الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: موضوع الرسالات السماوية
لقد دلت السورة على أن موضوع رسالة الأنبياء والمرسلين هو التبشير والإنذار وتبليغ أممهم ما أمرهم الله بتبليغه من الأوامر والنواهي التي فيها سعادة الأمم إن هم صدقوا المرسلين وآمنوا بهم، ولهم الشقاء المستمر إن هم كذبوهم وخالفوهم فيما يدعونهم إليه من توحيد العبادة وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له.
فهاتان الآيتان من السورة دلتا على أن الله تعالى بعث أنبياءه ورسله مبشرين ومنذرين ومبلغين وحي الله إلى العباد وهم الواسطة بين الله وعباده وهي الواسطة الشرعية الحقة التي العباد بأمس الحاجة إليها وهي واسطة تبليغ الوحي إلى العباد، وما سواها من الوسائط باطلة.
قال البيضاوي: {لَهُمُ الْبُشْرَى} بالثواب على ألسنة الرسل أو الملائكة عند حضور الموت" أ. هـ1.
وقال ابن جرير رحمه الله تعالى ـ: " {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} يقول: جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فبشر يا محمد عبادي الذين يستمعون القول من
1- تفسير البيضاوي ص609.
القائلين فيتبعون أرشده وأهداه وأدلهُ على توحيد الله والعمل بطاعته ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على رشاد ولا يهدي إلى سداد" أ. هـ1.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى ـ عند قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} قال: {لَهُمُ الْبُشْرَى} بالثواب الجزيل وهو الجنة وهذه البشرى إما على ألسنة الرسل أو عند حضور الموت أو عند البعث {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} المراد بالعباد هنا العموم فيدخل الموصوفون بالإجتناب والإنابة إليه دخولاً أولياً، والمعنى: يستمعون القول الحق من كتاب الله وسنة رسوله فيتبعون أحسنه أي محكمه ويعملون به.
قال السدي: "يتبعون أحسن ما يؤمرون به فيعملون بما فيه، وقيل هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن ويكف عن القبيح فلا يتحدث به، وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن، وقيل يستمعون الرخص والعزائم فيتبعون العزائم ويتركون الرخص، وقيل يأخذون بالعفو ويتركون العقوبة، ثم أثنى ـ سبحانه ـ على هؤلاء المذكورين فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} أي: هم الذين أوصلهم الله إلى الحق وهم أصحاب العقول الصحيحة لأنهم الذين انتفعوا بعقولهم ولم ينتفع من عداهم بعقولهم" أ. هـ2.
ودعوة الرسل إلى الله ـ جل وعلا ـ دائماً تقترن بالتبشير والإنذار، لأن ارتباط دعوتهم بالتبشير والإنذار وثيق جداً، فقد قصر ـ القرآن الكريم ـ مهمة الرسل عليهما في بعض آياته: قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} 3 وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسه مثلاً في هذا فقال: "مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا، وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم
1- جامع البيان 23/206.
2-
فتح القدير 4/256.
3-
سورة الكهف آية: 56.
الجيش، فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني، فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق"1.
وتبشير الرسل عليهم الصلاة والسلام وإنذارهم دنيوي وأخروي، فهم في الدنيا يبشرون الطائعين بالحياة الطيبة:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} 2 {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} 3. ويعدونهم بالتمكين في الأرض وتبديل خوفهم أمناً {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} 4.
أما العصاة من الخلق فإن الرسل يخوفونهم بالشقاء الدنيوي قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} 5 كما يحذرونهم العذاب والهلاك الدنيوي. قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} 6.
أما بالنسبة للآخرة فإنهم يبشرون الطائعين بالجنة ونعيمها قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 7.
وأما المجرمون والعصاة فإنهم يخوفونهم عذاب الله في الآخرة قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} 8.
وعندما يتأمل الإنسان دعوة الرسل يجد أنها قد اصطبغت بالتبشير والإنذار، والذي يظهر أن التبشير والإنذار على النحو الذي جاءت به الرسل من أعظم الأسباب لفتح النفس الإنسانية، وإقبالها على الخير، لأن النفوس مطبوعة على طالب الخير لذاتها، ودفع الشر
1- صحيح البخاري مع الفتح 13/250 من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
2-
سورة النحل آية: 97.
3-
سورة طه آية: 123.
4-
سورة النور آية: 55.
5-
سورة طه آية: 124.
6-
سورة فصلت آية: 13.
7-
سورة النساء آية: 13.
8-
سورة النساء آية: 14.
عنها، فقد أرسل الله الرسل ليبصروا النفوس بالخير العظيم الذي يحصلونه من وراء الإيمان والأعمال الصالحة فإن النفوس تشتاق إلى تحصيل الخير، وعندما تبين الرسل عليهم الصلاة والسلام الأضرار العظيمة التي تلحق النفوس من وراء الكفر والضلال فإنها تهرب من هذه الأعمال المشقية.
ومما تقدم يتضح أن موضوع الرسالات الرسالات السماوية التي أرسل الله بها الرسل عليهم الصلاة والسلام هو التبشير والإنذار يبشرون المدعوين برضوان الله وثوابه وجنته إن هم آمنوا بالله وصدقوا رسله.
والإنذار للمعاندين الكافرين بالله ورسله بغضب الله وسخطه قال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 1.
أما دعوة الرسل فإنها كانت إلى غرض أساسي واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 2.
1- سورة النساء آية: 165.
2-
سورة النحل آية: 36.