الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُقْصَدُ به، كالبيعِ، والأَجَلِ والخِيَارِ فيه ونحوِه رجلان، أو رَجُلٌ وامرأتانِ، أو رجلٌ ويمينُ المدَّعِي.
وما لا يَطَّلِعُ عليه الرجالُ: كعُيوبِ النساءِ تحت الثيابِ، والبَكَارةِ والثُّيوبَةِ، والحَيْضِ والولادةِ والرَّضاعِ والاستهلالِ (1) ونحوه، تُقبَلُ فيه شهادةُ امرأةٍ عَدْلٍ، والرجلُ فيه كالمرأةِ.
ومن أتى برجلٍ وامرأتين، أو شاهدٍ ويمينٍ فيما يوجب القَوَدَ لم يَثْبُتْ به قَوَدٌ ولا مالٌ، وإن أتى بذلك في سرقةٍ ثَبَتَ المالُ دون القَطْعِ، وإن أتى بذلك في خُلْعٍ ثَبَتَ له العِوَضُ، وتَثْبُتُ البينونةُ بمُجَرَّدِ دعواه.
فصل
ولا تُقبلُ الشهادةُ على الشهادةِ إلا في حقٍّ يُقبل فيه كتابُ القاضي إلى القاضي، ولا يَحكمُ بها إلا أن تَتعذَّرَ شهادةُ الأصلِ بموتٍ أو مرضٍ، أو غَيْبةِ مسافةَ قَصْرٍ.
ولا يجوزُ لشاهدِ الفَرْعِ أن يَشهدَ إلا أن يَسترعيَه شاهدُ الأصلِ، فيقول: اشْهَدْ على شَهادتي بكذا، أو يَسْمَعُه يُقِرُّ بها عند الحاكم، أو يَعْزُوها إلى سَبَبٍ، من قَرْضٍ، أو بيعٍ، ونحوِه. وإذا رَجَعَ شهودُ المال بعد الحُكْمِ لم يُنْقَضْ ويَلْزَمُهُمْ الضَّمَانُ دونَ من زَكَّاهُمْ، وإنْ حَكَمَ بشاهدٍ ويمينٍ، ثم رَجَعَ الشاهدُ غَرِمَ المالَ كُلَّه (*).
ــ
(*) قال في الشرح الكبير (2): الشهادةُ على الشهادةِ جائزةٌ بإجماعِ العلماءِ، وبه يقول مالكٌ والشافعيُّ وأصحابُ الرأي. قال أبو عبيد: اجتمعت العلماءُ من أهل =
(1) الاستهلال: صراخ المولود عند الولادة.
(2)
المغني ج 14/ 199.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= الحجازِ والعراقِ على إمْضاءِ الشهادةِ على الشهادةِ في الأموالِ، ولأن الحاجة داعيةٌ إليها، فإنها لو لم تُقْبَلْ لبَطَلَتِ الشهادةُ على الوُقُوفِ، وما يَتأخرُ إثباتُه عند الحاكمِ ثم يموتُ شُهودُه، وفي ذلك ضَرَرٌ على الناسِ، ومَشَقَّةٌ شديدةٌ، فوجَبَ أن تُقْبَلَ كشهادةِ الأصْلِ.
قال الشارح: تُقبَلُ في المالِ وما يُقْصَدُ به المالُ [بإجماعٍ]، كما ذكر أبو عُبيدٍ، ولا تُقبَلُ في حَدٍّ، وهذا قول الشَّعْبيِّ والنَّخَعيِّ وأبي حنيفة، وقال مالكٌ والشافعيُّ في قولٍ، وأبو ثَوْرٍ: تُقبَلُ في الحُدودِ وفي كُلِّ حَقٍّ؛ لأن ذلك يَثْبُتُ بشهادةِ الأصل فيَثْبُتُ بالشهادةِ على الشهادةِ، كالمال. ولنا أن الحدودَ مبنيةٌ على السَّتْرِ، والدَّرْءِ بالشُّبُهاتِ، والإسقاطِ بالرجوعِ عن الإقرارِ، إلى أن قال: وظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنها لا تُقبَلُ في القِصَاصِ أيضاً، ولا حَدِّ القَذْفِ؛ لأنه قال: إنما تجوزُ في الحقوقِ، أما الدماءُ والحَدُّ فلا، وهذا قولُ أبي حنيفة، وقال مالكٌ والشافعيُّ [وأبو ثَوْرٍ]: تُقبَلُ، وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقيِ؛ لقوله: في كُلِّ شيءٍ إلا في الحُدودِ، لأنه حقُّ آدميٍّ، لا يسقطُ بالرجوعِ عن الإقرار به، ولا يُسْتَحَبُّ سَتْرُه، فأشْبَه الأموالَ.
قال في المُقْنِعِ: ومتى رَجَعَ شهودُ المالِ بعد الحُكمِ لزمَهم الضَّمانُ ولم يُنْقَضِ الحكمُ، سواء ما قبلَ القَبْضِ أو بعدَه، وسواء كان المالُ قائماً أو تالفاً، وإن رَجَعَ شهودُ العِتْقِ غَرِمُوا القيمةَ، وإن رجع شهودُ الطلاقِ قبل الدُّخولِ غَرِمُوا نصفَ المسمَّى، وإن كان بعدَه لم يَغْرَمُوا شيئاً، وإن رَجَعَ شهودُ القِصَاصِ أو الحَدِّ قبل الاستيفاءِ لم يُسْتَوفَ، وإن كان بعده وقالوا أخطأنا فعليهم دِيَةُ ما تَلِفَ، ويَتَقسَّطُ الغُرْمُ على عَدَدِهم، فإن رَجَعَ أحدُهم وحدَه غَرِمَ بِقِسْطِه، ـ إلى أن قال ـ: وإذا عَلم الحاكمُ بشاهدِ الزُّور عَزَّره، وطافَ به في المواضعِ التي يَشْتَهِرُ فيها، فيقال: إنا وَجَدْنا هذا شاهِدَ زُورٍ فاجتَنِبُوه. اهـ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= قال في الاختيارات (1): نقل الشيخُ أبو محمدٍ في الكافي عن أبي الخطَّابِ، أن الشُّهودَ إذا بَانُوا بعد الحُكمِ كافرينَ أو فاسقينَ، وكان المحكومُ به إتلافاً فإنَّ الضَّمانَ عليهم دونَ المزكِّين والحاكمِ، قال: لأنهم فَوَّتُوا الحقَّ على مُستحقِّه بشهادِتهم الباطلةِ. قال أبو العباس: هذا يَنْبَنِي على أن الشاهدَ الصادقَ إذا كان فاسقاً أو مُتَّهماً بحيثُ لا يَحِلُّ للحاكمِ الحكمُ بشَهادتِه، هل يَجوزُ له أداءُ الشهادةِ؟ إن جاز له أداءُ الشهادةِ بَطَلَ قولُ أبي الخطاب، وإن لم يَجُزْ كان مُتوجِّهاً، لأن شهادتَهم حينئذٍ فعلٌ مُحرَّمٌ، وإن كانوا صادقينَ كالقاذفِ الصادقِ، وإذا جَوَّزْنا للفاسقِ أن يَشْهدَ جَوَّزْنا للمُسْتحِقِّ أن يَسْتَشْهِدَه عند الحاكمِ، ويكتمَ فِسْقَه وإلا فلا، وعلى هذا: فلو امتنعَ الشاهدُ العَدْلُ أن يُؤدِّيَ الشهادةَ إلا بِجُعْلٍ، هل يجوزُ إعطاؤُه الجُعْلَ؟ إن لم نَجْعَلْ ذلك فِسْقاً فعلى ما ذَكَرْنا.
قال صاحبُ المحرَّر (2): وعنه لا يُنقَضُ الحُكْمُ إذا كانا فاسقَينِ، ويَغْرَمُ الشاهدانِ المالَ؛ لأنهما سببُ الحُكمِ بشهادةٍ ظاهرُها الزُّورُ. قال أبو العباس: وهذا يُوافِقُ قولَ أبي الخطَّاب، ولا فَرْقَ إلا في تَسْمِيَةِ ضَمانِهما نَقْضاً، وهذا لا أثرَ له، لكنْ أبو الخطابِ يقولُه في الفاسقِ وغيرِ الفاسق، على ما حُكي عنه، وهذه الرواية لا تتوجَّهُ على أصْلِنا إذا قلنا: الجَرحُ المُطْلَقُ لا يَنْقُضُ، وكان جَرحُ البينةِ مُطْلَقاً، فإنه اجتهادٌ فلا يُنْقَضُ به اجتهادٌ، وروايةُ عدم النَّقْضِ أخذَها القاضي من رواية الميموني عن أحمدَ في رجليْنِ شِهِدا ههنا أنهما دَفَنَا فُلاناً بالبصرةِ فقُسِمَ ميراثُه، ثم إن الرجلَ جاء =
(1) الاختيارات الفقهية ص 591.
(2)
انظر الاختيارات الفقهية للبعلي ص 592، 593.