الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب البيع
(*)
وهو مبادلةُ مالٍ ولو في الذمة، أو منفعة مباحة كممرِّ دارٍ بمثل أحدهما على التَّأْبيد، غير رباً وقرضٍ.
وينعقدُ بإيجابٍ وقبولٍ بعدَه، وقبلَه ومتراخياً عنه في مجلسِهِ، فإن اشتغلا بما يَقْطعه بَطَل، وهي الصيغةُ القوليةُ، وبمعاطاةٍ وهي الفعلية.
ويُشترط التراضي منهما، فلا يصحُّ من مُكرهٍ بلا حقٍّ.
وأن يكون العاقدُ جائزَ التصرفِ، فلا يصحُّ تصرفُ صبيٍ وسفيهٍ بغير إذْنِ وَلِيٍّ.
وأن تكون العينُ مباحةَ النفعِ من غيرِ حاجةٍ، كالبغلِ والحمارِ ودُودِ القزِّ وبِزْرِه، والفيلِ وسباعِ البهائمِ التي تصلُح للصيد، إلا الكلبَ، والحشراتِ (*)، والمصحف، والميتة، والسَّرْجِينَ النَّجِسَ (*)،
ــ
(*) في الاختيارات: وكلُّ ما عدَّه الناسُ بيعاً أو هبةً من متعاقبٍ أو متراخٍ من قولٍ أو فعلٍ انعقد به البيعُ والهبةُ أهـ.
وكان شيخُنا سعدُ بنُ عَتِيْقٍ إذا قُرئَ في كلامه: عليه حُكْمُ الحاكمِ يرفعُ الخِلاف.
(*) تنبيه: قوله: (والحشرات) عبارة المؤلف: (والحشرات والمصحف والميتة)، فلو عَبَّر بغيرها كان أولى، وعبارة الموفق وفي جواز بيعِ المصحف وكراهةِ شرائِه وإبدالِه روايتان، ولا يجوز بيعُ الحشراتِ والمَيْتة.
قال في الإفصاح: واتفقوا على أن شراءَ المُصْحف جائزٌ، واختلفوا في بيعه، فكرهه أحمدُ وحدَه، وأباحه الآخرون من غير كراهة.
(*) قوله: (السِّرْجِين النجس)، هذا المذهبُ، وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز، لأن الأمصارَ يتبايعونه لزروعهم من غير نَكِير.
والأدْهان النجسة والمتنجِّسة (*)، ويجوز الاستصباحُ بها في غير مسجد.
وأن يكون من مالكٍ أو من يقومُ مقامَه، فإن باع مِلْكَ غيرِه، أو اشترى بعينِ مالِه بلا إذنه لم يصحَّ (*)، وإن اشترى له في ذِمَّته بلا إذنه،
ــ
(*) قوله: (الأدهان النجسة والمتنجسة). قال الحافظ بن حجر على قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ ورسولَه حَرَّما بيعَ الخمرِ والمَيتةِ والخنزيرِ والأصنامِ)(1)، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة. فإنها يُطْلَى بها السفنُ ويُدْهَنُ بها الجلودُ ويَسْتَصْبِحُ بها الناسُ؟ فقال: "لا هو حرام"، أي البيعُ، هكذا فسَّره بعضُ العلماء كالشافعي ومن اتبعه، ومنهم من حَمَل قولَه:(هو حرام) على الانتفاع، فقال: يَحْرم الانتفاعُ بها، وهو قول أكثر العلماء، فلا يُنتفع من الميتة أصلاً عندهم إلا ما خُصَّ بالدليل، وهو الجلدُ المدبوغُ، واختلفوا فيما يتنجَّسُ من الأشياء الطاهرة، فالجمهور على الجواز، وقال أحمدُ وابن الماجِشُون: لا ينتفع بشيء من ذلك، واستدلَّ الخطابيُّ على جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من مات له دابةٌ ساغ له إطعامُها لكلاب الصيد، فكذلك يسوغ دَهْنُ السفينةِ بشحمِ الميتةِ، ولا فرق أهـ.
(*) قوله: (فإن باع مِلْكَ أو اشترى بعَيْنِ مَالهِ بلا إِذْنه لم يصحَّ)، وعنه يصحُّ، ويقفُ على إجازةِ المالك، وبه قال مالك واسحق، وقال به أبو حنيفة في البَيْع، فأما الشراءُ فيقعُ للمشتري بكل حال، لحديث عُرْوَةَ بنِ الجَعْدِ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتريَ له شاةً فاشترى شاتَيْن، فباعَ إحداهُما بدينار. الحديث (2).
(1) أخرجه البخاري في البيوع، باب بيع الميتة والأصنام برقم (2236)، ومسلم في المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة، برقم (1581)، والحديث متفق عليه.
(2)
أخرجه ابن ماجه في: باب الأمين يتجر فيه فيربح، من كتاب الصدقات، سنن ابن ماجه 2/ 803، وأخرجه البخاري في: باب حدثني محمد بن المثنى
…
، من كتاب المناقب 4/ 252.
ولم يُسَمِّه في العَقْد صحَّ له بالإجازة، ولزم المُشتري بعدمها مِلْكاً، ولا يباعُ غير المساكن مما فُتِح عَنْوةً (*)، كأرض الشامِ ومصرَ والعراق، بل تُؤَجَّر، ولا يصح بيعُ نَقْعِ البئر، ولا ما ينبتُ في أرضه من كَلأٍ وشَوْكٍ (*)، ويَمْلِكُه آخذُه.
ــ
(*) قوله (ولا يباع غير المساكين مما فتح عنوة). قال في الاختيارات، ويصح بيع ما فتح عنوة ولم يقسم من أرض الشام ومصر والعراق، ويكون في يد مشتريه بخراجه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وأحد قولي الشافعي.
(*) قوله: (ولا يصحُّ بيعُ نَقْعِ البئر، ولا ما يَنْبُتُ في أرضه من كَلأٍ وشَوْك). قال في الفروع: ولا يُمْلَكُ ماءُ عِدٍّ وكَلأٍ ومَعْدنٍ جارٍ بمِلْكِ الأرضِ قبل حِيازتِه وفاقاً لأبي فلا يجوز بيعُه كأرضٍ مباحةٍ إجماعاً، فلا يدخل في بيعٍ بل المشتري أحقُّ به، وعنه يَمْلِكُه من أرضه كالنَّتَاج، وفاقاً للشافعي ومالك في أرضٍ عادةُ ربِّها ينتفع بها إلا أرضَ بُورٍ.
قال في الإفصاح: واختلفوا فيما يَفْضُلُ من حاجةِ من الماء في بئرٍ أو نهرٍ، فقال مالك: إن كانت في البَرِّيةِ فمالِكُها أحقُّ بمقدار حاجته منها، ويجب عليه بذلُ ما فَضَلَ عن في حائِطِه فلا يَلْزمُ الفاضِلُ إلا أن يكونَ جارُه زَرَعَ على بئرٍ فانهدمتْ، أو عينٍ فغارتْ؛ فإنه يجبُ عليه بذلُ الفاضِلِ له إلى أن يصلح جاره ا. هـ.
وقال البخاري: (باب من قال: أن صاحبَ الماءِ أحقُّ بالماء (1) حتى يُروي)، لقول =
(1) من كتاب الشرب، صحيح البخاري 3/ 144.
وأن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يصح بيعُ آبق وشاردٍ (*) وطيرٍ في ولا مغصوبٍ من غير غاصبِهِ، أو قادرٍ على أَخْذِهِ. وأن يكون معلوماً برؤيةٍ أو صفة، فإن اشترى ما لم يَرَهُ (*)، أو رآه وجهلَهُ، أو
ــ
= النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُمنعُ فَضْلُ الماءِ)(1)، قال الحافظ: والمراد بالفضل ما زاد عن الحاجة، والمراد حاجةُ نَفْسِه وعيالِه وزرعِه وماشيتِه، إلى أن قال: وفيه أن مَحَلَّ النهيِ ما إن لم يجدِ المأمورُ بالبذل له ماء غيره، والمرادُ تمكينُ أصحابِ الماشيةِ من الماء، ولم يقلْ أحدٌ إنه يجب على صاحب الماء مباشرةُ سقي ماشية غيره مع قُدرة مالكٍ أهـ. ملخصاً.
قوله: (ولا ما يَنْبُتُ في أرضِه من كَلأٍ وشوك). قال في الاختيارات: ويجوز بيعُ الكلأِ ونحوِهِ الموجود في أرضِه إذا قَصَد استنباتَه.
(*) قوله: (فلا يصحُّ بيعُ آبقٍ وشاردٍ). قال ابن رشد: أجازه قومٌ بإطلاقٍ ومَنَعَه قومٌ بإطلاقٍ، وقال مالك: إذا كان معلومَ الصِّفةِ معلومَ الوضْعِ عند البائعِ والمُشتري جاز أهـ.
وفرَّق في المغني بين من يَعْلَمُ أن البيعَ يَفْسُد بالعَجْزِ عن تسليمِ المبيعِ فيفسدُ البيع في حقِّهِ لأنه مُتلاعِبٌ، وبين من لا يَعْلَمُ ذلك فيصحُّ لأنه لم يقدم على ما يعتقده باطلا.
(*) قوله: (فإن اشترى ما لم يره) إلى آخره. قال في المُقْنع: وعنه يصحُّ وللمشتري خِيارُ الرؤية.
قال في الاختيارات: والبيعُ بالصِّفةِ السليمةِ صحيحٌ، وهو مذهبُ أحمد، وإن باعه لبناً موصوفاً بالذمة، واشْتَرَطَ كونَه من هذه الشاةِ أو البقرةِ صحَّ.
(1) رواه الترمذي في: باب ما جاء في بيع فضل الماء، من أبواب البيوع، عارضة الأحوذي 5/ 272. وأبو داود في: باب في بيع فضل الماء، من كتاب البيوع، سنن أبي داود 2/ 249.
وُصف له بما لا يكفي سَلَماً لم يصح، ولا يُباعُ حَمْلٌ في بَطْنٍ ولبنٌ في ضَرْعٍ منفردين، ولا في فَأْرَتِهِ (*)، ونَوَىً في تَمْرٍ، وصوفٌ على ظَهْرٍ (*)، وفِجْلٌ ونحوه قَبْلَ قَلْعِه (*)، ولا يصح بيعُ المُلامسةِ والمُنابَذَةِ، ولا عَبْدٌ من عِبيد ونحوه، ولا استثناؤُه إلا مُعَيَّناً (*)،
ــ
(*) قولُه: (ولا مسك في فأرته). قال في الفروع: والمِسْكُ في فَأْرَتِهِ كالنَّوى في التمرِ، ويتوجَّهُ تخريجٌ واحتمالٌ يجوز، لأنها وِعَاءٌ له تصونُه وتحفظُه، فَيُشبِهُ ما مأكولُه في جَوْفِه، وتُجَّارُ ذلك يعرفونه فيها فلا غَرَرَ واختاره في الهدي ا. هـ.
(*) قوله: (وصوفٌ على ظَهْرٍ). قال في المقنع: وعنه يجوز بشرط جَزِّه في الحال.
(*) قوله: (وفِجْلٌ ونحوه قبل قَلْعِه)، قال في الاختيارات: ويصحُّ بيعُ المغروسِ في الأرضِ الذي يظهر ورقُه، كاللفت والجَزَرِ والقُلْقَاسِ والفِجْل والبصلِ، وشبه ذلك، قاله بعضُ أصحابنا.
(*) قوله: (ولا عبدٍ من عبيدٍ ونحوه، ولا استثناؤُه إلا مُعَيَّناً). قال في المقنع: من عبيد، ولا شاةً من قَطيعٍ، ولا شجرةً من بستانٍ، ولا هؤلاء العبيد إلا واحداً غير مُعَيَّنٍ، ولا هذا القطيع إلا شاةً، وإن استثنى مُعَيَّناً من ذلك جاز. قال في الحاشية: ولا عبداً من عبيدٍ، لأنه غَرَرٌ، فيدخل في عمومِ النهي. وظاهرُ كلام الشريفِ وأبي الخطاب يصحُّ إنْ تساوتِ القيمةُ.
وفي مفردات أبي الوفاء يصح عبد من ثلاثةٍ بشرطِ الخيار، وهو قول أبي حنيفة، وقال ابن رشد: واختلفوا في الرجل يبيعُ الحائطَ ويَسْتثني منه عدةَ نَخَلاتٍ بعد البيع، فَمَنَعه الجمهورُ لمكانِ اختلافِ صفةِ النخيل. وروي عن مالك إجازتُه، ومنع ابنُ القاسم قوله في النخلاتِ وأجازه في استثناءِ الغَنَم.
وإن استثنى من حيوانٍ يُؤكَلُ رأسَه وجِلْدَه وأطرافَه صحَّ، وعكسُه الشحمُ والحَمْلُ (*)، ويصحُّ بيعُ ما مأكولُه في جوفه كرُمَّانٍ وبِطِّيخٍ وبيعُ الباقِلَاّءِ ونحوِه في قِشْرِه، والحَبِّ المُشْتدِّ في سُنبلِه.
وأن يكون الثمنُ معلوماً، فإن باعه برَقْمِهِ (*) أو بألفِ درهم ذهباً وفضةً (*) أو بما ينقطع به السعرُ أو بما باع به زيد وجَهِلاه أو أحدُهما لم يصحَّ، وإن باع ثوباً أو صُبرةً أو قطيعاً [من الغنم] كلَّ ذراعٍ أو قفيزٍ، أو شاةٍ بدرهم صحَّ، وإن باع من الصُبُرةِ كلَّ قفيز بدرهم (*)،
ــ
(*) قوله: (وإن استثْنَى من حيوانٍ يؤكل رأسَه وجلده وأطرافَه صحَّ، وعكسُه الشحمُ والحَمْلُ). قال في الاختيارات: ويصحُّ بيعُ الحيوانِ المذبوحِ مع جِلْدِه، وهو قولُ أكثر العلماء، وكذا لو أَفْرد أَحَدَهما بالبيع أهـ.
وقال ابن رشد: فإن باعه ما يستباحُ ذَبْحُه، واستثنى عضواً له قيمةٌ بشَرْطِ الذَّبْحِ، ففي المذهب فيه قولان، أحدهما: أنه لا يجوز، وهو المشهور، والثاني: يجوز، وهو قولُ ابن حبيبٍ، جَوَّزَ بيعَ الشاةِ مع استثناءِ القوائمِ والرأسِ.
(*) قوله: (فإن باعه بِرَقْمِه). قال في الاختيارات: ويصح البيعُ بالرَّقْمِ، نصَّ عليه أحمد، وتأوَّلَه القاضي وبما يَنْقطعُ به السعر وكما يبيع الناسُ، في مذهب أحمد، ولو باع ولم يُسَمِّ الثمنَ صحَّ بثمنِ المثلِ كالنِّكاح ا. هـ.
(*) قوله: (وبألفِ درهمٍ ذهباً وفِضَّةً)، يعني لم يصحَّ للجهالة، ووجَّهَ في الفروع الصِّحَّةَ، ويلزمُ النصفُ ذهباً والنصفُ فضةً.
(*) قوله: (وإن باع من الصُّبْرَةِ كلَّ قَفِيْزٍ بدرهمٍ) لم يصحَّ، هذا المذهبُ، وقيل يصح. قال ابن عقيل: وهو الأشبه؛ لأن (مِنْ) وإنْ أعطتِ البَعْضَ، فما هو بعضٌ مجهولٌ، واختاره صاحبُ الفائق.