الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: أنواع الشرك
والشرك الذي هو أعظم ذنب عصي الله به على هذه الأرض ذكر العلماء أنه ثلاثة أنواع.
النوع الأول: الشرك الأكبر.
النوع الثاني: الشرك الأصغر.
النوع الثالث: شرك خفي1.
ولخطورة الشرك على عمل الإنسان المسلم: يتحتم عليه أن يعرف حقيقة هذه الأنواع الثلاثة حتى لا يقع فيها من حيث لا يشعر، وسأتحدث في هذا المبحث عن بيان حقيقة هذه الأنواع باختصار.
تعريف الشرك الأكبر:
لقد اختلفت تعريفات العلماء للشرك الأكبر لفظاً، واتحدت معنى ومدلولاً.
قال العلامة ابن القيم مبيناً حقيقة الشرك الأكبر: "هو أن يتخذ من دون الله ندَّاً يحبه كما يحب الله وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين"2. وقال رحمه الله في تعريف آخر: "هو تشبيه المخلوق بالله وتشبيهه بغيره"3.
1- انظر الرسالة الأولى ضمن مجموعة التوحيد لشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهما من العلماء ص 5.
2-
مدارج السالكين 1/339.
3-
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص159 إغاثة اللهفان 2/226.
وقال المقريزي1رحمه الله تعالى "اعلم أن حقيقة الشرك تشبيه الخالق بالمخلوق وتشبيه المخلوق بالخالق أما الخالق فإن المشرك شبه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية وهي التفرد بملك الضر، والنفع والعطاء، والمنع فمن علَّق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى وسوى بين التراب، ورب الأرباب فأي فجور وذنب أعظم من هذا
…
هذا في جانب التشبيه وأما في جانب التشبه فمن تعاظم، وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه ورجائه ومخافته فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وهو حقيق بأن يهينه الله غاية الهوان ويجعله كالذر تحت أقدام خلقه. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يقول الله عز وجل العظمة والكبرياء ردائي فمن نازعني في واحد منهما عذبته" أ. هـ2 وقال الإمام الذهبي معرفاً للشرك الأكبر: "هو أن يجعل لله نداً ويعبد معه غيره من حجر، أو شجر، أو شمس، أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو نجم، أو ملك، أو غير ذلك وهذا هو الشرك الأكبر" أ. هـ3.
وجاء في تيسير العزيز الحميد: "هو أن يجعل لله ندّاً يدعوه كما يدعو الله ويسأله الشفاعة كما يسأل الله، ويرجوه كما يرجو الله ويحبه كما يحب الله ويخشاه كما يخشى الله، وبالجملة فهو أن يجعل لله نداً يعبده كما يعبد الله"أ. هـ4
والذي يتبين من هذه التعاريف المتقدمة للشرك الأكبر أن معنى الشرك الأكبر هو جعل الإنسان لربه ـ تعالى ـ مثيلاً، أو كفوءاً، أو نظيراً، أو عديلاً، يتوجه إليه بالعبادة كما كان عليه أهل الجاهلية من المشركين مع أصنامهم، وأوثانهم التي اتخذوها من الأحجار والأشجار فصرفوا لها العبادة التي لا يستحقها إلا الله ـ تعالى ـ من دعاء، ونذر وذبح وغير ذلك من أنواع العبادات.
وهذا ما عليه القبوريون حالياً فإنهم يتوجهون إلى الموتى من أهل القبور وينادونهم ويهتفون بهم ويستعينون بهم ويستغيثون، ويقربون لهم القرابين والنذور بصنوف الأموال،
1- هو الإمام بقي الدين أحمد بن علي المقريزي المتوفى سنة أربع وخمسين وثمانمائة هجرية.
2-
تجريد التوحيد ص27 ـ 28 والحديث رواه مسلم بلفظ "العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته" 4/2023.
3-
الكبائر ص 8
4-
تيسير العزيز الحميد ص 27.
ويطلبون منهم الشفاعة، وشفاء المرضى وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله ـ تعالى ـ وتجدهم يشدون إليهم الرحال ويحملون الزاد من البلدان والأقطار البعيدة.
وكما تبين مما تقدم أن من الشرك بالله تشبيهه بخلقه كقولهم: يد الله كيد المخلوق، وعينه كعينه إلى غير ذلك من أباطيل أهل الزيغ الذين يحاولون إخضاع النصوص لأهوائهم، ولا يخضعون أهواءهم لها. وكذلك تشبيه المخلوق بالخالق كما زعم فرعون لقومه أنه ربهم الأعلى وكما فعلت السبئية1 مع علي رضي الله عنه وكما شبه بعض الزائغين من الناس الحاكم العبيدي بأنه إله، وأنه مشرع وأن حكمه خير من حكم الله تعالى2.
أنواع الشرك الأكبر:
لقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن الشرك الأكبر نوعان:
النوع الأول: شرك في الإلهية.
النوع الثاني: شرك في الربوبية.
قال ـ رحمه الله تعالى ـ "إن كان شركاً يكفر به صاحبه وهو نوعان":
شرك في الإلهية، وشرك في الربوبية.
فأما الشرك في الإلهية: فهو أن يجعل لله نداً ـ أي ـ مثلاً في عبادته أو محبته، أو خوفه، أو رجائه، أو إنابته، فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه قال ـ تعالى ـ:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف} 3.
1- هم أتباع عبد الله بن سبأ الضال المضل الذي رام إفساد دين الإسلام بمكره وكيده الأثيم حيث دعا الناس إلى القول بنبوة علي ثم انتقل إلى ما هو أعظم من ذلك فزعم أنه إله وقد وجد بعضهم في زمن علي وقالوا فيه هذا القول فأمر بإحراقهم. انظر في شأن هذه الفرقة المارقة "الفرق بين الفرق" ص333، التبصير في الدين ص71، الملل والنحل 1/174، مقالات الإسلاميين 1/86.
2-
كما يعتقد ذلك طائفة الدروز في الحاكم العبيدي منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز بالله العبيدي الثالث من الخلفاء العبديين المغاربة الذين تغلبوا على مصر فقد ادعى هذا العبيدي الألوهية تأسياً بفرعون، وقتل من العلماء ما لا يحصى وكتب على المساجد والجوامع سب الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وغيرهم من الصحابة، وهذا العبيدي يعظمه الدروز في لبنان والإسماعيلية في الهند. أنظر ترجمته في النجوم الزاهرة 4/176 ـ 206، خطط المقريزي 2/285 ـ 289، وفيات الأعيان 2/126.
3-
سورة الأنفال آية: 38.
وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب لأنهم أشركوا في الإلهية قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لله} 1 وقال تعالى: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 2
…
وأما النوع الثاني: فالشرك في الربوبية فإن الرب سبحانه وتعالى هو المالك المدبر المعطي المانع الضار النافع الخافض الرافع المعز المذل فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو المعز، أو المذل غيره فقد أشرك بربوبيته3.
وقال العلامة ابن القيم: مبيناً نوعي الشرك الأكبر:
الشرك شركان:
النوع الأول: شرك يتعلق بذات المعبود، وأسمائه وصفاته وأفعاله.
النوع الثاني: شرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه ـ سبحانه ـ لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله ثم إن القسم الأول نوعان:
أحدهما: شرك التعطيل وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون إذ قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} 4 وقال تعالى مخبراً عنه أنه قال لهامان: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبَاً} 5 والشرك والتعطيل متلازمان فكل مشرك معطل، وكل معطل مشرك، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقراً بالخالق ـ سبحانه ـ وصفاته ولكنه عطل حق التوحيد وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل وهو ثلاثة أقسام:
الأول: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه.
الثاني: تعطيل الصانع ـ سبحانه ـ عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وأوصافه وأفعاله.
1- سورة البقرة آية: 165.
2-
سورة ص آية: 5.
3-
مجموع الفتاوى 1/91 ـ 92.
4-
سورة الشعراء آية: 23.
5-
سورة غافر آية: 36 ـ 37.
الثالث: تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد، ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون: ما ثم خالق ومخلوق ولا هاهنا شيئان، بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه. ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته، وأنه لم يكن معدوماً أصلاً، بل لم يزل ولا يزال والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها بالعقول والنفوس. ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه، وأفعاله من غلاة الجهمية والقرامطة فلم يثبتوا له اسماً ولا صفة بل جعلوا المخلوق أكمل منه، إذ كمال الذات بأسمائها وصفتها.
النوع الثاني: شرك من جعل مع الله إلهاً آخر ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، فجعلوا المسيح إلهاً وأمه إلهاً.
ومن هذا شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة.
ومن هذا شرك القدرية القائلين بأن الحيوان هو الذي يخلق أفعال نفسه وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته ولهذا كانوا أشباه المجوس.
ومن هذا شرك الذي حاج إبراهيم في ربه: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} 1.
فهذا جعل نفسه نداً لله يحيي ويميت بزعمه كما يحيي الله ويميت فألزمه إبراهيم أن طرد قولك أن تقدر على الإتيان بالشمس من غير الجهة التي يأتي بها الله منها، وليس هذا انتقالاً كما زعم بعض أهل الجدل، بل إلزاماً على طرد الدليل إن كان حقاً.
ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات ويجعلها أرباباً مدبرة لأمر هذا العالم كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم.
ومن هذا شرك عباد الشمس أ. هـ2.
1- سورة البقرة آية: 258.
2-
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص152 ـ 154.
وأما القسم الثاني:
وهو ما يتعلق بمعاملته ـ سبحانه ـ فهو أربعة أنواع1.
النوع الأول: شرك الدعوة وقد أشار إليه ـ سبحانه ـ بقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 2.
قال العلامة ابن جرير يقول تعالى ذكره: "فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه {دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} يقول: أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم التوحيد وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودية، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم ولكن بالله الذي خلقهم {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه وسلمهم، فصاروا إلى البر إذا هم يجعلون مع الله شريكاً في عبادتهم ويدعون الإلهة والأوثان معه أرباباً.
قال قتادة {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} فالخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك أ. هـ3.
ومن تفسير ابن جرير للآية السابقة يتبين لنا أن شرك المشركين السابقين كان أخف من شرك المتأخرين إذا أولئك كان شركهم مقصوراً في حالة الرخاء أما في الشدة فكانوا يخلصون الدعاء لله وحده لا شريك له أما مشركو زماننا فإنهم ينادون ويستغيثون بغير الله في الشدة والرخاء على حد سواء قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ـ "فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:
أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة، فيخلصون لله الدعاء كما قال ـ تعالى ـ {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَاّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُوراً} 4
…
1- انظر الرسالة الأولى من "مجموعة التوحيد لشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهما ص6 ـ 7".
2-
سورة العنكبوت آية: 65.
3-
جامع البيان 21/13.
4-
سورة الإسراء آية: 67.
إلى أن قال: فمن هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون الله ـ تعالى ـ ويدعون غيره في الرخاء وأما في الضراء والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وينسون ساداتهم، تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً جيداً راسخاً؟ والله المستعان.
الأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة، أو يدعون أحجاراً أو أشجاراً مطيعة لله ليست عاصية وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك والذي يعتقد في الصالح، أو الذي لا يعصي ـ مثل الخشب والحجر ـ أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به" أ. هـ1.
النوع الثاني: شرك المحبة كما ذكر الله عن بعض الناس بقوله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ} 2.
قال العلامة ابن القيم: "فأخبر أن من أحب من دون الله شيئاً كما يحب الله ـ تعالى ـ فهو ممن اتخذ من دون الله أنداداً فهذا نداً في المحبة لا في الخلق والربوبية، فإن أحداً من أهل الأرض لم يثبت هذا الند في الربوبية بخلاف ند المحبة فإن أكثر أهل الأرض قد اتخذوا من دون الله أنداداً في الحب والتعظيم ثم قال:{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ} وفي تقدير الآية قولان:
أحدهما: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ} من أصحاب الأنداد لأندادهم وآلهتهم التي يحبونها ويعظمونها من دون الله.
الثاني: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ} من محبة المشركين بالأنداد لله فإن محبة المؤمنين خالصة، ومحبة أصحاب الأنداد قد ذهبت أندادهم بقسط منها، والمحبة الخالصة أشد من المشتركة، والقولان على القولين في قوله ـ تعالى ـ:{يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} 3 فإن فيها قولين:
1- كشف الشبهات ص227 ضمن مجموعة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
2-
سورة البقرة آية: 165.
3-
سورة آية: 165.
أحدهما: يحبونهم كما يحبون الله فيكون قد أثبت لهم محبة الله ولكنها محبة يشركون فيها مع الله أنداداً.
والثاني: أن المعنى يحبون أندادهم كما يحب المؤمنون الله، ثم بين أن محبة المؤمنين لله أشد من محبة أصحاب الأنداد لأندادهم، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرجح القول الأول، ويقول:"إنما ذموا بأن أشركوا بين الله وبين أندادهم في المحبة ولم يخلصوها لله كمحبة المؤمنين له" أ. هـ1.
النوع الثالث: شرك الطاعة المذكور في قوله ـ تعالى ـ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله} 2.
وفي الحديث عن عدي بن حاتم حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله} قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم؟ فقال: "بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم"3.
قال حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وغيرهما في تفسيرها: إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا.
قال ابن القيم: "وهذا من أعظم تلاعب الشيطان بالإنسان: أن يقتل أو يقاتل من هداه على يديه، ويتخذ من لم تضمن له عصمته نداً لله يحرم عليه ويحلل له" أ. هـ4.
النوع الرابع: شرك النية والإرادة والقصد المشار إليه بقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 5.
وقال العلامة ابن القيم: وأما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقل من ينجو منه فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئاً غير التقرب إليه، وطلب
1- مدارج السالكين 3/20 ـ 21.
2-
سورة التوبة آية: 31.
3-
رواه ابن جرير في تفسيره جامع البيان 10/114، سنن الترمذي 4/342، وانظر تفسير ابن كثير 3/385.
4-
إغاثة اللهفان 2/319.
5-
سورة هود آية: 15 ـ 16.
الجزاء منه، فقد أشرك في نيته وإرادته والإخلاص: أن يخلص لله في أقواله وأفعاله وإرادته ونيته، وهذه هي الحنفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم ولا يقبل من أحد غيرها وهي حقيقة الإسلام {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1.
وهي ملة إبراهيم ومن رغب عنها فهو من أسفه السفهاء. أ. هـ2.
تعريف الشرك الأصغر:
الشرك الأصغر هو النوع الثاني من أنواع الشرك وقد أوضح تعريفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء"3.
وعند الحاكم من حديث أوس عن أبيه قال: "كنا نعد على عهد رسول الله أن الرياء الشرك الأصغر"4.
والرياء الذي يعتبر شركاً إنما هو يسيره وليس بكثيره إذ الكثير منه قد يصل بصاحبه إلى الشرك الأكبر وهذا لا يصدر إلا من المنافقين الذين توعدهم الله بالدرك الأسفل من النار أو ممن لم تخالط بشاشة الإيمان قلبه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في حده للشرك الأصغر "وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتصنع للخلق والحلف بغير الله ـ تعالى ـ وقول الر جل ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك وأنا بالله وبك ومالي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك ولولا أنت لم يكن كذا، وقد يكون شركاً أكبر بحسب قائله ومقصده"5.
قال في تيسير العزيز الحميد ففسر الشرك الأصغر باليسير من الرياء فدل على أن
1- سورة آل عمران آية: 85.
2-
الجواب الكافي ص159.
3-
مجمع الزوائد 10/22 من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة.
4-
المستدرك 4/329 وصححه وأقره على ذلك الذهبي.
5-
مدارج السالكين 1/344.
كثيره أكبر، وضد الشرك الأكبر والأصغر التوحيد والإخلاص وهو إفراد الله ـ تعالى ـ بالعبادة باطناً وظاهراً. أ. هـ1.
الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر:
أما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر فمن وجوه:
أولاً: أن الشرك الأكبر لا يغفر الله لصاحبه، وأما الأصغر فتحت المشيئة.
الثاني: أن الشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال، وأما الأصغر فلا يحبط إلا العمل الذي قارنه.
الثالث: أن الشرك الأكبر مخرج لصاحبه من ملة الإسلام، وأما الأصغر فلا يخرجه منها.
الرابع: أن الشرك الأكبر صاحبه خالد في النار، وأما الأصغر فكغيره من الذنوب، وقيل:"إنه لا يغفر لصاحبه إلا بالتوبة كالأكبر وهذا هو الصواب"2.
تعريف الشرك الخفي:
الشرك الخفي هو النوع الثالث من أنواع الشرك وقد بين حقيقته المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى قال: الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل"3.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قوله: "فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل" فسر الشرك الخفي بهذا أن يعمل الرجل العمل لله، لكن يزيد فيه صفة كتحسينه وتطويله ونحو ذلك لما يرى من نظر رجل فهذا هو الشرك الخفي، وهو الرياء، والحامل له على ذلك هو حب الرياسة والجاه عند الناس" أ. هـ4.
وقال صلى الله عليه وسلم: "الشرك الخفي أن يعمل الرجل لمكان الرجل"5.
1- تيسير العزيز الحميد ص472.
2-
الكواشف الجلية ص267.
3-
رواه أحمد في المسند 3/30 وابن ماجة في السنن 2/1406.
4-
تيسير العزيز الحميد ص472.
5-
رواه الحاكم في المستدرك وصححه وأقره على ذلك الذهبي من حديث أبي سعيد الخدري 4/329.
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لقوله ـ تعالى ـ {فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي ويقول لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة ولولا البط في الدار لأتى اللصوص وقول الرجل لصاحبه لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلاناً هذا كله به شرك"1.
قال: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ـ.
وأما الشرك الخفي فهو الذي لا يكاد أحد يسلم منه مثل أن يحب الرجل مع الله غيره فإن كانت محبته لله مثل حب النبيين والصالحين والأعمال الصالحة فليست من هذا الباب لأن هذه تدل على حقيقة المحبة لأن حقيقة المحبة أن يحب المحبوب وما أحبه، ويكره ما يكرهه، ومن صحت محبته.
امتنعت مخالفته لأن المخالفة إنما تقع لنقص المتابعة ويدل على نقص المحبة قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} 2 الآية فليس الكلام في هذا إنما الكلام في محبة تتعلق بالنفوس بغير الله ـ تعالى ـ فهذا لا شك أنه نقص في توحيد المحبة لله وهو دليل على نقض محبة الله ـ تعالى ـ إذ لو كملت محبته لم يحب سواه.... وكذا الخوف والرجاء، وما أشبه ذلك فإن كمل خوف العبد من ربه لم يخف شيئاً سواه
…
وإذا نقص خوفه خاف من المخلوق وعلى قدر نقص الخوف وزيادته يكون الخوف
…
وكذا الرجاء وغيره فهذا هو الشرك الخفي الذي لا يكاد أحد أن يسلم منه إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ3.
فشيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ يبين خطورة الشرك الخفي الذي لا ينجو منه إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ ولذلك خافه صلى الله عليه وسلم على الصحابة الذين هم أبر الأمة أعمالاً وأقواها إيماناً وأصحها إسلاماً، وأحسنها أخلاقاً وأصدقها أقوالاً كما تقدم من حديث أبي
1- تفسير ابن كثير 1/101.
2-
سورة آل عمران آية: 31.
3-
مجموع الفتاوى 1/93 ـ 94.
سعيد الخدري رضي الله عنه قال صاحب تيسير العزيز الحميد1 قال الطيبي2 مبيناً ضرر الشرك الخفي على الإنسان: "وهو من أضر غوائل النفس، وبواطن مكائدها، يبتلى به العلماء والعباد والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات، وصانوها عن الشبهات، عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة، الواقعة على الجوارح، فطلبت الاستراحة إلى الظاهر بالخير، وإظهار العلم والعمل فوجدت مخلصاً من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ولم تقتنع باطلاع الخالق تبارك وتعالى: وفرحت بحمد الناس، ولم تقنع بحمد الله وحده فأحببت مدحهم وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل فأصابت النفس في ذلك أعظم اللذات، وأعظم الشهوات وهو يظن أن حياته بالله ـ تعالى ـ وبعبادته، وإنما حياته هذه الشهوة الخفية التي تعمى عن دركها العقول النافذة، قد أثبت اسمه عند الله من المنافقين وهو يظن أنه عند الله من عباده المقربين وهذه مكيدة للنفس لا يسلم منها إلا الصديقون، ولذلك قيل آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرياسة"أ. هـ3.
وباستطاعة الإنسان أن يتخلص من هذا الشرك الخفي بأمرين اثنين:
الأول: الإخلاص بأن يكون عمله خالصاً لوجه الله ـ تعالى ـ.
الثاني: أن يكون العمل موافقاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
كفارة الشرك الخفي:
على الرغم من خطورة الشرك الخفي كما عرفنا ذلك مما تقدم وأنه صلى الله عليه وسلم خافه على سادة هذه الأمة وهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وأن لا يسلم منه إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ.
1- هو الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى ـ.
2-
هو الحسين بن محمد بن عبد الله شرف الدين الطيبي. من علماء الحديث والتفسير والبيان كان ذا ثروة طائلة من الإرث والتجارة فأنفقها في وجوه الخير حتى افتقر في آخر عمره، كان شديد الرد على أهل البدع، وكان ملازماً لتعليم طلبة العلم له مؤلفات في البلاغة والتفسير، والحديث. أنظر ترجمته في الدرر الكامنة 2/68 ـ 69، كشف الظنون 1/720، شذرات الذهب 6/137 ـ 138، بغية الوعاة 1/522، البدر الطالع للشوكاني 1/229.
3-
انظر تيسير العزيز الحميد ص473.
إلا أنه صلى الله عليه وسلم علمنا دعاءاً ندعو الله به يكون كفارة لما يحصل للإنسان من هذا الداء العضال.
روى الإمام أحمد بإسناده إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه خطب الناس يوماً ـ فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقام إليه عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا: والله لتخرجن مما قلت أو لنأتين عمر مأذون لنا أو غير مأذون قال: بل أخرج مما قلت خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: أيها الناس اتقوا هذه الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل" فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال قولوا: "اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم" 1.
فهذا الحديث بين لنا فيه صلى الله عليه وسلم كفارة الشرك الخفي، نسأل الله أن يجنبنا الوقوع في الأمور التي تغضبه ـ سبحانه ـ وقد اختار أكثر العلماء الذين ألفوا في التوحيد أن الشرك ينقسم إلى نوعين أكبر وأصغر، فيكون الشرك الخفي من أنواع الشرك الأصغر على قول من قال: إن الشرك على نوعين وهذا الخلاف في التقسيم إلى نوعين وإلى ثلاثة إنما هو خلاف لفظي لأن ما يفسر به الشرك الخفي هو ما يفسر به الشرك الأصغر وحيث ذكرنا أنواع الشرك فإنه من المستحسن أن نردف ذلك بذكر أنواع الكفر وأنواع النفاق لأنها كلها من الأمور المهلكة لم شرح صدره بها.
أنواع الكفر:
قال العلامة ابن القيم: "فأما الكفر فنوعان: كفر أكبر وكفر أصغر، فالكفر الأكبر هو الموجب للخلود في النار والأصغر موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود"2.
أنواع الكفر الأكبر:
الكفر الأكبر خمسة أنواع:
النوع الأول: كفر التكذيب وهو اعتقاد كذب الرسل وهذا القسم قليل في الكفار فإن
1- 4/403.
2-
مدارج السالكين 1/335.
الله ـ تعالى ـ أيد رسله، وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة وأزال به المعذرة.
قال تعالى في شأن فرعون وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} 1 وقال ـ تعالى ـ مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ} 2.
النوع الثاني:
كفر إباء واستكبار مثل كفر إبليس اللعين ومنه كفر من عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينقد له إباءاً واستكباراً وهو الغالب على كفر أعداء الرسل كما قال ـ تعالى ـ عن فرعون وقومه {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} 3.
ومنه كفر أبي طالب فإنه صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يشك في صدقه ولكن أخذته الحمية، وكره أن يرغب عن ملة آبائه، أو أن يحكم بتكفيرهم.
النوع الثالث:
كفر الإعراض: مثل أن يعرض عن الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا يسمعه ولا يصدقه ولا يكذبه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي صلى الله عليه وسلم:"والله أقول لك كلمة: إن كنت صادقاً فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك وإن كنت كاذباً فأنت أحقر من أن أكلمك"4.
النوع الرابع:
كفر الشك: حيث لا يجزم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه بل يشك في أمره، وهذا لا
1- سورة النمل آية: 14.
2-
سورة الأنعام آية: 33.
3-
سورة المؤمنون آية: 47.
4-
علق على هذا النوع الشيخ محمد حامد الفقي فقال "وهو كفر الملحدين اليوم من المتسمين بأسماء إسلامية المقلدين للإفرنج من اليهود والنصارى المنحلين عن كل خلق وفضيلة زاعمين بجاهليتهم وسفهم أن هذا هو سبيل الرقي والمدنيَّة" مدارج السالكين 1/338 "الهامش".
يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جملة، وأما مع التفاته إليها ونظره فيها فإنه لا يبقى معه شك لأنها مستلزمة للصدق.
النوع الخامس:
كفر النفاق وهو أن يظهر الإيمان بلسانه وينطوي قلبه على تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو النفاق الأكبر1.
الكفر الأصغر:
النوع الثاني من أنواع الكفر الكفر الأصغر، وهو لا يخرج من ملة الإسلام وذلك مثل كفر النعمة وقد ذكره الله ـ تعالى ـ في قوله:{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} 2.
ومنه الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب، والنياحة"3.
فمثل هذا كفر دون كفر لا يخرج من ملة الإسلام.
أنواع النفاق:
جاء في الصحاح: "النافقاء إحدى حجرة اليربوع يكتمها ويظهر غيرها وهو موضع يرققه، فإذا أتي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فانتفق أي: خرج والنفقة أيضاً: مثال الهمزة النافقاء تقول منه: نفق اليربوع تنفيقاً ونافق أي أخذ في نافقائه، ومنه اشتقاق المنافق في الدين"4.
وجاء في المصباح المنير: "نافق اليربوع إذا أتى النافقاء ومنه قيل: نافق الرجل إذا
1- ذكر هذه الأنواع العلامة ابن القيم في مدارج السالكين 1/335 ـ 336 وانظر "مجموعة التوحيد لشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهما ص7 ـ 8".
2-
سورة النحل آية: 112.
3-
صحيح مسلم 1/82.
4-
4/1560، القاموس المحيط 3/296.
أظهر الإسلام لأهله وأضمر غير الإسلام وأتاه مع أهله فقد خرج منه بذلك ومحل النفاق القلب"1.
وفي اللسان عن أبي عبيد قال "سمي المنافق منافقاً للنفق وهو السرب في الأرض وقيل: إنما سمي منافقاً لأنه نافق كاليربوع وهو دخوله نافقاءه يقال: قد نفق به، ونافق وله جحر آخر يقال له القاصعاء، فإذا طلب قصع فخرج من القاصعاء، فهو يدخل في النافقاء ويخرج من القاصعاء أو يدخل في القاصعاء ويخرج من النافقاء، فيقال هكذا يفعل المنافق يدخل في الإسلام ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه"2.
ومن هذا يتبين أن النفاق في اللغة: "إظهار الخير وإبطال الشر وأما حقيقته في الشرع: فهو إظهار الإيمان وإبطان الكفر وإخفاؤه"3. والمتصفون بذلك موجودون في كل زمان ومكان.
والنفاق على ضربين:
الضرب الأول: النفاق الإعتقادي.
الضرب الثاني: نفاق عملي.
أما الضرب الأول: وهو النفاق الإعتقادي فإنه مخرج لصاحبه من الملة وفيه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والنفاق منه ما هو أكبر يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار كنفاق عبد الله بن أبي وغيره بأن يظهر تكذيب الرسول أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب إتباعه أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه ونحو ذلك مما لا يمكن صاحبه إلا أن يكون عدواً لله ورسوله"4 وجاء في مجموعة التوحيد:
"فأما الاعتقادي فهو ستة أنواع: تكذيب الرسول، أو تكذيب بعض ما جاء به أو بغض الرسول، أو بغض ما جاء به الرسول، أو المسرة بانخفاض دين الرسول أو الكراهية بانتصار دين الرسول"5.
1- 2/618.
2-
10/359.
3-
انظر النهاية في غريب الحديث والأثر 5/98.
4-
مجموع الفتاوى 28/434.
5-
الرسالة الأولى من مجموعة التوحيد لشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهما ص9.
وأما الضرب الثاني: وهو النفاق العملي فهو جريمة كبرى، وإثم عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب، ولكنه لا يخرج صاحبه من ملة الإسلام. وأنواعه كثيرة1.
قال صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
وفي رواية أخرى: وإذا وعد أخلف" 2.
ذلك هو حقيقة الشرك وأنواعه وأنواع الكفر والنفاق وكل هذه الأمور تكسب صاحبها الانحطاط والهبوط متى ما شرح بها صدره واطمأنت بها نفسه أعاذنا الله من ذلك....
1- انظر أنواع النفاق في مدارج السالكين لابن القيم 1/347، وانظر الرسالة الأولى من مجموعة التوحيد لشيخ الإسلام، والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهما ص9.
2-
رواه البخاري ومسلم. صحيح البخاري 1/15 صحيح مسلم 1/106.