الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ القَطْعِ في السَّرِقَةِ
إذا أخذَ الملتزمُ نِصاباً من حِرْزِ مِثْلِه من مالٍ معصومٍ لا شُبهةَ له فيه على وجهِ الاختفاءِ قُطِعَ (*)، فلا قَطْعَ على مُنتهِبٍ ولا مُختلِسٍ ولا غاصِبٍ ولا خائِنٍ في وديعةٍ أو عاريَّةٍ أو غيرِها، ويُقطَعُ الطَّرَّارُ الذي يَبطُّ الجيبَ أو
ــ
(*) قال في الشرح الكبير: مسألة، فإن دخل الحِرْزَ فأتلفَ فيه نصاباً ولم يُخرجْهُ فلا قَطْعَ عليه، لأنه لم يَسْرِقْ لكن يلزمُه ضمانُه، لأنه أتْلفَه، ولا يُقْطَعُ حتى يُخرجَهُ من الحِرْزِ، فمتى أخرجَهُ من الحِرْزِ فعليه القَطْعُ، سواء حملَه إلى منزلِه أو تركَه خارجاً من الحِرْزِ.
قال في الشرح الكبير: الإبلُ على ثلاثة أضرب، باركةٌ وراعيةٌ وسائرةٌ، فأما الباركةُ، فإن كان معها حافظٌ لها وهي معقولةٌ فهي مُحْرَزَةٌ، وإن لم تكن معقولةً وكان الحافظُ ناظراً إليها أو مستيقظاً بحيث يراها فهي مُحْرَزةٌ، وإن كان نائماً أو مشغولا عنها فليستْ مُحْرَزَةً، لأن العادةَ أن الرُّعاةَ إذا أرادوا النومَ عَقَلُوا إِبَلَهُمْ، ولأن المعقولةَ تُنَبِّهُ النائمَ والمُشْتَغِلَ، وإن لم يكن معها أحدٌ فهي غيرُ مُحْرَزَةٍ، سواء كانت معقولةً أو لم تكن.
وأما الرَّاعِيَةُ فحِرْزُها بنظرِ الرَّاعِي إليها، فما غابَ عن نظرِه أو نامَ عنه فليس بُمحْرَزٍ، لأن الرَّاعِيَةَ إنما تُحْرَزُ بالرَّاعِي ونظرِه، وأما السائرةُ فإنْ كان معها من يسوقُها فَحِرْزُها بنظرِه إليها، سواء كانت مقطَّرَةً أو غيرَ مُقَطَّرَةٍ، فما كان منها بحيثُ لا يراه فليس بمُحْرَزٍ، وإن كان معها قائدٌ فحِرْزُها أن يُكْثِرَ الالتفاتَ إليها والمُداعاةَ لها، وتكونُ بحيثُ يراها إذا التفتَ، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يُحْرِزُ القائدُ إلا التي زمامُها بيدِه، ولنا أن العادةَ في حِفْظِ الإبلِ المقطَّرِة بمُراعاتِها بالالتفاتِ وإمْساكِ زمامِ الأولِ.
غيره ويأخذُ منه. ويُشترَطُ أن يكون المسروقُ مالاً مُحترَماً، فلا قَطْعَ بسرقةِ آلةِ لَهْوٍ ولا مُحرَّمٍ كالخمرِ. ويُشترَطُ أن يكونَ نِصَاباً، وهو ثلاثةُ دراهمَ، أو ربعُ دينارٍ، أو عَرْضُ قيمتُهُ كأحدهِما، وإذا نَقَصَتْ قيمةُ المسروقِ أو مَلَكهَا السارقُ لم يَسقُطِ القطعُ، وتعتبرُ قيمتُها وقتَ إخراجِها من الحِرْزِ، فلو ذَبَحَ فيه كَبْشاً أو شَقَّ فيه ثوباً فنَقَصَتْ قيمتُه عن نِصَابٍ ثم أخرجَه أو تَلِفَ فيه المالُ لم يُقْطَعْ. وأن يُخْرِجَه من الحِرْزِ، فإن سَرَقَهُ من غيرِ حِرْزٍ فلا قَطْعَ، وحِرْزُ المالِ ما العادةُ حِفْظُه فيه، ويَخْتَلِفُ باختلافِ الأموالِ والبُلدانِ وعَدْلِ السلطانِ وجَوْرِه، وقُوَّتِه وضَعْفِه، فَحِرْزُ الأموالِ والجواهرِ والقماشِ في الدُّورِ والدكاكينِ والعمران وراءَ الأبوابِ والأَغْلاقِ الوثيقةِ، وحِرْزُ البَقْلِ وقُدُورِ البَاقِلَاّءِ ونحوهما وراءَ الشَّرائِج، إذا كان في السوقِ حارسٌ، وحِرْزُ الحَطَبِ والخَشَبِ الحظائرُ، وحِرْزُ المواشي الصِّيرُ، وحِرْزُها في المَرْعَى الرَّاعي، ونظرِه إليها غالباً.
وأن تَنْتَفِيَ الشُّبْهَةُ، فلا يُقْطَعُ بالسرقِةِ من مالِ أبيه وإن عَلا، ولا من مالِ ولدِه إن سَفَلَ، والأبُ والأمُّ في هذا سواء، ويُقْطَعُ الأخُ وكلُّ قريبٍ بسرقةِ مالِ قريبِه، ولا يُقْطَعُ أحدٌ من الزوجينِ بسرقتِه مالَ من الآخرَ، ولو كان مُحْرَزَاً عنه، وإذا سَرَقَ عبدٌ من مال سيِّده، أو سيِّدٌ من مال مُكاتَبِهِ، أو حرٌ مسلمٌ من بيتِ المالِ، أو من غينمةٍ لم تُخَمَّسْ، أو فقيرٌ من غَلَّةِ وَقْفٍ على الفقراءِ، أو شخصٌ من مالٍ فيه شركةٌ له، أو لأحدٍ ممن لا يُقْطَعُ بالسرقةِ منه لم يُقْطَعْ، ولا يُقطَعُ إلا بشهادةِ عَدْلَيْنِ أو إقرارٍ مرتينِ، ولا ينزعُ عن إقرارِه حتى
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يُقْطَعَ، وأن يُطالِبَ المسروقُ منه بمالِه (*). وإذا وجب القطعُ قُطعتْ يدُه اليُمنَى من مفصلِ الكَفِّ وحُسِمَتْ.
ومن سرقَ شيئاً من غيرِ حِرْزٍ ثَمَراً كانَ أو كُثَراً أو غيرَهما أُضْعِفَتْ عليه القيمةُ ولا قَطْعَ.
ــ
(*) قوله: "وأن يطالب المسروقُ منه بمالِه"، قال في الاختيارات: ولا يُشتَرطُ في القَطْعِ بالسرقةِ مطالبةُ المسروقِ منه بمالِه، وهو روايةٌ عن أحمد اختارها أبو بكر، ومذهب مالك كإقرارِه بالزِّنَى بأَمَةِ غيرِه، ومن سَرَق ثَمَراً أو ماشيةً من غيرِ حِرْزٍ أُضعفَتْ عليه القيمةُ، وهو مذهبُ أحمد وكذا غيرها، وهو روايةٌ عنه، واللِّصُّ الذي غَرَضُه سرقةُ أموالِ الناسِ، ولا غَرَضَ له في شخصٍ مُعَيَّنٍ فإنَّ قَطْعَ يَدِه واجبٌ، ولو عفا عنه ربُّ المالِ ا. هـ.