المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: أرض المحشر - مباحث العقيدة في سورة الزمر

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: دلالة السورة على الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني: إثبات صفة العلو والفوقية

- ‌المبحث الثالث: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق

- ‌المبحث الرابع: إثبات صفة العزة

- ‌المبحث الخامس: إثبات صفة الحكمة

- ‌المبحث السادس: تنزيه الله تعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث السابع: إثبات صفتي الوحدانية والقهر

- ‌المبحث الثامن: إثبات صفتي الرحمة والمغفرة

- ‌المبحث التاسع: إثبات صفة الغنى لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: إثبات صفة الرضا

- ‌المبحث الحادي عشر: إثبات صفة العلم

- ‌المبحث الثاني عشر: بيان معنى اسمه تعالى "الوكيل

- ‌المبحث الثالث عشر: إثبات صفة اليدين

- ‌الفصل الثاني: دلالات السورة على توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد العبادة

- ‌المبحث الثاني: وجوب إفراد الله تعالى بتوحيد العبادة

- ‌المبحث الثالث: أهمية الإخلاص في توحيد العبادة

- ‌المبحث الرابع: عبودية الدعاء

- ‌المبحث الخامس: عبودية الخوف

- ‌المبحث السادس: عبودية الرجاء

- ‌المبحث السابع: انقسام العبودية إلى عامة وخاصة

- ‌المبحث الثامن: الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل

- ‌المبحث التاسع: بيان الطاغوت الذي أوجب الله على عباده أن يجتنبوه

- ‌المبحث العاشر: عبودية الإنابة

- ‌المبحث الحادي عشر: عبودية التوكل

- ‌المبحث الثاني عشر: الشفاعة نوعان: منفية ومثبتة

- ‌المبحث الثالث عشر: الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: دلائل توحيد الربوبية من السورة

- ‌المبحث الثالث: إقرار المشركين الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوجود الله

- ‌المبحث الرابع: الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الرابع: ما جاء في السورة بشأن الشرك

- ‌المبحث الأول: تعريف الشرك في اللغة والإصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌المبحث الثالث: أصل الشرك في بني الإنسان

- ‌المبحث الرابع: ذم الإنسان على جعله أنداداً لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المشرك والموحد

- ‌المبحث السادس: التحذير من الشرك وبيان أنه محبط للعمل

- ‌الباب الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة والكتب، والرسل والقدر وفيه

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة

- ‌المبحث الأول: تعريف الملائكة، ومن أي شيء خلقوا

- ‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم

- ‌الفصل الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الأول: كيفية الإيمان بالكتب السابقة

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالأنبياء والرسل

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول والفرق بينهما

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالأنبياء السابقين

- ‌المبحث الثالث: كيفية الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: ما يجب للرسل، وما يجوز عليهم

- ‌المبحث الخامس: موضوع الرسالات السماوية

- ‌الفصل الرابع: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القضاء والقدر ومعنى الإيمان به

- ‌المبحث الثاني: بيان المبتدعة الذين نازعوا في القدر والرد عليهم

- ‌المبحث الثالث: مراتب القدر

- ‌المبحث الرابع: ما يتعلق بالهداية والضلال

- ‌الباب الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان باليوم الآخر

- ‌الفصل الأول: مباحث في اليوم الآخر قبل دخول الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: النفخ في الصور

- ‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

- ‌المبحث الثالث: عناية القرآن بإثبات البعث

- ‌المبحث الرابع: أرض المحشر

- ‌المبحث الخامس: كتاب الأعمال

- ‌المبحث السادس: جزاء الأعمال يوم القيامة

- ‌الفصل الثاني: النار دار الكافرين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل النار النار

- ‌المبحث الثاني: أبواب جهنم

- ‌المبحث الثالث: خزنة جهنم

- ‌المبحث الرابع: إحاطة النار بأهلها وشدة عذابها

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل النار

- ‌المبحث السادس: أبدية النار ودوام عذابها

- ‌الفصل الثالث: الجنة دار المتقين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة

- ‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

- ‌المبحث الثالث: خزنة الجنة

- ‌المبحث الرابع: أرض الجنة

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة

- ‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها

- ‌المبحث السابع: أبدية الجنة ودوام نعيمها

- ‌المبحث الثامن: وجوب الإيمان بالعرش، وهو سقف الجنة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الرابع: أرض المحشر

‌المبحث الرابع: أرض المحشر

لقد دلت السورة على أن هناك أرضاً أخرى يحشر الخلائق عليها، وتلك الأرض هي أرض المحشر.

قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} الآية.

فالمراد بالأرض المذكورة في هذه الآية هي أرض المحشر فقد أخبر ـ تعالى ـ في هذه الآية الكريمة بأن أرض المحشر ستضيء بنوره ـ سبحانه ـ وهو نور غير نور الشمس والقمر، وهو نور حقيقي صفة لذاته المقدسة يليق بجلاله ـ تعالى ـ، ويمكن أن تشمل هذه الآية مع النور الحقيقي النور المعنوي وهو عدل ـ الرب سبحانه ـ الذي لا جور فيه ولا ظلم لأنه ـ تعالى ـ الحكم العدل.

قال الإمام البغوي: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ} أضاءت {بِنُورِ رَبِّهَا} بنور خالقها، وذلك حين يتجلى ـ الرب ـ لفصل القضاء بين خلقه فما يتضادُّون في نوره، كما لا يتضادُّون في الشمس في اليوم الصحو.

وقال الحسن والسدي: "بعدل ربها وأراد بالأرض عرصات القيامة" اهـ1.

وقال العلامة ابن جرير: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} .

يقول تعالى ذكره: فأضاءت الأرض بنور ربها يقال: أشرقت الشمس: إذا صفت وأضاءت.

قال قتادة: فما يتضادُّون في نوره إلا كما يتضادُّون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه.

1- تفسير البغوي على حاشية الخازن 6/71.

ص: 585

وقال السدي: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} أضاءت أ. هـ1.

وقال ابن كثير: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} أي: "أضاءت يوم القيامة إذا تجلى ـ الحق جل وعلا ـ للخلائق لفصل القضاء" أ. هـ2.

وقال الشوكاني: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} .

الإشراق: الإضاءة، يقال أشرقت الشمس: إذا إضاءت وشرقت: إذا طلعت، ومعنى {بِنُورِ رَبِّهَا} بعدل ربها قاله الحسن وغيره.

وقال الضحاك: بحكم ربها، والمعنى: أن الأرض أضاءت وأنارت بما أقامه الله من العدل بين أهلها، وما قضى به من الحق فيهم، فالعدل نور والظلم ظلمات.

وقيل: "إن الله يخلق نوراً يوم القيامة يلبسه وجه الأرض فتشرق به غير نور الشمس، والقمر، ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقي، فإن الله ـ سبحانه ـ هو نور السموات والأرض" أ. هـ3.

وحمله على الحقيقة هو الصواب لأن النور صفة كمال وضده نقص ولقد وصف الله ـ تعالى ـ نفسه بصفة النور حيث قال جل ثناؤه: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 4 الآية. فلا ينكر صفة النور التي اتصف الله بها ـ إلا من أشرب قلبه بمرض التعطيل أعاذنا الله منه.

قال العلامة ابن القيم: عند قوله ـ تعالى ـ: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} "فأخبر أن الأرض يوم القيامة تشرق بنوره وهو نوره الذي هو نوره فإنه ـ سبحانه ـ يأتي لفصل القضاء بين عباده وينصب كرسيه بالأرض فإذا جاء الله ـ تعالى ـ أشرقت الأرض وحق لها أن تشرق بنوره وعند المعطلة لا يأتي ولا يجيء ولا له نور تشرق به الأرض" أ. هـ5.

1- جامع البيان 24/32.

2-

تفسير القرآن العظيم 6/111.

3-

فتح القدير 4/476، وانظر الجامع لأحكام القرآن 15/282.

4-

سورة النور آية: 35.

5-

مختصر الصواعق المرسلة 2/193.

ص: 586

صفة هذه الأرض:

لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم صفة أرض المحشر التي يقف عليها الخلائق للحساب وللجزاء العادل وكيف هي:

فقد جاء عن سهل بن سعد رضي الله ـ تعالى ـ عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي" قال سهل ـ أو غيره ـ ليس فيها معلم لأحد1.

فمن هذه الصفات الواردة في هذا الحديث يتبين أن تلك الأرض التي يقف عليها العباد يوم القيامة بين يدي ربّهم تبارك وتعالى هي أرض مغايرة لأرض الدنيا، وليس بينهما أي تشابه فأرض الموقف لها صفات أخرى، وأرض الدنيا لها صفات أخرى، وأن أرض الدنيا التي يعرفها الخالق ستنتهي وتضمحل وتحل محلها أرض أخرى هي أكبر منها وأطهر.

وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "عفراء" للعلماء في هذه الكلمة عدة تفاسير نقلها عنهم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ـ فقال: "قال الخطابي: العفر بياض ليس بالناصع".

وقال عياض: "العفر بياض يضرب إلى حمرة قليلاً ومنه سمي عفر الأرض وهو وجهها".

وقال ابن فارس2: معنى عفراء: خالصة البياض.

وقال الداودي: شديدة البياض.

قال ابن حجر: "كذا قال والأول هو المعتمد" أ. هـ3.

فالحافظ رحمه الله رجح من هذه الأقوال قول الخطابي وهو أن معنى كلمة "عفراء"

1- صحيح البخاري مع الفتح 11/372، صحيح مسلم بشرح النووي 17/134.

2-

هو أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي أبو الحسين من أئمة اللغة والأدب أصله من قزوين ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وتوفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان"1/35، والأعلام 1/184.

3-

الفتح 11/375.

ص: 587

هو البياض غير الناصع ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: "كقرصة النقي" بفتح النون وكسر القاف أي: الدقيق النقي من الغش والنخالة قاله الخطابي.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيها معلم لأحد، أو علم كما في رواية مسلم هما بمعنى واحد".

قال الخطابي: يريد أنها مستوية والمعلم ـ بفتح الميم واللام ـ بينهما مهملة ساكنة: هو الشيء الذي يستدل به على الطريق.

وقال عياض: المراد أنها ليس فيها علامة سكن ولا بناء ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يهتدى بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة.

قال الحافظ: "وفيه تعريض بأرض الدنيا وأنها ذهبت وانقطعت العلاقة منها".

وقال الداودي: "المراد أنه لا يحوز أحد منها شيئاً إلا ما أدرك منها".

وقال ابن أبي جمرة1: "وفيه دليل على عظيم القدرة، والإعلام بجزئيات يوم القيامة ليكون السامع على بصيرة فيخلص نفسه من ذلك الهول لأن في معرفة جزئيات الشيء قبل وقوعه رياضة النفس وحملها على ما فيه خلاصها بخلاف مجيء الأمر بغتة وفيه إشارة إلى أن أرض الموقف أكبر من هذه الأرض الموجودة جداً، والحكمة في الصفة المذكورة أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهراً عن عمل المعصية والظلم، وليكون تجليه ـ سبحانه ـ على عباده المؤمنين على أرض تليق بعظمته ولأن الحكم فيه إنما يكون لله ـ وحده ـ فناسب أن يكون المحل خالصاً له وحده" أ. هـ2.

وقال عليه الصلاة والسلام: "يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر"3.

1- هو محمد بن أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة الأموي بالولاة أبو بكر: فقيه مالكي من أعيان الأندلس، ولد بمرسية سنة ثماني عشرة وخمسمائة وتوفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة. انظر ترجمته في:"شذرات الذهب" 4/342، والأعلام 6/213.

2-

الفتح 11/375.

3-

رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. انظر الفتح 8/395.

ص: 588

"ومعناه يبلغ أولهم وآخرهم لاستواء الأرض فلا يكون فيها ما يستتر به أحد من الرائي"1.

والذي يريده عليه الصلاة والسلام أرضاً مستوية لا جبل فيها ولا أكمة ولا ربوة ولا وهدة أرض بيضاء نقية لم يسفك عليها دم ولا عمل عليها خطيئة ولا ارتكب فيها محرم"2.

بيان خلاف العلماء في أرض المحشر:

إن تبديل هذه الأرض بأرض أخرى جديدة مما وقع الخلاف فيه بين السلف قال الحافظ ابن حجر: "وقد وقع للسلف في ذلك خلاف في المراد بقوله ـ تعالى ـ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ

} الآية3.

"هل معنى تبديلها تغيير ذاتها وصفاتها، أو تغيير صفاتها فقط" أ. هـ4 فقد بين الحافظ: بقوله هذا أن للعلماء في ذلك قولين:

القول الأول: أن التبديل يكون في ذاتها وصفاتها.

القول الثاني: أن التغيير إنما يحصل في صفاتها فقط.

ثم أخذ رحمه الله تعالى ـ في ذكر أدلة الفريقين، فمما ذكره من أدلة الفريق الأول ما يأتي:

1 ـ حديث سعد المتقدم في بيان صفة أرض المحشر.

2 ـ ما أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبري في تفاسيرهم والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله ـ تعالى ـ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ

} الآية قال: تبد الأرض أرضاً كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة. ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف، وأخرجه البيهقي من وجه آخر مرفوعاً وقال: الموقوف أصح، وأخرجه الطبري والحاكم من طريق عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود بلفظ "أرض بيضاء كأنها سبيكة فضة" ورجاله موثقون أيضاً.

1- الفتح 8/396.

2-

انظر شرح الطحاوية ص252، وانظر تكملة شرح الصدور ص18 "مخطوط".

3-

سورة إبراهيم آية: 48.

4-

فتح الباري 11/375.

ص: 589

ولأحمد من حديث أبي أيوب "أرض كالفضة البيضاء فأين الخلق يومئذ؟ قال: هم أضياف الله لن يعجزهم ما لديه".

وللطبري من طريق سنان بن سعد عن أنس مرفوعاً "يبدلها الله بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطايا" وعن علي موقوفاً نحوه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: "أرض كأنها فضة والسموات كذلك" وعن علي: "السموات من ذهب".

وعن عبد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال: "بلغنا أن هذه الأرض يعني أرض الدنيا وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها".

وفي حديث الصور الطويل "تبدل الأرض غير الأرض والسموات فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة فإذا هم في الأرض المبدلة في مثل مواضعهم من الأولى ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان في ظهرها كان عليها".

قال الحافظ: "وهذا يؤخذ منه أن ذلك يقع عقب نفخة الصعق بعد الحشر الأول ويؤيده قوله ـ تعالى ـ {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} 1".

وبعد أن فرغ الحافظ من نقله حجج القول الأول وهو قول من قال: "بأن التغيير يحصل في ذات أرض الدنيا وصفاتها" شرع في ذكر أدلة الفريق الثاني القائل بأن التغيير يحصل في صفات الأرض وليس في ذاتها فقال: "وأما من ذهب إلى أن التغيير إنما يقع في صفات الأرض دون ذاتها فمستنده ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمرو قال: "إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الخلائق".

ومن حديث جابر رفعه: "تمد الأرض مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها إلا موضع قدميه" ورجاله ثقات. إلا أنه اختلف على الزهري في صحابيه.

ووقع في تفسير الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ـ تعالى ـ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} 2

قال: "يزاد فيها وينقص منها ويذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد مد الأديم

1- سورة الانشقاق آية: 3 ـ 4.

2-

سورة إبراهيم آية: 48.

ص: 590

العكاظي" وعزاه الثعلبي في تفسيره لرواية أبي هريرة وحكاه البيهقي عن أبي منصور الأزهري وبعد عرضه لأدلة الفريق الثاني قال: "وهذا وإن كان ظاهره يخالف القول الأول فيمكن الجمع بأن ذلك كله يقع لأرض الدنيا لكن أرض الموقف غيرها" أ. هـ1.

أما العلامة ابن جرير فقد أجمل الأقوال في أرض المحشر في خمسة أقوال ونسب كل قول إلى قائله من السلف عند قوله ـ تعالى ـ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} 2 حيث قال رحمه الله: "واختلف في معنى قوله {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} ".

فقال بعضهم: معنى ذلك يوم تبدل الأرض التي عليها الناس اليوم في دار الدنيا غير هذه الأرض فتصير أرضاً بيضاء كالفضة. وقد عزا هذا القول إلى عبد الله بن مسعود وعمرو بن ميمون ومجاهد.

وقال آخرون: تبدل ناراً وقد أسند هذا القول إلى ابن مسعود أيضاً وذكر له روايتين ليستا مرفوعتين.

وقال آخرون: بل تبدل الأرض أرضاً من فضة، وقد عزا هذا القول إلى أنس بن مالك وابن عباس وعلي بن أبي طالب إلا أنه لم يبين من سمعها عن علي رضي الله عنه.

وقال آخرون: يبدلها خبزة وقد بين بأن القائل بهذا القول هو سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي، أو عن محمد بن قيس.

وقال آخرون: تبدل الأرض غير الأرض وقد عزا هذا القول إلى كعب ورواية عن أبي هريرة مرفوعة ولم يسم الراوي عنه وإلى عمرو بن ميمون الأودي3.

وبعد أن انتهى من عرض الأقوال ونسبتها إلى أصحابها اختار قولاً منها ورجحه.

فقال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: يوم تبدل الأرض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرها وكذلك السموات ـ اليوم تبدل غيرها كما قال جل ثناؤه، وجائز أن تكون ناراً، وجائز أن تكون خبزاً، وجائز أن تكون غير ذلك، ولا خبر في ذلك

1- انظر فتح الباري 11/375 ـ 376.

2-

سورة إبراهيم آية: 48.

3-

جامع البيان 13/249 ـ 252، التذكرة للقرطبي ص191 ـ 192.

ص: 591

عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أي ذلك يكون فلا قول في ذلك يصح إلا ما دل عليه ظاهر التنزيل" أ. هـ1.

وهذا القول الذي رجحه ابن جرير هو الذي دل عليه ظاهر القرآن والسنة.

فأما القرآن فقد تقدم قوله ـ تعالى ـ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} 2.

وأما السنة فقد روى مسلم رحمه الله تعالى ـ من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد وذكر الحديث وفيه فقال اليهودي: أين يكون الناس {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم في الظلمة دون الجسر

" الحديث3.

وروي أيضاً: من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله ـ تعالى ـ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} فأين يكون الناس يومئذ؟ قال: "على الصراط"4.

وروى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} فأين يكون الناس؟ قال: "على الصراط يا عائشة" قال هذا حديث حسن صحيح5.

وخرّج عن مجاهد قال: قال ابن عباس أتدري ما سعة جهنم؟ قلت: لا، قال أجل والله ما تدري حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله:{وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} قالت: قلت: فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "على جسر جهنم" ـ قال ـ وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه6.

1- جامع البيان 13/254.

2-

سورة إبراهيم آية: 48.

3-

صحيح مسلم 1/252.

4-

صحيح مسلم 4/2150.

5-

سنن الترمذي 4/359.

6-

المصدر السابق 5/51 ـ 52.

ص: 592

فهذه الأحاديث المتقدمة نص في أن الأرض والسموات تبدل وتزال ويخلق الله أرضاً أخرى يكون عليها الناس بعد كونهم على الجسر وهو الصراط لا كما قال كثير من الناس: أن تبديل الأرض عبارة عن تغيير صفاتها وتسوية آكامها ونسف جبالها ومد أرضها إذ هذا هو ما يحصل لأرض الدنيا أما أرض الموقف فهي غيرها والله أعلم.

1- التذكرة للقرطبي ص:191.

ص: 593