الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة والكتب، والرسل والقدر وفيه
الفصل الأول: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة
المبحث الأول: تعريف الملائكة، ومن أي شيء خلقوا
؟
…
المبحث الأول: تعريف الملائكة، ومن أي شيء خلقوا؟
1ـ تعريف الملائكة:
"الملائكة جمع ملاك" نقلت حركة الهمزة فيه إلى الساكن قبله، ثم حذفت الهمزة تخفيفاً فصارت "ملكاً" وهو مشتق من كلمة "الألوكة" التي هي الرسالة والجمع "ملائك" و"ملائكة"1.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والملك في اللغة: حامل الألوكة وهي الرسالة"اهـ2.
والذي نستفيده من التعريف اللغوي: أن الملائكة هم سفراء الله إلى أنبيائه ورسله في تبليغ الوحي والشرائع.
أما التعريف الاصطلاحي:
فالملائكة: "أجسام نورانية ـ لطيفة أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة ومسكنها السموات، وأبطل من قال: أنها الكواكب أو أنها الأنفس الخيرة التي فارقت أجسادها وغير ذلك من الأقوال التي لا يوجد في الأدلة السمعية شيء منها"اهـ3.
1- القاموس المحيط 3/327 لسان العرب 10/496 المصباح المنير 1/18 بصائر ذوي التمييز 4/524 الفتح 6/306.
2-
النبوات ص257.
3-
فتح الباري 6/306 وانظر "كتاب التعريفات للجرجاني ص229".
2ـ من أي شيء خلقوا؟:
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المادة ـ التي خلق الله منها الملائكة وهي النور، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم"1.
فبين صلى الله عليه وسلم أن الملائكة خلقوا من نور، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم أي نور هذا؟ الذي خلقهم الله منه. فلا يجوز الخوض لأي أحد في نوع هذا النور لزيادة تحديده لأنه غيب لم يأت فيه ما يوضحه أكثر من هذا الحديث النبوي الشريف وأما تحديد الزمن الذي خلقوا فيه فلم يرد في الكتاب والسنة ما يفيد ذلك إلا أن الله ـ تعالى ـ أخبر بأن خلقهم كان قبل خلق آدم عليه السلام فقد أخبر ـ سبحانه ـ أنه أعلم الملائكة بأنه سيجعل في الأرض خليفة قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} 2.
والمراد بالخليفة آدم عليه السلام وأمرهم بالسجود له حين خلقه {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} 3.
فالملائكة نوع من مخلوقات الله ـ تعالى ـ خلقهم الله من نور وأقدرهم الله على التشكل بأشكال مختلفة فقد أرسل الله جبريل إلى مريم في صورة بشر قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} 4.
وإبراهيم عليه السلام جاءته الملائكة في صورة بشر، ولم يعرف أنهم ملائكة حتى كشفوا له عن حقيقة أمرهم.
قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً
1- صحيح مسلم 4/2294 ومسند الإمام أحمد 6/168.
2-
سورة البقرة آية: 30.
3-
سورة الحجر آية: 29.
4-
سورة مريم آية: 16 ـ 19.
قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} 1.
وفي آية أخرى قال: {فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} 2.
وجاؤوا إلى لوط في صورة شباب حسان الوجوه، وضاق لوط بهم وخشي عليهم من قومه فقد كانوا قوم سوء يفعلون السيئات ويأتون الذكران من العالمين قال تعالى:
{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} 3.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى ـ: "تبدي لهم الملائكة في صورة شباب حسان امتحاناً واختباراً حتى قامت على قوم لوط الحجة وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر"4.
وقد كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبي5 وتارة يأتيه في صورة أعرابي وقد شاهده كثير من الصحابة كما في حديث عمر قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام"؟
وفي الحديث أنه سأله عن الإيمان والإحسان والساعة وأمارتها ثم أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد أن السائل جبريل جاء يعلم الصحابة دينهم6 إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا المعنى والملائكة كثيرون لا يحيط بهم عد ولا يحصيهم من دون الله أحد وهم مجبولون على أعمال الخير فلا يعملون الشر ولا يأمرون به، فلذلك هم لربهم مطيعون، وبعبادته مشتغلون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وقد كلف الله جميع عباده الإيمان
1- سورة الذاريات آية: 24 ـ 28.
2-
سورة هود آية: 70.
3-
سورة هود آية: 77.
4-
البداية والنهاية 1/43.
5-
هذا الصحابي الجليل كان يضرب به المثل في الحسن انظر الإصابة 1/463 رقم 2390.
6-
صحيح مسلم 1/37.
بهم، والتصديق بوجودهم لأن ذلك من جملة عقائد الإيمان التي أمرهم الله بها وفرضها عليهم في محكم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} 2.
وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً} 3.
وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أركان الإيمان الستة وذكر من بينها الإيمان بالملائكة كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهور بحديث جبريل الطويل حيث سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة وجاء في هذا الحديث أن جبريل عليه السلام قال للرسول صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"4.
فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم على سؤال جبريل عن الإيمان ببيان أركانه الستة وأخبر بأن الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان فمن هنا كان وجود الملائكة ثابت بالدليل القطعي الذي لا يمكن أن يتطرق إليه شك ومن هنا كان إنكار وجود الملائكة كفراً بإجماع المسلمين بل بنص كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين فمن كفر بهم أو حاول التشكيك في وجودهم فهو كاذب كافر لا حظ له في الإسلام لتكذيبه لله ـ تعالى ـ ولرسوله وللمؤمنين.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: بعد أن ذكر جملة من الأحاديث الواردة في شأن الملائكة وصفاتهم "وفي هذا وما ورد من القرآن رد على من أنكر وجود الملائكة من الملاحدة"5 ومن هذا يفهم بأن من أنكر وجود الملائكة فهو ملحد زنديق كافر بالله
1- سورة البقرة آية: 177.
2-
سورة البقرة آية: 285.
3-
سورة النساء آية: 136.
4-
صحيح مسلم 1/37.
5-
الفتح: 6/306.
العظيم، فيجب الإيمان بالملائكة على سبيل الإجمال، ويجب الإيمان على سبيل التفصيل، بمن اشتهر باسمه الخاص كهاروت وماروت أو من أضيف إليه عمل معين بأدلة الكتاب والسنة، كجبريل، وميكائيل واسرافيل ورضوان ومالك، فمثل هؤلاء الملائكة لا يكفي الإيمان بهم إجمالاً بل لا بد من الإيمان بهم تفصيلاً.