المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن - مباحث العقيدة في سورة الزمر

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: دلالة السورة على الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني: إثبات صفة العلو والفوقية

- ‌المبحث الثالث: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق

- ‌المبحث الرابع: إثبات صفة العزة

- ‌المبحث الخامس: إثبات صفة الحكمة

- ‌المبحث السادس: تنزيه الله تعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث السابع: إثبات صفتي الوحدانية والقهر

- ‌المبحث الثامن: إثبات صفتي الرحمة والمغفرة

- ‌المبحث التاسع: إثبات صفة الغنى لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: إثبات صفة الرضا

- ‌المبحث الحادي عشر: إثبات صفة العلم

- ‌المبحث الثاني عشر: بيان معنى اسمه تعالى "الوكيل

- ‌المبحث الثالث عشر: إثبات صفة اليدين

- ‌الفصل الثاني: دلالات السورة على توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد العبادة

- ‌المبحث الثاني: وجوب إفراد الله تعالى بتوحيد العبادة

- ‌المبحث الثالث: أهمية الإخلاص في توحيد العبادة

- ‌المبحث الرابع: عبودية الدعاء

- ‌المبحث الخامس: عبودية الخوف

- ‌المبحث السادس: عبودية الرجاء

- ‌المبحث السابع: انقسام العبودية إلى عامة وخاصة

- ‌المبحث الثامن: الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل

- ‌المبحث التاسع: بيان الطاغوت الذي أوجب الله على عباده أن يجتنبوه

- ‌المبحث العاشر: عبودية الإنابة

- ‌المبحث الحادي عشر: عبودية التوكل

- ‌المبحث الثاني عشر: الشفاعة نوعان: منفية ومثبتة

- ‌المبحث الثالث عشر: الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: دلائل توحيد الربوبية من السورة

- ‌المبحث الثالث: إقرار المشركين الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوجود الله

- ‌المبحث الرابع: الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الرابع: ما جاء في السورة بشأن الشرك

- ‌المبحث الأول: تعريف الشرك في اللغة والإصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌المبحث الثالث: أصل الشرك في بني الإنسان

- ‌المبحث الرابع: ذم الإنسان على جعله أنداداً لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المشرك والموحد

- ‌المبحث السادس: التحذير من الشرك وبيان أنه محبط للعمل

- ‌الباب الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة والكتب، والرسل والقدر وفيه

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة

- ‌المبحث الأول: تعريف الملائكة، ومن أي شيء خلقوا

- ‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم

- ‌الفصل الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الأول: كيفية الإيمان بالكتب السابقة

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالأنبياء والرسل

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول والفرق بينهما

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالأنبياء السابقين

- ‌المبحث الثالث: كيفية الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: ما يجب للرسل، وما يجوز عليهم

- ‌المبحث الخامس: موضوع الرسالات السماوية

- ‌الفصل الرابع: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القضاء والقدر ومعنى الإيمان به

- ‌المبحث الثاني: بيان المبتدعة الذين نازعوا في القدر والرد عليهم

- ‌المبحث الثالث: مراتب القدر

- ‌المبحث الرابع: ما يتعلق بالهداية والضلال

- ‌الباب الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان باليوم الآخر

- ‌الفصل الأول: مباحث في اليوم الآخر قبل دخول الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: النفخ في الصور

- ‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

- ‌المبحث الثالث: عناية القرآن بإثبات البعث

- ‌المبحث الرابع: أرض المحشر

- ‌المبحث الخامس: كتاب الأعمال

- ‌المبحث السادس: جزاء الأعمال يوم القيامة

- ‌الفصل الثاني: النار دار الكافرين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل النار النار

- ‌المبحث الثاني: أبواب جهنم

- ‌المبحث الثالث: خزنة جهنم

- ‌المبحث الرابع: إحاطة النار بأهلها وشدة عذابها

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل النار

- ‌المبحث السادس: أبدية النار ودوام عذابها

- ‌الفصل الثالث: الجنة دار المتقين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة

- ‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

- ‌المبحث الثالث: خزنة الجنة

- ‌المبحث الرابع: أرض الجنة

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة

- ‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها

- ‌المبحث السابع: أبدية الجنة ودوام نعيمها

- ‌المبحث الثامن: وجوب الإيمان بالعرش، وهو سقف الجنة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن

‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن

تقد معنا فيما سبق أنه يجب على المرء أن يؤمن بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم كلامه تعالى حقيقة لا كلام غيره.

إلا أنه يجب مع هذا الإيمان الإيمان بأنه آخر الكتب السماوية، وأنه مهيمن عليها وقد خصه الله بمزية الحفظ من التغيير والتبديل والتحريف، ويجب على كل شخص أن يقر بما فيه، ويتبعه ويتمسك به ظاهراً وباطناً، وأن يقوم بحقه.

قال شارح الطحاوية: "وأما الإيمان بالقرآن، فالإقرار به، واتباع ما فيه وذلك أمر زائد على الإيمان بغيره من الكتب"1 وقد تميز القرآن الكريم عما سبقه من الكتب المنزلة بمزايا من أهمها:

1ـ "أنه جمع التعاليم الربانية، وجاء مؤيداً لما جاء في تلك الكتب السابقة من توحيد الله عز وجل وعبادته، ووجوب طاعته وجمع كل ما كان مفرقاً في تلك الكتب من المحاسن والفضائل وجاء مهيمناً عليها ورقيباً يقر ما فيها من حق، ويبين ما دخل فيها من التحريف والتغيير. قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} 2 فقد جاء بشريعة عامة لبني الإنسان فيها كل ما يحتاجون إليه، وما يلزمهم لسعادتهم في الدنيا والآخرة، ونسخ الله به جميع الشرائع العملية الخاصة بالأمم السابقة، وأثبت الأحكام النهائية الخالدة التي تصلح لكل زمان ومكان.

1- شرح الطحاوية ص350.

2-

سورة المائدة آية: 48.

ص: 456

فمعنى قوله تعالى في الآية السابقة {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} أي: مؤتمناً وشاهداً على ما قبله من الكتب، ومصدقاً لها يعني: يصدق ما فيها من الصحيح وينفي ما فيها من التحريف، والتبديل والتغيير ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير"1.

2ـ أن القرآن الكريم هو الكتاب الإلهي الوحيد الذي ضمن الله حفظه وصانه من عبث البشر. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 2 وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} 3 قال ابن كثير عند قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} "ثم قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر وهو القرآن وهو الحافظ له من التغيير والتبديل"اهـ4.

"فمن أجاز أن يتمكن أحد من زيادة شيء في القرآن، أو نقصانه منه، أو تحريفه، أو تبديله، فقد كذب على الله تعالى في خبره، وأجاز وقوع الخلف فيه وذلك كفر

فصح أن من تمام الإيمان الإعتراف بأن جميعه هذا، المتوارث خلفاً عن سلف لا زيادة فيه ولا نقصان"5. ومزية الحفظ هذه للقرآن الكريم متفرعة عن مزية أخرى وهي أن هذا الكتاب العظيم أنزله الله للبشرية جمعاء وليس خاصاً بأمة معينة، أو قوم معينين كما كان الحال في الكتب السابقة وكان حفظه من التحريف والتغيير والتبديل الذي يحصل من البشر العابثين لكي يبقى ما تضمنه حجة قائمة على الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

أما الكتب السماوية الأخرى، فكانت تنزل ويوجه الكلام الذي تتضمنه إلى أمم مخصوصة دون سائر الأمم وإن اتفقت في أصل الدين إلا أن أحكامها وشرائعها خصت بأزمنة معينة، وأقوام معينين قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} 6.

قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} يقول: سبيلاً وسنة، والسنن مختلفة، هي في التوراة شريعة، وفي الإنجيل شريعة، وفي الفرقان

1- انظر جامع البيان 6/266 وما بعدها، تفسير القرآن العظيم 2/586 ـ 587، فتح القدير 2/47 ـ 48.

2-

سورة الحجر آية: 9.

3-

سورة فصلت آية: 41 ـ 42.

4-

تفسير القرآن العظيم 4/154.

5-

كتاب المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 1/320.

6-

سورة المائدة آية: 48.

ص: 457

شريعة يحل الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء ليعلم من يطيعه ممن يعصيه والدين الذي لا يقبل الله غيره التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام1.

وتلك الشرائع التي سبقت القرآن لم يضمن الله حفظها على مدى الأزمان كما هو الشأن في القرآن، بل أخبرنا ـ سبحانه ـ بما طرأ على تلك الكتب من التحريف.

فعن تحريف اليهود وتغييرهم الذي أدخلوه في التوراة. قال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 2 وقال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} 3.

وأما عن تحريف النصارى الذي أدخلوه على الإنجيل فقد قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} 4.

ومن التحريفات الباطلة التي أحدثها اليهود والنصارى في دينهم ما زعمه اليهود في العزير من أنه ابن الله وما زعمه النصارى في المسيح أنه ابن الله تعالى الله عن قولهم جميعاً علواً كبيراً.

ولقد ذكر الله في القرآن هذا الانحراف وأكذبهم فيه ولعنهم عليه. قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} 5.

وقد بين الله تعالى فساد هذا المعتقد ونزه نفسه عنه فقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 6.

1- تفسير ابن كثير 2/586.

2-

سورة البقرة آية: 75.

3-

سورة النساء آية: 46.

4-

سورة المائدة آية: 14 ـ 15.

5-

سورة التوبة آية: 30.

6-

سورة الإخلاص.

ص: 458

وأخبر ـ سبحانه ـ بأن الرسل جميعهم بشر اختصهم الله بالوحي ومنحهم من الكمال ما يجعلهم أهلاً لتلقي الوحي وتبليغه لغيرهم من الخلق قال تعالى مخاطباً رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 1.

ومن تحريف النصارى الذين جنوه على دينهم زعم بعضهم بأن عيسى إله قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} 2 وقول بعضهم بالتثليث. قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 3.

فقد بين القرآن الكريم أن هذا تحريف منهم للعقيدة الصحيحة كما بين الاعتقاد الصحيح في عيسى عليه السلام وأمه. قال تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ. انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} 4.

والحق الذي لا يقبل الجدال ولا النزاع أنه لا يوجد على وجه الدنيا بأسرها كتاب تصح نسبته إلى الخالق ـ جل وعلا ـ سوى القرآن الكريم وهذه حقيقة لا يماري فيها عاقل يدل على صحة هذه الحقيقة أدلة حسية إضافة إلى ما أخبر به القرآن الكريم من التحريف والواقع في الكتب التي يدعي اليهود والنصارى نسبتها إلى موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام ومن هذه الأدلة:

1ـ أن الكتب التي أنزلها الله قبل القرآن قد فقدت نسخها الأصلية، ولم يبق في أيدي الناس إلا تراجمها. أما القرآن فإنه ما زال محفوظاً، سوره وآياته وكلماته وحركاته كما ألقاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكما بلغه المصطفى صلى الله عليه وسلم لصحابته الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين.

2ـ أن تلك الكتب قد اختلط فيها كلام الله تعالى بكلام البشر من سير الأنبياء

1- سورة الكهف آية: 110.

2-

سورة المائدة آية: 72.

3-

سورة المائدة آية: 73.

4-

سورة المائدة آية: 75.

ص: 459

وتاريخهم وذكر تلاميذهم، واستنباطات علمائهم حتى أصبح كلام الله فيها لا يميز من كلام الأحبار والرهبان أما القرآن الكريم فإنه جميعه كلام الباري ـ سبحانه ـ ولم يختلط غيره من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أقوال الصحابة أو غيرهم1. جاء في كتاب "الوفاء بأحوال المصطفى" قال أبو الوفاء علي بن عقيل:"إذا أردت أن تعلم أن القرآن ليس من قول رسول صلى الله عليه وسلم وإنما هو ملقى عليه، فانظر إلى كلامه كيف يمتاز عن القرآن، وتلمح ما بين الكلامين والأسلوبين ومعلوم أن كلام الإنسان يتشابه، وما للنبي صلى الله عليه وسلم كلمة تشاكل القرآن" وقال أيضاً: "ومن إعجاز القرآن أنه لا يمكن أحد أن يستخرج منه آية قد أخذ معناها من كلام قد سبق فإنه ما زال الناس يكشف بعضهم عن بعض، فيقال مثلاً: المتنبي أخذ من البحتري"2.

3 ـ "إن تلك الكتب المنزلة على الأنبياء السابقين ليس فيها كتاب تصح نسبته إلى الرسول الذي ينسب إليه فليس لأي كتاب منها سند صحيح متصل إلى ذلك النبي حتى يوثق بنسبته إليه فالأسفار الموجودة التي تسمى بالعهد القديم، ويطلقون عليها اسم "التوراة" إنما كان تدوينها بعد موسى عليه الصلاة والسلام وأما القرآن الكريم فهو الكتاب الوحيد الذي ثبتت نسبته بصورة قطعية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد نقل إلينا هذا القرآن بسوره وآياته وطريقة ترتيبها، وكيفية تلاوته، إلى كل عصر جاء بعد عصر نزوله بالتواتر بحيث لا يشك في أن القرآن الذي نتلوه هو الذي نزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم"3.

4 ـ "من الأدلة على وقوع التحريف في تلك الكتب كثرة نسخها وتعددها واختلافها فيما اشتملت عليه من أقوال وآراء"4.

1- انظر مبادئ الإسلام للمودودي ص91.

2-

الوفاة بأحوال المصطفى لابن الجوزي 1/270.

3-

انظر مبادئ الإسلام للمودودي ص91 ـ 92.

4-

قال السيد سابق: "ويكفي لصحة التدليل على التحريف في الأناجيل المتداولة بأيدي النصارى الآن ـ أنها أربعة اختيرت من نحو سبعين إنجيلاً وهذه الأناجيل تناولت الكتابة عن سيرة عيسى عليه السلام ومؤلفوها معروفون وأسماؤهم مكتوبة عليها وقد قرر نقاد المسيحيين أنفسهم أن عقائد الأناجيل هي رأي بولس دون سائر الحواريين، ودون أقرب الأقربين إلى عيسى وقد وجد في مكتبة أمير من الأمراء في باريس نسخة من إنجيل "برنابا" وقد طبعته "مطبعة المنار" بعد ترجمته إلى العربية وهو يخالف الأناجيل الأربعة، مخالفة كبيرة" اهـ. انظر "العقائد الإسلامية" ص168.

ص: 460

5 ـ ومن القرائن القوية القاطعة على وقوع التحريف في هذه الكتب ما تضمنته من العقائد الباطلة، والتصورات الفاسدة عن ـ الباري جل وعلا ـ وعن رسله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام فإنه يوجد فيها تشبيه الخالق بالمخلوق، والطعن في الأنبياء بما يمس كرامتهم ويتنافى مع عصمتهم1 وذلك من أعظم الأدلة وأقواها على أن ذلك من وضع البشر الذين اتبعوا أهواءهم وعبدوا شياطينهم.

والذي نخلص إليه مما تقدم أن الإيمان بالكتب السماوية الإلهية أحد أركان الإيمان التي بنيت عليها العقيدة الإسلامية، فلا إسلام صحيح ولا إيمان ثابت لأحد حتى يؤمن الإيمان الجازم بأنها نزلت من عند الله، وأنها كلامه تكلم بها حقيقة على ما يليق بجلاله، ويزاد في القرآن الكريم على ذلك أنه خاتمة الكتب والمهيمن عليها، والمعجزة الخالدة، وأن كل لفظ فيه محفوظ، ويجب الإقرار بما فيه، وإتباع أمره، واجتناب نهيه، وتصديق خبره، ورفض كل ما يخالفه، ويخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام:"والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"2.

1- من ذلك ما جاء في التوراة المتداولة عندهم فإنه قد جاء في سفر التكوين "وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً بالخير والشر" وفيه أيضاً: "فحزن الرب أنه عمل الإنسان وتأسف في قلبه" ومما جاء فيه "مما يمس شرف الأنبياء وينافى مع عصمتهم ما قالوه عن إبراهيم عليه السلام إنه كذاب وأن لوطاً زنى بابنتيه" وفي سفر الخروج: "زعموا أن هارون دعا الإسرائيليين إلى عبادة العجل" وفي سفر صموئيل الثاني: زعموا أن داود زنا" وفي سفر الملوك الأول: "زعموا أن سليمان عبد الأصنام إرضاء لبعض نسائه" انظر هذه التحريفات الفاسدة في "العهد القديم" من "الكتاب المقدس" ص7 وص10 وص29 وص140 وص498 وص553 ـ 554. وهذه المفتريات من أقوى الأدلة وأظهرها على التحريف الذي غيروا به كتب الله المنزلة على أنبيائهم.

2-

رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 1/134.

ص: 461