الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ولا تصحُّ الدَعْوَى إلا مُحرَّرَةً معلومةَ المُدَّعَى به، إلا ما نصحِّحُه مجهولاً كالوصيةِ وعبدٍ من عبيدِه مَهْراً ونحوه.
وإن ادَّعى عَقْدَ نِكَاحٍ أو بيعٍ أو غيرهما فلابدَّ من ذِكْرِ شُروطِه، وإن ادَّعتْ امرأةٌ نِكاحَ رجلٍ لطلبِ نَفَقةٍ أو مَهْرٍ أو نحوهما سُمِعَتْ دعواها، وإن لم تَدَّعِ سوى النكاحِ لم تُقْبَلْ، وإن ادَّعى الإرثَ ذَكَرَ سبَبَهُ.
وتُعتَبرُ عدالةُ البينةِ ظاهراً وباطناً ومن جُهِلَتْ عدالتُه سَأَلَ عنه، وإن عَلِمَ عدالتَه عَمِلَ بها، وإن جَرَحَ الخَصْمُ الشُّهودَ كُلِّفَ البينةَ به، وأُنْظِرَ له ثلاثةَ أيامٍ إن طلبَه، وللمدَّعِي مُلازمتُه، فإن لم يأتِ ببينةٍ حَكَمَ عليه، وإن جَهِلَ حالَ البينةِ طَلَبَ من المُدَّعي تَزْكيتَهم، ويكفي فيها عَدْلانِ يَشْهدانِ بعدالتِه.
ولا يُقْبَلُ في الترجمةِ والتزكيةِ والجَرْحِ والتعريفِ والرسالةِ إلا قولُ عَدْلَينِ.
ــ
= بيمينِه ا. هـ. وقال البخاري: "باب من أقام البيِّنةَ بعد اليمين" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلَّ بعضَكم ألحنُ بحُجتِه من بعض)(1)، وقال طاووس وإبراهيمُ وشُرَيح: البينةُ العادلةُ أحقُّ من اليمينِ الفَاجِرَةِ.
قال الحافظ: وقد ذهب الجمهورُ إلى قبولِ البينةِ، وقال مالك في المُدَوَّنَةِ إن استحلَفهُ ولا عِلْمَ له بالبينةِ ثم عَلِمَها قُبلتْ وقَضَى له بها، وإن عَلِمَها فتركَها فلا حقَّ له، انتهى.
قلت: وهو الصوابُ، لأنه أسقطَ حقَّ نفسِه ورضي بيمينِ صاحبِه.
(1) في صحيحه من كتاب الشهادات (3/ 235).
ويَحكُمُ على الغائبِ إذا ثبتَ عليه الحقُّ، وإن ادَّعى على حاضرٍ في البلدِ غائب عن مَجْلسِ الحُكم وأُتِي ببينةٍ لم تُسْمَعِ الدَّعْوَى ولا البَيِّنَةُ (*).
ــ
(*) قال في الاختيارات: ومسألةُ تحريرِ الدعوى وفروعِها ضعيفةٌ لحديثِ الحَضْرَمي في دعواه على الآخر أرضاً غيرَ موصوفةٌ، وإذا قيل لا تُسْمَعُ الدعوى إلا محرَّرَةً فالواجبُ أن من ادَّعَى مُجْمِلاً استفصَلَهُ الحاكمُ، وظاهرُ كلامِ أبي العباس صحةُ الدَّعْوَى على المُبْهَم، كدعوى الأنصارِ قَتْلَ صاحبِهم، ودعوى المسروقِ منه على بني أُبَيرِق وغيرهم، ثم المُبْهَمُ قد يكون مُطْلَقاً وقد يَنْحَصِر في قومٍ كقولها: أَنْكِحْني أَحدَهُما وزوِّجْنِي أَحدَهُما، والثبوتُ المَحْضُ يصح بلا مُدَّعَى عليه، وقد ذكره قومٌ من الفقهاء وفَعَلَه طائفةٌ من القُضاةِ وسُمعت الدَّعْوَى في الوكالةِ من غَير حُضورِ الخَصْمِ المُدَّعَى عليه. ونقلَه مُهنَّا عن أحمد، ولو كان الخَصْمُ في البلدِ، وتسمع دَعْوَى الاستيلادِ، وقاله أصحابُنا وفسَّره القاضي بأن يَدَّعَيَ استيلادَ أَمَةٍ فَتُنْكِرَه، وقال أبو العباس: بل هي المُدَّعِيةَ، ومن ادَّعَى على خَصْمِه أن بيدِه عقاراً استغلَّه مُدَّةً معيَّنةً وعيَّنَه، وإن استحقَّه فأنكرَ المُدَّعَى عليه، وأقام المُدَّعِي بيِّنةً باستيلائِه لا باستحقاقِه لزم الحاكمَ إثباتُه والشهادةُ به، كما يلزم البينة أن تَشْهَد به، لأنه كفرعٍ من أصلٍ وما لزم أصلاً الشهادةُ به لزم فرعُه حيثُ يُقْبَلُ، ولو لم تَلْزَم إعانَةُ مدَّعٍ بإثباتِ وشهاداتٍ ونحو ذلك إلا بعد ثُبوتِ استحقاقِه لزمَ الدَّوْرُ بخلافِ الحُكمِ، ثم إنْ أقامَ بينةً بأنه هو المستحِقُّ أَمَرَ بإعطائِه ما ادَّعاه وإلا فهو كمالٌ مجهولٌ يُصْرَفُ في المصالح اهـ.
قال في المقنع: ويُعتبرَ في البيِّنةِ العدالةُ ظاهراً وباطناً في اختيار أبي بكر والقاضي، وعنه تُقبل شهادةُ كلِّ مسلمٍ لم تظهرْ منه ريبةٌ اختاره الخِرقي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= قال في الاختيارات: وقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، يقتضي أن يقبلَ في الشهادةِ على حقوقِ الآدميينَ من رَضُوا شهيداً بينهم، ولا يُنْظَرُ إلى عدالتِه كما يكون مقبولاً عليهم فيما ائتمنُوه عليه. وقوله تعالى في آية الوصيَّةِ والرَجْعةِ:{اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة: 106]، أي صاحبا عدلٍ. والعَدْلُ في المقالِ هو الصِّدْقُ والبيانُ الذي هو ضِدُّ الكذبِ والكِتْمانِ كما بيَّنَه الله تعالى في قوله تعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152]. والعَدْلُ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ وطائفةٍ بِحَسَبِها، فيكونُ الشاهدُ في كُلِّ قومٍ من كان ذا عَدْلٍ فيهم، لو كان في غيرِهم لكان عَدْلُه على وجهٍ آخر، وبهذا يمكنُ الحُكْمُ بين الناسِ وإلا فلو اعْتُبِرَ في شُهودِ كلِّ طائفةٍ أن لا يَشْهدَ عليهم إلا من يكونُ قائماً بأداءِ الواجباتِ وتَرْكِ المُحرَّماتِ كما كان الصحابةُ لبَطَلَتِ الشهاداتُ كلُّها.
وقال أبو العباس في موضع آخر: إذا فُسِّرَ الفاسقُ في الشهادةِ بالفاجرِ وبالمُتَّهمِ، فينبغي أن يُفَرَّقَ بين حالِ الضَّرورةِ وعَدَمِها، كما قُلنا في الكُفَّار. وقال أبو العباس في موضع: ويتوجَّه أن تُقبلَ شهادةُ المعروفين بالصِّدْقِ، وإن لم يكونوا مُلْتَزِمينَ للحدودِ عند الضَّرُورةِ مثل الجَيْشِ وحَوادثِ البدو وأهلِ القَرْيةِ الذين لا يُوجَدُ فيهم عَدْلٌ، انتهى.
وقال أيضاً: ويُقْبَلُ في التَّرْجمةِ والجَرحِ والتَّعديلِ والتَّعريفِ والرِّسالةِ قولُ عَدْلٍ واحدٍ، وهو روايةٌ عن أحمد، ويُقْبَلُ الجَرْحُ والتَّعديلُ باستفاضةٍ.
قال في المقنع: وإن ادَّعَى على غائبٍ أو مُستَتِرٍ في البلدِ أو ميِّتٍ أو صَبيٍّ أو مجنونٍ وله بيِّنَةٌ، سَمِعَها الحاكمُ وحَكَمَ بها، وهل يَحْلِفُ المُدَّعِي أنه لم يَبْرَأْ إليه منه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= ولا من شيءٍ منه؟ على روايتين، ثم إذا قَدِمَ الغائبُ أو بَلَغَ الصَبِيُّ أو أفاقَ المجنونُ فهو على حُجَّتِه، وإن كان الخَصْمُ في البلد غائباً عن المجلس لم تُسمع البينةُ حتى يحضر، فإن امتنع عن الحضورِ سُمعت البينةُ وحَكَمَ بها في إحدى الروايتين، والأُخْرَى لا تُسمَعُ حتى يَحْضُرَ، فإن أَبَى بَعَثَ إلى صاحب الشُّرطةِ ليُحْضِرَهُ، فإن تَكرَّر منه الاستتارُ أَقْعَدَ على بابه من يُضيِّقُ عليه في دُخولِهِ وخُروجِهِ حتى يُحْضِرَه اهـ.
قال في الاختيارات: وإن أمكنَ القاضي أن يُرسِلَ إلى الغائب رسولاً، ويَكْتُبَ إليه الكتابَ والدَّعْوَى، ويُجاب عن الدَّعْوَى بالكتابِ والرسولِ، فهذا هو الذي ينبغي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بمُكاتَبَةِ اليهودِ لما ادَّعى الأنصارُ عليهم قَتْلَ صاحِبِهمْ،
وكاتَبَهُمْ ولم يُحْضِرُوه، هكذا يَنبغي أن يكونَ في كُلِّ غائبٍ طُلِبَ إقرارُه أو إنكارُه، إذا لم يُقِمِ الطالبُ بَيِّنَةً، وإن أقامَ بينةً فمن المُمكنِ أيضاً أن يُقال: إذا كان الخَصْمُ في البلدِ لم يَجِبْ عليه حضورُ مَجْلِسِ الحاكمِ، بل يقولُ أرسِلُوا إليَّ من يُعْلِمُنِي بما يدَّعِي به عَلَيَّ، وإذا كان لابدَّ للقاضِي من رسولٍ إلى الخَصْمِ يُبلغُه الدَعْوَى بحضورِه، فيجوزُ أن يقومَ مقامَهُ رسولٌ فإنَّ المقصودَ من حُضورِ الخَصْمِ سماعُ الدَّعْوَى وردُّ الجوابِ بإقرارٍ أو إنكارٍ، وهذا نظيرُ ما نصَّ عليه الإمامُ أحمدُ من أن النكاحَ يصحُّ بالمراسلةِ مع أنه في الحُضُورِ لا يجوزُ تَراخِي القَبُولِ عن الإيجابِ تراخياً كثيراً، ففي الدَّعْوَى يجوزُ أن يكونَ واحداً لأنه نائبُ الحاكمِ، كما كان أُنيَسٌ نائبَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في إقامةِ الحَدِّ بعد سَماعِ الاعترافِ ا. هـ. وقد تقدَّم في أولِ الكتابِ.