الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث عشر: الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة
من أجل توحيد الألوهية أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب فما من رسول أرسله الله إلى العباد إلا كان هذا التوحيد أساس دعوته وجوهرها.
قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 1 وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} 2 وأخبرنا ـ سبحانه ـ في محكم كتابه عن رسله نوح وهود وصالح وشعيب أنهم جميعاً دعوا أقوامهم إلى توحيد العبادة.
فقال نوح عليه الصلاة والسلام لقومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} 3 فهذه دعوة أول رسول بعد حدوث الشرك.
وقال هود عليه الصلاة والسلام لقومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 4 وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 5 وقال صالح عليه السلام لقومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 6 وقال إمام الحنفاء وأبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
1- سورة النحل آية: (36) .
2-
سورة الأنبياء آية: (25) .
3-
سورة الأعراف آية: (65) .
4-
سورة الأعراف آية: (59) .
5-
سورة هود آية: (84) .
6-
سورة الأعراف آية: 73.
مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} 1.
وقال تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لله أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 2.
وأما المسيح الذي زعم النصارى أنه ابن الله أو هو الله، أو ثالث ثلاثة فقد كان من أشد الناس عبودية لله تعالى، ولم يستنكف أن يكون عبداً لله فإنه قال:{إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} 3.
وأما كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام فإنه واجه بني إسرائيل بإنكار بليغ ومؤثر في النفس حين طلب منه بنو إسرائيل أن يجعل لهم إلهاً فأنكر عليهم ذلك أشد الإنكار قال تعالى حكاية عنهم: {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} 4.
وقد حكى الله في كتابه عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه اختبر بنيه عن الإله الذي يعبدونه من بعده قال تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} 5.
وأما مسك الختام وبدر التمام محمد بن عبد الله عليه من الله أزكى الصلاة والسلام فإنه صارح اليهود والنصارى بما أمره الله به قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى
1- سورة الأنبياء آية: (66 ـ 67) .
2-
سورة يوسف آية: (39 ـ 40) .
3-
سورة آل عمران آية: (51) .
4-
سورة الأعراف آية: (138 ـ 140) .
5-
سورة البقرة آية: (133) .
كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} 1.
فالله عز وجل أرسل الرسل وأنزل عليهم الكتب، وخلق السموات والأرض ليعرفه العباد ويعبدوه ويوحدوه ويكون الدين كله لله والطاعة كلها له ـ وحده لا شريك له ـ، ويفردوه بتوحيد الألوهية.
فتوحيد الألوهية هو حقيقة دين الإسلام فقد كانت الشهادتان أول ركن من أركانه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً" متفق عليه2.
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: " إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله
…
" الحديث3 فتوحيد العبادة هو أول واجب على المكلف لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك كما هي أقوال لمن لم يعرف ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من معاني القرآن والسنة فهو أول واجب كما قال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" 4 وهو آخر ما يخرج به من الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" 5 بل إن أول وصية في القرآن وأول أمر فيه هو الدعوة إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة كل ما سواه، ومن سواه من الآلهة المزعومة سواءً كان من الجن أو أي مخلوق آخر فروح الإسلام وقطب رحاه الذي يدور عليه هو توحيد الله ـ تعالى ـ بتوحيد العبادة. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} 6.
1- سورة آل عمران آية: (64) .
2-
صحيح البخاري: 1/11، صحيح مسلم ج1/45، سنن الترمذي: 4/119 النسائي 8/107 ـ 108.
3-
صحيح مسلم 1/80، النسائي 5/2.
4-
رواه أحمد في مسنده من حديث ربيعة بن عباد الديلمي 3/492.
5-
المستدرك للحاكم وصححه 1/351 من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
6-
سورة المدثر آية: (1 ـ 5) .
وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 1.
وقال عز شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 2.
ومن هذه الآيات والأحاديث المتقدمة يتبين بطلان زعم بعض المتكلمين بأن غاية التوحيد هو: أن الله واحد في ذاته لا قسيم له وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له3 لأن التوحيد الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله ليس هو هذه الأمور الثلاث التي ذكروها، وإن كان فيها ما هو داخل في التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس توحيدهم التوحيد الذي ذكر الله ورسوله، وهو عبادة الله وحده، فمن عبد الله، لم يشرك به شيئاً فقد وحده، ومن عبد دونه شيئاً من الأشياء فهو مشرك ليس بموحد مخلص له الدين، وإن كان مع ذلك قائلاً بهذه المقالات التي زعموا أنها التوحيد حتى لو أقر بأن الله وحده خالق كل شيء وهو "التوحيد في الأفعال" لكان مشركاً، وهذه حال مشركي العرب الذي بعث الرسول إليهم ابتداء وأنزل القرآن ببيان شركهم ودعاهم إلى توحيد الله وإخلاص الدين له"4.
1- سورة الفاتحة آية: (4، 5) .
2-
سورة البقرة آية: (21) .
3-
الملل والنحل 1/42.
4-
تلبيس الجهمية 1/478، وانظر درء تعارض العقل والنقل 1/225 ـ 226.