المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها - مباحث العقيدة في سورة الزمر

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: دلالة السورة على الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني: إثبات صفة العلو والفوقية

- ‌المبحث الثالث: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق

- ‌المبحث الرابع: إثبات صفة العزة

- ‌المبحث الخامس: إثبات صفة الحكمة

- ‌المبحث السادس: تنزيه الله تعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث السابع: إثبات صفتي الوحدانية والقهر

- ‌المبحث الثامن: إثبات صفتي الرحمة والمغفرة

- ‌المبحث التاسع: إثبات صفة الغنى لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: إثبات صفة الرضا

- ‌المبحث الحادي عشر: إثبات صفة العلم

- ‌المبحث الثاني عشر: بيان معنى اسمه تعالى "الوكيل

- ‌المبحث الثالث عشر: إثبات صفة اليدين

- ‌الفصل الثاني: دلالات السورة على توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد العبادة

- ‌المبحث الثاني: وجوب إفراد الله تعالى بتوحيد العبادة

- ‌المبحث الثالث: أهمية الإخلاص في توحيد العبادة

- ‌المبحث الرابع: عبودية الدعاء

- ‌المبحث الخامس: عبودية الخوف

- ‌المبحث السادس: عبودية الرجاء

- ‌المبحث السابع: انقسام العبودية إلى عامة وخاصة

- ‌المبحث الثامن: الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل

- ‌المبحث التاسع: بيان الطاغوت الذي أوجب الله على عباده أن يجتنبوه

- ‌المبحث العاشر: عبودية الإنابة

- ‌المبحث الحادي عشر: عبودية التوكل

- ‌المبحث الثاني عشر: الشفاعة نوعان: منفية ومثبتة

- ‌المبحث الثالث عشر: الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: دلائل توحيد الربوبية من السورة

- ‌المبحث الثالث: إقرار المشركين الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوجود الله

- ‌المبحث الرابع: الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الرابع: ما جاء في السورة بشأن الشرك

- ‌المبحث الأول: تعريف الشرك في اللغة والإصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌المبحث الثالث: أصل الشرك في بني الإنسان

- ‌المبحث الرابع: ذم الإنسان على جعله أنداداً لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المشرك والموحد

- ‌المبحث السادس: التحذير من الشرك وبيان أنه محبط للعمل

- ‌الباب الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة والكتب، والرسل والقدر وفيه

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة

- ‌المبحث الأول: تعريف الملائكة، ومن أي شيء خلقوا

- ‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم

- ‌الفصل الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الأول: كيفية الإيمان بالكتب السابقة

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالأنبياء والرسل

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول والفرق بينهما

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالأنبياء السابقين

- ‌المبحث الثالث: كيفية الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: ما يجب للرسل، وما يجوز عليهم

- ‌المبحث الخامس: موضوع الرسالات السماوية

- ‌الفصل الرابع: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القضاء والقدر ومعنى الإيمان به

- ‌المبحث الثاني: بيان المبتدعة الذين نازعوا في القدر والرد عليهم

- ‌المبحث الثالث: مراتب القدر

- ‌المبحث الرابع: ما يتعلق بالهداية والضلال

- ‌الباب الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان باليوم الآخر

- ‌الفصل الأول: مباحث في اليوم الآخر قبل دخول الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: النفخ في الصور

- ‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

- ‌المبحث الثالث: عناية القرآن بإثبات البعث

- ‌المبحث الرابع: أرض المحشر

- ‌المبحث الخامس: كتاب الأعمال

- ‌المبحث السادس: جزاء الأعمال يوم القيامة

- ‌الفصل الثاني: النار دار الكافرين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل النار النار

- ‌المبحث الثاني: أبواب جهنم

- ‌المبحث الثالث: خزنة جهنم

- ‌المبحث الرابع: إحاطة النار بأهلها وشدة عذابها

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل النار

- ‌المبحث السادس: أبدية النار ودوام عذابها

- ‌الفصل الثالث: الجنة دار المتقين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة

- ‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

- ‌المبحث الثالث: خزنة الجنة

- ‌المبحث الرابع: أرض الجنة

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة

- ‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها

- ‌المبحث السابع: أبدية الجنة ودوام نعيمها

- ‌المبحث الثامن: وجوب الإيمان بالعرش، وهو سقف الجنة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها

‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها

قال تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ} .

هذه الآية الكريمة من السورة بين الله ـ تعالى ـ فيها ما أعده للمتقين من عوالي الغرف في الجنة.

والمتقون الذين ينالون هذه الغرف هم الذين اتقوا سخط الله وعقابه بترك الشرك والمعاصي، وإخلاص العبادة لله باتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه.

فهؤلاء لهم محالّ إقامة رفيعة، مستعلية بعضها فوق بعض درجات ثابتة ثبات البناء المستقر، والأنهار تجري من تحت تلك الغرف والقصور العالية، وأنهار الجنة ليس بينها وبين أنهار الدنيا تشابه إلا في الإسم فقط، وجريان الأنهار من تحت تلك الغرف والقصور مما يزيدها بهجة وجمالاً، وهي حاصلة، ومتحققة لعباد الله المؤمنين لأن الله وعدهم بتلك الغرف المتعالية التي تجري من تحتها الأنهار وعداً صادقاً لا يتخلف لأنه من الله الذي لا يخلف وعده.

قال ابن جرير: وقوله {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} يقول تعالى ذكره: لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه، واجتناب محارمه، لهم في الجنة غرف من فوقها غرف مبنية علالي بعضها فوق بعض {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} .

يقوله تعالى ذكره: تجري من تحت أشجار جناتها الأنهار وقوله: {وَعْدَ اللهِ} يقوله جل ثناؤه: وعدنا هذه الغرف التي من فوقها غرف مبنية في الجنة هؤلاء المتقين.

ص: 684

{لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ} يقول جل ثناؤه: والله لا يخلفهم وعده ولكنه يوفي وعده اهـ1.

وقال البغوي: " {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} أي: منازل في الجنة رفيعة وفوقها منازل أرفع منها {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ} أي: وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعداً لا يخلفه" اهـ2.

وقال العلامة ابن القيم: قال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} .

فأخبر أنها غرف فوق غرف، وأنها مبنية بناءاً حقيقة لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل، وأنه ليس هناك بناء بل تتصور النفوس غرفاً مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض حتى أنها ينظر إليها عياناً، ومبنية صفة للغرف الأولى والثانية أي:"لهم منازل مرتفعة، وفوقها منازل أرفع منها" اهـ3.

وقال العلامة ابن كثير: "أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة وهي القصور أي: الشاهقة {مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات" اهـ4.

وقد بين الله ـ تعالى ـ في كتابة وصف غرف الجنة في مواضع كثيرة.

قال تعالى بعد أن بين الكثير من صفات عباد الرحمن منوهاً بجزائهم الذين ينتظرهم:

{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} 5.

قال ابن القيم:

"والغرفة جنس كالجنة، وتأمل كيف جعل جزاءهم على هذه الأقوال المتضمنة

1- جامع البيان 23/208.

2-

"معالم التنزيل" على حاشية تفسير الخازن 6/60.

3-

حادي الأرواح ص 96.

4-

تفسير ابن كثير 6/85.

5-

سورة الفرقان آية: 75.

ص: 685

للخضوع والذل والإستكانة لله الغرفة، والتحيّة والسلام في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم فبدلوا بذلك سلام الله وملائكته عليهم" اهـ1.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} 2.

وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} 3.

فهاتان الآيتان بين الله ـ تعالى ـ فيهما أن غرف الجنات لا تنال إلا بالإيمان والعمل الصالح وذلك هو الذي يقرب العبد إلى الله زلفى. أما كثرة الأموال والأولاد عند الإنسان فإنها لا تدل على أن الله يحب صاحبها، لا. ليس الأمر كذلك، وليست بمقياس عند الله ـ تعالى ـ وإنما المقياس الحقيقي هو الإيمان والعمل الصالح فمن حقق الإيمان وعمل صالحاً يكون من الذين تضاعف حسناتهم ومن الذين هم في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى، ومن كل شيء يحذر منه.

هذه أوصاف غرف الجنة في القرآن الكريم.

أما ما جاء في شأن وصفها في السنة النبوية فقد وردت أحاديث توضح صفة هذه الغرف وعلوها.

فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدرّي4 الغابر من الأفق من المشرق، أو المغرب لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله

1- حادي الأرواح ص 96، وقد فسرت "الغرفة" بالجنة. انظر: المصنف لابن أبي شيبة 13/126.

2-

سورة العنكبوت آية: 58.

3-

سورة سبأ آية: 37.

4-

قيل سمي درياً لبياضه، وقيل لإضاءته، وقيل لشبهه بالدر في كونه أرفع من باقي النجوم كالدر أرفع الجواهر، شرح النووي على مسلم 17/168. أما الغابر: فهو الذاهب الماشي الذي تدلى للغروب، وبعد عن العيون شرح النووي 17/ 169.

ص: 686

تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين"1.

قال أبو عبد الله القرطبي: "وقوله والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" ولم يذكر عملاً ولا شيئاً سوى الإيمان والتصديق للمرسلين ذلك ليعلم أنه عنى الإيمان البالغ وتصديق المرسلين من غير سؤال آية ولا تلجلج، وإلا فكيف تنال الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة، ولو كان كذلك كان جميع الموحدين في أعالي الغرفات، وأرفع الدرجات وهذا محال، وقد قال الله تعالى:{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} 2.

والصبر بذل النفس والثبات له وقوفاً بين يديه بالقلوب عبودية وهذه صفة المقربين.

وقال في آية أخرى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} 3.

فذكر شأن الغرفة وأنها لا تنال بالأموال والأولاد وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، ثم بين لهم جزاء الضعف وأن محلهم الغرفات، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة وتعلق قلب به مطمئناً به في كل ما نابه وبجميع أموره وأحكامه، فإذا عمل عملاً صالحاً فلا يخلطه بضده وهو الفاسد، فلا يكون العمل الصالح الذي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره وأحكامه، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا، فلهذا كانت منزلته دون غيره" اهـ4.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة يتراؤون الغرفة في الجنة كما تراؤون الكوكب في السماء"5.

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة يتراؤون في الجنة كما تراؤون الكوكب الدريّ الغارب في الأفق

1- صحيح البخاري 2/218، صحيح مسلم 4/2177.

2-

سورة الفرقان آية: 75.

3-

سورة سبأ آية: 37.

4-

التذكرة للقرطبي ص: 461 ـ 462.

5-

صحيح مسلم 4/2177، المسند 5/340.

ص: 687

والطالع في تفاضل الدرجات قالوا: يا رسول الله أولئك النبيون؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين"1.

وروى أيضاً بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء؟ فيقال هؤلاء المتحابون في الله عز وجل"2.

وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة بإسنادهما إلى علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها، وبطونهما من ظهورها" قال: فقام أعرابي فقال: هي لمن يا رسول الله؟ فقال: "هي لمن طيّب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام"3.

فهذا الحديث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم صفة غرف الجنة كما بين فيه بعض صفات سكان أهل تلك الغرف، وهو أنهم طيبوا الكلام، ويطعمون الطعام، ويفشون السلام، ويقومون في ليلهم يصلون لله ـ تعالى ـ والناس نيام.

وما تقدم من اختلاف غرف الجنة في العلو والصفة إنما هو بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال وتفاوتهم فيها، وكما تقدم في الأحاديث من أن بعض غرف الجنة أعلى من بعض وأرفع.

وأما عن قصور الجنة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصفها أحاديث كثيرة.

فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله ـ تعالى ـ عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر؟ فقالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبراً" فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ 4.

وروى الترمذي بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت

1- 2/339 قال ابن كثير: قال الضياء: "وهذا على شرط البخاري". النهاية 2/2350.

2-

المسند 3/87.

3-

المسند 1/156، والمصنف لابن أبي شيبة 31/101، ورواه الترمذي في سننه 4/80.

4-

صحيح البخاري 2/216، صحيح مسلم 4/1863.

ص: 688

الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا القصر؟ قالوا: لشاب من قريش فظننت أني أنا هو فقلت ومن هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح1.

وروى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله. خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب2.

قال العلامة ابن القيم: "والقصب ههنا قصب اللؤلؤ المجوف"3.

وقال الحافظ: "قوله من قصب"

قال ابن التين: "المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف"

إلى أن قال: وعند الطبراني في "الأوسط" من حديث فاطمة قالت: قلت يا رسول الله أين أمي خديجة؟ قال "في بيت من قصب" قلت: أمن هذا القصب؟ قال: "لا. من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت"4.

أما صفة بناء قصور الجنة:

فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلنا: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة ذهب، ولبنة فضة وملاطها المسك الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه"5.

وروى ابن أبي شيبة بإسناده إلى ابن عمر قال: قيل يا رسول الله كيف بناء الجنة؟ قال: "لبنة من فضة، ولبنة من ذهب ملاطها مسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران"6.

1- سنن الترمذي 5/282.

2-

صحيح البخاري 2/315 ـ 316، صحيح مسلم 4/1887.

3-

حادي الأرواح ص 97.

4-

فتح الباري 6/138.

5-

رواه أحمد والترمذي المسند 2/305، سنن الترمذي 4/79 ـ 80، ثم قال: هذا حديث ليس إسناده بذلك القوي، وليس هو عندي بمتصل وقد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي هريرة.

6-

المصنف 13/95 ـ 96.

ص: 689

هذا وصف قصور الجنة وبناؤها التي ينبغي المسابقة المسارعة إلى الأعمال التي تكون سبباً في الحصول على ذلك بعد رحمة الله ـ تعالى ـ قال ابن كثير بعد أن ذكر كثيراً من الأحاديث الواردة في وصف قصور الجنة وغرفها.

"وقد ورد في بعض الأحاديث أن القصر يكون من لؤلؤة واحدة أبوابه ومصارعه، وسقفه، وفي حديث آخر أن بعض سقوف الجنة نور يتلألأ كالبرق اللامع لولا أن الله يثبت أبصارهم لأوشك أن يخطفها" اهـ1.

وأما أنهار الجنة فقد جاء وصفها في السورة بأنها تجري من تحت غرف الجنة وقصورها كما هو ظاهر الآية التي صدرنا بها هذا المبحث وهي قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فهذه الآية من السورة وصفت أنهار الجنة بأنها تجري من تحت تلك الغرف التي بعضها فوق بعض درجات.

قال ابن كثير: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي: تسلك الأنهار بين خلال ذلك كما شاؤوا وأين أرادوا2.

ولقد تكرر ذكر أنهار الجنة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة وكلها مقترنة بحرف "من" ما عدا موضعاً واحداً من كتاب الله فإنه جاء بدون حرف "من" وهو قوله تعالى: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} 3. قال مسروق رحمه الله تعالى: "أنهار الجنة في غير أخدود"4.

وقال ابن جرير الطبري: عند قوله تعالى: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} 5 "يعني: مصبوب سائل في غير أخدود كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن سفيان {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} قال يجري في غير أخدود" اهـ6.

1- النهاية 2/240.

2-

تفسير القرآن العظيم 6/86.

3-

سورة التوبة آية: 100.

4-

المصنف لابن أبي شيبة 13/97.

5-

سورة الواقعة آية: 31.

6-

جامع البيان 27/184.

ص: 690

وقال العلامة ابن القيم؛ بعد أن ذكر آيات من القرآن الكريم التي تصف أنهار الجنة بأنها جارية:

"وهذا يدل على أمور":

أحدها: وجود الأنهار فيها حقيقية.

الثاني: أنهار جارية لا واقفة.

الثالث: أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا، وقد ظن بعض المفسرين أن معنى ذلك جريانها بأمرهم وتصريفهم لها كيف شاؤوا، وكأن الذي حملهم على ذلك أنه لما سمعوا أن أنهارها تجري في غير أخدود فهي جارية على وجه الأرض حملوا قوله {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} على أنها تجري بأمرهم إذ لا يكون فوق المكان تحته وهؤلاء أوتوا من ضعف الفهم، فإن أنهار الجنة وإن جرت في غير أخدود فهي تحت القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار وهو ـ سبحانه ـ لم يقل من تحت أرضها.

وقد أخبر ـ سبحانه ـ عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا فقال: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} 1. فهذا على ما هو المعهود والمتعارف وكذلك ما حكاه من قول فرعون {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِيْ} 2.

وقال تعالى مبيناً أنواع أنهار الجنة: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} 3.

قال ابن جرير: موضحاً معنى الآية "يقول تعالى ذكره: صفة الجنة التي وعدها المتقون وهم الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ

1- سورة الأنعام آية: 6.

2-

حادي الأرواح ص121 والآية رقم 51 من سورة الزخرف.

3-

سورة محمد آية 15.

ص: 691

مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} يقول تعالى ذكره: في هذه الجنة التي ذكرها: أنهار من ماء غير متغير الريح، يقال منه "قد أسن ماء هذه البئر إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت

".

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} يقول: غير متغير.

وقال قتادة: في قوله: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} من ماء غير منتن

وقوله {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} . يقول تعالى ذكره: وفيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضرع ولكنه خلقه الله ابتداء في الأنهار فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه

وقوله {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} يقول: وفيها أنهار من عسل قد صفي من القذى وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية، وإنما أعلم ـ تعالى ـ ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الأنهار ابتداء سائلاً جارياً سيل الماء واللبن المخلوقين فيها فهو من أجل ذلك مصفى، قد صفاه الله من الأقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الأقذاء إلا بعد التصفية لأنه كان في شمع فصفي منه" اهـ1.

قال العلامة ابن القيم: بعد أن ذكر الآية السابقة: "فذكر ـ سبحانه ـ هذه الأجناس الأربعة، ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة، وأن يصير قارصاً، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها، وآفة العسل عدم تصفيتة وهذا من آيات ـ الرب تعالى ـ أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو والإنزاف وعدم اللذة فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا فتغتال العقل ويكثر اللغو على شربها بل لا يطيب لشرابها ذلك إلا باللغو وتنزف في نفسها، وتنزف المال وتصدع الرأس وهي كريهة المذاق وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله، وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، وتذهب الغيرة، وتورث الخزي والندامة، والفضيحة، وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان، وهم المجانين، وتسلبة أحسن الأسماء

1- جامع البيان 26/49 ـ 50.

ص: 692

والسمات وتكسوه أقبح الأسماء والصفات، وتسهل قتل النفس، وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته، أو هلاكه ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياماً له ولم يلزمه مؤنته، وتهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدل على العورات، وتهون ارتكاب القبائح والمآثم وتخرج من القلب تعظيم المحارم، ومدمنها كعابد وثن، وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غنى، وأذلت من عزيز، ووضعت من شريف وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة، وفسخت مودة، ونسجت عداوة، وكم فرقت بين رجل وزوجته، فذهبت بقلبه وراحت بلبه، وكم أورثت من حسرة، وأجرت من عبرة وكم أغلقت في وجه شاربها باباً من الخير، وفتحت له باباً من الشر، وكم أوقعت في بلية وعجلت من منية، وكم أورثت من خزية وجرت على شاربها من محنة وجرت عليه من سفلة فهي جماع الإثم ومفتاح الشر وسلابة النعم وجالبة النقم، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة" 1 لكفى وآفة الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا وكلها منتفية عن خمر الجنة، فإن قيل فقد وصف ـ سبحانه ـ الأنهار بأنها جارية ومعلوم أن الماء الجاري لا يأسن فما فائدة قوله {غَيْرِ آسِنٍ} 2.

قيل الماء الجاري وإن كان لا يأسن فإنه إذا أخذ منه شيء وطال مكثه أسن، وماء الجنة لا يعرض له ذلك ولو طال مكثه ما طال، وتأمل اجتماع هذه الأنهار الأربعة التي هي أفضل أشربة الناس فهذا لشربهم، وطهورهم، وهذا لقوتهم وغذائهم، وهذا للذتهم وسرورهم، وهذا لشفائهم ومنفعتهم والله أعلم"اهـ3.

وما تقدم من الآيات كلها تصف أنهار الجنة وهي تجري من تحت غرفها وقصورها وبساتينها وجريان الأنهار من تحت تلك الغرف والقصور والبساتين مما يزيدها بهجة وجمالاً وكل ذلك حاصل ومتحقق لعباد الله المتقين لأن ـ الباري سبحانه ـ وعدهم بذلك ووعده ـ سبحانه ـ حق لا يخلف.

1- رواه ابن ماجة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما 2/1119، رواه أبو داود 2/293، ورواه النسائي في سننه 8/318، ورواه أحمد في المسند 2/22، كلهم من حديث ابن عمر.

2-

سورة محمد آية: 15.

3-

حادي الأرواح ص122 ـ 123.

ص: 693

ولنستمع بعد وصف القرآن لأنهار الجنة، إلى بعض ما جاء في وصفها في السنة المطهرة:

روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقاً على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها" فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشر الناس؟ قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة"1.

فلقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر أنهار الجنة بأنها تتفجر من أعلى درجة الجنة، ثم تنحدر نازلة إلى أقصى درجة فيها فيا له من منظر رائع، ويا له من تكريم لمن نزل تلك الدرجات العلى.

وروي أيضاً من حديث أنس رضي الله عنه قال:

لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: "أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفاً فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر"2.

وفي لفظ آخر: "فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده فإذا هو مسك أذفر قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربّك"3.

ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج"4.

1- صحيح البخاري 2/136.

2-

المصدر السابق 3/221.

3-

صحيح البخاري مع الفتح 13/478.

4-

رواه الترمذي في سننه وقال: هذا حديث حسن صحيح 5/119 ـ 120.

ص: 694

فالكوثر هو أحد أنهار الجنة المشهورة، وهو أعظمها وأحلاها، وأحسنها وهو كرامة وهداية من الله عز وجل أكرم به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خصوصية له من بين سائر الأنبياء، وهو دليل على علوه قدره صلى الله عليه وسلم، وارتفاع منزلته عند الله ـ تعالى ـ وليس في وسعنا أن نصف هذه المنزلة غير أنه يكفينا أن نقول: إنه خير البشر وأفضلهم على الإطلاق كيف وقد قال عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة".

وظاهر الأحاديث التي تقدم ذكرها في بيان صفة الكوثر تدل دلالة واضحة على أن الكوثر غير الحوض المورود الذي يكون في عرصات القيامة وقبل الصراط.

ذلك هو وصف أنهار الجنة، كما هو واضح من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتقدمة.

1- رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 4/1782.

ص: 695