الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: صفات أهل النار
لقد ذكر في السورة بعض صفات أهل النار، وكما هو معلوم أنه ينبغي للمسلم أن يكون على علم ومعرفة لصفاتهم حتى يجتنبها ويبتعد عن التخلق بها حتى لا يقع فيها دون أن يدري ومن صفات أهل النار التي ذكرت في السورة:
أـ شدة ظلمهم واختلاقهم الكذب على الله والإفتراء عليه بنسبة الولد إليه، أو يجعلون له الأنداد والشركاء، أو يعبدون معه غيره من المخلوقين بدعوى أنه يقربهم إلى الله زلفى.
فهذه الآية من السورة إلى جانب أنها بينت صفات يتخلق بها أهل النار إلا أنها أيضاً:
تضمنت التحذير والإخبار بأنه لا أظلم ممن كذب على ربه بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله، أو بادعاء النبوة أو الإخبار بأنه ـ تعالى ـ قال: كذا: أو أخبر بكذا: وهو كاذب فهذا يدخل في عموم قوله ـ تعالى ـ {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 1 إن كان جاهلاً أما إن كان عالماً فهو أشنع وأفظع.
كما بينت أن من يرد الحق المؤيد بالبينات بتكذيبه فإنه ظلم عظيم لأنه رد للحق بعد تبينه، والذي يجمع بين الكذب على الله والتكذيب بالصدق كان ظلماً على ظلم، وجزاء من يتسم بذلك جهنم ولذلك ختم الله الآية بقوله:{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} فهي مقام ومستقر كل ظالم وكافر ينال جزاءه على عمله بها.
1- سورة الأعراف آية: 33.
وجاء في زاد المسير: قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ} بأن ادعى له ولداً وشريكاً {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} وهو التوحيد والقرآن {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} أي: مقام للجاحدين وهذا استفهام بمعنى التقرير يعني إنه كذلك اهـ1.
وقال ابن كثير: حول قوله ـ تعالى ـ {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} .
يقول عز وجل مخاطباً للمشركين الذين افتروا على الله وجعلوا معه آلهة أخرى وادعوا أن الملائكة بنات الله وجعلوا لله ولداً ـ تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ـ، ومع هذا كذبوا بالحق إذ جاءهم على ألسنة رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولهذا قال عز وجل {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} أي لا أحد أظلم من هذا لأنه جمع بين طرفي الباطل كذب على الله وكذّب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الباطل وردوا الحق ولهذا قال جلت عظمته متوعداً لهم: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} ؟ وهم الجاحدون المكذبون" اهـ2
ب ـ ومن صفات أهل النار القبيحة التي ورد ذكرها في السورة.
أنهم حينما يذكر ـ الباري جل وعلا ـ تشمئز قلوبهم، وتتقزز نفوسهم وتنقبض صدورهم، وينفرون من التذكير لأنهم لا يؤمنون بالمعاد ولا يخافون سوء الحساب.
قال تعالى مبيناً هذه الصفة الذميمة: {وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} .
فهذه الآية الكريمة من السورة أوضحت أن أهل النار حينما يذكر عندهم الباطل وأهله من الأصنام والطواغيت فإنهم يبتهجون ويفرحون وتطفح وجوههم بالبشر والسرور والبهجة، وتجدهم يغضبون على من يتنقصها وينتقمون منه بأنواع الإيذ اء.
قال ابن جرير رحمه الله تعالى حول هذه الآية:
"يقول تعالى ذكره: وإذا أفرد الله جل ثناؤه بالذكر، فدعي وحده وقيل "لا إله إلا الله" اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات وعنى بقوله {اشْمَأَزَّتْ} :
1- 7/182.
2-
تفسير القرآن العظيم 6/92 ـ 93.
نفرت من توحيد الله {وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} يقول: وإذا ذكر الآلهة التي يدعونها من دون الله مع الله فقيل: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى1 إذا الذين لا يؤمنون بالآخرة يستبشرون بذلك ويفرحون" اهـ2.
جـ ـ ومن صفات أهل النار التي ذكرت في السورة الإستكبار عن الإيمان بآيات الله والترفع عنها، وعدم الإذعان والإنقياد لها.
وهاتان الآيتان من السورة بين الله ـ تعالى ـ فيهما أن الإستكبار عن الحق، والتكبر على الخلق من موجبات النار.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى ـ: "وأما المستكبر فهو الذي يتعاطى الكبر على الناس والتعاظم عليهم، وقد قال تعالى:{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} اهـ3.
فقوله ـ تعالى ـ: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} تضمنت ثلاث صفات كلها بلغت النهاية في القبح، وتدل على شناعة الإستكبار، فالمستكبر يقع بين أقبح الجرائم على الإطلاق، وهما التكذيب بآيات الله وهو كفر، ثم الكفر الصريح دل على ذلك قوله تعالى {وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} .
وأما قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} .
فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ} كلمة شاملة يدخل فيها من كذب على الله بادعاء الولد، أو الشريك، أو الصاحبة، أو المعبود الذي يزعمون أنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده، أو يزعم أن الله حرم شيئاً، أو أحل شيئاً ـ خلاف ما جاء به دينه الحنيف كتحريم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي التي كان يفتريها المشركون على الله بغير علم.
1- كأنه يشير إلى قصة الغرانيق وهي قصة باطلة انظر كتاب "نصب المنجانيق لنسف قصة الغرانيق" للألباني.
2-
جامع البيان 24/10.
3-
التخويف من النار ص198.
قال أبو عبد الله القرطبي: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} أي: مما أحاط بهم من غضب الله ونقمته1.
فوجوه أهل النار يوم القيامة تسود وتكون مغطاة بالسواد كما قال تعالى في موضع آخر: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} 2.
وقوله تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} بين ـ سبحانه ـ أن الكبر من أقبح الصفات الذميمة التي تجعل من جهنم مثوى ومستقراً لمن تخلق به وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معنى الكبر بقوله: "الكبر بطر الحق وغمط الناس"4.
قال النووي: "بطر الحق: دفعه ورده على قائله، وغمط الناس: احتقارهم" اهـ5.
وصفات أهل النار التي تقدم ذكرها كما قلنا سابقاً إنما هي بعض صفاتهم التي وردت في السورة، وإلا فلهم صفات أخرى ذكرت في غيرها من سور القرآن وفي السنة المطهرة. مثل النفاق فإنه صفة من صفات أهل النار.
قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} 6.
ومثل ترك الصلاة وعدم إطعام المساكين والتكذيب بالرجوع إلى الله ـ تعالى ـ ولقد أخبر ـ تعالى ـ أن أهل الجنة يسألون أهل النار عن السبب الذي دخلوا به النار بقوله تعالى:
1- الجامع لأحكام القرآن 15/275.
2-
سورة آل عمران آية: 106.
3-
سورة يونس آية: 27.
4-
رواه مسلم في صحيحه 1/93 من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
5-
رياض الصالحين ص285.
6-
سورة النساء آية: 145.
ومثل الطغيان، وحب الدنيا وإيثارها على الآخرة، فإن ذلك من صفات أهل النار.
قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} 2. إلى غير ذلك من الصفات الذميمة الكثيرة التي يصعب حصرها هنا، وكما بين القرآن صفات أهل النار كذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم صفاتهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام "وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعاً لا يتبعون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك" وذكر البخل أو الكذب و"الشنظير الفحاش"3. ففي هذا الحديث قسم النبي صلى الله عليه وسلم أهل النار خمسة أصناف.
الصنف الأول:
الضعيف الذي لا زبر له، ويعني بالزبر القوة والحرص على ما ينتفع به صاحبه في الآخرة من التقوى والعمل الصالح.
الصنف الثاني:
الخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، أي يعني لا يقدر على خيانة ولو كانت حقيرة يسيرة إلا بادر إليها واغتنمها، ويدخل في ذلك التطفيف في المكيال والميزان وكذلك الخيانة في الأمانات القليلة كالودائع وأموال اليتامى وغير ذلك وهو خصلة من خصال النفاق، ويدخل في الخيانة من خان الله ورسوله في ارتكاب المحارم سراً مع إظهار اجتنابها.
الصنف الثالث:
المخادع الذي دأبه صباحاً ومساءاً مخادعة الناس على أهليهم وأموالهم، والخداع
1- سورة المدثر آية: 42 ـ 46.
2-
سورة النازعات آية: 37 ـ 39.
3-
رواه مسلم في صحيحه من حديث عياض بن حمار المجاشعي 4/2198 ـ 2199.
من أوصاف المنافقين كما وصفهم الله ـ تعالى ـ بذلك، والخداع معناه إظهار الخير وإضمار الشر لفصد التوصل إلى أموال الناس وأهاليهم والانتفاع بذلك، وهو من جملة المكر والحيل المحرمة، بنص الشارع.
الصنف الرابع:
الكذب والبخل، ولم يحفظ الراوي ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حفظاً جيداً، والكذب والبخل خصلتان.
والكذب والبخل كلاهما ينشأ عن الشح، والشح هو شدة حرص الإنسان على ما ليس له من الوجوه المحرمة، وينشأ عنه البخل وهو إمساك الإنسان ما في يده والامتناع عن إخراجه في وجوهه التي أمر بها، فالمخادع الذي سبق ذكره هو الشحيح وهذا الصنف هو البخيل، فالشحيح أخذ المال بغير حقه والبخيل منعه من حقه، وينشأ عن الشح أيضاً: الكذب والمخادعة، والتحيل على ما لا يستحقه الإنسان بالطرق الباطلة المحرمة قال صلى الله عليه وسلم:"إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار"1.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما عمل أهل النار؟ قال: "الكذب، إذا كذب ـ العبد ـ فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار"2.
الصنف الخامس:
الشنظير: وقد فسر بالسيء الخلق، والفحاش هو الفاحش المتفحش وفي حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه"3.
وروى الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله ليبغض الفاحش البذيء"4.
والبذيء الذي يجري لسانه بالسفه ونحوه من لغو الكلام.
1- رواه البخاري في صحيحه 4/65، ورواه مسلم أيضاً في صحيحه 4/2013، كلاهما من حديث ابن مسعود.
2-
2/176.
3-
رواه البخاري في صحيحه 4/70، ومسلم 4/2002، كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها.
4-
السنن 3/244.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حسب الرجل أن يكون فاحشاً بذيئاً بخيلاً جباناً" 1 فالفاحش هو الذي يفحش في منطقه ويستقبل الرجال بقبيح الكلام من السب ونحوه ويأتي في كلامه بالسخف وما يفحش ذكره"اهـ2.
ومن صفات أهل النار التي وضحها النبي صلى الله عليه وسلم مخالفتهم الحق بعد معرفتهم له، وقد يأمرون به ولا يفعلونه، ويرتكبون المنكر وهم يعرفون أنه منكر، وقد ينهون عنه مراءاة للناس وتعمية لأفعالهم روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله ـ تعالى ـ عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: "يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاء فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله"3.
وفيهما من حديث حارثة بن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر"4.
قال النووي: العتل: الغليظ الجافي، والجواظ: هو الجموع المنوع وقيل: الضخم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين. أ. هـ5.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته"6.
فالمستكبر يعرض نفسه للذل والهوان فالذي يتعالى على الناس ويتعاظم عليهم فعاقبة عمله ذلك أنه يذل ويهان بسبب تعاظمه وتعاليه على الناس، ومنازعته ربّه فيما
1- 4/145 من حديث عقبة بن عامر رضي الله ـ تعالى عنه ـ.
2-
التخويف من النار لابن رجب ص204.
3-
صحيح البخاري مع الفتح 13/48، ومسلم 4/2290 ـ 2291.
4-
صحيح البخاري مع الفتح 8/ 662، ومسلم 4/2190.
5-
رياض الصالحين ص: 131.
6-
4/2023.
يختص به من الصفات كما قال تعالى: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} 1.
هذه عقوبة المتكبر الشنيعة التي يجازى بها بعد الرجوع إلى الله ـ جل وعلا ـ.
ومن صفات أهل النار التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم اتباعهم الشهوات روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات"2.
وعند مسلم "حفت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات"3.
"المكاره كل ما يشق على النفس فعله ويصعب عليها عمله كالطهارة في السبرات وغيرهما من أعمال الطاعات، والصبر على المصائب وجميع المكروهات.
"والشهوات كل ما يوافق النفس ويلائمها وتدعو إليه ويوافقها وأصل الحفاف الدائر بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إليه إلا بعد أن يتخطى فمثّل صلى الله عليه وسلم المكاره والشهوات بذلك، فالجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره، والصبر عليها، والنار لا ينجو منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها"4.
وروى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم"5.
قال الله عز وجل للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها.
وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع عليها رجله فتقول: "قط6، قط، فهنالك تمتلئ
1- سورة الأحقاف آية: 20.
2-
صحيح البخاري مع الفتح 11/320.
3-
4/2174.
4-
التذكرة للقرطبي ص359 ـ 360.
5-
سقطهم: أي ضعفاؤهم والمحتقرون منهم. شرح النووي 17/181.
6-
قط قط: بمعنى: حسب وتكرارها للتأكيد. النهاية لابن الأثير 4/78.
ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً"1.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت2 المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا"3.
وأعمال أهل النار وصفاتهم كثيرة جداً وقد استوفى الكثير منها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى4.
1- صحيح البخاري مع الفتح 13/434، صحيح مسلم 4/2186، واللفظ له.
2-
معناه: "أنهن يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس حتى تشبه أسنمة الإبل البخت" شرح النووي 17/191.
3-
صحيح مسلم 4/2192.
4-
مجموع الفتاوى 10/423 ـ 424.