الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبرز أنواع الأدلة على توحيد الله جل جلاله في القرآن الكريم
مدخل
…
أبرز أنواع الأدلة على توحيد الله جل جلاله في القرآن الكريم:
الحكمة في تنوع الأدلة وتعدد الأساليب القرآنية في عرضها:
تنوع الأساليب القرآنية في عرض الأدلة على أن هذا الكون مخلوق لخالق وإبراز الأدلة من خلال مختلف مجالاته، لحكمة عليا وهي مرعاة استعداد الإنسان وتنوع ثقافاته.
- فمن كان يهتم بعلم الفلك سيجد من الأدلة الكافية ما يقنعه أن لهذا الجانب الكوني خالقًا ولم يكن ليوجد صدفة.
- ومن كان يهتم بالطبيعة وعلوم طبقات الأرض فسيجد بغيته من الأدلة في آيات القرآن.
- ومن كان يهتم بعلم النبات فسيجد من الآيات ما يلفت النظر إلى دقة صنع الله سبحانه وتعالى في خلق النبات.
- أما الإنسان والمهتمون بتركيبه الجسماني وطاقاته المادية والمعنوية فهو عالم قائم بذاته.
ولعل هذا الأمر -والله أعلم- هي الحكمة الكامنة في الاستدلال على قضية الخلق في هذه المجالات وبهذه الوفرة من التنوع في الأدلة.
إلا أن أدلة الخلق والأبداع تصب بجملتها على إبطال قضية أزلية الكون والمخلوقات وتثبت تفرد الله سبحانه وتعالى في خلقها وإيجادها،وكذلك سائر أنواع الأدلة، وأدلة العناية تبرز جانبًا آخر وهو إبطال قضية الصدفة في السنن الكونية وطريقة عمل المخلوقات وأدائها ووظائفها.
إن هداية الإنسان إلى طريق الحق لا تكون دائمًا بجدوى الأدلة الصحيحة، وقوتها ووجاهتها. فكم من شخص قد أبدى وجاهة الأدلة التي يناقش بها، وإنه لا يجد وسيلة لدفعها أو ردها، ومع ذلك لا تستسلم نفسه ولا يخضع عقله وقلبه لما أفحم به، بل يبقى على كفره وإلحاده.
وربما صادفته حادثة معينة في حياته كانت سببًا لإيمانه والتزامه بدعوة الحق.
- لقد آمن بعض المشركين في صدر الإسلام لأسباب لا تحصى.
فمنهم من آمن لأنه اطلع من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على جوانب مشرقة -وكل سيرته تشرق ضياء وحقًا عليه الصلاة والسلام ما حمله على إعلان كلمة التوحيد وأن يشهد شهادة الحق، فقد قال أحدهم: لقد رأيت محمدًا لا يدعو إلى شيء إلا ويكون أول العاملين به، ولا ينهى عن شيء إلا ويكون أول المجتنبين له.
- وآمن بعضهم لما حدثه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشرق للإسلام وانتشار الأمن والطمأنينة في المجتمع الإسلامي، ووفرة المال بين الأيدي، وفتح البلاد المزدهرة "كمدائن فارس" على أيدي المسلمين -حادثة سراقة بن مالك1، وعدي بن حاتم2.
أو بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأمر غيبي كما حدث لعمير بن وهب، عندما جاء لاغتيال رسول الله في المدينة بعد "بدر" وتحمل صفوان بن أمية ديونه وتكفل عياله، وقد جاء متظاهرًا بفداء ابنه "وهب"3.
- وآمن بعضهم لأن رسول صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
- وآمن بعضهم لأنه عندما قتل أحد الصحابة، وفي لحظة لا يمكن أن يكون فيها المرء إلا صادقًا مع نفسه قال ذاك الصحابي:"فزت بها ورب الكعبة"4.
1 انظر: السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 233.
2 انظر تفصيل ذلك في: السيرة النبوية لابن هشام: 4/ 212.
3 السيرة النبوية لابن هشام: 3/ 71.
4 انظر ذلك في: ترجمة "جبار بن سلمى" في أسد الغابة لابن الأثير: 1/ 315.
- يذكر وحيد الدين خان في كتابه القيم "الإسلام يتحدى" حادثة مع أحد علماء الفلك البريطانيين فيقول: حادثة الدكتور عناية الله المشرقي "1909م" مع الفلكي المشهور السير جيمس جينز الأستاذ بجامعة كمبردج عندما رآه يذهب إلى الكنيسة، والإنجيل تحت إبطه، ثم تواعدا على لقاء. وعندما اجتمعا تحدث عن تكوين الإجرام السماوية ونظامها المدهش، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية، وطرقها، ومداراتها وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة. حتى إنني شعرت -أي الدكتور عناية الله- بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله، وأما السير جيمس فوجدت شعر رأسه قائمًا والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعدان من خشية الله، وتوقف فجأة، ثم بدأ يقول:"يا عناية الله، عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي وعندما أركع أمام الله وأقول له: "إنك لعظيم" أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين، وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة. أفهمت، يا عناية الله لماذا أذهب إلى الكنيسة؟!
يقول عناية الله: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانًا في عقلي، وقلت له: "لقد تأثرت جدًا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي، تذكرت بهذه المناسبة آية من آي كتابي المقدس فلو سمحتم لي بقراءتها عليكم، فهز رأسه قائلًا: بكل سرور. فقرأ عليه الآية التالية:
فصرخ السير جيمس قائلًا:
ماذا قلت؟ إنما يخشى الله من عباده العلماء؟ مدهش! وغريب! وعجيب جدًا!!
إن الأمر الذي كشفت عنه دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، من أنبأ محمدًا به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك، فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحىً به من عند الله"2.
1 فاطر: 27-28.
2 الإسلام يتحدى: 210، 211.
ورسوله الله صلى الله عليه وسلم الطبيب المداوي لأمراض القلوب وعلل النفوس كان يصنع لكل حالة مرضية علاجها بعد أن يشخص بنور النبوة الداء التي يعاني منه المريض.
وهذا التنوع هو المنهج القرآني الذي نلحظه في عرض أدلة التوحيد فقد شملت هذه الجولات جميع مجالات الآفاق، من فلك وطبيعة ومن جبال وبحار، وأنهار، وسحب وأعاصير
…
كما شمل خلق الإنسان وأسرار تطوره ونشأته وأغوار نفسه واستعداداتها وأشواقها وأهواءها وشهواتها.