المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم - مباحث العقيدة في سورة الزمر

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: دلالة السورة على الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني: إثبات صفة العلو والفوقية

- ‌المبحث الثالث: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق

- ‌المبحث الرابع: إثبات صفة العزة

- ‌المبحث الخامس: إثبات صفة الحكمة

- ‌المبحث السادس: تنزيه الله تعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث السابع: إثبات صفتي الوحدانية والقهر

- ‌المبحث الثامن: إثبات صفتي الرحمة والمغفرة

- ‌المبحث التاسع: إثبات صفة الغنى لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: إثبات صفة الرضا

- ‌المبحث الحادي عشر: إثبات صفة العلم

- ‌المبحث الثاني عشر: بيان معنى اسمه تعالى "الوكيل

- ‌المبحث الثالث عشر: إثبات صفة اليدين

- ‌الفصل الثاني: دلالات السورة على توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد العبادة

- ‌المبحث الثاني: وجوب إفراد الله تعالى بتوحيد العبادة

- ‌المبحث الثالث: أهمية الإخلاص في توحيد العبادة

- ‌المبحث الرابع: عبودية الدعاء

- ‌المبحث الخامس: عبودية الخوف

- ‌المبحث السادس: عبودية الرجاء

- ‌المبحث السابع: انقسام العبودية إلى عامة وخاصة

- ‌المبحث الثامن: الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل

- ‌المبحث التاسع: بيان الطاغوت الذي أوجب الله على عباده أن يجتنبوه

- ‌المبحث العاشر: عبودية الإنابة

- ‌المبحث الحادي عشر: عبودية التوكل

- ‌المبحث الثاني عشر: الشفاعة نوعان: منفية ومثبتة

- ‌المبحث الثالث عشر: الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: دلائل توحيد الربوبية من السورة

- ‌المبحث الثالث: إقرار المشركين الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوجود الله

- ‌المبحث الرابع: الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الرابع: ما جاء في السورة بشأن الشرك

- ‌المبحث الأول: تعريف الشرك في اللغة والإصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌المبحث الثالث: أصل الشرك في بني الإنسان

- ‌المبحث الرابع: ذم الإنسان على جعله أنداداً لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المشرك والموحد

- ‌المبحث السادس: التحذير من الشرك وبيان أنه محبط للعمل

- ‌الباب الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة والكتب، والرسل والقدر وفيه

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة

- ‌المبحث الأول: تعريف الملائكة، ومن أي شيء خلقوا

- ‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم

- ‌الفصل الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الأول: كيفية الإيمان بالكتب السابقة

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالأنبياء والرسل

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول والفرق بينهما

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالأنبياء السابقين

- ‌المبحث الثالث: كيفية الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: ما يجب للرسل، وما يجوز عليهم

- ‌المبحث الخامس: موضوع الرسالات السماوية

- ‌الفصل الرابع: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القضاء والقدر ومعنى الإيمان به

- ‌المبحث الثاني: بيان المبتدعة الذين نازعوا في القدر والرد عليهم

- ‌المبحث الثالث: مراتب القدر

- ‌المبحث الرابع: ما يتعلق بالهداية والضلال

- ‌الباب الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان باليوم الآخر

- ‌الفصل الأول: مباحث في اليوم الآخر قبل دخول الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: النفخ في الصور

- ‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

- ‌المبحث الثالث: عناية القرآن بإثبات البعث

- ‌المبحث الرابع: أرض المحشر

- ‌المبحث الخامس: كتاب الأعمال

- ‌المبحث السادس: جزاء الأعمال يوم القيامة

- ‌الفصل الثاني: النار دار الكافرين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل النار النار

- ‌المبحث الثاني: أبواب جهنم

- ‌المبحث الثالث: خزنة جهنم

- ‌المبحث الرابع: إحاطة النار بأهلها وشدة عذابها

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل النار

- ‌المبحث السادس: أبدية النار ودوام عذابها

- ‌الفصل الثالث: الجنة دار المتقين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة

- ‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

- ‌المبحث الثالث: خزنة الجنة

- ‌المبحث الرابع: أرض الجنة

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة

- ‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها

- ‌المبحث السابع: أبدية الجنة ودوام نعيمها

- ‌المبحث الثامن: وجوب الإيمان بالعرش، وهو سقف الجنة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

المبحث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

قبل أن نذكر ما جاء في سورة "الزمر" من الدلالة على بعث الموتى من قبورهم، وأن البعث يكون لهذا الجسد بعينه نذكر تعريف البعث في اللغة والشرع.

أما تعريف البعث في اللغة: فإنه يختلف بحسب ما علق به فالبعث يطلق ويراد به المعاني الآتية:

1 ـ الإرسال: يقال بعثت فلاناً، أو ابتعثه أي: أرسله.

2 ـ البعث من النوم: يقال بعثه من منامه إذا أيقظه.

3 ـ الإثارة: وهو أصل البعث ومنه قيل للناقة بعثتها إذا

أثرتها وكانت قبل باركة"1.

وجاء في القاموس: "بعثه كمنعه أرسله كابتعثه فانبعث والناقة أثارها، وفلاناً من منامه أهبه

وتبعث مني الشعر انبعث كأنه سال"2.

وجاء في تهذيب اللغة: "قال الليث: بعثت البعير إذا فانبعث إذا حللت عقاله وأرسلته لو كان باركاً فأثرته، والبعث في كلام العرب على وجهين:

أحدهما: الإرسال كقوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى} 3 معناه: أرسلناه.

1- الصحاح للجوهري 1/273، لسان العرب 2/116 ـ 118.

2-

القاموس 1/168.

3-

سورة الأعراف آية: 103.

ص: 566

الثاني: والبعث أيضاً: الإحياء من الله للموتى ومنه قوله ـ جل وعلا ـ {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} 1 أي: أحييناكم2.

وأما تعريف البعث في الشرع:

فيراد به إحياء الله ـ تعالى ـ الأموات وإخراجهم من قبورهم، وهم أحياء للحساب وللجزاء كما ذكر الله ـ تعالى ـ:{خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} 3 وقال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} 4.

وقال العلامة ابن كثير: "البعث وهو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة"5.

وقال أبو هلال6 العسكري: "بعث الخلق اسم لإخراجهم من قبورهم إلى الموقف ومنه قوله ـ تعالى ـ: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} 7.

وجاء في لوامع الأنوار: "أما البعث فالمراد به المعاد الجسماني فإنه المتبادر عند الإطلاق إذ هو الذي يجب اعتقاده يكفر منكره"8.

والحاصل أن البعث: هو أن يعيد الله ـ تعالى ـ الإنسان بروحه وجسده كما كان في الحياة الدنيا، وهذا كائن عندما تتعلق إرادة ـ الرب جل وعلا ـ بذلك فيخرج الخلق جميعهم من قبورهم، وهم حفاة عراة غرل بُهم. ويساقون إلى أرض الموقف لينال كل إنسان ما يستحقه من الجزاء العادل وفق ما عمل في حياته الدنيا.

1- سورة البقرة آية: 56.

2-

تهذيب اللغة 2/334 ـ 335، المفردات في غريب القرآن ص52 ـ 53.

3-

سورة القمر آية: 7.

4-

سورة المعارج آية: 43.

5-

تفسير ابن كثير 4/614.

6-

هو: الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري أبو هلال من علماء الأدب، توفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة هجرية، انظر ترجمته في "خزانة الأدب" للبغدادي 1/112، معجم البلدان 5/124 الأعلام 2/211 ـ 212.

7-

كتاب الفروق ص284 والآية رقم 52 من سورة يس.

8-

2/157.

ص: 567

وعند المقارنة بين المعنى الشرعي لكلمة "البعث" والمعنى اللغوي نجد ترابطاً وثيقاً إذ من معاني "البعث" في اللغة التحريك والإثارة لما كان ساكناً قبل ذلك، وكذلك الإرسال كما في قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ} 1.

فالمعنى الشرعي: هو أن يرسل الله ـ تعالى ـ الحياة إلى الأموات ويثيرها من جديد لتتمكن من المراد منها وهو الإسراع من الأجداث إلى موقف الحساب. وقد دلت سورة "الزمر" على من أن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان ببعث هذه الأجساد الدنيوية وإعادتها بعينها روحاً وجسداً قال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} .

قال القرطبي: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} أي فإذا الأموات من أهل الأرض والسماء أحياء بعثوا من قبورهم، وأعيدت إليهم أبدانهم وأرواحهم فقاموا ينظرون ماذا يؤمرون. وقيل: قيامٌ على أرجلهم ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به، وقيل النظر بمعنى الإنتظار أي: ينتظرون ما يفعل بهم أ. هـ2.

وقال العلامة ابن جرير: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} يقول: فإذا من صعق عند النفخة التي قبلها وغيرهم من جميع خلق الله الذين كانوا أمواتاً قبل ذلك قيام من قبورهم وأماكنهم من الأرض أحياء كهيئتهم قبل مماتهم ينظرون أمر الله فيهم. أ. هـ3.

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} يعني: الخلق كلهم قيام على أرجلهم ينظرون ما يقال لهم، أو ينتظرون ذلك أ. هـ4.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: عند قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} أي: قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح، وشخصت أبصارهم" أ. هـ5.

ومن كلام أهل العلم الذي تقدم لبيان معنى قوله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} .

1- سورة النحل آية: 36.

2-

الجامع لأحكام القرآن 15/281، روح المعاني 14/28 ـ 29.

3-

جامع البيان 24/32.

4-

فتح القدير 4/475 ـ 476.

5-

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 8/44.

ص: 568

من سورة الزمر يتبين وجه دلالتها على أن المبعوث هو الأجساد الدنيوية وليست أجساداً أخرى.

وقد اختلف الناس هل المبعوث هو الجسد الأول بعينه أو غيره؟

ذكر شارح المواقف عن الحليمي والغزالي1 والراغب ومعمر من المعتزلة وبعض الإمامية والصوفية أنهم قالوا: "الإنسان بالحقيقة هو النفس الناطقة وهي المكلف والمطيع والعاصي والمثاب والمعاقب والبدن يجري منها مجرى الآلة والنفس الباقية بعد فساد البدن فإذا أراد الله تعالى حشر أجساد الخلائق خلق لكل واحد من الأرواح بدناً تتعلق به الروح وتتصرف فيه كما كان في الدنيا2" وهذا مذهب فاسد كما سنبين قريباً فساده من حيث أنه مخالف للكتاب والسنة في بيانهما صفة الإعادة بعد الموت.

ثانياً: مذهب السلف في صفة الإعادة:

قال شارح الطحاوية: "والقول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال، فتستحيل تراباً، ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما إستحال في النشأة الأولى، فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاماً ولحماً، ثم أنشأه خلقاً سوياً، كذلك الإعادة يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم ومنه يركب 3 ".

فالنشأتان نوعان تحت جنس يتفقان ويتماثلان من وجه، ويفترقان ويتنوعان من وجه، والمعاد هو الأول بعينه، وإن كان بين لوازم البداءة فرق، فعجب الذنب هو الذي يبقى، وأما سائره فيستحيل فيعاد من المادة التي استحال إليها، ومعلوم أن من رأى شخصاً وهو صغير، ثم رآه وقد صار شيخاً علم أن هذا هو ذاك مع أنه دائماً في تحلل وإستحالة، وكذلك سائر الحيوان والنبات فمن رأى شجرة وهي صغيرة ثم رآها كبيرة قال هذه تلك. ثم

1- الغزالي له قول آخر. وهو القول بإعادة الجسد الأول بعينه. "انظر كتابه الاقتصاد في فن الاعتقاد ص180 ـ 182.

2-

المواقف بشرح الجرجاني 8/289 وانظر: "كتاب محمد عبده" بين الفلاسفة والمتكلمين 2/607 وما بعدها تحقيق سليمان ديبا.

3-

صحيح البخاري 3/182، صحيح مسلم 4/2270 ـ 2271.

ص: 569

قال: "وليست صفة تلك النشأة الثانية مماثلة لصفة هذه النشأة حتى يقال: إن الصفات هي المغيرة لا سيما أهل الجنة إذا دخلوها فإنهم يدخلونها على صورة آدم طوله ستون ذراعاً كما ثبت في الصحيحين وغيرهما وروي أن عرضه سبعة أذرع، وتلك نشأة باقية غير معرضة للآفات وهذه نشأة فانية معرضة للآفات"1.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لقد إضطرب علماء الكلام في المعاد، ومعرفة المعاد مبنية على المبدأ، والمبعث مبني على الخلق فقال بعضهم هو تفريق تلك الأجزاء، ثم جمعها وهي باقية بأعيانها".

وقال بعضهم: بل يعيدها ويعدم الأعراض القائمة بها، ثم يعيدها، وإذا أعادهما فإنه يعيد تلك الجواهر التي كانت باقية إلى أن فصلت في هذا الإنسان.

ولهذا اضطربوا لما قيل لهم فالإنسان إذا أكله حيوان آخر فإن أعيدت تلك الجواهر من الأول نقصت من الثاني وبالعكس، أما على قول من يقول: إنها تفرق، ثم تجمع فقيل له: تلك الجواهر إن جمعت للآكل نقصت من المأكول، وإن أعيدت للمأكول نقصت من الآكل.

وأما الذي يقول: تعدم ثم تعاد بأعيانها فقيل له أتعدم لما أكلها أم قبل أن يأكلها؟.

فإن كان بعد أن أكلها فإنها تعاد في الآكل فينقص المأكول، وإن كان قبل الأكل، فالآكل لم يأكل جواهر فهذه مكابرة. وبعد أن أورد هذه الشبهة التي أبطلت كلا الرأيين لعلماء الكلام قرر ما هو الحق في المسألة فقال:"والمشهور أن الإنسان يبلى ويصير تراباً كما خلق من تراب، وبذلك أخبر الله، فإن قيل: إنه إذا صار تراباً عدمت الجواهر، فهو لما خلق من تراب عدمت أيضاً تلك الجواهر، فجعل الجواهر باقية في جميع الإستحالات إلا إذا صار تراباً تناقض بين ويلزمهم عليه الحيوان المأكول وغير ذلك". أ. هـ2.

وقال العلامة ابن القيم "وأما خلقه ـ سبحانه ـ فإنه أوجده لحكمة في إيجاده فإذا اقتضت حكمته إعدامه جملة أعدمه، وأحدث بدله، وإذا اقتضت حكمته تبديله وتغييره وتحويله من صورة إلى صورة بدله وغيره ولم يعدمه جملة.

1- شرح الطحاوية ص 463 ـ 464، وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/248.

2-

النبوات ص82 ـ 83، وانظر مجموع الفتاوى 17/246 ـ 247.

ص: 570

ومن فهم هذا فهم مسألة المعاد، وما جاءت به الرسل فيه فإن القرآن والسنة إنما دلا على تغيير العالم وتحويله وتبديله لا جعله عدماً محضاً، وإعدامه بالكلية، فدل على تبديل الأرض غير الأرض والسماوات وعلى تشقق السماء وإنفطارها وتكوير الشمس وإنتشار الكواكب وسجر البحار وإنزال المطر على أجزاء بني آدم المختلطة بالتراب فينبتون كما تنبت النبات وترد تلك الأرواح بعينها إلى تلك الأجساد التي أحيلت ثم أنشئت نشأة أخرى

إلى أن قال: "وقد أخبر الله ـ سبحانه ـ أنه يحي العظام بعد ما صارت رميماً، وأنه قد علم ما تنقص الأرض من لحوم بني آدم وعظامهم فيرد ذلك إليهم عند النشأة الثانية وأنه ينشىء تلك الأجساد بعينها بعد ما بليت نشأه أخري ويرد إليها تلك الأرواح"1.

وإذا نظرنا إلى آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة نجد أنها تبين بطلان مذهب علماء الكلام في صفة الإعادة وتؤيد مذهب السلف في أن المبعوث هو الجسد الأول بعينه لا غيره للأدلة الآتية:

أولاً: إن الآيات القرآنية التي جاءت لمناقشة المنكرين للبعث جاءت نصاً في بيان أن أجساد بني آدم الدنيوية هي التي تعاد بأعيانها، ولذلك كان المنكرون للبعث يستبعدون إعادة أجسادهم بعد أن أصبحت عظاماً بالية، وأشلاء متفرقة في التراب، ومتصورة بصورته كما قال تعالى حكاية عنهم {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} 2.

وقال تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} 3.

وقال تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 4.

وقد أنكر الله عليهم هذا الإستبعاد، ورد على جميع شبههم وبين إمكان البعث وثبوت وقوعه بمثل قوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي

1- مفتاح دار السعادة 2/34 ـ 35.

2-

سورة المؤمنون آية: 35 ـ 36.

3-

سورة الصافات آية: 51 ـ 53.

4-

سورة السجدة آية: 10.

ص: 571

صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} 1.

ومثل قوله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} 2.

وقوله عز وجل: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} 3.

فقد بين تعالى دليل الإمكان بخلقهم الأول، وبين ثبوت وقوعه بدليل كمال قدرته وسعة علمه وذلك مما يؤيد القول ببعث الجسد الأول بعينه.

ثانياً: مما يؤكد أن المعاد هو عين الجسد الأول لا غيره قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} 4.

فهذه الآيات بين الله تعالى فيها أن جوارح الإنسان التي اقترفت الذنوب والآثام هي التي تشهد على صاحبها يوم القيامة بأنه فعل كذا وكذا ولو لم تكن هذه الجوارح هي عين جوارح الإنسان التي كانت في الدنيا لما قبلت شهادتها ولا اعتذرت من الله حين استنطقها وقالت يا الله أنت الحكم العدل لا تظلم أحداً من خلقك فلا تظلمنا بما لم نعمله، أو نشاهده أو لا نعلم عنه شيئاً.

ولكن لم يحصل شيء من الإعتذار، وإنما نطقت وأخبرت بما فعل صاحبها، فعلم يقيناً أنها عين الجسد الأول.

وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: "هل تدرون مم أضحك؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم قال: "من مخاطبة العبد ربه بقول: يا رب ألم تجرني من الظلم قال: بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال:

1- سورة الإسراء آية: 50 ـ 51.

2-

سورة يس آية: 79.

3-

سورة ق آية: 4.

4-

سورة فصلت آية: 19 ـ 22.

ص: 572

يقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه إنطقي. قال فتنطق بأعماله قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال: فيقول بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل".

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثم يقال: الآن نبعث شاهداً عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه أنطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سيسخط الله عليه"1.

وإذا كانت أركان الإنسان وسمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه هي التي تتكلم فهل يبقى شك في أن المعاد هو عين الجسد الأول، لا شك أنه لا يبقى أي ريب في قلب المسلم الذي يؤمن بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد أفصح القرآن جد الإفصاح عن معاد الأبدان الدنيوية قال تعالى: {ومنها خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} 2.

وقال تعالى: {وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً} 3.

وقال تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} 4.

فهذه الآيات القرآنية تنص على أن الخلق يعودون من التراب الذي منه خلقوا، وتشير إلى أدلة الإمكان على ذلك المتمثلة في كمال قدرته ـ سبحانه ـ وسعة علمه ـ جل وعلا.

1- صحيح مسلم بشرح النووي 18/104 ـ 105.

2-

سورة طه آية: 55.

3-

سورة نوح آية: 17 ـ 18.

4-

سورة ق آية: 1 ـ 4.

ص: 573

وقال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} 1.

وقوله ـ سبحانه ـ {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَه بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} 2 وقوله سبحانه {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 3 وغيرها من الآيات التي تعرض شبه المنكرين للبعث المتمثلة في استبعادهم لإعادة أبدانهم التي مزقها البلى وأكلتها الأرض وأصبحت رميماً. كلها دلت على أن الإعادة أمر سهل وميسور على الله الذي خلق الإنسان ولم يك شيئاً، والذي يعلم ما أكلته الأرض وما أبقته لكمال علمه وسعة إحاطته بكل شيء، وأنه تعالى قادر على أن يجمع العظام ويسوي البنان التي هي أدق عضو ومفصل في الإنسان.

وقد أخبرنا تعالى أنه كما خلقنا يعيدنا قال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} 4.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "قال الحسن البصري ومجاهد: كما بدأكم فخلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئاً كذلك تعودون يوم القيامة.

وقال قتادة: "بدأهم من التراب وإلى التراب يعودون كما قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} 5 وقال {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} 6".

وما الأحاديث النبوية: فمثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال أبيت. قالوا أربعون شهراً؟ قال أبيت. قالوا أربعون سنة؟ قال أبيت، ثم ينزل الله من السماء ماءاً فينبتون كما ينبت البقل قال: وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة.

وفي رواية أخرى: "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب"،

1- سورة يس آية: 78 ـ 79.

2-

سورة القيامة آية: 3، 4.

3-

سورة سبأ آية: 7.

4-

سورة الأعراف آية: 29.

5-

سورة طه آية: 55.

6-

انظر مجوع الفتاوى 17/249 ـ 250 والآية رقم 25 من سورة الأعراف.

ص: 574

وفي رواية أخرى: إن في الإنسان عظماً واحداً لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب الخلق يوم القيامة قالوا: أي عظم هو يا رسول الله؟ قال: "عجب الذنب"1.

فإذا نظرنا إلى هذه الأحاديث النبوية نراها تقرر في وضوح إعادة الجسد الأول من التراب الذي استحال إليه وأن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب، وأما بقية الجسد فإنه يفنى ويضل فيها والله ـ سبحانه ـ وتعالى بقدرته يتولى خلقه الثاني فيحيي تلك الأجساد الميتة فيؤلف خلقها ويكمل صورتها بما ينزله على الأرض من الماء الذي ينزل عليها كأنه الطل2 حتى إذا اكتملت الصورة وتم الخلق أذن لهم بالخروج بنفخة البعث فخرج الناس من قبورهم ومكامنهم أحياء كأنهم إلى نصب يوفضون وتلك ساعة الحشر إلى الله التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله من حديث عائشة رضي الله عنها: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً"3 4. وقد أخبر تعالى في كتابه أنه هو الذي يتولى النشأة الآخرة. قال تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} 5.

وقال تعالى: {ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} 6.

وقال تعالى: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} 7.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال الحسن بن الفضل البجلي الذي عندي في هذه الآية يعني قوله تعالى {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} أي أخلقكم للبعث بعد الموت من حيث لا تعلمون كيف شئت، وذلك أنكم علمتم النشأة الأولى كيف كانت في بطون الأمهات وليست الأخرى كذلك.

قال شيخ الإسلام: "ومعلوم أن النشأة الأولى كان الإنسان نطفة من مني الرجل ثم

1- صحيح مسلم بشرح النووي 18/91 ـ 92.

2-

انظر صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو 4/2258 ـ 2259.

3-

أي: غير مختونين.

4-

صحيح مسلم بشرح النووي 17/192 ـ 193.

5-

سورة النجم آية: 47.

6-

سورة العنكبوت آية: 20.

7-

سورة الواقعة آية: 60 ـ 61.

ص: 575

علقة، ثم مضغة، ثم ينفخ فيه الروح، وتلك النطفة من مني الرجل والمرأة وهو يغذيه بدم الطمث الذي يربي الله به الجنين في ظلمات ثلاث: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة البطن، والنشأة الثانية: لا يكونون في بطن امرأة ولا يغذون بدم ولا يكون أحدهم نطفة رجل وامرأة، ثم يصيرون علقة، بل ينشئون نشأة أخرى وتكون المادة من التراب"1.

والذي نخلص إليه مما تقدم أن صفة الإعادة هي كما قررها السلف من أن الأجساد تتقلب من حال إلى حال، فتستحيل تراباً، ثم يعيدها الله مما استحالت إليه، فينشئ لحمها وعظامها ويبعث فيها الحياة مرة ثانية، بحيث يكون المعاد هو الجسد الأول بعينه بعد رجوع روحه إليه وذلك أمر ممكن عقلاً وواقع شرعاً إذ هو الذي نشاهده في خلق الله تعالى، فإنه ـ سبحانه ـ يخلق الجسم من الجسم، كما يخلق الإنسان من الماء المهين ويخلق من الماء المهين علقة، ثم يخلق من العلقة مضغة، ثم يخلق من المضغة عظاماً، ثم يكسو العظام لحماً، ثم يسويه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، وكذلك خلق الثمر فإنه ـ سبحانه ـ يقلب المادة التي يخرجها من الشجرة من الرطوبة، والهواء، والماء الذي ينزل عليها وكذلك الحب يفلقه، ويقلب المواد التي يخلقها منه إلى سنبلة، ثم إلى ثمرة جديدة، وكذلك الإعادة، فالأجساد تبلى، وتستحيل إلى التراب والله يعيدها مما استحالت إليه كما قال تعالى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} 2 قال القرطبي مبيناً مذهب أهل السنة في صفة الإعادة:"ومذهب أهل السنة والجماعة أن أجساد بني آدم الدنيوية تعاد بأعيانها وأعراضها بلا خلاف بينهم حتى أن بعضهم قال: "بأوصافها فيعاد الوصف أيضاً: كما يعاد الجسم واللون" اهـ3.

1- مجموع الفتاوى 17/252 ـ 253.

2-

سورة طه آية: 55.

3-

التذكرة ص182.

ص: 576