الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: إثبات صفة العزة
لقد أثبتت السورة صفة العزة ـ للباري سبحانه ـ في ثلاث آيات: ـ
قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}
وقال تعالى: {أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}
وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ}
فاسمه ـ تعالى ـ {الْعَزِيزُ} الوارد في هذه الآيات الثلاث يشتق منه صفة "العزة"، وهي من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الله ـ تعالى ـ فالعزيز اسم من أسماء الله ـ تعالى ـ وقد جاء في اشتقاقه وجوه:
الأول: أن يكون بمعنى لا مثيل له ولا نظير من "عز" الشيء بكسر العين في المضارع ومنه يقال: عز الطعام في البلد إذا تعذر وجوده عند الطلب، وإذا سمي الشيء الذي يعسر وجود مثله "بالعزيز" فبأن يسمى الشيء الذي يمتنع عقلاً أن يكون له نظير "بالعزيز" من باب أولى.
الثاني: أن يكون بمعنى الغالب الذي لا يغلب من "عزيعز" بضم العين في المضارع أي: غلب يغلب ومنه قوله ـ تعالى ـ: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} 1 أي غلبني وتقول العرب: "من عزيز" أي: من غلب سلب فإذا قيل: لمن غلب مع جواز أن يصير مغلوباً أنه "عزيز" فالغالب الذي يمتنع أن يصير مغلوباً، والقاهر الذي يستحيل أن يصير مقهوراً أولى أن يسمى "بالعزيز".
1- سورة ص، آية:23.
الثالث: أن يكون بمعنى الشديد "القوي" يقال: عزيعز، بفتح العين في المضارع إذا اشتد وقوي ومنه قوله تعالى:{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} 1 أي شددنا وقوينا وإذا سمي "القوي" الذي قد يضعف، والقادر الذي قد يعجز "بالعزيز" فلأن يسمى "القادر" الذي يستحيل في حقه العجز "عزيزاً" من باب أولى.
الرابع: أن يكون بمعنى "المعز" على وزن "فعيل" بمعنى "مفعل" كالأليم بمعنى المؤلم وعلى كل فعلى المعنى الأول يرجع إلى التنزيه، وعلى المعنى الثاني والثالث يعود إلى صفة الذات، وهي القدرة.
وعلى المعنى الرابع يرجع إلى صفو "الفعل"2.
وقد ورد هذا الاسم الشريف في مواضع كثيرة من كتاب الله ـ تعالى ـ وكثرة تكراره دليل ناصع على إثبات صفة "العزة" لله تعالى ثبوتاً قطعياً يليق بجلاله ـ سبحانه ـ من غير تمثيل، ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تحريف، ولا عبرة بمن نفى الصفة وأثبت الاسم كما هو مذهب المعتزلة3 ولا قيمة لمن نفى الأسماء والصفات كما هو مذهب الجهمية4 النفاة، ومذهبهم في الحقيقة يؤدي إلى القول بالعدم المحض وهو من أفسد المذاهب.
فصفة العزة ثابتة بنص كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغمت أنوف الجهمية والمعتزلة، وإليك بعض الآيات في ذلك: قال تعالى: {وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} 5 فكل من له نوع بصيرة يعلم أن القوة والغلبة في الحقيقة ـ للباري سبحانه وتعالى وحده ثم لمن أفاضها عليه من رسله، والصالحين من عباده ـ وعزته تعالى ـ غلبته وقهره لأعدائه، وعزة رسوله صلى الله عليه وسلم إظهار دينه على كل الأديان، وعزة عباده المؤمنين، نصره لهم على أعدائهم
1- سورة يس، آية:14.
2-
تفسير اسما الله الحسن للرازي ص194ـ195.
3-
يطلق اسم المعتزلة على الذين يجمعون القول بالأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والوعد، والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ويقولون بإثبات الأسماء ونفي الصفات، انظر آراءهم، وأقوالهم في "مقالات الإسلاميين" 1/235ومابعدها "الملل والنحل للشهرستاني" 1/43 وما بعدها، الفرق بين الفرق ص114 التبصير في الدين لأبي المظفر الإسفراييني ص63.
4-
انظر مقالات الإسلاميين 1/338، الملل والنحل للشهرستاني 1/86 وما بعدها الفرق بين الفرق ص211ـ212، التبصير في الدين ص107ـ 108، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص68.
5-
سورة المنافقون، آية:8.
فالمؤمنون لهم من العزة بقدر ما معهم من الإيمان وحقائقه فإذا حصل لهم نقص من العلو والعزة فبسبب ما فاتهم من حقائق الإيمان علماً وعملاً، ونصرهم وتأييدهم موقوف على قيامهم بتكميل مراتب الإيمان وواجباته.
وقال تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1 وقوله ـ سبحانه ـ {لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 2 وقال ـ جل شأنه ـ {وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 3 وقال ـ سبحانه ـ {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} 4 وقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} 5 وقد قرن ـ سبحانه ـ بين وصف العزة والحكمة بقوله: {وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} 6.
ومعنى ـ العزيز ـ الغالب كل شيء والذي ذل ـ لعزته ـ كل عزيز والممتنع فلا يغلبه شيء وهو ـ سبحانه ـ رب العزة وبيده وحده "العزة" يعز بها من يشاء، ومن يريد العزة فلا مصدر لها سوى "العزيز" ـ سبحانه ـ قال تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فلِلِهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} 7 وقد توعد الله المنافقين الذين يلتمسون "العزة" عند الكافرين الذين اتخذوهم أولياء من دون المؤمنين بالعذاب الأليم فقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} 8.
ولقد جاء اسمه ـ تعالى ـ "العزيز" مقترناً بأسماء أخرى من أسمائه تبارك وتعالى ولاقترانه ذلك أسرار دقيقة، ومعاني بديعة فقد اقترن باسمه ـ تعالى ـ "الحكيم" في عدة مواضع ذكرنا بعضها قريباً قال تعالى:{إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} 9 فاقترانه بهذا الاسم
1- سورة البقرة آية: 129.
2-
سورة آل عمران آية: 18.
3-
سورة إبراهيم آية: 47.
4-
سورة هود آية: 66.
5-
سورة الشعراء آية: 9.
6-
سورة الفتح آية: 7.
7-
سورة فاطر آية: 10.
8-
سورة النساء آية: 138 ـ 139.
9-
سورة النساء آية: 56.
يفيد أنه الغالب الذي لا يعجزه شيء ـ سبحانه ـ وهو الحكيم في أقواله وأفعاله جميعاً يضع الأشياء في محالها التي تناسبها مناسبة تامة.
كما اقترن باسمه ـ تعالى ـ "ذو انتقام" عدة مرات مثل قوله ـ تعالى ـ {وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} 1 واقترانه به يفيد أنه الغالب الذي يقدر على أن ينتقم ممن يستحق الانتقام منه بمنتهى العدل منه ـ سبحانه ـ.
واقترن باسم القوي في أكثر من موضع في كتاب الله ـ تعالى ـ مثل قوله ـ سبحانه ـ {وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} 2 واقترانه بهذا الاسم يفيد أنه ـ سبحانه ـ ذو القوة التي لا تغلب فبقوته ـ سبحانه ـ وعزته يوقع بمن يشاء من عقوبته ولا معقب لما يريده ـ جل وعلا ـ وجاء مقترناً باسمه ـ تعالى ـ: "الحميد" في عدة مواضع مثل قوله ـ تعالى ـ {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} 3.
واقترانه به يفيد أنه تبارك وتعالى العزيز الغالب الذي لا يضام من لاذ بجنابه المنيع "المحمود في جميع أفعاله وأقواله، وشرعه وقدرة، وأمره ونهيه، الصادق في خبره"4 وهو المحمود على كل حال.
واقترن باسمه ـ تعالى ـ "الرحيم" أكثر من عشر مرات واقترانه به يفيد أنه مع عزته وغلبته وقوته ـ سبحانه ـ رحيم بخلقه ومعنى ذلك أنه لا يعجل العقوبة على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
وقد جاء أيضاً مقروناً باسمه ـ تعالى ـ "العليم" واقترانه به يفيد أنه العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف ـ العليم ـ بكل شيء فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وكثير ما إذا ذكر الله الليل والنهار، والشمس، والقمر يختم الكلام بالعزة والعلم.
قال تعالى: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} 5 فهو ـ سبحانه ـ العزيز الذي من عزته انقادت له كل هذه المخلوقات العظيمة فجرت مذللة بأمره
1- سورة آل عمران، آية:4.
2-
سورة الأحزاب، آية:25.
3-
سورة إبراهيم، آية:1.
4-
تفسير القرآن العظيم 4/108.
5-
سورة فصلت، آية:12.
حيث لا تتعدى ما حده الله لها، ولا تتقدم عنه، ولا تتأخر العليم، الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والأوائل والأواخر، كما أنه ـ العزيز ـ الذي قهر الخلائق فأذعنوا له، والعليم بجميع الأشياء، والعليم بأقوال المختلفين وعما ذا صدرت، وعن غاياتها وسيجازي كلاً بما علمه فيه1.
وقد جاء اسمه ـ تعالى ـ "العزيز" مقترناً باسمه ـ تعالى ـ "الغفور" قال تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} 2 وباسمه ـ تعالى ـ "الغفار" قال تعالى حكاية عن كليمه موسى عليه السلام: {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّار} 3 واقترانه بهما يفيد أنه مع عزته وغلبته لكل خلقه فإنه ـ سبحانه ـ يغفر جميع الذنوب صغيرها وكبيرها لمن تاب إليه وأقلع عن ذنوبه ويلاحظ هنا أن اسم "العزيز" اقترن باسم "الغفور" و"الغفار" وكل منهما صيغة مبالغة على وزن "فعول" و"فعال" مما يدل على كثرة غفره ـ سبحانه ـ للتائبين المنيبين إليه وورد مقروناً باسمه ـ تعالى ـ "المقتدر" مرة واحدة في كتاب الله ـ تعالى ـ وذلك في قوله ـ عز شأنه ـ {كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِر} 4 واقترانه بهذا الاسم يفيد أنه ـ العزيز ـ الغالب الذي إذا أخذ المكذبين أخذهم أخذ غالب في انتقامه قادر على إهلاكهم لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى ـ5 وورد مقترناً باسمه ـ تعالى ـ "الوهاب" مرة واحدة في القرآن ومعناه: أنه ـ سبحانه ـ العزيز الغالب القاهر الذي لا يرام جنابه يعطي بغير حساب، ويعطي ما يريد لمن يريد عطاءً منه وتفضلاً من خزائن رحمته التي لا تنفد قال تعالى:{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} 6 كما اقترن مرة واحدة باسمه ـ تعالى ـ "الجبار" قال تعالى: {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} 7.
واقترانه بهذا الاسم يفيد أنه سبحانه وتعالى "العزيز" القاهر الغالب الذي لا
1- تيسير الكريم الرحمن: 5/287.
2-
سورة الملك، آية:2.
3-
سورة غافر، آية:42.
4-
سورة القمر، آية:42.
5-
انظر فتح القدير 5/128.
6-
سورة ص، آية:9.
7-
سورة الحشر، آية:24.
يوجد له نظير هو العظيم صاحب العظمة والجبروت ويجوز أن يكون من ـ جبر ـ إذا أغنى الفقير وجبر الكسير1 وقيل الجبار الذي لا تطاق سطوته.
فجميع الآيات التي قدمنا ذكرها أدلة قطعية واضحة على إثبات صفة ـ العزة ـ التي هي من صفات ذاته ـ سبحانه ـ التي لا تنفك عنه.
وصفة العزة لها ثلاث معان:
1 ـ عزة الدال عليها من الأسماء "القوي المتين".
2 ـ عزة الإمتناع فإنه الغني فلا يحتاج إلى أحد ولن يبلغ العباد ضره فيضروه، ولا نفعه فينفعوه.
3 ـ عزة القهر والغلبة لكل الكائنات، وقد ذكر هذه المعاني الثلاثة العلامة ابن القيم رحمة الله عليه حيث قال: ـ
وهو العزيز فلن يرام جنابه
…
أنى يرام جناب ذو السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب
…
لم يغلبه شيء هذه صفتان
وهو العزيز بقوة هي وصفه
…
فالعز حينئذ ثلاث معان2
أما من حيث إضافتها إلى الله ـ جل وعلا ـ فإنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
من باب إضافة الصفة إلى الموصوف كما في قوله ـ تعالى ـ حكاية عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 3 فالآية أوضحت أن إبليس عرف صفة العزة وأثبتها لله ـ تعالى ـ وأنكرها أهل التعطيل من جهمية ومعتزلة مكابرة وعناداً كما أن الآية دلت على جواز الحلف بصفة ـ العزة ـ وغيرها من الصفات مثلها كما دلت على أن صفاته ـ تعالى ـ ليست مخلوقة لأن الحلف بالمخلوق شرك بالله العظيم وكذلك الاستعاذة به.
1- انظر فتح القدير 5/208.
2-
انظر القصيدة النونية مع شرحها "توضيح المقاصد وتصحيح القواعد" 2/218.
3-
سورة ص، آية:82.
القسم الثاني:
إضافتها إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى خالقه وهي: العزة المخلوقة التي يعز بها أنبياءه وعباده الصالحين وهي ما يحصل لهم من النصر والتأييد وغلبة الأعداء، وقدمنا ما يدل على ذلك من القرآن1.
وحيث قلنا: إن القرآن دل على إثباته صفة العزة في كثير من آياته كذلك السنة دلت على ما دل عليه القرآن فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أيوب يغتسل عرياناً خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك"2.
وروي أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل يخالف الله وجهه عن النار قبل الجنة، ومثل له شجرة ذات ظل فقال: أي رب قدمني إلى هذه الشجرة أكون في ظلها قال الله عز وجل له هل عسيت إن فعلت أن تسأل غيره؟ قال لا وعزتك فيقدمه الله ـ تعالى ـ إليها، ومثل له ذات ظل وثمر فقال: أي رب قدمني إلى هذه الشجرة أكون في ظلها وآكل من ثمرها قال الله هل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره؟ قال لا وعزتك فيقدمه الله إليها فيمثل له شجرة أخرى ذات ظل وثمر وماء فيقول: أي رب قدمني إلى هذه الشجرة أكون في ظلها وآكل من ثمرها وأشرب من ماءها فيقول الله عز وجل هل عسيت إن فعلت أن تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره فيقدمه الله ـ تعالى ـ إليها...." الحديث3.
وروى أبو داود4 في سننه من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد أن يبطلني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعل يدك اليمنى عليه
1- بدائع الفوائد لابن القيم: 2/185.
2-
صحيح البخاري 1/61، وسنن النسائي 1/201، والمسند 2/243.
3-
صحيح البخاري 4/284، وأحمد في المسند 1/394.
4-
هو: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني أبو داود إمام أهل الحديث في زمنه، وهو أحد أئمة الحديث الستة ولد سنة اثنتين ومائتين وتوفي سنة خمس وسبعين ومائتين هجرية. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ للذهبي 2/591 ـ 593، تاريخ بغداد 9/55 -59، وفيات الأعيان 1/214".
ثم قل: بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد سبع مرات" ففعلت فشفاني الله عز وجل ـ1.
وروى البخاري: بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت وبك خاصمت أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون"2.
وروى البخاري أيضاً: من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "تقول جهنم قطٍ، قط3 وعزتك"4. فهذا الحديث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن جهنم تحلف بعزة الله ـ جل وعلا ـ وهو دليل واضح على إثبات هذه الصفة، كما أنه دليل على جواز الحلف بعزة الله، وغيرها من الصفات مثلها، يجوز الحلف بها.
والذي نخلص إليه مما تقدم من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية صحيحة يتبين لنا أن الله ـ تعالى ـ أثبت لنفسه صفة العزة كما أثبتها له أنبياؤه ورسله وملائكته كما قال جبريل عليه السلام حين رأى الجنة وما أعد فيها لأهلها: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها
…
" الحديث5 كما أثبتها له عباده المؤمنون الموحدون ولم ينكرها إلا من أشرب قلبه بمذهب التعطيل من الجهمية والمعتزلة فصفة العزة ثابتة لله ـ تعالى ـ بالأدلة القطعية التي لا تقبل المراء ولا الجدال فلا يمكن أن يكون أحد من الخلق معتزاً إلا به تبارك وتعالى.
ولا عزة لأحد إلا هو مالكها ـ جل وعلا ـ ومن يريد العزة فليطلبها من الله، ولا يمكن أن ينالها أحد إلا بطاعته ـ ربه وسبحانه وتعالى ـ ولذلك أثبتها الله لرسوله ولعباده وأوليائه المؤمنين الذين أخلصوا له العبادة وأطاعوه حق الطاعة طمعاً في ثوابه وفراراً من عقابه والتزموا نهج الكتاب والسنة، واتبعوا ما عليه سلف الأمة في إثبات صفات الله ـ تعالى ـ التي نطق بها الكتاب ونطقت بها السنة وأذاعها السلف في جميع الأمة، وبعد هذه الأدلة
1- 2/338، والبيهقي في الأسماء والصفات ص165.
2-
صحيح البخاري مع الفتح 13/368.
3-
قال في النهاية: قط، قط: بمعنى: حسب وتكرارها للتأكيد 4/78.
4-
صحيح البخاري مع الفتح 13/368.
5-
رواه أحمد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 2/333.
القاطعة المقنعة لا يبقى أي مدخل لمن يقول: إن الله ـ عزيز ـ بلا عزة ـ قدير ـ بلا قدرة لأن هذه الأدلة الجمة تبطل زعمهم، وترد مقالتهم الباطلة كما ترد مذهب الجهمية الذين ينكرون الأسماء والصفات، كما تبين فساد قول القائلين بتأويل صفاته ـ تعالى ـ بمعان غير واردة، أو فرق بينها بأن أثبت بعضها على ما يليق بالله ـ تعالى ـ وادعى وجوب تأويل البعض الآخر كما فعل ذلك بعض الطوائف1 وهو تصرف خاطئ، ولا شك أن أدلة الكتاب والسنة وإجماع المؤمنين من هذه الأمة كل ذلك صفعة لهم على رؤوسهم وإبطال لكل انتحالاتهم فعلى كل الفرق التي ضلت في صفات الله ـ تعالى ـ تبعاً للهوى والرأي الفاسد أن ترجع إلى الصواب وتؤمن بما جاء في الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، من الإيمان بالأسماء والصفات وتبتعد عن التمثيل، والتعطيل وعن التحريف، والتكييف ومن ثم لا يترتب على ذلك أي محذور يتصورونه بأفكارهم الضيقة لأنه ـ تعالى ـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 2.
1- مثل الأشعرية الكلابية، انظر "مقالات الإسلاميين" 1/249 وما بعدها.
2-
سورة الشورى، آية:11.