لأجل التنظيف، وليبلغ الماءُ البشرةَ. وذهب مَنْ مَنَعَهُ إلى أنه قد يُفضي إلى انتتاف شعره، وأجاب من أثبته بأنه يَنْضَمُّ إلى ما انتثر منه. قال وفائدة النقض تبليغُ الماءِ البشرةَ، وتنظيفُ الشعر من الأوساخ، ولمسلم (2):(مَشَطْناها ثلاثةَ قُرون)، أي سَرَّحْناها بالمُشْط. وفيه حجَّةٌ للشافعي ومن وافقه على استحباب تسريح الشعر، واعتل من كرهه بتقطيع الشعر، والرفق يُؤْمَن مع ذلك ا. هـ.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (167) في الوضوء: باب التيمن في الوضوء والغسل، ومسلم برقم (939) في الجنائز: باب في غسل الميت.
(2)
برقم 939 في الجنائز: باب في غسل الميت.
وراءها، وإن خرج منه شيء بعد سَبْع حُشي بقطن، فإن لم يَسْتمسكْ فَبِطينٍ حُر، ثم يغسل المحل ويُوَضَّأ وإن خرج بعد تكفينه لم يُعد الغسل.
ومُحْرمٌ ميتٌ كحيٍ: يُغسل بماء وسِدْر، ولا يُقَرَّبُ طيباً، ولا يلبس ذَكَرٌ مَخِيْطاً ولا يغطى رأسه ولا وجه أنثى.
ولا يغسَّل شهيد ولا مقتول ظلماً (*) إلا أن يكون جُنباً، ويدفن بدمه في ثيابه بعد نزع السلاح والجلود عنه، وإن سلبهما كُفِّن في غيرهما، ولا
ــ
(*) قوله: (ولا يغسل شهيد ولا مقتول ظلماً). قال في المقنع: ومن قُتل مظلوماً فهل يلحق بالشهيد؟ على روايتين. قال في الشرح الكبير: إحداهما: يغسَّل ويصلى عليه اختارها الخلَاّل، وهو قول الحسن ومذهب مالك والشافعي؛ لأن رتبته دون رتبة الشهيد في المعترك، والثانية: حُكمه حُكم الشهيد، وهو قول الشَّعْبي والأوزاعي. وقال البخاري (1): باب الصلاة على الشهيد، وذكر حديث جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ ) فإذا أشير إلى أحدهما قَدَّمَه في اللَّحْد وقال: (أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة). وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. وحديث عقبه بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلَّى على أهلِ أُحُد صلاتَه على الميت - الحديث (2).
قال الحافظ: قوله: باب الصلاةِ على الشهداء، قال الزين ابن المنير: أراد باب حُكْم =
(1) أخرجه البخاري في: باب الصلاة على الشهيد، وباب من لم يَرَ غسل الشهداء، دون لفظ "ولم يصل عليهم" وباب من يقدم في اللحد، وباب اللحد والشق في القبر، من كتاب الجنائز 2/ 114، 115، 117.
(2)
أخرجه البخاري في: باب غزوة أحد، من كتاب المغازي 5/ 120. بلفظ "صلى على شهداء أحد بعد ثماني سنين" وفي: باب الصلاة على الشهيد، من كتاب الجنائز، وفي: باب علامات النبوية في الإسلام، من كتاب المناقب، وفي: باب في الحوض من كتاب الرقاق 2/ 114، 115، 4/ 240، 8/ 151 ومسلم في: باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، من كتاب الفضائل 4/ 1795، 1796.
يُصلَّى عليه، وإن سَقَطَ عن دابته أو وُجد ميتاً ولا أَثَرَ به، أو حُمِلَ فَأَكلَ، أو طالَ بقاؤُه غُسِّلَ وصُلِّي عليه.
والسِّقْطُ إذا بَلَغَ أربعةَ أشهرٍ غُسِّلَ وصُلِّيَ عليه.
ومن تَعَذَّر غَسْلُه يُمِّم، وعلى الغاسل سَتْرُ ما رآه إن لم يكن حَسَناً.
ــ =
= الصلاة على الشهيد. ولذلك أَوْرد حديثَ جابر الدالَّ على نفيها، وحديثَ عُقْبَه الدالَّ على إثباتِها. قال: ويحتمل أن يكون المراد باب مشروعية الصلاة على الشهيد في قبره؛ لأجل دفنه عملاً بظاهر الحديثين قال: والمراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار. قال الحافظ: وكذا المراد بقوله بعد من لم ير غسل الشهيد إلى أن قال: والخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار مشهور. قال الترمذي، قال بعضهم: يُصَلَّى على الشهيد، وهو قول الكوفيين وإسحاق، وقال بعضهم لا يُصَلَّى عليه، وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد، قال الحافظ: ثم إن الخلاف في ذلك في منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية، وفي وجه أن الخلاف في الاستحباب، وهو المنقول عن الحنابلة، قال المَرُّوذي عن أحمد: الصلاة على الشهيد أجود، وإن لم يصلوا عليه أجزأ. ا. هـ.
وقال البخاري (1) أيضاً، باب من لم ير غسل الشهيد، ذكر حديث جابر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ادفنوهم في دمائهم)، يعني يوم أحد ولم يغسلهم. قال الحافظ: وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في قتلى أحد:(لا تغسلوهم، فإن كان جرح يفوحُ مسكاً يوم القيامة)، ولم يُصَلِّ عليهم، فبيَّن الحكمة في ذلك. انتهى والله أعلم.
(1) انظر: التخريج السابق قريباً.