الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن: الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل
الإسلام هو: "الإستسلام لله بالتوحيد والإنقياد له بالطاعة وإخلاص العمل من شوائب الشرك"1.
ولقد جاء في سورة "الزمر" الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يكون أول المسلمين من هذه الأمة، وجاء الأمر فيها أيضاً: لجميع عباد الله بأن يلتزموا بدين الإسلام على وجه العموم.
قال تعالى في حق نبيه: {وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} .
وقال تعالى في حق عباده عموماً آمراً لهم بالإلتزام بدين الإسلام: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} ففي الآية الأولى: أمر الله ـ جل وعلا ـ نبيه بأن يكون أول المنقادين.
قال العلامة ابن كثير: {وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} قال السدي: يعني من أمته صلى الله عليه وسلم2.
وقال الشوكاني حول هذه الآية: {وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} أي: من هذه الأمة، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم فإنه أول من خالف دين آبائه ودعا إلى التوحيد3.
وأما الآية الثانية: فهي أمر لجميع العباد بأن يلتزموا بدين الإسلام، وإن لم يفعلوا ذلك فسيحل بهم العذاب على كفرهم به، ولا ينصرهم ناصر يسرع لإنقاذهم من عذاب الله النازل بهم فقوله تعالى:{وَأَسْلِمُوا لَهُ} أمر لجميع العباد بالخضوع لله ـ تعالى ـ بالطاعة
1- انظر عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص17، الأصول الثلاثة ص10.
2-
تفسير ابن كثير 6/83.
3-
فتح القدير 4/454.
والإقرار بدينه الحنيف والإلتزام بالإسلام الذي هو دين الأولين والآخرين، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكون أول الموحدين والمنقادين لله بالوحدانية التي لا تشوبها أية شائبة من الإشراك فغيره يتوجه إليه الخطاب من باب أولى فيجب على كل مكلف أن يعرف دينه الذي لا فلاح له إلا به، ويكون داعياً إليه. اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم وبجميع الرسل قبله.
فالإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين كما صرح بذلك القرآن والسنة قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلام} 1. قال العلامة ابن القيم: يعني الذي جاء به محمد وهو دين الأنبياء من أولهم إلى آخرهم ليس لله دين سواه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2 وقد دل قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلام} على أنه دين جميع أنبيائه ورسله وأتباعهم من أولهم إلى آخرهم وأنه لم يكن لله قط دين سواه. أ. هـ3.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "كان الأنبياء جميعهم مبعوثين بدين الإسلام فهو الدين الذي لا يقبل الله غيره لا من الأولين ولا من الآخرين"4. فمهما تدين متدين، أو تعبد متعبد على غير نهج الإسلام فعمله مردود وليس له من ذلك العمل شيء سوى العناء والتعب والشقاء وعمله ليس بمقبول كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} 5.
فاليهود والنصارى وغيرهم من الكافرين إذا تعبدوا وتدينوا بغير دين الإسلام فعبادتهم وديانتهم مردودة عليهم لأن الله لا يقبل ديناً غير دين الإسلام.
كما تقدم في الآية: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
ويدخل في هذا العموم كل من يبتدع في عمله وعبادته بدعة لا أصل لها في الإسلام
1- سورة آل عمران آية: 19.
2-
سورة آل عمران آية: 85.
3-
مدارج السالكين 3/476.
4-
العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص115 ـ 116 ط. المكتب الإسلامي.
5-
سورة الفرقان آية: 23.
لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 1 فالإسلام دين جميع الأنبياء وجميع الأمم فمن الأمم من آمن ومنهم من كفر وقد أخبرنا الله تعالى أن رسله الكرام عملوا بدين الإسلام ودعوا إليه أممهم فدين الإسلام اشتمل على العقائد والأحكام والعبادات والشيء المهم في دين الإسلام هو توحيد الله وإفراده بالعبودية، وهذا يتضمن إبطال كل عبادة لغير الله. والعبادة أنواع منها الدعاء والرجاء والتوكل والنذر والذبح فمن صرف منها شيئاً لغير الله فقد كفر وأشرك مع الله غيره.
وقد بين الله ـ تعالى ـ أن جميع الأنبياء دعوا أممهم إلى الإسلام فقد قال نوح عليه الصلاة والسلام فيما حكاه الله عنه: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 2.
وقد ذكر الله تعالى في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 3.
أما يوسف عليه السلام فإنه قد دعا الله تعالى أن يتوفاه مسلماً وأن يلحقه بالصالحين قال تعالى حكاية عنه: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 4.
وكليم الله موسى وجه قومه إلى الإيمان بالله والتوكل عليه وإسلام الوجه له سبحانه وتعالى قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} 5.
وأما سليمان عليه من الله الصلاة والسلام فإنه دعا بلقيس إلى الإسلام قال تعالى:
1- رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها 3/1343.
2-
سورة يونس آية: 72.
3-
سورة البقرة آية: 130، 131، 132.
4-
سورة يوسف آية: 101.
5-
سورة يونس آية: 84.
{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} 1 وفي العصور القديمة بعض أهل الكتاب ـ وهم اليهود والنصارى كانوا يدينون بدين الإسلام ـ.
وقالت بلقيس: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3.
وحكى الله عن روح الله عيسى ابن مريم والحواريين أن دينهم الإسلام قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} 4.
وحكى الله عن سحرة فرعون أنهم قالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} 5.
وقال تعالى عن سيد ولد آدم عليه من الله الصلاة والسلام أنه قال: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} 6 فهذه الآيات التي سقناها تبين أن جميع المرسلين وجميع من امتثل أمر رب العالمين دينهم هو الإسلام وهو عبادة الله وحده لا شريك له.
وقد بين صلى الله عليه وسلم أن أصل دين الأنبياء واحد وهو التوحيد وإن اختلفوا في فروع الشرائع.
فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة لعلات 7 أمهاتهم شتى ودينهم واحد"8.
1- سورة النمل آية: 30، 31.
2-
سورة القصص آية: 52، 53.
3-
سورة النمل آية: 44.
4-
سورة آل عمران آية: 52.
5-
سورة الأعراف آية: 126.
6-
سورة غافر آية: 66.
7-
العلات: بفتح المهملة: الضرائر، وأصله من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عل منها
…
وأولاد العلات الإخوة لأب. ذكره الحافظ في الفتح 6/489.
8-
صحيح البخاري مع الفتح 6/478، صحيح مسلم 4/1837.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"فالإسلام دين أهل السموات، ودين أهل التوحيد من أهل الأرض لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، فأديان أهل الأرض ستة، واحد للرحمن وخمسة للشيطان: اليهودية والنصرانية، والمجوسية والصابئة، ودين المشركين"اهـ1.
ومما تقدم يتبين أن الإسلام دين الأولين والآخرين من بني آدم، وأن أول المسلمين في جميع الشرائع الإلهية هم الرسل، لأن الرسل هم أول من يعرف الشرائع، والكتب المنزلة عليهم من عند الله تعالى. فالخير كل الخير بالأخذ بالإسلام الذي رضيه الله ديناً لعباده المؤمنين.
1- مدارج السالكين 3/476.