الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأيمان
اليمينُ التي تجبُ فيها الكفَّارةُ إذا حَنِثَ هي اليمينُ بالله (*)، أو صفةٍ من صفاتِه، أو بالقرآنِ أو بالمُصْحَفِ، والحَلفُ بغير الله مُحَرَّمٌ، ولا تجبُ به كَفَّارةٌ.
ــ
(*) قال في الاختيارات: ويَحرمُ الحَلِفُ بغيرِ اللهِ تعالى: وهو ظاهرُ المذهبِ وعن ابن مسعودٍ وغيرِه (لئن أَحْلِفَ بالله كذِباً أحبُّ إليَّ من أَحْلِفَ بغيرِه صادقاً). قال أبوالعباس: لأن حسنةَ التوحيدِ أعظمُ من حسنةِ الصِّدْقِ، وسيئةُ الكذبِ أَسْهلُ من سيئةِ الشِّرْكِ، واختلف كلامُ أبي العباس في الحَلِفِ بالطَّلاقِ فاختارَ في موضعٍ آخرَ أنه لا يُكْرَهُ، وأنه قولُ غيرِ واحدٍ من أصحابنِا، لأنه لم يحلف بمخلوقٍ ولم يَلتزِمْ لغيرِ اللهِ شيئاً، وإنما الْتَزَمَ للهِ كما يَلْتزِمُ بالنَّذْرِ، والالتزامُ لله أبلغُ من الالتزامِ به، بدليلِ النَّذْرِ له واليمينِ به، ولهذا لم تُنْكِرِ الصحابةُ على من حَلَفَ بذلك، كما أنكَروا على من حلفَ بالكعبةِ، والعُهودُ والعُقودُ متقاربةُ المعنى أو مُتِّفقة، فإذا قال: أُعاهِدُ اللهَ أني أحجُّ العامَ فهو نَذْرٌ وعهدٌ ويمينٌ اهـ.
قال في المقنع: وقال أصحابُنا تجبُ الكفَّارةُ بالحِنْثِ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم خاصةً، قال في الشرح الكبير: ورُوي عن أحمدَ أنه قال: إذا حَلَفَ بحقِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فحَنِثَ فعليه الكفارةُ، ولأنه أحدُ شَرْطَي الشهادةِ، فالحَلِفُ به موجبٌ للكفارةِ، كالحَلف بالله والأُولَى أَوْلَى لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم:(من كان حالفاً فَلْيحلِفُ باللهِ أو لِيَصْمُتْ)(1)، ولأنه حَلِفٌ بغيرِ الله تعالى فلم تُوجبْ الكفَّارةُ بالحنثِ فيه كسائرِ الأنبياءِ، ولأنه مخلوقٌ فلم تجبِ الكفَّارةُ بالحَلِفِ به كالحَلِفِ بإبراهيمَ عليه السلام، ولأنه ليس بمنصوصٍ عليه =
(1) أخرجه البخاري في الشهادات: باب كيف يستحلف، برقم (279). ومسلم في الأيمان: باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، برقم (1646).
ويشترَطُ لوجوبِ الكفَّارةِ ثلاثةُ شروط:
الأول: أن تكون اليمينُ منعقدةٌ، وهي التي قُصِدَ عَقْدُها على مُستَقْبَلٍ ممكنٍ، فإن حَلَفَ على أمرٍ ماضٍ كاذباً عالماً فهي الغَمُوسُ. ولَغْوُ اليمينِ: الذي يجري على لسانِه بغير قَصْدٍ، كقوله: لا والله، وبلى والله، وكذا يمينٌ عَقَدَها يَظُنُّ صِدْقَ نفسِه فبانَ بخلافِه، فلا كفَّارةَ في الجميع (*).
الثاني: أن يَحْلِفَ مُختاراً، فإن حَلَفَ مُكْرَهاً لم تَنْعَقِدُ يمينُه.
الثالث: الحِنْثُ في يمينِه، بأن يفعلَ ما حلفَ على تَرْكِه، أو يَتْرُكَ ما حَلَفَ على فِعْلِهِ مُختاراً ذاكراً، فإن فَعَلَه مُكْرَهاً أو ناسياً فلا كفَّارةَ، ومن قال في يمينٍ مُكَفَّرةٍ إن شاء الله لم يَحْنَثْ.
ــ
= ولا هو في معنى المنصوصِ، ولا يصحُّ قياسُ اسمِ غيرِ الله على اسمِه لعدمِ الشبه وانتفاءِ المُمَاثَلةِ ا. هـ.
قال في الاقناع وشرحه: ويحرم الحَلِفُ بغيرِ اللهِ ولو كان الحَلِفُ بنبيٍّ لأنه إشراكٌ في تعظيمِ الله تعالى، ولحديث ابن عمرَ مرفوعاً:(من حَلَفَ بغيرِ اللهِ فقد أَشْرَكَ) رواه الترمذي (1) وحسَّنه، انتهى. ولما قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم:(ما شاءَ الله وشئتَ قال: أجَعلْتَني لله نداً! ما شاء اللهُ وحده) رواه النسائي.
(*) قوله: "فلا كفَّارةَ في الجميع"، قال في الشرح الكبير: وفي الجُملةِ لا كفَّارةَ في يمينٍ على ماضٍ، لأنها تنقسمُ ثلاثةَ أقسامٍ، ما هو صادقٌ فيه، فلا كفارةَ فيه إجماعاً، وما تعمَّد الكذبَ فيه، فهو يمينُ الغموسِ لا كفارةَ فيها، لأنها أعظمُ من أن تكون فيها كَفَّارةٌ، وقد ذكرنا الخلافَ فيها، وما يظنُّه حقاً فَيَبِينُ بخلافِه فلا كفارةَ فيها، لأنها من لَغْوِ اليمينِ.
(1) أخرجه الترمذي في كتاب النذور. انظر عارضة الأحوذي. 7/ 18.