المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة - مباحث العقيدة في سورة الزمر

[ناصر بن علي عائض حسن الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: دلالة السورة على الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني: إثبات صفة العلو والفوقية

- ‌المبحث الثالث: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق

- ‌المبحث الرابع: إثبات صفة العزة

- ‌المبحث الخامس: إثبات صفة الحكمة

- ‌المبحث السادس: تنزيه الله تعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث السابع: إثبات صفتي الوحدانية والقهر

- ‌المبحث الثامن: إثبات صفتي الرحمة والمغفرة

- ‌المبحث التاسع: إثبات صفة الغنى لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: إثبات صفة الرضا

- ‌المبحث الحادي عشر: إثبات صفة العلم

- ‌المبحث الثاني عشر: بيان معنى اسمه تعالى "الوكيل

- ‌المبحث الثالث عشر: إثبات صفة اليدين

- ‌الفصل الثاني: دلالات السورة على توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد العبادة

- ‌المبحث الثاني: وجوب إفراد الله تعالى بتوحيد العبادة

- ‌المبحث الثالث: أهمية الإخلاص في توحيد العبادة

- ‌المبحث الرابع: عبودية الدعاء

- ‌المبحث الخامس: عبودية الخوف

- ‌المبحث السادس: عبودية الرجاء

- ‌المبحث السابع: انقسام العبودية إلى عامة وخاصة

- ‌المبحث الثامن: الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل

- ‌المبحث التاسع: بيان الطاغوت الذي أوجب الله على عباده أن يجتنبوه

- ‌المبحث العاشر: عبودية الإنابة

- ‌المبحث الحادي عشر: عبودية التوكل

- ‌المبحث الثاني عشر: الشفاعة نوعان: منفية ومثبتة

- ‌المبحث الثالث عشر: الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: دلائل توحيد الربوبية من السورة

- ‌المبحث الثالث: إقرار المشركين الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوجود الله

- ‌المبحث الرابع: الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية

- ‌الفصل الرابع: ما جاء في السورة بشأن الشرك

- ‌المبحث الأول: تعريف الشرك في اللغة والإصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌المبحث الثالث: أصل الشرك في بني الإنسان

- ‌المبحث الرابع: ذم الإنسان على جعله أنداداً لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المشرك والموحد

- ‌المبحث السادس: التحذير من الشرك وبيان أنه محبط للعمل

- ‌الباب الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة والكتب، والرسل والقدر وفيه

- ‌الفصل الأول: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالملائكة

- ‌المبحث الأول: تعريف الملائكة، ومن أي شيء خلقوا

- ‌المبحث الثاني: ذكر بعض أعمال الملائكة التي أنيطت بهم

- ‌الفصل الثاني: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الأول: كيفية الإيمان بالكتب السابقة

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالقرآن

- ‌الفصل الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالأنبياء والرسل

- ‌المبحث الأول: تعريف النبي والرسول والفرق بينهما

- ‌المبحث الثاني: كيفية الإيمان بالأنبياء السابقين

- ‌المبحث الثالث: كيفية الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: ما يجب للرسل، وما يجوز عليهم

- ‌المبحث الخامس: موضوع الرسالات السماوية

- ‌الفصل الرابع: دلالة السورة على وجوب الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: تعريف القضاء والقدر ومعنى الإيمان به

- ‌المبحث الثاني: بيان المبتدعة الذين نازعوا في القدر والرد عليهم

- ‌المبحث الثالث: مراتب القدر

- ‌المبحث الرابع: ما يتعلق بالهداية والضلال

- ‌الباب الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان باليوم الآخر

- ‌الفصل الأول: مباحث في اليوم الآخر قبل دخول الجنة والنار

- ‌المبحث الأول: النفخ في الصور

- ‌المحبث الثاني: بعث الموتى من قبورهم

- ‌المبحث الثالث: عناية القرآن بإثبات البعث

- ‌المبحث الرابع: أرض المحشر

- ‌المبحث الخامس: كتاب الأعمال

- ‌المبحث السادس: جزاء الأعمال يوم القيامة

- ‌الفصل الثاني: النار دار الكافرين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل النار النار

- ‌المبحث الثاني: أبواب جهنم

- ‌المبحث الثالث: خزنة جهنم

- ‌المبحث الرابع: إحاطة النار بأهلها وشدة عذابها

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل النار

- ‌المبحث السادس: أبدية النار ودوام عذابها

- ‌الفصل الثالث: الجنة دار المتقين

- ‌المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة

- ‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

- ‌المبحث الثالث: خزنة الجنة

- ‌المبحث الرابع: أرض الجنة

- ‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة

- ‌المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها

- ‌المبحث السابع: أبدية الجنة ودوام نعيمها

- ‌المبحث الثامن: وجوب الإيمان بالعرش، وهو سقف الجنة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة

‌المبحث الخامس: صفات أهل الجنة

إن للمتقين الذين يدخلون دار السلام ويتبؤون منها منازل حيث يشاؤون صفات يتميزون بها عن غيرهم، وصفاتهم كثيرة جداً، وقد ذكر في سورة "الزمر" بعضها في عدد من آياتها.

قال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} .

وقال تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ

} الآية.

وقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} .

وقال تعالى: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} .

وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .

هذه المجموعة من الآيات من سورة "الزمر" تضمنت صفات عدة للمتقين الذين يساقون إلى الجنة "زمراً" وتلك الصفات هي:

1 ـ أنهم يسمعون كلام الله سماع قبول وإجابة وفهم وإدراك فيعملون بأوامره، ويبتعدون عن نواهيه التي نهى عنها. 2 ـ أنهم عندما يسمعون القرآن يتلى تقشعر جلودهم خوفاً من الله ـ جل وعلا ـ لما يفهمون من الوعيد الذي توعد به الكفار والمشركين.

ص: 676

3 ـ أنهم عند سماعهم كلام الله تلين جلودهم وقلوبهم إلى العمل بما في كتاب الله والتصديق به.

4 ـ التصديق لما جاءهم من الحق.

قال مجاهد: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} قال: أصحاب القرآن المؤمنون يجيئون يوم القيامة فيقولون: "هذا ما أعطيتمونا فعملنا فيه بما أمرتمونا"1.

5 ـ تقواهم لربهم ـ جل وعلا ـ بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وفي مقدمة ذلك إخلاصهم العبادة لله وحده لا شريك له، فلم يشركوا بعبادة ربهم أحداً.

6 ـ الصفة السادسة: أنهم طيبوا أعمالهم في الدنيا فلم يدنسوها بشرك ولا معصية، فطاب مأواهم في الدار الآخرة، وهو أنهم صاروا من سكان الجنة التي عرضها السموات والأرض ونجاهم الله من جهنم، وأمنهم من عذابها.

قال ابن كثير: عند قوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} أي: هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار المهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد والتخويف والتهديد تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه فهم مخالفون لغيرهم من الفجار من وجوه:

أحدها:

أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات.

الثاني:

أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم. كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} 2 أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها بل مصغين إليها فاهمين بصيرين بمعانيها فلهذا إنما يعملون بها ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم.

1- تفسير القرآن العظيم 6/93.

2-

سورة الفرقان آية: 73.

ص: 677

الثالث:

أنهم يلزمون الأدب عند سماعها كما كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله تعالى من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقشعر جلودهم ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله لم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون ما ليس فيهم بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك ولهذا فازوا بالمدح من الرب الأعلى في الدنيا والآخرة.

وقال قتادة: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} قال: "هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله عز وجل بأن تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع وهذا من الشيطان"1.

وقال ابن جرير عند قوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} يقول تعالى ذكره: وينجي الله من جهنم وعذابها الذين اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه في الدنيا {بِمَفَازَتِهِمْ} يعني: بفوزهم.

قال السدي: في قوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} قال: بفضائلهم.

وقال ابن زيد: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} قال: بأعمالهم. وقوله: {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} يقول تعالى ذكره: لا يمس المتقين من أذى جهنم شيء وهو السوء الذي أخبر ـ جل ثناؤه ـ أنه لن يمسهم، ولا هم يحزنون: يقول: ولا هم يحزنون على ما فاتهم من آراب الدنيا إذا صاروا إلى كرامة الله ونعم الجنان" اهـ2.

قال البغوي: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر {بِمَفَازَاتِهِمْ} بالألف على الجمع أي: بالطرق التي تؤديهم إلى الفوز والنجاة.

1- تفسير القرآن العظيم 6/88 ـ 89.

2-

جامع البيان 24/22 ـ 23.

ص: 678

وقرأ الآخرون: {بِمَفَازَتِهِمْ} على الواحد لأن المفازة بمعنى الفوز أي: "ينجيهم بفوزهم من النار بأعمالهم الحسنة" اهـ1.

وجاء في زاد المسير حول قوله ـ تعالى ـ {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} فيها للمفسرين ثلاثة أقوال:

أحدها: بفضائلهم قاله السدي.

والثاني: بأعمالهم قاله ابن السائب.

والثالث: بفوزهم من النار.

قال المبرد: "المفازة مفعلة من الفوز وإن جمع فحسن كقولك السعادة، والسعادات، والمعنى: ينجيهم الله بفوزهم أي: بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة" اهـ2.

وقال ابن كثير: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} أي: بما سبق لهم من السعادة، والفوز عند الله {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ} أي: يوم القيامة، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: لا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع مزحزحون عن كل شر نائلون كل خير" اهـ3.

وأما قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .

فقد قال ابن جرير: حول هذه الآية: "يقول تعالى ذكره: وحشر الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا، وأخلصوا له فيها الألوهة، وأفردوا له العبادة، فلم يشركوا في عبادتهم إياه شيئاً إلى الجنة زمراً يعني: جماعات" اهـ4.

وقال العلامة ابن القيم: بعد سياقه لهذه الآية: عقَّب دخولها على الطيب بحرف الفاء الذي يؤذن بأنه سبب للدخول، أي بسبب طيبكم قيل لكم: ادخلوها ـ فإنها دار الطيبين لا يدخلها إلا طيب" اهـ5.

1- معالم التنزيل على حاشية تفسير الخازن 6/69.

2-

7/194.

3-

تفسير القرآن العظيم 6/105.

4-

جامع البيان عن تأويل آي القرآن 24/34.

5-

الوابل الصيب ص18.

ص: 679

وقال ابن كثير: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} "وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفداً إلى الجنة. زمراً أي: جماعة بعد جماعة. المقربون، ثم الأبرار، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم: الأنبياء مع الأنبياء، والصديقون مع أشكالهم، والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم، وكل صنف مع صنف كل زمرة يناسب بعضها بعضاً {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أي: وصلوا إلى أبوب الجنة بعد مجاوزة الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة"1.

ثم إن المراد بسوق المتقين في قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} سوق مصحوب بالتكريم والتشريف والإعزاز مشيعين بما يشرح الصدور ويسر النفوس كتشييع المحبوب إلى أمر محبوب2، وهو سوق يغاير سوق الإهانة والذل الذي تقدم ذكره في حق الكافرين، وصفات المتقين الطيبة في القرآن كثيرة، وخصالهم الحميدة وفيرة.

قال تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 3.

وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} 4.

ففي هذه الآيات "أخبر تعالى أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم، ثم ذكر أوصاف المتقين فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر، والشدة والرخاء، فإن من الناس من

1- تفسير القرآن العظيم 6/113.

2-

انظر فتح الباري 11/381.

3-

سورة البقرة آية: 1 ـ 4.

4-

سورة آل عمران آية: 133 ـ 136.

ص: 680

يبذل في حال اليسر والرخاء، ولا يبذل في حال العسر والشدة، ثم ذكر كف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم، وحبس الانتقام بالعفو، ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم، وأنها إذا صدرت منها قابلوها بذكر الله والتوبة والإستغفار، وترك الإصرار فهذا حالهم مع الله، وذاك حالهم مع خلقه" 1.

فينبغي للمسلم أن يتدبر كتاب الله، وأن يتميز عن غيره من أهل المعاصي بصفات المتقين الذين يحبون لقاء الله ويطلبون الفوز برضاه.

أما صفاتهم في السنة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عنها الشيء الكثير.

فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد حتى مرّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا إني رأيته في النار في بردة2 غلّها3 أو عباءة" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب. إذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون". قال: فخرجت فناديت ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون"4.

فبين عليه الصلاة والسلام أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإيمان الذين قاموا بشرائع الإسلام كلها، وأنه لا حظ فيها لغيرهم.

وروى أيضاً بإسناده في حديث طويل من حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ":.... وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم عفيف ذو عيال

" الحديث5.

قال القرطبي مبيناً معنى هذا الحديث: "فصل" قوله ذو سلطان مقسط وما بعده مرفوع على أنها صفات "لذو" وهي بمعنى صاحب، والمقسط العادل، والمتصدق

1- حادي الأرواح ص82.

2-

البردة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربّع فيه صفر تلبسه الأعراب، النهاية 1/116.

3-

غلّها: أي سرقها خفية: الإغلال: الخيانة أو السرقة الخفية، النهاية 3/380.

4-

1/107 ـ 108.

5-

4/2198.

ص: 681

المعطي الصدقات والموفق: المسدد لفعل الخيرات، ورقيق القلب: ليّنه عند التذكر والموعظة ويصلح أن يكون بمعنى الشفيق"اهـ1.

وفي صحيح مسلم أيضاً: من حديث حارثة بن وهب الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره"2.

"وقوله: "ضعيف متضعف" يعني: ضعيف في أمور الدنيا قوي في أمر دينه كما قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" 3

فإن كان ضعيفاً في أمور دينه لا يعنى بها فمذموم، وذلك من صفات أهل النار كما قال عليه الصلاة والسلام "وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر له"4 أي لا عقل ومن لا عقل له ينفك به عن المفاسد، ولا ينزجر عنها فحسبك به ضعفاً وخسارة في الدين.5

وروى الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرَّ بجنازة فأثني عليها خيراً فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت" ومرَّ بجنازة فأثني عليها شراً فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت" قال عمر: فدى لك أبي وأمي. مرّ بجنازة فأثني عليها خيراً فقلت: "وجبت وجبت وجبت"، ومرّ بجنازة فأثني عليها شراً فقالت:"وجبت وجبت وجبت" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض"6.

وقال عليه الصلاة والسلام: "يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار" قالوا: بم

1- التذكرة ص362 ـ 363.

2-

4/2190.

3-

رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 4/2052.

4-

رواه مسلم من حديث عياض بن حماد المجاشعي 4/2198.

5-

التذكرة ص 363.

6-

صحيح البخاري 2/237، صحيح مسلم 2/655، واللفظ له.

ص: 682

ذاك يا رسول الله؟ قال: "بالثناء الحسن والثناء السيئ أنتم شهداء الله بعضكم على بعض"1.

وبالجملة فأهل الجنة أربعة أصناف تضمنهم قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} 2 جعلنا الله منهم بفضله ومنه وكرمه إنه أرحم الراحمين3.

1- رواه ابن ماجة في سننه 2/1411، وأحمد في مسنده 3/416، من حديث أبي زهير الثقفي.

2-

سورة النساء آية: 69.

3-

للزيادة في معرفة صفات أهل الجنة يراجع "مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية فإنه أوجز الكثير منها 10/422 ـ 423".

ص: 683