الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
ال
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونسترشده، ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.
والصلاة والسلام على الهادي البشير النذير، وعلى آله وصحبه التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد جعل الله سبحانه وتعالى كتابه معجزة رسوله العظمى، والحجة الدائمة على الخلق، ونبراسًا للدعاة إلى يوم الدين، يستمدون من نبعه الثر الهدايات، ويقتبسون من نوره مشاعل الحضارة، ويجدون في ثناياه البراهين السواطع كلما تراكمت ظلال الشبهات، وفي إرشاداته برد اليقين كلما حاكت الوساوس في الصدور.
ومما يلمسه كل متدبر لآيات القرآن الكريم، وفاؤه لحاجات البشر في مختلف عصورهم، وتلوين الفهوم لآياته وتنويع الاستنباطات من دلالاته، وبخاصة في الآيات التي تتحدث عن الكون والحياة والإنسان.
لذا كان علماؤنا الأجلاء من السلف الصالح يتركون المجال للقول الجديد ولا يحصرون دلالات الآيات في حدود فهمهم، بل يسوقون أحيانًا الأقوال العديدة في تفسير الكلمة الواحدة بله الآية الواحدة، وقد يرجحون قولًا وقد يتركون بدون ترجيح، لأن الآية تحتمل كل الأقوال من قبيل تفسير الترادف.
ومن يتصفح تفسير إمام المفسرين ابن جرير الطبري أو تفسير ابن الجوزي
أو تفسير الماوردي أو تفسير السيوطي، يجد الأمثلة التي لا تحصى على تعدد الأقوال في الآية الواحدة.
وقد أشكل على بعض من لاحظ له في القرآن، كيفية وفاء النصوص من الكتاب والسنة بحاجات البشر المتجددة، وقالوا: إن النصوص محصورة ودولاب الحياة لا يتوقف والأحداث تتجدد، والأفكار والمبادئ تطرح على الساحة في كل جيل مما لا عهد للأجيال السابقة بها، وهناك نظريات اجتماعية وثقافية واقتصادية ومشكلات لم يكن لها وجود في عصر التنزيل، فكيف يستنبط من النصوص أحكامها، وتعرف الهدايات الربانية بشأنها؟!
من هنا كانت أهمية التفسير الموضوعي، الذي يهتم بالهدايات القرآنية ويحاول الكشف عنها من خلال السياق والسباق للآيات الكريمة، ومن خلال تتبع الكلمة واستعمالاتها، ومن خلال التعرف على المناسبات والروابط بين السور والآيات، وبين بدايات الآيات وفواصلها وافتتاحيات السور وخواتيمها.
ولعل لثقافة المفسر الخاصة والعامة، واهتماماته الشخصية، وصفاء قريحته، وشفافية نفسه، وسلامة ذوقه اللغوي دخلًا في دقة الاستنباط والتعرف على ما تشير إليه الآيات تصريحًا أو تلميحًا.
وعلى ضوء ما تقدم نقول إن أساليب البحث في التفسير قد تتنوع حسب معطيات العصر، ومسار البحث قد يختلف عن السابق حسب الزاوية التي يحددها المفسر ويدخل منها إلى ظلال النصوص الوارفة، وبالتالي قد يظفر ببعض الثمار التي لم يسبق إليها.
فقد يتعرف في الروابط بين الآيات الكريمة على دقائق في المعرفة، وقد يطلع عند تتبع بعض العبارات وعلى وشائج تكون مادة لإقامة صرح عتيد من سنن الله في المخلوقات، وقد يتنسم من خلال الأجواء العبقة لهدايات أي الذكر الحكيم روائح نظام متكامل تقوم عليه علائق المجتمع الآمن المطمئن الرغيد.
وقد كثرت الكتابات في الآونة الأخيرة حول التفسير الموضوعي للقرآن، ولكن القليل منها تناول الجانب المنهجي في هذا اللون من التفسير، بل اكتفت أغلبها بالدراسات التطبيقية، سواء منها ما تناول تفسير موضوعات من خلال القرآن الكريم، أو تفسير سورة تفسيرًا موضوعيًّا.
ولقد تناولت في هذا الكتاب الجانب المنهجي لهذا اللون من التفسير، وحاولت التعرف على نواته الأولى، ثم تطوره، وأنواعه وسقت نموذجًا تطبيقيًّا لكل نوع من نوعية الشهيرين.
وبذلت جهدي أن ألتزم دلالات ظاهر النص، وأن أستدل بما صح من السنة النبوية، وأن أوثق الأقوال، وأسير على المنهج العلمي في الاستنباط والمناقشة.
فما كان من صواب فمن الله جل جلاله وبتوفيقه، وما كان غير ذلك فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله منه.
وأقدم وافر الشكر والتقدير سلفا لمن ينبهني عليه ويرشدني إلى الصواب فيه.
والله أسأل أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعل هذا الجهد في صفحة أعمالي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
كما أرجو من إخواني طلاب العلم أن لا يحرموني من دعوة صالحة في ظهر الغيب إن وجدوا فائدة عند قراءتهم للكتاب.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الرياض في: 10/ 1/ 1410
11/ 8/ 1989
مصطفى مسلم