الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهمية التفسير الموضوعي:
أولًا: إن تجدد حاجات المجتمعات وبروز أفكار جديدة على الساحة الإنسانية وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة لا يمكن تغطيتها ورؤية الحلول الصحيحة لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
وذلك أن الباحث المسلم عندما يجابه مشكلة في الحياة، أو تقدم له نظرية مستحدثة في علم النفس، أو علم الاجتماع، أو في علوم الحضارة الإنسانية، أو العلوم الفلكية، أو العلوم الطبيعية أو نظرية في الاقتصاد. فإنه لا يستطيع أن يجد لكل هذه النظريات المستجدة نصوصًا من آيات الذكر الحكيم تناقش مثل هذه القضية المطروحة وتبين حكم الله تعالى فيها، بل يلجأ الباحث عندئذ إلى معرفة الهدايات القرآنية وإرشادات السنة النبوية في هذا الاتجاه ويجمع الأفكار الرئيسية في هذا المجال، بحيث تتكون لديه ملكة لإدراك مقاصد القرآن الكريم في هذا الصدد، وبمنظار القرآن الكريم ينظر إلى حل هذه المشكلة أو يقوم هذه النظرية.
إن نصوص القرآن الكريم محددة والقضايا التي تناولها بالتوضيح والبيان والتفصيل محددة أيضًا: أما المشاكل الإنسانية وآفاق المعرفة فغير محددة ما دامت الحياة مستمرة على هذه الكرة الأرضية، ولا يمكن أن نجابه هذه المشكلات بظواهر النصوص المحددة. بل نجد المرونة والسعة في الخطوط الأساسية التي تعرض لها آيات التنزيل الحكيم.
ومن خلال علل النصوص وهداياتها العامة ودلالاتها وظلالها نستطيع أن
نصل إلى أنوار كاشفة ترسم لنا الطريق وتحدد لنا المعالم لتقويم كل مستحدث جديد.
لذا لا يمكن أن نجابه مشاكل العصر ومعطيات الحضارة إلا بأسلوب الدراسات الموضوعية للقرآن الكريم أو بأسلوب "التفسير الموضوعي".
إن جمع أطراف موضوع ما من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والإحاطة بدلالاتها يمكن الباحث من القيام بدور اجتهادي للتوصل إلى أفكار وقواعد عامة جديدة، وعلى ضوء هذه القواعد والهدايات المستمدة من مقاصد النصوص الشريفة يستطيع الباحث أن يدرك معالجة الإسلام لهذه المعضلات والمشكلات.
ثانيًا: إن تخصيص موضوع بالبحث والدراسة وجمع أطرافه والاطلاع على أسباب النزول للآيات المتعلقة به، وتحديد المرحلة التي نزلت الآيات الكريمة تعالج بعض جوانبه، وتوجيه ما ظاهره التعارض، كل ذلك يهيئ للموضوع جوًا علميًا لدراسة هذا الموضوع بعمق وشمولية تثري المعلومات حوله وتبلور قضاياه وتبرز معالمه.
ومثل هذا العمق ومثل هذا التوسع لإبراز معالم الموضوع لا يتيسر للباحث في أي نوع من أنواع التفاسير سواء التحليلي، أو الإجمالي، أو المقارن، بل التفسير الموضوعي هو الأسلوب الأمثل في بحث مثل هذه الأمور.
ثالثًا: عن طريق التفسير الموضوعي يستطيع الباحث أن يبرز جوانب جديدة من وجوه إعجاز القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه.
فكلما جدت على الساحة معطيات جديدة لتطور الفكر البشري، يعايشها المفسر، ويحط بدقائقها وحقائقها ثم يلجأ إلى القرآن الكريم وإلى السنة النبوية الشريفة ليستنطق النصوص الشريفة ويميط اللثام عن وجوه جديدة من الهدايات القرآنية.
ويجد أهل الاختصاص في كل فن أن المعجزة الخالدة الباقية تقيم الحجة على الأجيال وأن في القرآن من الكفاية والغناء عن كل شيء: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ
عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 50، 51] .
رابعًا: تأهيل الدراسات القرآنية وتصحيح مسارها: لقد نالت بعض العلوم القرآنية حظًا وافرًا من جهود العلماء وصنفت فيها المصنفات الكثيرة مثل العلوم المتعلقة بالجوانب اللغوية، والدراسات الفقهية لآيات الأحكام، إلا أن علومًا جديدة برزت تحتاج إلى تأهيل قواعدها على ضوء القرآن الكريم مثل "الإعجاز العلمي"، فقد برز هذا العلم وكثرت الكتابات فيه إلا أنه يحتاج إلى ضبطه بقواعد علمية مستمدة من هدايات القرآن الكريم لتجنب الإفراط والتفريط في إدخال الآيات مجال البحث والمتعلقة بالعلوم التجريبية من علوم الفلك والطبيعة والإنسان.
وكذلك علم "أصول التربية القرآنية" فبعد بروز المدارس الاجتماعية ومدارس علم النفس في الغرب، وغزوها للأمم والشعوب، ومحاولة إقامة صرح التعليم والتربية حسب مناهجها، رأى المفكرون المسلمون أن من الضرورة بمكان استخلاص مبادئ هذا العلم من هدايات القرآن الكريم ولا زالت الكنايات في هذا الجانب قليلة جدًا، إذ تحتاج مثل هذه العلوم إلى علماء راسخين في علوم الشريعة، إلى جانب استيعابهم لثقافة العصر ومناهج المدارس الحديثة في الغرب والشرق، إلى جانب ملكة قوية في الإبداع والاستنباط، ليقوم هذا العلم على أسس راسخة.
ومثل هذا "أصول علم الاقتصاد الإسلامي" و"أصول الإعلام الإسلامي".
إن كثيرًا من العلوم تلعب دورًا هامًا في حياتنا المعاصرة، ولا زالت معالم هذه العلوم غير واضحة الصلة بهدايات القرآن، ولا يمكن أن نجد نصوصًا محددة من القرآن الكريم أو السنة النبوية تناولتها، وإنما نستشف أصولها من خلال روح النصوص الكريمة وهدايات القرآن الكريم والسوابق القضائية والفقهية لسلف هذه الأمة، ولا وسيلة لوضع أسس هذه العلوم وبيان ضوابطها إلا من خلال التعامل مع الآيات الكريمة وفق منهج التفسير الموضوعي.
كما أن هنالك دراسات إسلامية ضخمة قامت ولكن لم تكن مناهج الباحثين فيها وثيقة الصلة بالهدايات القرآنية.
فعلم التاريخ البشري أخذ منهجًا في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرض لسنن الله في المجتمعات الإنسانية من حيث الرقي والتقديم أو الانحطاط والتخلف علمًا أن هدايات القرآن الكريم قد أبرزت هذه السنن بشكل دقيق عند عرض قصص الأمم السابقة مع أنبيائها.
ولقد كانت محاولة ابن خلدون في مقدمة تاريخه محاولة جادة وجيدة، إلا أننا لم نجد من تابع هذا العلم، ومن الجدير أن تقام دراسات قرآنية حول هذا الموضع تحت عنوان:"علم الحضارة القرآنية".
بل إن هناك جوانب من الدراسات قامت حول الأحكام التشريعية وتفسير آيات الأحكام إلا أننا لا نجد مؤلفًا خاصًا كتب حول إبراز مزايا التشريع الإسلامي وحكمه.
فعلى الرغم مما كتبه بعض العلماء في ثنايا كتبهم حول الإعجاز التشريعي للقرآن؛ كما فعل الشيخ عبد العظيم الزرقاني في "مناهل العرفان" والشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "المعجزة الكبرى"، إلا أن الحاجة ماسة للكتابة حول فلسفة التشريع الإسلامي في جميع مجالات الحياة وإبراز محاسنه على ضوء الآيات القرآنية.
إن المنهج الذي يغطي هذه المجالات ويوصل هذه العلوم ويضع الأسس والضوابط لها هو منهج التفسير الموضوعي للآيات القرآنية.
من هنا كانت أهمية هذا النوع من التفسير.
فما هي مناهج البحث في التفسير الموضوعي؟
هذا ما نتناوله بشيء من التفصيل في المباحث القادمة بإذن الله.