الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبات:
وحسب المنهج الذي التزمناه نذكر المناسبات بين هذا المقطع وبين المقاطع السابقة كما نحاول الربط بين هذا المقطع ومحور السورة أو العنوان الذي اخترناه لهذا البحث ذكر البقاعي وجوهًا للمناسبة بين قصة ذي القرنين وقصة موسى والخضر عليهما السلام فمما ذكره قوله:
- "لما فرغ من هذه القصة التي حاصلها أنها طواف في الأرض لطلب العلم عقبها بقصة من طاف الأرض لطلب الجهاد، وقدم الأولى إشارة إلى علو درجة العلم لأنه أساس كل سعادة وقوام كل أمر"1.
- ويمكن أن يضاف إلى ما قاله البقاعي: أن في كل من القصتين رعاية لمصالح العباد وخاصة الضعفاء منهم، ومنع الفساد في الأرض وإقامة الحق والعدل ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى.
- الخبر الحقيقي عند الله سبحانه وتعالى وهو العلم ببواطن الأمور فضلًا عن ظواهرها ففي قصة موسى والخضر عليهما السلام {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} ، {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ، {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} .
وفي قصة ذي القرنين {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} ، {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
أما مناسبة قصة ذي القرنين مع محور السورة والعنوان الذي اخترناه للبحث فهناك تناسب تام وانسجام كامل بين هذه القصة وبين القصص الثلاث المتقدمة في الهدف العام الذي استهدفت القصص الثلاث ترسيخه ألا وهو القيم الصحيحة، وما استهدفت كشفه والتنفير عنه ألا وهو القيم المزيفة الباطلة. وهذا البيان:
1-
لما كانت القيمة الزائفة في قصة أصحاب الكهف هي السلطة الغاشمة الظالمة التي أدعت الألوهية من دون خالق السماوات والأرض، ووضعت نفوذها غير المجال التي خلقت من أجلها السلطة.
نجد في قصة ذي القرنين الحاكم الصالح الذي مكن له في الأرض وأوتي من كل شيء سببًا، فدالت لسلطته الأمم والشعوب، وفتحت له الأقاليم، وألقت
1 نظم الدرر للبقاعي: 12/ 128.
الملوك له قيادها، يحكم فيها بالعدل والإحسان، وعمران الأرض لما فيه خير العباد ودفع الفساد، ورفع الظلم والاعتداء، {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} .
فاستعمل السلطة والقوة في الموطن الذي خلقت من أجله، فكان استخدامها في موضعها شكرًا للخالق الذي أنعم عليه بهذا التمكين له في الأرض.
2-
والقيمة الزائفة في قصة صاحب الجنتين كانت زينة الحياة الدنيا المتمثلة في المال والنقر، ونجد في قصة ذي القرنين الإعراض عن زينة الحياة الدنيا والانصراف إلى ما عند الله فهو خير وأبقى {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} .
3-
وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام كانت هناك قيمتان صحيحتان إلا أن إحداهما تتعلق بالعلم الظاهر الذي تساس به الأمم والشعوب.
والأخرى تتعلق بالعلم اللدني الخفي الذي لا يطلع عليه أحد إلا بمقدار ما يعلمه الله سبحانه وتعالى من لدنه.
نجد أن القيمتين تبرزان في قصة ذي القرنين، فقد أوتي من كل شيء سببًا وهي الأسباب الظاهرة من الخبرة والعلوم المتعلقة بسياسة الشعوب والأمم وعمارة الأرض وتخطيط المدن والأقاليم وتجييش الجيوش ومعرفة منازل الأرض. وكل ما من شأنه أن يمكن له في الأرض من أسباب عزة الدولة والحاكم العادل وترسيخ أقدامه في الحكم.
إلى جانب هذه الأسباب الظاهرة نجد الإيمان المطلق بالله سبحانه وتعالى
وتوفيقه له وأنه وفق إلى هذا بمحض الرحمة والفضل من رب العزة والكرم. {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
وكذلك إيمانه المطلق بوعد الله سبحانه وتعالى الذي إذا جاء فلن تستطيع هذه الأسباب الظاهرة الصمود أمامها. وأن هذا السد الذي منع يأجوج ومأجوج من العدوان، سيزول ويكون دكاء، لأن وعد الله قد تم بأن ينتشر فساد يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة وقبل النفخ في الصور لجمع الخلائق {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} جعله دكاء علمًا أن الأسباب الظاهرة تومئ إلى تخليده لأنه جبل من الحديد المطعم بالنحاس، إلا أن وعد الله كفيل بإثارة السبب الخفي الذي يجعل هذا الجبل الحديدي دكاء ليلتحق بأمثاله من الجبال عندما يأتي أمر الله {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: 105-107] .
لقد قال الخضر عليه السلام في نهاية جولاته مشيرًا إلى هذا العلم الغيبي الذي آتاه الله سبحانه وتعالى: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} ، ويقول الملك الصالح:{هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .
لقد كانت خبرته وتوفيقه لعمل الخير والصواب وتمكينه في الأرض ليس اعتمادًا على الأسباب الظاهرة وإنما كانت في الحقيقة رحمة من الله العزيز الحكيم العليم الخبير.
لقد جاءت قصة ذي القرنين في خاتمة القصص السابقة لتبرز القيم الصحيحة واقعًا متمثلًا في سيرة أحد عباد الله الصالحين، ولا تكون مظنة خيالات ومثل لا مجال لتطبيقها على هذه الأرض وفي الواقع البشري1. بالإضافة إلى أنها من
1 للقيام بدور الخلافة في الأرض على الوجه الصحيح لا بد للحاكم أن يأخذ بطرفي المعادلة ويوازن بينهما وذلك:
- باتخاذ الأسباب الظاهرة التي تمكن من التصرف حسب سنن الله في هذا الكون لتسخيرها للمصالح المعتبرة.
- والاعتماد على الأسباب الخفية الغيبية "الإيمان بالغيب، الوحي" لإقامة العلاقات=