المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: أبواب الجنة - مباحث العقيدة في سورة الزمر

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: دلالة السورة على الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني: إثبات صفة العلو والفوقية

- ‌المبحث الثالث: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق

- ‌المبحث الرابع: إثبات صفة العزة

- ‌المبحث الخامس: إثبات صفة الحكمة

- ‌المبحث السادس: تنزيه الله تعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث السابع: إثبات صفتي الوحدانية والقهر

- ‌المبحث الثامن: إثبات صفتي الرحمة والمغفرة

- ‌المبحث التاسع: إثبات صفة الغنى لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: إثبات صفة الرضا

- ‌المبحث الحادي عشر: إثبات صفة العلم

- ‌المبحث الثاني عشر: بيان معنى اسمه تعالى "الوكيل

- ‌المبحث الثالث عشر: إثبات صفة اليدين

- ‌الفصل الثاني: دلالات السورة على توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد العبادة

- ‌المبحث الثاني: وجوب إفراد الله تعالى بتوحيد العبادة

- ‌المبحث الثالث: أهمية الإخلاص في توحيد العبادة

- ‌المبحث الرابع: عبودية الدعاء

- ‌المبحث الخامس: عبودية الخوف

- ‌المبحث السادس: عبودية الرجاء

- ‌المبحث السابع: انقسام العبودية إلى عامة وخاصة

- ‌المبحث الثامن: الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل

- ‌المبحث التاسع: بيان الطاغوت الذي أوجب الله على عباده أن يجتنبوه

- ‌المبحث العاشر: عبودية الإنابة

- ‌المبحث الحادي عشر: عبودية التوكل

- ‌المبحث الثاني عشر: الشفاعة نوعان: منفية ومثبتة

- ‌المبحث الثالث عشر: الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: دلائل توحيد الربوبية من السورة

- ‌المبحث الثالث: إقرار المشركين الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوجود الله

- ‌المبحث الرابع: الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الرابع: ما جاء في السورة بشأن الشرك

- ‌المبحث الأول: تعريف الشرك في اللغة والإصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌المبحث الثالث: أصل الشرك في بني الإنسان

- ‌المبحث الرابع: ذم الإنسان على جعله أنداداً لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المشرك والموحد

- ‌المبحث السادس: التحذير من الشرك وبيان أنه محبط للعمل

- ‌الباب الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة والكتب، والرسل والقدر وفيه

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة

- ‌المبحث الأول: تعريف الملائكة، ومن أي شيء خلقوا

- ‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم

- ‌الفصل الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الأول: كيفية الإيمان بالكتب السابقة

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالأنبياء والرسل

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول والفرق بينهما

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالأنبياء السابقين

- ‌المبحث الثالث: كيفية الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: ما يجب للرسل، وما يجوز عليهم

- ‌المبحث الخامس: موضوع الرسالات السماوية

- ‌الفصل الرابع: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القضاء والقدر ومعنى الإيمان به

- ‌المبحث الثاني: بيان المبتدعة الذين نازعوا في القدر والرد عليهم

- ‌المبحث الثالث: مراتب القدر

- ‌المبحث الرابع: ما يتعلق بالهداية والضلال

- ‌الباب الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان باليوم الآخر

- ‌الفصل الأول: مباحث في اليوم الآخر قبل دخول الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: النفخ في الصور

- ‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

- ‌المبحث الثالث: عناية القرآن بإثبات البعث

- ‌المبحث الرابع: أرض المحشر

- ‌المبحث الخامس: كتاب الأعمال

- ‌المبحث السادس: جزاء الأعمال يوم القيامة

- ‌الفصل الثاني: النار دار الكافرين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل النار النار

- ‌المبحث الثاني: أبواب جهنم

- ‌المبحث الثالث: خزنة جهنم

- ‌المبحث الرابع: إحاطة النار بأهلها وشدة عذابها

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل النار

- ‌المبحث السادس: أبدية النار ودوام عذابها

- ‌الفصل الثالث: الجنة دار المتقين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة

- ‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

- ‌المبحث الثالث: خزنة الجنة

- ‌المبحث الرابع: أرض الجنة

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة

- ‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها

- ‌المبحث السابع: أبدية الجنة ودوام نعيمها

- ‌المبحث الثامن: وجوب الإيمان بالعرش، وهو سقف الجنة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

ورد ذكر أبواب الجنة في السورة من غير نص على عددها، أو تسميتها قال تعالى:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .

قال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر هذه الآية مبيناً أسرارها العجيبة ومعانيها الدقيقة.

قال رحمه الله: "وقال في صفة النار {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} بغير واو فقالت طائفة: هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة لكونها ثمانية وأبواب النار سبعة فلم تدخلها الواو، وهذا قول ضعيف لا دليل عليه، ولا تعرفه العرب، وإنما هو من استنباط بعض المتأخرين".

وقالت طائفة أخرى: الواو زائدة والجواب الفعل الذي بعدها كما هو في الآية الثانية، وهذا أيضاً ضعيف فإن زيادة الواو غير معروف في كلامهم ولا يليق بأفصح الكلام أن يكون فيه حرف زائد لغير معنى ولا فائدة.

وقالت طائفة ثالثة: الجواب محذوف، وقوله:{وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} عطف على قوله {جَاءُوهَا} وهذا اختيار أبي عبيدة والمبرد1 والزجاج وغيرهم. قال المبرد: وحذف

1- هو: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي أبو العباس المعروف بالمبرد إمام العربية ببغداد في زمنه. ولد سنة عشر ومائتين وتوفي سنة ست وثمانين ومائتين هجرية. بغية الوعاة 1/269، وفيات الأعيان 1/495، تاريخ بغداد 3/380.

ص: 659

الجواب أبلغ عند أهل العلم، قال أبو الفتح ابن جني1 وأصحابنا يدفعون زيادة الواو ويرون أن الجواب محذوف للعلم به.

قال ابن القيم: "بقي أن يقال: فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة، وذكره في آية "أهل النار"؟ فيقال: هذا أبلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفجأهم العذاب بغتة فحين انتبهوا إليها فتحت أبوابها بلا مهلة، فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبه فإنها دار الإهانة والخزي فلم يستأذن لهم في دخولها، ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول".

وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته، ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله، وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم، وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وأن يسأله حاجته فيشفع إليه ـ سبحانه ـ في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها تعظيماً لخطرها، وإظهاراً لمنزلة رسوله وكرامته عليه، وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها، وما ركبه من الأطباق طبقاً بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله ـ تعالى ـ لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم، وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء، فجنة الله عالية غالية، بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار مالا تنال إلا به، فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار فلبعد عنها إلى ما هو أولى به، وقد خلق له وهيئ له، وتأمل ما في سوق الفريقين إلى الدارين زمراً من فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حدة كل مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير، كذلك يؤنس بعضهم بعضاً ويفرح بعضهم

1- هو: عثمان بن جني الموصلي أبو الفتح من أئمة الأدب والنحو. توفي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان 1/313، بغية الوعاة 2/132، شذرات الذهب 3/140".

ص: 660

ببعض وكذلك أصحاب الدار الأخرى يساقون إليها زمراً يلعن بعضهم بعضاً، ويتأذى بعضهم ببعض وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة والهتيكة من أن يساقوا واحداً واحداً فلا تهمل تدبر قوله {زُمَراً} وقال خزنة الجنة لأهلها {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} فبدؤهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شر ومكروه أي: سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون، ثم قالوا لهم {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} أي: سلامتكم، ودخولها بطيبكم فإن الله حرمها إلا على الطيبين فبشروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود.

وأما أهل النار فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن وفتحت لهم أبوابها وقفوا عليها وزيدوا على ما هم عليه توبيخ خزنتها وتكبيتهم لهم بقولهم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فاعترفوا وقالوا {بَلَى} فبشروهم بدخولها والخلود فيها وأنها بئس المثوى لهم، وتأمل قول خزنة الجنة لأهلها "ادخلوها" وقول خزنة النار لأهلها "ادخلوا أبواب جهنم" تجد تحته سراً لطيفاً ومعنى بديعاً لا يخفى على المتأمل وهو أنها لما كانت دار العقوبة وأبوابها أفظع شيء وأشده حراً وأعظمه عما يستقبل فيها الداخل من العذاب ما هو أشد منها ويدنوا من الغم والخزي والحزن والكرب بدخول الأبواب فقيل: ادخلوا أبوابها صغاراً لهم وإذلالاً وخزياً، ثم قيل لهم: لا يقتصر بكم على مجرد دخول الأبواب الفظيعة ولكن وراءها الخلود في النار، وأما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها، وتأمل قوله سبحانه {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} 1. كيف تجد تحته معنى بديعاً وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي، وأما النار فإذا دخلها أهلها أغلقت عليهم أبوابها كما قال تعالى {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} 2 أي مطبقة مغلقة ومنه سمي الباب "وصيداً" وهي {مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قد جعلت العمد ممسكة للأبواب من خلفها كالحجر العظيم الذي يجعل خلف الباب.

قال مقاتل: "يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد".

1- سورة ص آية: 50، 51.

2-

سورة الهمزة آية: 8.

ص: 661

وأيضا: فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوئهم في الجنة حيث شاؤوا ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت وأيضا إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا يحتاجون إلى ذلك في الدنيا" اهـ1.

ولقد اقتبست هذا النص بطوله من كلام ابن القيم لما فيه من تجلية وبيان لمعاني الآية المتقدمة ذلك أن هذا التنقيب لإخراج تلك المعاني الدقيقة والأسرار العجيبة في تلك الآية لم أجده بهذه الصورة البديعة عند غير ابن القيم رحمة الله ـ تعالى ـ عليه ثم إني قلت قريباً إن ذكر أبواب الجنة في السورة قد ورد مطلقاً من غير نص على عددها، أو تسميتها، وكذلك غيرها من سور القرآن التي ورد فيها ذكر أبواب الجنة فإنه لم يرد فيها التنصيص على العدد أو التسمية لتلك الأبواب.

قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} 2.

وقال عز وجل: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ} 3.

أما السنة النبوية الشريفة فقد بينت أن عدد أبواب الجنة ثمانية، كما بينت أسماء بعضها، وأن أعلى تلك الأبواب هو باب الجهاد، ولها باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، فإذا دخلوا أغلق، فلا يدخل منه أحد غيرهم ولكل نوع من الأعمال الصالحة باب يدخل منه أهله المبرزون فيه وقد يدعى العبد من تلك الأبواب الثمانية جميعها إذا قام بجميع شعب الإيمان، ووفى بجميع شرائع الإسلام، ومن هذا النوع صدِّيق هذه الأمة وأفضل الناس جميعاً بعد النبيّين أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضي الله عنه وأرضاه.

روى الشيخان بإسنادهما من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال:

1- حادي الأرواح ص38 ـ 40.

2-

سورة الرعد آية: 23.

3-

سورة ص آية: 50.

ص: 662

أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"1.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين في شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام" فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ فقال: "نعم وأرجو أن تكون منهم"2.

"لما سمت همة الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان، وطمعت نفسه أن يدعى من تلك الأبواب كلها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك فخبّره بحصوله، وبشّره بأنه من أهله، وكأنه قال: هل تكمل لأحد هذه المراتب فيدعى يوم القيامة من أبوابها كلها؟ فلله ما أعلى وأكبر هذه النفس"3.

وقال الحافظ ابن حجر: "في الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقلّ من يجتمع له العمل بجميع أنواعها، ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه

والله أعلم" اهـ4.

وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ، أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيّها شاء"5.

1- صحيح البخاري 1/324، صحيح مسلم 2/808.

2-

صحيح البخاري 1/325، صحيح مسلم 2/712.

3-

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص: 75 ـ 76.

4-

الفتح 7/28 ـ 29.

5-

1/210.

ص: 663

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث لقيط بن عامر عندما خرج وافداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: "وإن للجنة لثمانية أبواب ما منهما بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً"1.

وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيّها شاء دخل"2.

وهكذا نرى أن السنة المطهرة أوضحت أن أبواب الجنة ثمانية كما عينت بعض أبوابها بأسمائها.

وأما سعة أبوابها وهي المسافة التي تكون بين مصراعي الباب فقد وردت بشأنها أحاديث عدة منها:

حديث الشفاعة الطويل المتفق على صحته وهو المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بلحم فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه فنهس3 منه نهسة فقال:"أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر...." إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: "فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد. إرفع رأسك سل تعطه، إشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول: يا رب. أمتي، أمتي. فيقال: يا محمد. أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى".

وفي لفظ آخر "والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة إلى عضادتي الباب4 لكما بين مكة وهجر، أو هجر ومكة. هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري:

1- 4/14.

2-

رواه ابن ماجة من حديث عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه. السنن 2/512.

3-

النهس: أخذ اللحم بأطراف الأسنان، النهاية 5/136.

4-

عضادتا الباب: هما خشبتاه من جانبيه، شرح النووي على مسلم 3/70.

ص: 664

"إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو كما بين مكة وبصرى"1.

وروى الإمام أحمد من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ"2.

وأما مقدار المسافة التي تكون بين كل بابين:

فقد قدرت بمسيرة سبعون عاماً. روى الطبراني3 في معجمه والإمام أحمد في مسنده من حديث لقيط بن عامر رضي الله عنه أنه خرج وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت يا رسول الله فما الجنة والنار؟ قال: لعمر إلهك أن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً، وأن للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً

الحديث4.

وهذا الحديث الظاهر منه أن هذه المسافة بين الباب، والباب لأن ما بين مكة وبصرى لا يحتمل التقدير بسبعين عاماً، ولا يمكن حمله على باب معين لقوله "ما منهن بابان" والله أعلم5.

وبعد أن ذكرنا أبواب الجنة وما يتعلق بهما من حيث سعتها والمسافة التي تكون بين كل بابين من أبوابها يحسن بنا أن نتبع ذلك بالمفتاح الذي تفتح به تلك الأبواب.

فنقول: إن تلك الأبواب لا تفتح إلا لمن يملك مفتاحها ولا بد لهذا المفتاح من أسنان حتى يكون صالحاً للفتح، ومفتاح تلك الأبواب هي كلمة التوحيد، وشهادة

1- صحيح مسلم 1/185 ـ 186، صحيح البخاري 3/150.

2-

المسند 5/3، وانظر خطبة عتبة بن غزوان في صحيح مسلم 4/2278 ـ 2279، ومسند أحمد 4/174.

3-

هو: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم من كبار المحدثين أصله من طبرية الشام وإليها نسبته. ولد "بعكا" سنة ستين ومائتين، وتوفي سنة ستين وثلاثمائة هجرية. انظر ترجمته في:"وفيات الأعيان" 1/215، النجوم الزاهرة 4/59، تهذيب دمشق لابن عساكر 6/240.

4-

الحديث بطوله في "معجم الطبراني الكبير" 19/211 ـ 214، والمسند 4/14.

5-

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص96.

ص: 665

الإخلاص التي هي "لا إله إلا الله". وأما أسنان هذا المفتاح فهي شرائع الإسلام كلها، من الصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة والجهاد وبر الوالدين وأداء الأمانة والإحسان إلى الجار وغير ذلك مما حض عليه دين الإسلام الحنيف والمفتاح لا يكمل إلا بأسنانه أما بدونها فلا فقد ذكر البخاري في صحيحه عن وهب1 بن منبه أنه قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى. ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك"2.

وجاء في عمدة القارئ أن أبا نعيم الأصبهاني قال في كتابه "أحوال الموحدين": "إن أسنان هذا المفتاح هي الطاعات الواجبة من القيام بطاعة الله ـ تعالى ـ وتأديتها والمفارقة لمعاصي الله ومجانبتها" اهـ3.

وفي الحقيقة أن هذا المثال الذي ضربه وهب بن منبه يجب اعتباره إذ أنه متضمن الإشارة إلى حل الإستشكال في بعض أحاديث الوعد التي علق فيها دخول الجنة على قول "لا إله إلا الله" أو الموت على التوحيد، فالواجب أن لا يفهم من تلك الأحاديث أن مجرد النطق بقول:"لا إله إلا الله" كاف في دخول الجنة والنجاة من النار، بل لا بد من القيام معها بحقوقها التي هي شرائع الإسلام والحرص قولاً وعملاً على تكميل مراتب الإيمان فكلمة لا إله إلا الله، سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، ومقتضٍ لذلك، ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه، أو لوجود مانع.

قال الحسن للفرزدق4 وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن

1- هو: وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وابن عمر وغيرهم. قال العجلي: تابعي ثقة وكان على قضاء صنعاء ووثقه أيضاً: أبو زرعة والنسائي وابن حبان كان مولده سنة أربع وثلاثين وتوفي سنة عشر ومائة هجرية. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" 11/166 ـ 168".

2-

1/215.

3-

عمدة القارئ 8/3.

4-

هو: همام بن غالب التميمي الدارمي أبو فارس الشهير بالفرزدق شاعر بليغ من أهل البصرة عظيم الأثر في اللغة من الطبقة الأولى في الإسلاميين كانت وفاته في بادية البصرة سنة عشر ومائة هجرية، وكلمة الحسن له تعريض بما كان الفرزدق يقوله في شعره من هجر القول. انظر ترجمته في:"خزانة الأدب للبغدادي 1/105 ـ 108، وفيات الأعيان 2/196، الأعلام 9/96 ـ 97".

ص: 666

لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نعم العدة لكن ل"لا إله إلا الله" شروط فإياك وقذف المحصنة، وقيل للحسن: إن ناساً يقولون من قال: "لا إله إلا الله" دخل الجنة؟ فقال: "من قال: لا إله إلا الله، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة"1.

1- كلمة الإخلاص وتحقيق معناها لابن رجب ص13 ـ 14.

ص: 667