الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإطناب والإيجاز في قضايا عرضتها السورة:
قد يجد الباحث عند تفسيره لسورة ما تفسيرًا موضوعيًا تناول السورة لقضية من القضايا القرآنية بإيجاز أو بإسهاب، وقد تتكرر هذه القضية في سورة أخرى أكثر إطنابًا أو أكثر إيجازًا، فما موقف الباحث من هذه القضية؟
هل يجعلها مدخلًا للتوسع في هذه القضية فيَلُم شتاتها من خلال السورة الأخرى ويجمعها في هذا الموضوع، أو يشير إشارة سريعة إلى القضية ولا يتناولها بالبحث لأنه يفسر سورة معينة ولا يفسر موضوعًا من خلال القرآن؟
أرى في مثل هذه المواطن أن محور البحث في السورة أو الهدف الأساسي في السورة هو الذي يحدد طبيعة البحث في مثل هذه القضايا.
إن تكرار الموضوعات والقصص في القرآن الكريم وفي سور متعددة لحكم وأسرار قد لا نحيط بها، ولكن من الواضح من هذه الحكم وعلى رأسها أن أسلوب العرض في كل مكان يتناسب مع أجواء السورة وأهدافها فإن كان محور السورة يدور حول قضية لإثباتها فلا بأس أن نتعرض عند ذكر القضية لتفصيلاتها التي ذكرت في سور أخرى، ولكن إذا كانت القضية ذكرت بشكل عرضي وجزئي للاستدلال بها على هدف السورة الأساسي وهو غير هذه القضية فلا يناسب المقام أن نتعرض لجزئياتها في سور أخرى.
فمثلًا سورة "نوح" عليه السلام هدفها الأساسي إبراز جانب دعوة نوح عليه السلام وموقف قومه من الدعوة.
فليس من المناسب عند عرضنا لهذا الموضوع من خلال سورة نوح أن
نتعرض بشكل مفصل للحوار الذي جرى بين نوح وابنه، وماذا حدث من أمور كونية في إهلاك القوم كما عرضتها سورة "هود" وسورة "المؤمنون" وغيرهما، ولكن من المناسب جدًا أن نذكر ما يتعلق بالحوار والأساليب الجدلية التي اتبعها القوم كما ذكرتها السور نفسها.
إن لكل سورة هدفها وشخصيتها وأسلوبها في عرض القضايا فينبغي عدم طمس هذه المعالم للسورة بحشر تفصيلات تاريخية أو قصصية أو بلاغية فيها على حساب الهدف الأساسي.
ومثل آخر من سورة "البروج" فالمحور الذي تدور عليه السورة: الصراع بين أهل الإيمان وأصحاب السلطة الطواغيت، وبيان أن النهاية لأهل الإيمان.
وقد جاء ذكر فرعون وثمود في السياق للاستدلال بمصيرهم على أن الغلبة لجند الله سبحانه وتعالى مهما تجبر الطغاة العتاة فإنهم لن يعجزوا الله عز وجل، وأن المؤمنين هم المنصورون وأن دعوتهم هي الفائزة ولو ذهبت أنفس الدعاة قرابين لنصرتها.
فينبغي أن يدور التفسير في هذا الإطار، فلا يتناسب مع هذا الهدف أن نسرد التفصيلات في أمر فرعون وما جرى بينه وبين موسى عليه السلام وكيف تبع بني إسرائيل ثم كان مصيره الغرق.
ولا يستدعي الأمر بيان ديار ثمود وأصل انحرافهم وما جرى بينهم وبين نبيهم صالح عليه السلام ولا الآية التي طلبوها ثم انقلبوا على أعقابهم فأخذتهم الصيحة.
إن أجواء السورة لا تحتمل هذه التفصيلات، فينبغي الدوران مع المحور حوف الهدف الأساسي للسورة وعدم الخروج عن خاصيات السورة وملامحها وشخصيتها.