الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الإقرار
يصحُّ من مُكلَّفٍ مُختارٍ غيرِ مَحْجورٍ عليه، ولا يَصِحُّ من مُكْرَهٍ، وإن أُكْرِهَ على وَزْنِ مالٍ، فباعَ مُلْكَهُ لذلك صحَّ.
ومن أَقَرَّ في مَرَضِه بشيءٍ فكإقْرارِه به في صِحَّتِه إلا في إقرارِه بالمالِ لوارثٍ فلا يُقْبَلُ، وإن أَقَرَّ لامرأتِه بالصَّدَاقِ، فلها مَهْرُ المِثْلِ بالزوجِيَّةِ لا بإقرارِه، ولو أقرَّ أنه كان أَبَانَها في صِحَّتِه لم يَسْقُطْ إِرْثُها.
وإن أَقَرَّ لوارثٍ فصارَ عند الموتِ أجنبياً لم يَلْزَمْ إقرارُه لأنه باطلٌ، وإن أَقَرَّ لغيرِ وارثٍ أو أعطاهُ صَحَّ وإن صارَ عند الموتِ وارثاً.
وإنْ أَقَرَّتِ امرأةٌ على نَفْسِها بنكاحٍ ولم يَدَّعِهِ اثنانِ قُبِلَ، وإن أَقَرَّ وليُّها المُجْبِرُ بالنكاحِ، أو الذي أَذِنَتْ له، صَحَّ.
وإن أَقَرَّ بِنَسَبِ صغيرِ أو مجنونٍ مَجْهولِ النَّسَبِ أنه ابنُه ثَبَتَ نَسَبُه منه، فإنْ كان ميتاً وَرِثَهُ، وإذا ادَّعَى على شَخْصٍ بشيءٍ فَصَدَّقَهُ، صَحَّ (*).
ــ
(*) قال في الاختيارات (1): وإذا كان الإنسانُ ببلدِ سلطانٍ [ظالمٍ] أو قُطَّاعِ طريقٍ ونحوِهم من الظَّلَمَةِ، فخافَ أن يُؤْخَذَ مالُه، أو المالُ الذي يتركُه لورثتِه، أو المالُ الذي بيدِه للناسِ، إمَّا بحُجَّةِ أنه ميتٌ لا وارثَ له، أو بحُجَّةِ أنه مالٌ غائبٌ، أو بلا حُجَّةٍ أصلاً، فيجوزُ له الإقرارُ بما يَدْفَعُ هذا الظُّلْمَ، ويَحْفَظُ هذا المالَ لصاحبِه، مثل أن يُقِرَّ لحاضرٍ أنه ابنُه، أو يُقِرَّ أن له عليه كذا وكذا، أو يُقِرَّ أن المالَ الذي بيدِه لفلانٍ، وَيَتَأَوَّلُ في إقرارِه بأنه يعني بقولِه: ابني، كَوْنَه صغيراً، أو بقوله: أخي، =
(1) ص 622 - 624.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= أُخُوَّةَ الإسلام، وأن المالَ الذي بيدِه له، أي: لأنه قَبَضَهُ لكوني قد وُكِّلْتُه في إيصالِه أيضاً إلى مُسْتَحِقِّه، لكنْ يُشتَرطُ أن يكونَ المُقَرَّ له أميناً، والاحتياطُ أن يُشْهِدَ على المُقَرِّ له أيضاً أنَّ هذا الإقرارَ تَلْجِئَةٌ. تفسيره: كذا وكذا، وإن أَقَرَّ من شَكَّ في بلوغِه، وذَكَرَ أنه لم يَبْلُغْ، فالقولُ قولُه بلا يمين، قَطَعَ به في المغني والمحرَّرِ لعَدَمِ تَكْليفِه، ويتوجَّه أنْ يجب عليه اليمينُ؛ لأنه إنْ كان لم يَبْلُغْ لم يَضُرَّه وإن كان قد بَلَغَ حجَزتْهُ فأقرَّ بالحق، نصَّ الإمامُ أحمدُ في روايةِ ابن منصور، إذا قال البائعُ: بِعْتُكَ قبلَ أن أبلغَ. وقال المُشترِي: بعد بُلوغِك، أن القولَ قولُ المُشترِي، وهكذا يجيءُ في الإقرارِ وسائرِ التَّصَرُّفاتِ [التي يشكُّ فيها]، هل وَقَعَتْ قبلَ البُلوغِ أو بعدَه؟ لأن الأصلَ في العُقودِ الصِّحَّةُ، فإمَّا أن يقال: إن هذا عامٌّ وإمَّا أن يُفَرقَ بين أن يَتيقَّنَ أنه وقتَ التصرفِ كان مَشْكوكاً فيه غيرَ مَحْكومٍ ببُلوغِه أو لا ييقَّن، فإنَّا مع تَيَقُّنِ الشَّكِّ قد تَيقنَّا صُدورَ التصرفِ ممن لم تَثْبُتْ أهليتُه، والأصلُ عدمُها، فقد شَكَّكْنا في شَرْطِ الصِّحَّةِ، وذلك مانعٌ من الصِّحَّةِ، وأما في الحالةِ الأُخرى؛ فإنه يجوزُ صدورُه في حالِ الأَهليةِ، وحالِ عَدَمِها، والظاهرُ صُدورُه وقتَ الأهليةِ، والأصلُ عدمُه قبل وَقْتِها، فالأهليَّةُ هنا مُتيقَّنٌ وجودُها، ثم ذكر أبو العباس: أن مَنْ لم يُقِرَّ بالبُلوغِ تَعَلَّق به حقٌّ مثل إسلامِه بإسلامِ أبيه، أو ثبوتِ الذِّمِّيةِ لهُ تبَعاً لأبيه، أو بعد تَصرُّفِ الوليِّ له، أو تزويج وليٍّ أَبْعَد منه لمِوَلِيَّةٍ، فهل يَقْبَلُ منه دَعْوَى البُلوغِ حينئذٍ أم لا؟ لثُبوتِ هذه الأحكامِ المُتعلِّقةِ به في الظاهرِ قَبْلَ دَعْواه.
وأشار أبو العباس إلى تخريجِ المسألةِ على الوجهينِ، فيما إذا راجَعَ الرجْعِيَّةَ زوجُها، فقالت: قد انقضَتْ عِدّتي، وشَبيهٌ أيضاً بما إذا ادَّعَى المجهولُ المحكومُ بإسلامِه ظاهراً كاللَّقِيْطِ: الكُفْرَ بعد البُلوغِ؛ فإنه لا يَسْمَعُ منه على الصحيح، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= وكذلك لو تَصَرَّف المحكومُ بحريتِه ظاهراً كاللَّقِيْطِ ثم ادَّعى الرِّقَّ ففي قَبُولِ قولِه خلافٌ معروفٌ. انتهى.
قال في الاختيارات (1): وإنْ أَقَرَّ المريضُ مَرَضَ الموتِ المخوف لوارثٍ، فَيَحْتمِلُ أنْ يجعلَ إقرارَه لوارثٍ كالشهادةِ، فَتُرَدُّ في حقِّ مَنْ تُرَدُّ شهادتُه له كالأبِ بخلافِ مَنْ لا تُرَدُّ، ثم هل يَحْلِفُ المقرُّ له معه كالشاهد؟ وهل تُعْتَبَرُ عدالةُ المُقِرِّ ثلاثُ احتمالاتٍ، وَيحْتَمِلُ أن يُفَرقَ مُطْلَقاً بين العَدْلِ وغيرِه، فإن العَدْلَ معه من الدِّينِ ما يمنعُه من الكذب ونحوه في براءةِ ذمته بخلافِ الفاجرِ، ولو حَلَفَ المُقَرُّ له مع هذا تأكَّد؛ فإنَّ في قَبُولِ الإقرارِ مُطْلَقاً فساداً عظيماً، وكذلك في رَدِّهِ مُطلقاً، ويتوجَّه فيمن أَقَرَّ في حقِّ الغير وهو غيرُ مُتَّهَمٍ، كإقرارِ العبدِ بجنايةِ الخَطَأِ، وإقرارِ القاتلِ بجنايةِ الخَطَأِ أنْ يجعلَ المُقِرَّ كشاهدٍ ويَحْلِفَ معه المدَّعِي فيما ثَبَتَ بشاهدٍ آخرَ، كما قلنا في إقرارِ بعضِ الورثةِ بالنَّسَبِ. هذا هو القياسُ والاستحسانُ، إلى أن قال قال في الكافي: وإن أَقَرَّ العبدُ بنكاحٍ أو قِصَاصٍ أو تَعْزيرِ قَذْفٍ، صَحَّ وإن كَذَّبَه الولي.
قال أبو العباس: وهذا في النكاح فيه نظرٌ؛ فإن العبدَ لا يصح نكاحه بدونِ إذنِ سيده، لأن في ثبوت نكاحِ العبد ضرراً عليه، فلا يقبل إلا بتصديق السيد انتهى.
قال في الاختيارات: ومتى ثبت نسب المقَر له من المقِر، ثم رجع المقِر وصدَّقه المقَر له، هل يقبل رجوعه؟ فيه وجهان. حكاهما في الكافي، قال أبو العباس: إن جُعِل النسبُ فيه حقاً لله تعالى فهو كالحُريَّة، وإن جُعِل حقَّ آدميٍّ فهو كالمال، =
(1) ص 625، 626.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= والأشبهُ أنه حقٌّ لآدمي كالولاء، ثم إذا قبل الرجوع عنه فحق الأقارب الثابت من المحرمية ونحوها، هل يزول؟ أو يكون كالإقرار بالرق، تردد نظرُ أبي العباس في ذلك، فأما إن ادعى نسباً، ولم يثبت لعدم تصديق المقر له، أو قال: أنا فلان بن فلان، وانتسب إلى غير معروف، أو قال: لا أب لي أو لا نسب لي، ثم ادَّعى بعد هذا نسباً آخر، أو ادعى أن له أباً فقد ذكر الأصحاب في باب ما علق من النسب: أن الأب إذا اعترفَ بالابن بعد نفيه قبل منه، فكذلك غيره، لأن في هذا النفي والإقرار بمجهول ومنكر لم يثبت به نسب، فيكون إقراره بعد ذلك مقبولاً، كما قلنا فيما إذا أقر بمال لمكذبٍ إذا لم يجعله لبيت المال، فإنه إذا ادَّعى المقر بعد هذا أنه ملكه قبل منه، وإن كان المقر به أرق نفسه فهو كغيره، بناءً على أن الإقرار المكذوب، وجوده كعدمه، وهناك على الوجه الآخر يجعله بمنزلة المال الضائع أو المجهول، فيحكم بالحرية، وبالمال لبيت المال، وهنا يكون بمنزلة مجهول النسب، فيقبل به الإقرار ثباتاً، وسر المسألة: أن الرجوع عن الدعوى مقبولٌ، والرجوع عن الإقرار غير مقبول، والإقرار الذي لم يتعلق به حق لله، ولا لآدمي، هو من باب الدعاوى، فيصح الرجوع عنه، ومن أقر بطفلٍ له أمٌّ، فجاءت أمه بعد موت المقر تدعي زوجيته، فالأشبه بكلام أحمد ثبوت الزوجية، فهنا حمل على الصحة، وخالف الأصحاب في ذلك -إلى أن قال-: ومن أنكر زوجية امرأةٍ فأبرأته، ثم أقر بها كان لها أن تطالبه بحقها، ومن أقر -وهو مجهول نسبه وعليه ولاء- بنسب وارث حيٍّ أخ أو عم، فصدقه المقر له، وأمكَنَ قُبِل، صدَّقَه المولى أوْ لا، وهو قول أبي حنيفة، وذكره الجدُّ تخريجاً.