الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: الجنة دار المتقين
المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة
…
تمهيد:
إن الجنة دار الذي أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهي دار جنانها تجري من تحتها الأنهار قصورها لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها1 المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران وخيامها اللؤلؤ المجوف، وهي نور يتلألأ، وريحانة تهتز، ونهر مطرد وفاكهة وخضرة وزوجات حسان فيها السدر المخضود، والطلح المنضود، والظل الممدود، والماء المسكوب، أهلها يأكلون فيها ويتنعمون، ولا يمتخطون، ولا يبولون بل مسك يرشح، ويحيون ولا يموتون وجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة فيها الجمال المبين فيها الأزواج من الحور العين، كل نعيمها دائم، وكل شيء فيها باسم، فيها يرفع الحجاب، وينظرون إلى وجه العزيز الوهاب، ومهما عبرنا عن صفاتها فإن تعبيرنا لا يحيط بما هي عليه، ولا يمكن أن يصفها أحد كما هي عليه حقيقة إلا شخص واحد ذلكم هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تلقى صفاتها عن ـ الباري جل وعلا ـ وأيضاً جاءت الأحاديث الصحيحة أنه عليه الصلاة والسلام رآها مرتين، مرة في اليقظة2، ومرة مناماً3 فلنستمع إليه وهو يصفها.
روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن
1- أي: طينها.
2-
انظر الحديث الطويل الذي جاء في صلاة الكسوف وفيه أنه صلى الله عليه وسلم رأى الجنة وهمَّ أن يتناول منها عنقوداً وهذه الرؤية كانت يقظة. الحديث في صحيح البخاري 1/187، صحيح مسلم 2/619.
3-
رؤيته لها مناماً جاء ذلك في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر
…
الحديث. صحيح البخاري 2/216، صحيح مسلم 4/1863.
سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرؤوا إن شئتم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} "1.
فهذا الحديث القدسي بين الله ـ تعالى ـ فيه أنه أعد لعباده الصالحين من النعيم في الجنة ما تقصر عقول البشر عن الإحاطة به. وقد ورد في سورة "الزمر" آيات تضمنت ذكر مباحث تتعلق بالجنة وهي ما سنتحدث عنها فيما يأتي:
1- صحيح البخاري 2/217، صحيح مسلم 4/2174، والآية رقم (17) من سورة السجدة.
المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة
لقد بين الله في سورة "الزمر" الكيفية التي يدخل بها المتقون الجنة بقوله ـ تعالى ـ {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} 1 فقد بين تعالى أن دخولهم الجنة يكون على هيئة جماعات متتابعة، وأفواج متتالية كما يفهم ذلك من قوله عز وجل {زُمَراً} ودخولهم الجنة على هذا النحو يجعلهم فرحين مستأنسين بعضهم ببعض.
ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم صفة كل زمرة على حدة.
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون فيها. آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم من الألوة2 ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشياً"3.
وهذه الصفات في هذا الحديث هي صفات السابقين الذين كانوا في دنياهم سبّاقين إلى فعل الخيرات فكان جزاؤهم في الآخرة أن سبقوا إلى الجنات، إذ سبقهم في الآخرة كان على قدر سبقهم إلى الطاعات في هذه الحياة الدنيا.
1- جاء في اللسان: "والزمرة الفوج من الناس والجماعة من الناس وقيل: الجماعة في تفرقة، والزمر الجماعات" اهـ. 4/328.
2-
الألوة: في النهاية: "هو العود الذي يتبخر به" 1/63.
3-
صحيح البخاري 2/217، صحيح مسلم 4/2180.
وأما صفة الزمرة التي تلي أولئك المقربين في دخول الجنة فقد جاء أن أحدهم يرى كأشد الكواكب إضاءة في السماء.
روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب درّي في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد. على صورة أبيهم آدم. ستون ذراعاً في السماء"1.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل..... الحديث"2.
وروى الشيخان أيضاً من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً، أو سبعمائة ألف ـ لا يدري أبو حازم أيّهما قال ـ: متماسكون، آخذ بعضهم بعضاً لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة البدر "3.
فلله ما أعظم هذا النعيم، وما أجل هذا التكريم الذي يناله أولئك المتقون المؤمنون، ويا ذلة من حرمه ولم يظفر به وذلك هو الخسران المبين.
1- صحيح البخاري 2/217. صحيح مسلم 4/2179.
2-
صحيح مسلم 4/2179.
3-
صحيح البخاري مع الفتح 11/416، صحيح مسلم 1/198 ـ 199.