الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول: المناسبات في السورة الواحدة
مدخل
…
القسم الأول: المناسبات في السورة الواحدة
وقبل البدء بعرض أنواع المناسبات لا بد لنا من ذكر أمر مجمع عليه بين العلماء وهو أن ترتيب الآيات في السورة الواحدة أمر توقيفي لا مجال فيه للاجتهاد، ولم يأت هذا الإجماع من فراغ بل هناك الأدلة الكثيرة التي تفيد على أن ترتيب الآيات في السورة كان توقيفيًا فمن ذلك:
أ- ما أخرجه الحاكم في المستدرك بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت أنه قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع"1 ومعنى تأليف القرآن من الرقاع ترتيب السور والآيات وفق إشارة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيفه.
ب- أخرج البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها؟
"المعنى: لماذا تثبتها بالكتابة أو تتركها مكتوبة وأنت تعلم بأنها منسوخة".
قال: "يابن أخي لا أغير شيئًا من مكانه"2.
جـ- أخرج أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: " أتاني جبريل، فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَان
1 المستدرك: 2/ 611، ومسند الإمام أحمد: 5/ 185.
2 صحيح البخاري، كتاب التفسير: 6/ 160.
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] " 1. فهذا يدل على أن تعيين أماكن الآيات في السورة يكون بأمر من جبريل من رب العزة سبحانه وتعالى.
د- روى مسلم عن عمر قال: ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر ما سألته عن الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري وقال: "تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء" 2، فلو لم تكن الآيات مرتبة في السورة لم يعرف أولها من آخرها.
وكذلك ما رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعًا: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال"3.
وفي لفظ عنده: "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف
…
".
هـ- وكذلك ما ثبت في الصحاح أنه كان يقرأ في أوقات معينة بسورة معينة.
كل ذلك يدل على أن ترتيب الآيات في السور كان معلومًا للصحابة رضوان الله عليهم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرئهم بهذا الترتيب، وإلا لما استطاع أن يشير لهم إلى مضمون سورة باسمها ولا تحدد آيات بعينها بالإشارة إلى أرقامها أو مكانها.
والأصل في الآيات ضمن السورة أن تكون بينها وجه مناسبة؛ لأنها في الغالب "وبخاصة في السور القصيرة" تعرض موضوعًا معينًا، فالأصل أن يكون السياق موحدًا. ولا ينتقل من موضع إلى آخر، أو لا يبحث موضوع جديد بعد الموضوع الأول إلا وهناك وجه مناسب ورابط بين الموضوعين. ومعرفة فترات زمنية متباعدة، أو تكون الموضوعات متباينة في نظر القارئ أو في حال ظهور جملة وكأنها مستقلة عما قبلها وما بعدها، عند ذلك يأتي دور الغواصين على المعاني لمعرفة الرابط والمناسبة بين الآيات.
1 المسند: 4/ 218.
2 صحيح مسلم، كتاب الفرائض: 5/ 61.
3 صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين: 2/ 199.