الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقت نزولها وسببه:
سورة الكهف مكية في قول جميع المفسرين.
قيل: إن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله: {جُرُزًا} وهو ضعيف. وقيل: إنها مكية غير آيتين منها وهما قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَك
…
} [الآيتان 28 و29] .
قيل إنهما نزلتا في المؤلفة قلوبهم: عيينة بن حصن والأقرع بن حابس عندما طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصم بمجلس يبتعدون فيه مع رسول الله صلى اله عليه وسلم عن فقراء المسلمين أمثال سلمان، وأبي ذر لئلا تؤذيهم روائح جباب الصوف التي يلبسونها.
وقد تكون الرواية صحيحة إلا أن جعلها سبب نزول آيتي الكهف فيه بعد، وكثيرًا ما يربط المفسرون بين روايات حدثت بالفعل وفيها معنى معين، فيربطونها بمعنى الآية المتضمنة للحكم ويجعلون الرواية سبب نزول الآية. وأمثلة ذلك كثيرة في كتب التفسير.
والراجح أن سورة الكهف مكية كلها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. وكذلك آيات سورة الأنعام:
فإنها نزلت عندما سأل بعض زعماء قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعد عن مجلسه صهيبًا وبلالًا وعمارًا -من فقراء الصحابة؛ ليجلسوا إليه.
روى ابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص قال: لقد نزلت هذه الآية في ستة: أنا وعبد الله بن مسعود وأربعة.
وجاء في رواية ابن مسعود تحديد الأربعة وهم: خباب بن الأرت وصهيب وبلال وعمار، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم -أي كبار قريش-: اطردهم فإنا نستحيي أن نكون تبعًا لك كهؤلاء، فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله، فأنزل الله {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} إلى قوله:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} 1.
وأورد السيوطي في "لباب النقول" قال: اخرج ابن مردويه من طريق جرير عن الضحاك عن ابن عباس في قوله: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فنزلت -أي قوله تعالى:{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} .
هذه الروايات وغيرها تفيد أن سورة الكهف سورة مكية بجملتها، من غير استثناء آيات منها. كما أن الرواية الصحيحة التي تقدم ذكرها، وقد ذكر فيها عبد الله بن مسعود سورة الكهف وِأنها من العتاق الأول ومن تلاده -أي قديم ما نزل.
وكذلك ما نورده من روايات سبب النزول يدل على مكية السورة:
أخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة فقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم؟ فإنه كان لهم
1 انظر: المستدرك للحاكم، كتاب معرفة الصحابة: 3/ 319 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي؛ ولباب النقول للسيوطي: 106.
أمر عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟
فأقبلا حتى قدما على قريش فقالا: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد؟ فجاءوا رسول الله فسألوه فقال: "أخبركم غدًا بما سألتم عنه" -ولم يستثن- فانصرفوا، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، لا يحدث الله في ذلك إليه وحيًا، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، وقول الله:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} الآية1.
وهذه الرواية وإن تكلم بعضهم في سندها وأن فيها رجلًا مجهولًا، فإن واقع السورة وما ورد فيها من صيغ الاستفسار منهم كقوله تعالى:{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} وقوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} وقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . كل ذلك يؤكد حادثة الاستفسار من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتية وعن الرجل الطواف، وعن نسيان ذكر المشيئة.
وأورد السيوطي في لباب النقول: قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأمة بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأبو البختري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلال قومه إياه وإنكارهم ما جاء من النصيحة، فأحزنه حزنًا شديدًا فأنزل الله تعالى:
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} 2.
1 انظر: تفسير الطبري: 15/ 128. وانظر: السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 39، ولباب النقول للسيوطي: 155.
2 لباب النقول للسيوطي: 156.