المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم - مباحث العقيدة في سورة الزمر

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: دلالة السورة على الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني: إثبات صفة العلو والفوقية

- ‌المبحث الثالث: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق

- ‌المبحث الرابع: إثبات صفة العزة

- ‌المبحث الخامس: إثبات صفة الحكمة

- ‌المبحث السادس: تنزيه الله تعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث السابع: إثبات صفتي الوحدانية والقهر

- ‌المبحث الثامن: إثبات صفتي الرحمة والمغفرة

- ‌المبحث التاسع: إثبات صفة الغنى لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: إثبات صفة الرضا

- ‌المبحث الحادي عشر: إثبات صفة العلم

- ‌المبحث الثاني عشر: بيان معنى اسمه تعالى "الوكيل

- ‌المبحث الثالث عشر: إثبات صفة اليدين

- ‌الفصل الثاني: دلالات السورة على توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد العبادة

- ‌المبحث الثاني: وجوب إفراد الله تعالى بتوحيد العبادة

- ‌المبحث الثالث: أهمية الإخلاص في توحيد العبادة

- ‌المبحث الرابع: عبودية الدعاء

- ‌المبحث الخامس: عبودية الخوف

- ‌المبحث السادس: عبودية الرجاء

- ‌المبحث السابع: انقسام العبودية إلى عامة وخاصة

- ‌المبحث الثامن: الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل

- ‌المبحث التاسع: بيان الطاغوت الذي أوجب الله على عباده أن يجتنبوه

- ‌المبحث العاشر: عبودية الإنابة

- ‌المبحث الحادي عشر: عبودية التوكل

- ‌المبحث الثاني عشر: الشفاعة نوعان: منفية ومثبتة

- ‌المبحث الثالث عشر: الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: دلائل توحيد الربوبية من السورة

- ‌المبحث الثالث: إقرار المشركين الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوجود الله

- ‌المبحث الرابع: الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الرابع: ما جاء في السورة بشأن الشرك

- ‌المبحث الأول: تعريف الشرك في اللغة والإصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌المبحث الثالث: أصل الشرك في بني الإنسان

- ‌المبحث الرابع: ذم الإنسان على جعله أنداداً لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المشرك والموحد

- ‌المبحث السادس: التحذير من الشرك وبيان أنه محبط للعمل

- ‌الباب الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة والكتب، والرسل والقدر وفيه

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة

- ‌المبحث الأول: تعريف الملائكة، ومن أي شيء خلقوا

- ‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم

- ‌الفصل الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الأول: كيفية الإيمان بالكتب السابقة

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالأنبياء والرسل

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول والفرق بينهما

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالأنبياء السابقين

- ‌المبحث الثالث: كيفية الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: ما يجب للرسل، وما يجوز عليهم

- ‌المبحث الخامس: موضوع الرسالات السماوية

- ‌الفصل الرابع: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القضاء والقدر ومعنى الإيمان به

- ‌المبحث الثاني: بيان المبتدعة الذين نازعوا في القدر والرد عليهم

- ‌المبحث الثالث: مراتب القدر

- ‌المبحث الرابع: ما يتعلق بالهداية والضلال

- ‌الباب الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان باليوم الآخر

- ‌الفصل الأول: مباحث في اليوم الآخر قبل دخول الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: النفخ في الصور

- ‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

- ‌المبحث الثالث: عناية القرآن بإثبات البعث

- ‌المبحث الرابع: أرض المحشر

- ‌المبحث الخامس: كتاب الأعمال

- ‌المبحث السادس: جزاء الأعمال يوم القيامة

- ‌الفصل الثاني: النار دار الكافرين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل النار النار

- ‌المبحث الثاني: أبواب جهنم

- ‌المبحث الثالث: خزنة جهنم

- ‌المبحث الرابع: إحاطة النار بأهلها وشدة عذابها

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل النار

- ‌المبحث السادس: أبدية النار ودوام عذابها

- ‌الفصل الثالث: الجنة دار المتقين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة

- ‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

- ‌المبحث الثالث: خزنة الجنة

- ‌المبحث الرابع: أرض الجنة

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة

- ‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها

- ‌المبحث السابع: أبدية الجنة ودوام نعيمها

- ‌المبحث الثامن: وجوب الإيمان بالعرش، وهو سقف الجنة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم

‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم

لقد دلت سورة "الزمر" على أن لله ملائكة أسند إليهم القيام بمهام الجنة والنار كما ورد فيها أن بعض الملائكة محدقون بعرش الرحمن ـ جل وعلا ـ.

قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .

وقال تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

فهذه الآيات الأربع من السورة دلت على وجود الملائكة وأن منهم من أوكل الله إليه القيام على أمور الجنة والنار فمن المهام التي أسندت إليهم تجاه جهنم أن الكفار عندما يحشرون تسوقهم الملائكة إليها أفواجاً متفرقة فوجاً بعد فوج فعند ذلك تفتح لهم أبواب جهنم فتتلقاهم الملائكة خزنة النار يوبخونهم ويبكتونهم ويسألونهم أما جاءكم في الدنيا رسل من جنسكم؟ يقرؤون عليكم ما أنزل من الآيات البينات والحجج الواضحات ويخوفونكم هول هذا اليوم الذي ترديتم فيه؟ فيعترفون بأن الرسل بلغوهم آيات ربهم فكذبوهم فلم يصدقوهم فحقت عليهم كلمة العذاب التي توعد الله بها الكافرين فإذا سمع الملائكة منهم هذه الإجابة سارعوا في الرد عليهم بقولهم {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} .

ص: 440

إنكم فيها إلى الأبد لا تخرجون منها ولا تنفصلون عنها فبئس المقام الذي تبوأتموه جزاء تكبركم وتكذيبكم برسل الله وآياته ولقائه وأما مهامهم في الجنة فإنه عندما يحشر الذين اتقوا ربهم بأداء الفرائض واجتناب المعاصي فأخلصوا الدين لله وحده لا شريك له فإن الملائكة الموكلين بالجنة يحتفون بهم ويرحبون بلقائهم ويحيونهم بأطيب تحية ويذكرونهم بأطيب صفاتهم {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .

وأما الآية الأخيرة من الآيات الأربع السابقة وهي آخر آية من السورة فهي تبين مشهداً عظيماً لعباد الله المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهذا المشهد هو أنهم محدقون بعرش الرحمن ينزهونه عما نسبه إليه المشركون وعما لم ينسبوه من صفات النقص، وليست هذه أعمالهم فحسب بل لهم أعمال أخرى كثيرة جداً أنيطت بهم ونذكر هنا طرفاً منها إذ يتعذر علينا حصرها هنا.

فجبريل عليه السلام: أوكل الله إليه النزول بالوحي وقد أخبرنا الله تعالى أن جبريل يكاد يختص بهذه المهمة الجليلة قال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} 1.

وجبريل هو الروح الأمين كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} 2 وقد ينزل بالوحي غير جبريل إلا أن هذا ـ قليل جداً ـ.

لما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال:"أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته"3.

ومنهم من أوكل الله إليه القطر والنبات والأرزاق.

قال ابن كثير: "وميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، يصرّفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب

1- سورة البقرة آية: 97.

2-

سورة الشعراء آية: 193 ـ 194.

3-

1/554.

ص: 441

ـ جل جلاله وقد روينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض1 ومنهم من هو موكل بالسحاب ففي سنن الترمذي عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "الرعد ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله".

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب2.

ومنهم من أوكل الله إليه مهمة النفخ في الصور وهو إسرافيل، ومنهم من اختصه الله بقبض أرواح بني آدم عندما تنتهي آجالهم التي قدرها الله لهم قال تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} 3 ولملك الموت أعوان يكونون معه عند قبض أرواح بني آدم.

قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} 4 وتنزع الملائكة أرواح الكفرة والمجرمين نزعاً شديداً عنيفاً بلا رفق ولا هوادة.

قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} 5.

أما المؤمنون فإن الملائكة تنزع أرواحهم نزعاً رفيقاً وتبشرهم عند النزع.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} 6.

1- البداية والنهاية 1/50 مطبعة الفجالة الجديدة.

2-

سنن الترمذي 4/257، وأحمد في مسنده 1/274 وانظر صحيح الجامع الصغير للألباني 3/188.

3-

سورة السجدة آية: 11.

4-

سورة الأنعام آية: 61 ـ 62.

5-

سورة الأنفال آية: 50.

6-

سورة فصلت آية: 30 ـ 31.

ص: 442

ومنهم من أوكل الله إليه حفظ أعمال بني آدم من خير وشر وهم الكرام الكاتبون. قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} 1. ومنهم من أوكل الله إليه الجنة ونعيمها وهم رضوان ومن معه، قال ابن كثير "وخازن الجنة ملك يقال له: رضوان جاء مصرحاً به في بعض الأحاديث" أ. هـ2.

ومنهم من أسند إليه القيام على النار وعذاب أهلها وهم مالك ومن معه فقد أخبر الله ـ تعالى ـ أن أهل النار ينادون مالكاً وهو كبير خزنة أهل النار بقوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} 3.

ومنهم من أوكل الله إليه فتنة القبر وهما منكر ونكير4.

ومنهم حملة العرش قال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 5.

ومنهم الموكل بالنطف في الأرحام وكتابة ما يراد بها.

روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكل الله ـ تعالى ـ بالرحم ملكاً: فيقول: أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقها قال: أي رب ذكر أم أنثى أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه6.

ومنهم ملائكة يدخلون البيت المعمور ويدخله كل يوم سبعون ألفاً ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم7.

ومنهم ملائكة سياحون يتتبعون مجالس الذكر روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله تبارك ـ وتعالى ـ ملائكة يطوفون

1- سورة الانفطار آية: 10 ـ 12.

2-

البداية والنهاية 1/53.

3-

سورة الزخرف آية: 77 ـ 78.

4-

انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان حديث رقم 780 ص197.

5-

سورة الحاقة آية: 17.

6-

صحيح البخاري 4/143 صحيح مسلم 4/2038.

7-

صحيح البخاري 3/211 صحيح مسلم 1/150 كلاهما من حديث أنس.

ص: 443

في الطريق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله ـ تعالى ـ تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال: فيحفوهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا1.

ومنهم الموكل بالجبال فقد أرسل الله ـ تعالى ـ ملك الجبال إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يستأمره في إهلاك أهل مكة فقد جاء في الحديث المتفق على صحته المروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلاب فلم يجبني إلى ما أردت".

فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ـ مكان قرب مكة ـ فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا به عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين2 فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً"3.

ومنهم الموكل بكتابة الناس يوم الجمعة يكتب الأول فالأول، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر"4.

"ومنهم المعقبات وهم الذين أوكل الله إليهم حفظ العبد فيحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله".

وقد بين حبر الأمة عبد الله بن عباس أن المعقبات من الله هم الملائكة جعلهم الله

1- صحيح البخاري 4/114 صحيح مسلم 4/2069 ـ 2070.

2-

الأخشبان: هما الجبلان المطيفان بمكة أبو قبيس والأحمر وهو جبل مشرف وجهه على قعيقعان. النهاية 2/32.

3-

صحيح البخاري 2/212 صحيح مسلم 3/1420.

4-

صحيح البخاري مع الفتح 2/407.

ص: 444

ليحفظوا الإنسان من أمامه، ومن ورائه، فإذا جاء قدر الله الذي قدر أن يصل إليه خلوا عنه1.

وقال مجاهد: "ما من عبد إلا له ملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما منها شيء يأتيه إلا قال له الملك وراءك إلا شيء أذن الله فيه فيصيبه".

وقال رجل لعلي بن أبي طالب: "إن نفراً من مراد يريدون قتلك فقال ـ أي علي ـ إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، إن الأجل جنة حصينة"2.

والمعقبات المذكورة في آية ـ سورة الرعد ـ هي المقصودة بالآية الأخرى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} 3.

فالحفظة الذين يرسلهم الله يحفظون العبد حتى يأتي أجله المقدر له.

وورد أن الملائكة يؤمنون على قراءة المصلي، قال عليه الصلاة والسلام:"إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"4.

وورد أنهم يدعون لمنتظر الصلاة كما جاء في الصحيحين "أن الملائكة تصلي على الذي يأتي المسجد للصلاة فتقول: اللهم صل عليه اللهم ارحمه ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه"5.

وورد أنهم يلعنون من هجرت فراش زوجها لما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح" 6 وأعمال الملائكة كثيرة جداً فإنهم يقومون على مختلف شؤون هذا الكون مما نشاهده وما لا نشاهده، وإذا تأمل الإنسان

1- جامع البيان عن تأويل آي القرآن 13/117، البداية والنهاية 1/54.

2-

جامع البيان 13/119 وانظر البداية والنهاية 1/54.

3-

سورة الأنعام آية: 61.

4-

صحيح البخاري 3/97، صحيح مسلم 1/307.

5-

صحيح البخاري 2/214، صحيح مسلم 1/459 كلاهما من حديث أبي هريرة.

6-

2/215.

ص: 445

الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في أعمال الملائكة مثل قوله ـ تعالى ـ: {وَالصَّافَّاتِ صَفّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} 1.

ومثل قوله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} 2.

جزم في يقين بأن هذا الكون كله علويه وسفليه، قد أنيط أمر تدبيره إلى الملائكة، وذلك بإذن ربهم تبارك وتعالى قال صلى الله عليه وسلم "أطت السماء وحق لها أن تئط ما من موضع أربع أصابع إلا عليه ملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى"3.

ومما تقدم يتبين بطلان قول الزائغين من الفلاسفة الزنادقة بأن الملائكة قوى معنوية ليس لها حقيقة في الخارج4 بل هم كما أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم مخلوقون من نور وأنهم كما وصفوا في الكتاب والسنة أولوا أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ومن زعم غير ذلك فقد كذب الله ورسوله والمؤمنين

1- سورة الصافات آية: 1 ـ 3.

2-

سورة النازعات آية: 1 ـ 5.

3-

رواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 2/1302 سنن الترمذي 3/381 من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

4-

انظر كتاب النبوات لشيح الإسلام ص172، إغاثة اللهفان 2/216 شرح الطحاوية 333.

ص: 446