الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان باليوم الآخر
الفصل الأول: مباحث في اليوم الآخر قبل دخول الجنة والنار
المبحث الأول: النفخ في الصور
…
تمهيد:
إن الله تعالى فطر الإنسان على الإحساس بوجود عالم آخر بعد الموت، وهذا من أقوى الأدلة على وجود اليوم الآخر لأن الله ـ جل وعلا ـ إذا أراد أن يقنع بني الإنسان بأمر ما فإنه يغرس فكرة الاقتناع به في فطرهم، ولذا فإن الإنسان يشتاق إلى حياة خالدة ولو في عالم غير هذا العالم وهذا الإحساس شائع في نفوس البشر بحيث لا يمكن النظر إليه باستخفاف ولذلك جاءت الأديان السماوية مبشرة بحياة أخرى بعد الموت وجعلت مصير كل إنسان مرتهناً بما قدمت يداه في الحياة الدنيا وهذا مما يكسب الإنسان زيادة إيمان بربه، وما جاءت به رسله فيقدم الأعمال الصالحة استعداداً بها ليوم المعاد ولما كان القرآن الكريم خاتماً لجميع الرسالات السماوية، وليس بعده أي رسالة تبين للناس ما يختلفون فيه، وما يستجد في حياتهم فإنه جاء وافياً بمطالب الروح والجسد في تعاليمه وتوجيهاته ولما كان مرتكز الجدل في بني الإنسان جبلة وطبعاً كما قال تعالى:{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} 1 ولما كان الإقتناع أيضاً: بحياة أخرى بعد الموت من الأمور التي شغلت فكر الإنسان، فإن القرآن الكريم جاء وافياً بالأدلة والبراهين القاطعة على البعث والجزاء، وعرض ذلك في نماذج حية، وضمنها شبه المنكرين، ولم يتركها تمر دون مناقشة لها، بل أبطل شبههم بالمنطق الصحيح والبراهين العقلية التي تزيل فكرة الفناء الأبدي التي علقت ببعض الأفكار السقيمة، وتطمئن الإنسان وتدفعه للعمل الصالح وتحيي عنده آمال التسابق إلى الدرجات العلى في حياة أفضل وقد ذكرت بعضاً من تلك البراهين في "المبحث الثالث" من هذا الفصل، ولقد دعا القرآن إلى الإيمان باليوم الآخر بأساليب متنوعة لا يقفل قلبه عنها إلا دهري جحود فيجب على المسلم التصديق الجازم بجميع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه. ونعيمه، والبعث
1- سورة الكهف آية: 54.
والحشر، والنشر، والصحف، والميزان، والحساب، والجزاء، والصراط، والحوض والشفاعة1، والجنة والنار وأحوالهما، وما أعد الله لأهلهما إجمالاً وتفصيلاً والإيمان بالبعث بعد الموت هو أحد أركان الإيمان الستة وقد دل على وقوعه النقل، والعقل، والفطرة كما صرحت به جميع الكتب السماوية، ونادى به جميع الأنبياء والمرسلون2، وقد تعرضت سورة الزمر لمباحث كثيرة تتعلق باليوم الآخر وهي ما سنتحدث عنها فيما يأتي.
1- تقدم الكلام على الشفاعة عند الكلام على توحيد العبادة وقد أفردناها بمبحث خاص.
2-
انظر إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات للشوكاني ص14.
المبحث الأول: النفخ في الصور
قبل أن نذكر الآية التي دلت على النفخ في الصور من سورة "الزمر" نذكر معنى النفخ في اللغة والإصطلاح ومعنى الصور.
أما النفخ في اللغة:
فقد قال الراغب: "النفخ: نفخ الريح في الشيء: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} 1 {وَنُفِخَ فِي الصُّور} 2
…
ومنه نفخ الروح في النشأة الأولى" أ. هـ3.
وجاء في أساس البلاغة: "نفخ في النار، ونفخ النار بالنفاخ وهو الكير ونصبوا على النار المنافيخ، ونفخت في الزق، فتنفخ وهو يجد نفخة في بطنه ونفخة انتفاخاً من طعام وغيره" أ. هـ4.
وفي القاموس: نفخ بفمه أخرج منه الريح
…
والنفيخ الموكل بنفخ النار والمنفاخ آلته. أ. هـ5.
والذي نستفيده من هذه التعاريف اللغوية أن النفخ هو: دفع الهواء كما يعرف كل إنسان.
1- سورة طه آية: 102.
2-
سورة يس آية: 51.
3-
المفردات في غريب القرآن "ص500".
4-
ص446.
5-
"1/281" انظر النهاية في غريب الحديث 5/90.
وأما معناه في الإصطلاح:
فهو نفخ مخصوص في وقت مخصوص من ملك مخصوص لما يريده الله ـ تعالى ـ كما جاء التصريح بذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أن نافخاً ينفخ في الصور بأمر الله تعالى لما يريده الله من التغيير في خلقه لأمر القيامة.
وأما معنى الصور:
فقد جاء في صحيح البخاري عن مجاهد أنه قال: " الصور كهيئة البوق" 1 وذكر الحافظ عن الجوهري أنه قال: "البوق الذي يزمر به وهو معروف
…
" والصور إنما هو قرن كما جاء في الأحاديث المرفوعة، وقد وقع في قصة بدء الأذان بلفظ البوق، والقرن: الآلة التي يستعملها اليهود للأذان ويقال: إن الصور اسم القرن بلغة أهل اليمن وشاهده قول الشاعر:
نحن نفخناهم غداة النقعين
…
نطحاً شديداً لا كنطح الصورين2
قال ابن جرير: واختلف في معنى الصور
…
فقال بعضهم هو قرن ينفخ فيه نفختان
…
إحداهما: لفناء من كان حياً على الأرض.
والثانية: لنشر كل ميت واعتلوا لقولهم ذلك بقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} وبالخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذ سئل عن الصور "هو قرن ينفخ فيه" 3 وقال آخرون: الصور: جمع صورة ينفخ فيها روحها فتحيا لقولهم: سور لسور المدينة وهو جمع سورة كما قال جرير:
لما أتى خبر الزبير تواضعت
…
سور المدينة والجبال الخشع
إلى أن قال: والصواب من القول في ذلك عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن
1- 1/131.
2-
النفخ 11/68، وانظر الصحاح 4/1452، 2/716، تحفة الأحوذي 7/117.
3-
ديوان جرير ص345.
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ" 1 وأنه قال: "الصور قرن ينفخ فيه" اهـ2.
وقال ابن كثير بعد أن ذكر القولين المتقدمين في معنى الصور: "والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام" أ. هـ3، وقد ورد أنه ينفخ في الصور مع إسرافيل ملك آخر، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "النافخان في السماء الثانية
…
فينظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا" 4.
قال الحافظ بعد إيراده لهذا الحديث: "ورجاله ثقات وأخرجه الحاكم في حديث عبد الله بن عمرو" أ. هـ5.
وقال الهيثمي: "رواه أحمد ورجاله ثقات" أ. هـ6. ولا تعارض بين هذا الحديث وبين ما ورد في بعض الأحاديث أن إسرافيل هو صاحب الصور ومن ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال: "عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل"7.
قال الحافظ: "تنبيه: اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل عليه السلام، ونقل فيه الحليمي الإجماع"8.
وهذا يحمل على أن إسرافيل رئيسهم كما قيل في شأن ملك الموت وأعوانه والعلم عند الله ـ تعالى ـ.
1- رواه أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد المسند 3/7، سنن الترمذي 4/42.
2-
جامع البيان 7/ 239، والحديث رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو وقال: حسن صحيح 4/41.
3-
تفسير القرآن العظيم 3/46، وانظر تفسير روح المعاني للألوسي 7/191.
4-
2/192 من حديث أبي مرية، أو عن عبد الله بن عمرو كذلك المسند.
5-
الفتح 11/369.
6-
مجمع الزوائد 10/330.
7-
سنن أبي داود 2/360.
8-
الفتح 11/368.
وقد جاء في حديث صحيح أن اليوم الذي تكون فيه النفخة والصعقة هو يوم الجمعة وهو حديث أوس بن أوس الثقفي مرفوعاً: إن أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه الصعقة وفيه النفخة"1 وقد دلت السورة على أن من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالصور والنفخ فيه، الذي جعله الله سبب الفزع، والضعف والقيام من القبور. قال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} هذه الآية الكريمة من السورة ذكر الله فيها نفختين نفخة الصعق ونفخة البعث.
والنفخات ثلاث.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى ـ:
"وأما النفخات في الصور فثلاث نفخات: "نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث" أ. هـ2.
وقال أبو بكر بن العربي3: الصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل
…
ينفخ فيه بأمر ربه ثلاث نفخات: "أولاها نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة البعث" أ. هـ4.
فعدد النفخات ثلاث وقد وردت كلها صريحة في القرآن.
الأولى نفخة الفزع:
وهي المذكورة في قوله ـ جل وعلا ـ: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللهُ} 5.
قال ابن كثير: "يخبر ـ تعالى ـ عن هول يوم نفخة الفزع في الصور
…
وذلك في
1- سنن النسائي 3/91 وابن خزيمة في صحيحه 3/118.
2-
النهاية: 1/180.
3-
هو: محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي أبو بكر بن العربي قاض من حفاظ الحديث ولد في إشبيلية سنة ثمان وأربعين وتوفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ للسيوطي 468، وفيات الأعيان 1/489 الديباج المذهب لابن فرحون ص281، تذكرة الحفاظ 4/1294 وما بعدها.
4-
عارضة الأحوذي 9/267 ـ 268.
5-
سورة النمل آية: 87.
آخر عمر الدنيا حين تقوم الساعة على شرار الناس من الأحياء فيفزع من في السموات ومن في الأرض" أ. هـ1.
وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو وجاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا فقال: ـ سبحان الله ـ أو لا إله إلا الله. أو كلمة نحوها، لقد هممت أن لا أحدث أحداً شيئاً أبداً إنما قلت إنكم سترون بعد قليل أمراً عظيماً يحرق البيت ويكون، ويكون. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين. لا أدري: أربعين يوماً أو أربعين شهراً، أو أربعين عاماً فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه. ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته. حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل2 لدخلته حتى تقبضه" قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع3 لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً4 قال وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله" 5
…
الحديث6.
فهذه النفخة المذكورة في الحديث هي نفخة الفزع ثم تأتي بعدها نفخة الصعق.
قال ابن كثير: "فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام من ذلك زلزلة الأرض وارتجاجها، وميدانها بأهلها وتكفيها يميناً وشمالاً قال الله ـ تعالى ـ:{إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَاَ * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} 7.
1- تفسير القرآن العظيم 5/259.
2-
"في كبد جبل" أي وسطه وداخله، وكبد كل شيء وسطه.
3-
"في خفة الطير وأحلام السباع" أي في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد كطيران الطير، وفي العدوان وظلم بعضهم بعضاً في أخلاق السباع العادية.
4-
الليت هو صفحة العنق، أي أمال عنقه ليستمعه من السماء جيداً.
5-
"يلوط حوض إبله" أي يطينه ويصلحه.
6-
صحيح مسلم 4/2258 ـ 2259.
7-
سورة الزلزلة آية: 1 ـ 5.
وقال تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} 1. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} 2.
ولما كانت هذه النفخة أعني نفخة الفزع أول مبادئ القيامة كان اسم يوم القيامة صادقاً على ذلك كله.
كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة، وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة، وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها"3 وهذا إنما يتجه على ما قيل في نفخة الفزع أنها الساعة لما كانت أول مبادئها. أ. هـ4.
وقد ثبت في الحديث في وصف أهل آخر الزمان بأنهم شرار الناس وعليهم تقوم الساعة5.
النفخة الثانية نفخة الصعق:
وهي نفخة الموت، وهذه هي التي فيها الهلاك لجميع الموجودين من أهل السموات ومن في الأرض من الإنس والجن والملائكة إلا من شاء الله. وقد قدمنا أن نفختي الصعق، والبعث دلت عليهما السورة.
قال ـ تعالى ـ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللهُ
…
} .
1- سورة الواقعة آية: 1 ـ 7.
2-
سورة الحج آية: 1 ـ 2.
3-
صحيح البخاري مع الفتح 11/352.
4-
النهاية 1/181.
5-
انظر صحيح مسلم 3/1525، وسنن ابن ماجة 2/1341، المسند للإمام أحمد رحمه الله 1/405.
قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره: ونفخ إسرافيل في القرن
…
وقوله {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} يقول: مات.
وقال السدي {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} مات1.
قال ابن كثير: يقول تبارك وتعالى مخبراً عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الآيات العظيمة والزلازل الهائلة فقوله ـ تعالى ـ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللهُ} .
"هذه النفخة هي الثانية وهي نفخة الصعق وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السموات والأرض إلا من شاء الله" أ. هـ2.
وقد اختلف أهل العلم في الذين عنى الله بالإستثناء في هذه الآية:
قال القرطبي: واختلف العلماء في المستثنى من هو؟
فقيل: الملائكة.
وقيل: الأنبياء.
وقيل: الشهداء واختاره الحليمي قال: "وهو مروي عن ابن عباس أن الإستثناء لأجل الشهداء فإن الله ـ تعالى ـ يقول: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 3 وضعف غيره من الأقوال
…
وقال شيخنا أبو العباس4 والصحيح أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح والكل محتمل" أ. هـ5.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ـ: "وأما الإستثناء فهو متناول لمن
1- جامع البيان 23/29.
2-
تفسير القرآن العظيم 6/109.
3-
سورة آل عمران آية: 169.
4-
هو أبو العباس القرطبي: أحمد بن عمر بن إبراهيم، أبو العباس الأنصاري من فقهاء المالكية ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وتوفي سنة ست وخمسين وستمائه. انظر ترجمته في البداية والنهاية 13/213، النجوم الزاهرة 7/371.
5-
التذكرة 1/167، وانظر جامع البيان للطبري 24/29 ـ 31.
في الجنة من الحور العين، فإن الجنة ليس فيها موت ومتناول لغيرهم ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله فإن الله أطلق في كتابه"أ. هـ1.
وقال العلامة ابن القيم: عند قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللهُ} فقد استثنى الله ـ سبحانه ـ بعض من في السموات ومن في الأرض من هذا الصعق.
فقيل: هم الشهداء. وهذا قول أبي هريرة وابن عباس وسعيد بن جبير.
وقيل: هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وهذا قول مقاتل وغيره.
وقيل: هم الذين في الجنة من الحور العين وغيرهم ومن في النار من أهل العذاب وخزنتها. قاله أبو إسحاق بن شاقلا2 من أصحابنا.
وقد نص الإمام أحمد على أن الحور العين والولدان لا يمتن عند النفخ في الصور.
وقد أخبر ـ سبحانه ـ أن أهل الجنة {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَاّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} 3 وهذا نص على أنهم لا يموتون غير تلك الموتة الأولى، فلو ماتوا مرة ثانية لكانت موتتان، وأما قول أهل النار {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} 4. فتفسير هذه الآية التي في البقرة وهو قوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} 5.
فكانوا أمواتاً وهم نطف في أصلاب آبائهم، وفي أرحام أمهاتهم ثم أحياهم بعد ذلك ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور وليس في ذلك إماتة أرواحهم قبل يوم القيامة وإلا كانت ثلاث موتات، وصعق الأرواح عند النفخ في الصور لا يلزم منه موتها ففي الحديث
1- مجموع الفتاوى 16/36.
2-
هو: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا البزار الحنبلي، جليل القدر، كثير الرواية حسن الكلام في الأصول والفروع، توفي سنة تسع وستين وثلاثمائة هجرية. شذرات الذهب 3/68.
3-
سورة الدخان آية: 56.
4-
سورة غافر آية: 11.
5-
سورة البقرة آية: 28.
الصحيح: "أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور"1.
فهذا الصعق في موقف القيامة إذا جاء الله لفصل القضاء، وأشرقت الأرض بنوره، فحينئذ تصعق الخلائق كلهم قال تعالى:{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} 2.
ولو كان هذا الصعق موتاً لكانت موتة أخرى3 "وقد تفطن لهذا بعض أهل العلم فقد قال أبو عبد الله القرطبي ظاهر هذا الحديث أن هذه صعقة غشي تكون يوم القيامة لا الصعقة الحادثة عن نفخ الصور قال: وقد قال شيخنا أحمد بن عمرو: ظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذه الصعقة إنما هي بعد النفخة الثانية، نفخة البعث ونص القرآن يقتضي أن ذلك الإستثناء إنما هو بعد نفخة الصعق، ولما كان هذا قال بعض العلماء: يحتمل أن يكون موسى ممن لم يمت من الأنبياء وهذا باطل. وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون المراد بهذه صعقة فزع بعد النشور حين تنشق السموات والأرض.
قال: فتستقل الأحاديث والآثار، وردَّ عليه أبو العباس القرطبي فقال: يرد هذا قوله في الحديث الصحيح: أنه حين يخرج من قبره يلقى موسى آخذاً بقائمة العرش، وهذا إنما يكون عند نفخة الفزع.
وقال أبو عبد الله: وقال شيخنا أحمد بن عمرو: الذي يزيح هذا الإشكال إن شاء الله تعالى أن الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين مستبشرين، وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحق وأولى مع أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأنه صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء وخصوصاً بموسى وقد أخبر بأنه ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله روحه حتى يرد عليه
…
وإذا تقرر أنهم أحياء فإذا نفخ في الصور نفخة الصعق صعق كل من السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فأما صعق غير الأنبياء فموت، وأما صعق
1- صحيح البخاري مع الفتح 6/430 من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، المسند 3/33.
2-
سورة الطور آية: 45.
3-
الروح ص50 ـ 51.
الأنبياء فالأظهر أنه غشية، فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فمن مات حيي ومن غشي عليه أفاق، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: فأكون أول من يصعق فنبينا أول من يخرج من قبره قبل جميع الناس إلا موسى فإنه حصل له فيه تردد: هل بعث قبله من غشيته أو بقي على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق مفيقاً لأنه حوسب بصعقة يوم الطور؟ وهذه فضيلة عظيمة في حق موسى عليه السلام ولا يلزم من فضيلة أحد الأمرين المشكوك فيهما فضيلة موسى على محمد صلى الله عليه وسلم مطلقاً لأن الشيء الجزئي لا يوجب أمراً كلياً" أ. هـ1.
وقال أبو عبد الله القرطبي: إن حمل الحديث على صعقة الخلق يوم القيامة فلا إشكال، وإن حمل على صعقة الموت عند نفخ الصور وصرف ذكر يوم القيامة إلى أنه أراد أوائله، فيكون المعنى:"إذا نفخ في الصور نفخة البعث كنت أول من يرفع رأسه فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور"2.
وقد رد هذا العلامة ابن القيم فقال: "وحمل الحديث على هذا لا يصح لأنه صلى الله عليه وسلم تردد هل أفاق موسى قبله أم لم يصعق بل جوزي بصعقة الطور، فالمعنى لا أدري أصعق أم لم يصعق، وقد قال في الحديث: فأكون أول من يفيق، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يصعق فيمن يصعق، وأن التردد حصل في موسى هل صعق وأفاق قبله من صعقته أم لم يصعق ولو كان المراد به الصعقة الأولى وهي صعقة الموت لكان صلى الله عليه وسلم قد جزم بموته وتردد هل مات موسى أم لم يمت، وهذا باطل لوجوه كثيرة، فعلم أنها صعقة فزع لا صعقة موت وحينئذ فلا تدل الآية على أن الأرواح كلها تموت عند النفخة الأولى نعم تدل على أن موت الخلائق عند النفخة الأولى وكل من لم يذق الموت قبلها فإنه يذوقه حينئذ وأما من ذاق الموت أو من لم يكتب عليه الموت فلا تدل الآية على أنه يموت موتة ثانية، والله أعلم ـ ثم قال رحمه الله:
فإن قيل: فكيف تصنعون بقوله في الحديث: إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض فأجد موسى باطشاً بقائمة العرش3، قيل لا ريب أن هذا قد ورد
1- التذكرة ص169 بتصرف.
2-
المصدر السابق ص168.
3-
صحيح البخاري مع الفتح 11/367، صحيح مسلم 4/1844 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
هكذا ومنه نشأ الإشكال ولكنه دخل على الراوي حديث في حديث فركب اللفظين فجاء هذا والحديث هكذا.
أحدهما: أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق.
والثاني: هكذا: أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ففي الترمذي وغيره من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وبيدي لواء الحمد، ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر"1.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح2.
فدخل على الراوي هذا الحديث في الحديث الآخر وكان شيخنا أبو الحجاج الحافظ يقول ذلك.
فإن قيل: فما تصنعون بقوله: "فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله عز وجل"3. والذين استثناهم الله إنما هم مستثنون من صعقة النفخة لا من صعقة يوم القيامة كما قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللهُ} ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة.
قيل: هذا والله أعلم غير محفوظ وهو وهم من بعض الرواة والمحفوظ ما تواطأت الروايات الصحيحة من قوله: "فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" 4، فظن بعض الرواة أن هذه الصعقة هي صعقة النفخ، وأن موسى داخل فيمن استثنى منها، وهذا لا يلتئم على مساق الحديث قطعاً، فإن الإفاقة حينئذ هي إفاقة البعث فكيف يقول:"لا أدري أبعث قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟ " فتأمله، وهذا بخلاف الصعقة التي يصعقها
1- سنن الترمذي 4/270، سنن ابن ماجة 2/1440 وأحمد في المسند 1/281.
2-
اسمه: يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف أبو الحجاج، محدث الديار الشامية، مهر في اللغة، ثم في الحديث ومعرفة رجاله وصنف كتباً منها:"تهذيب الكمال في أسماء الرجال" ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، وتوفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، انظر ترجمته في "الدرر الكامنة" 4/457، النجوم الزاهرة 10/76، الأعلام 9/313.
3-
صحيح البخاري مع الفتح 11/367، صحيح مسلم 4/1844.
4-
صحيح البخاري مع الفتح 6/430 المسند 3/33.
الخلائق يوم القيامة إذا جاء الله ـ سبحانه ـ لفصل القضاء بين العباد وتجلى لهم فإنهم يصعقون جميعاً، وأما موسى صلى الله عليه وسلم فإن كان لم يصعق معهم فيكون قد حوسب بصعقته يوم تجلى ربه للجبل فجعله دكاً، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضاً من صعقة الخلائق لتجلي الرب يوم القيامة" أ. هـ1.
وما ذكره ابن القيم من اعتبار الصعق لتجلي الله يوم القيامة محتمل وهناك احتمال آخر وهو أن هذا الصعق يكون النفخة الثانية، والصعق عندها صعقان صعق موت لمن كان حينئذ على قيد الحياة في الدنيا وصعق غشي فيمن تكون حياته حياة برزخية، وعلى هذا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره حصل له هذا الصعق، وموسى يحتمل أن يكون حصل له هذا الصعق ويحتمل أنه لم يحصل له فيكون جوزي بصعقة الطور أو يكون ممن استثنى الله.
والذي يبدو أن الراجح في الاستثناء المذكور في الآية: "أنه متناول لمن في الجنة من الحور العين إذ الجنة لا موت فيها وإنما هي دار خلود وبقاء كما أنه يتناول غيرهم وليس في إمكان أحد أن يقطع بكل من استثناه الله فلا يمكننا أن نجزم بذلك فيصير هذا مثل العلم بقرب الساعة وأعيان الأنبياء وغير ذلك مما لم يرد فيه خبر عن الشارع إذ هذا الأمر لا تتم معرفته إلا عن طريق خبر الشارع وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ـ"2.
وقد دلت السنة على أن هناك مدة بين نفختي الصعق والبعث.
روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين النفختين أربعون" قالوا: أربعون شهراً؟ قال: "أبيت" 3 قالوا: أربعون سنة؟ قال: "أبيت. ثم ينزل الله من السماء ماءاً فينبتون كما ينبت البقل" قال "وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب4 الذنب". 5
1- الروح لابن القيم ص52 ـ 54، شرح الطحاوية ص467 ـ 468.
2-
انظر مجموع الفتاوى 16/36.
3-
معناه: أبيت أن أجزم بأن المراد أربعون يوماً، أو سنة، أو شهراً بل الذي أجزم به أنها أربعون على سبيل الإجمال.
4-
عجب الذنب: عظم الطيف في أصل الصلب، وهو رأس العصعص، وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع ذكره الحافظ في "هدي الساري في مقدمة فتح الباري" ص153.
5-
صحيح البخاري 3/182، صحيح مسلم 4/2270 ـ 2271 واللفظ له.
فالمراد بالنفختين هنا نفخة الصعق ونفخة القيام للبعث والنشور، ويؤيد ذلك إنزال الماء بينهما وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإنسان وفيه يركب خلقه عند بعثه يوم القيامة1.
النفخة الثالثة: نفخة البعث:
وهذه النفخة هي نفخة البعث والنشور والقيام لرب العالمين دل عليها من السورة قوله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} .
قال السدي: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} قال: في الصور وهي نفخة البعث.
وقال قتادة: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} . قال نبي الله: بين النفختين أربعون قال: قال أصحابه فما سألناه عن ذلك ولا زادنا على ذلك غير أنهم كانوا يرون من رأيهم أنها أربعون سنة.
وذكر لنا أنه يبعث في تلك الأربعين مطر يقال له: مطر الحياة حتى تطيب الأرض وتهتز وتنبت أجساد الناس نبات البقل2.
قال ابن كثير: "ثم يحيي أول من يحيي إسرافيل ويأمره أن ينفخ في الصور أخرى وهي النفخة الثالثة نفخة البعث قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} أي: أحيا بعد ما كانوا عظاماً ورفاتاً صاروا أحياء ينظرون إلى أهوال يوم القيامة" أ. هـ3.
وهذه النفخة التي هي نفخة البعث جاءت فيها آيات كثيرة.
قال تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} 4.
وقال تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} 5.
وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا
1- النهاية لابن كثير 1/181.
2-
جامع البيان 24/31.
3-
تفسير ابن كثير 6/110.
4-
سورة النبأ آية: 18.
5-
سورة النازعات آية: 13.
وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} 1.
وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} 2.
وقال تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} 3.
وقال تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} 4.
وقد اختلف العلماء في عدد النفخات في الصور هل هي ثلاث نفخات أم نفختان فقط؟
فمنهم من قال: إنها ثلاث نفخات كما قدمنا ذكرها. ومنهم من قال: إنها نفختان فقط، واعتبروا نفخة الفزع هي نفخة الصعق لأن الأمرين لازمان لها أي: فزعوا فزعاً ماتوا منه وهذا اختيار القرطبي وغيره من بعض المفسرين5 والراجح أنها ثلاث نفخات كما قدمنا ذكرها وقد تقدم قول ابن كثير وأبي بكر بن العربي أنها ثلاث نفخات، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه قال: والقرآن قد أخبر بثلاث نفخات نفخة الفزع، ذكرها في سورة النمل في قوله تعالى:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ الله} 6.
ونفخة الصعق والقيام ذكرهما في قوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} 7.
1- سورة يس آية: 51 ـ 53.
2-
سورة الروم آية: 25.
3-
سورة المدثر آية: 8 ـ 9.
4-
سورة ق آية: 41 ـ 42.
5-
الجامع لأحكام القرآن 15/281 تفسير البغوي على حاشية تفسير الخازن 5/131، تفسير الألوسي المسمى "روح المعاني" 20/31.
6-
الآية رقم 87.
7-
مجموع الفتاوى 16/35 ـ 36.
وقال السفاريني: "واعلم أن النفخ في الصور ثلاث نفخات: نفخة الفزع وهي التي يتغير بها هذا العالم، ويفسد نظامه وهي المشار إليها في قوله تعالى:{وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلَاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} 1 أي رجوع ومرد.
النفخة الثانية: نفخة الصعق وفيها هلاك كل شيء.
النفخة الثالثة: نفخة البعث والنشور" أ. هـ2.
فالنفخات الثلاث كلها نص عليها القرآن وعينها، ومن هنا يتعين أن القول الراجح في عدد النفخات أنها ثلاث نفخات.
1- سورة ص آية: 15.
2-
لوامع الأنوار 2/161 ـ 164.