الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العظات والعبر من فقرة اللقاء والحوار:
1-
تواضع الطالب للمعلم وإشعاره بهذا التواضع، يكون أدعى إلى توجه المعلم القلبي، فيبارك الله في العلم وتفتح آفاق المعرفة أمام الطالب ويبرز هذا التواضع في مخاطبة موسى عليه السلام للعبد الصالح بصيغة الاستفهام {هَلْ أَتَّبِعُك} ، أي هل تأذن لي أن أكون لك تبعًا؟، ولم يقيد هذ التبعية بجانب من جوانب الصحبة أو الخدمة وإنما أطلقها، وفي ذلك إبراز لجانب الثقة المطلقة في المعلم.
2-
رفع المعلم إلى مقام رفيع والاعتراف له بالأستاذية، وإنزال النفس مكان التلمذة، تقدير لمكانة الأستاذ، وتواضع وهضم نفس من جانب الطالب، وهو من أسباب حصول النفع بإذن الله للطالب، لأن استشعار الطالب بهذا الفارق الكبير بينه وبين معلمه يزيده حرصًا على عدم تفويت شيء مما يقوله معلمه، بينما تكبر الطالب ورؤيته نفسه أنه أعظم قدرًا، أو أكثر فهمًا من أستاذه فمن الحواجب التي تحجب بين الطالب والفائدة من هذا الأستاذ1.
أبرز موسى عليه السلام هذا الجانب من الفرق بينه وبين العبد الصالح بقوله {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} ، فعلم الخضر عليه السلام قد تلقاه من الله جل جلاله، يدل على ذلك سياق الآيات "وعلمناه" وبناء الفعل للمفعول "عُلمت".
أما تعليم موسى فيكون على يد العبد الصالح "تعلمني"، وكأنه يقول إن الفرق بين علمك وعلمي كالفرق بين المعلمين، وهذا منتهى التقدير والاعتراف بالمنة، كما قيل:"من علمني حرفًا كنت له عبدًا" وقال شعبة: من أخذت منه أربعة أحاديث أقررت له بالعبودية حياتي.
1 يقول الإمام النووي: قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى انتفاعه به، وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني. انظر التبيان في آداب حملة القرآن/ 23.
3-
وفي "من" التبعيضية "مما" إشارة إلى جانبين:
إن موسى عليه السلام لا يريد إرهاق الأستاذ ومطالبته بكل ما عنده وإنما يكتفي ببعض ما عنده الذي يراه الأستاذ صغيرًا أو قليلًا ولكنه في حد ذاته علم راشد عظيم.
وأيضًا بيان لجانب من تواضع موسى واستدرار عطف أستاذه لقبوله طالبًا عنده. فالفقير الذي يقول للغني: "أعطني من بعض ما أعطاك الله" يظهر قناعته باليسير ويبرز سعة ما عند الغني وأن ذلك لا يرهقه.
4-
العلوم التي يحرص عليها هي العلوم الراشدة وهي الوسيلة إلى الفلاح، وذلك تزكية للعلم لدى العبد الصالح "مما علمت رشدًا".
5-
في تواضع موسى عليه السلام على الرغم من مكانته وشرفه في قومه والحرص الشديد الذي أظهره لطلب العلم رفع لمكانة العلم والعلماء، وبيان أن الشرف يزداد بالعلم وأن التواضع في سبيل طلبه رفع للمكانة.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "ذلك طالبًا فعززت مطلوبًا"1.
6-
على المتعلم أن لا يعترض على أستاذه في بداية الطلب، لأن ذلك قد يؤدي إلى حرمانه من علوم أستاذه، وخاصة إذا لم تتبين له الطريقة المناسبة في توجيه السؤال بحيث لا يزعج أستاذه.
وكم كان أسلوب السؤال سببًا في الغضب والحرمان والعتاب:
انظر إلى أسلوب بني إسرائيل في الطلب {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة: 68] .
وإلى أسلوب استفسار الحواريين {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: 112] .
فكأنه رب موسى وعيسى وليس ربهم؟ علمًا أن القوم مؤمنون بالله وبرسالة النبي الذي يخاطبونه؟!
1 انظر التبيان في آداب حملة القرآن: 26.
بينما نجد الأسلوب القمين بالإجابة في دعاء عيسى عليه السلام ربه {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة: 114] .
7-
إذا شعر المعلم أن تلميذه ليس مبتدئًا، وأن علومه السابقة تهيئ له كثرة الاعتراضات والمناقشات، للمعلم أن يملي عليه شروطه التي تهيئ الظروف المناسبة لأداء رسالة التعليم، وعند عدم الالتزام بالشروط له أن يشترك المفارقة ويطلبها.
8-
للأستاذ أن يكشف عن جوانب النقص في معلومات تلميذه، ويعرفه بحقيقة علمه القاصر -وذلك من باب التأديب لا التحقير- ولكيلا تأخذه النخوة والغرور العلمي.
9-
وللأستاذ أن يختبر مدى إخلاص الطالب ورغبته الصادقة في التحصيل ومدى قدرته على تحمل المشاق في سبيله، وحدود صبره على غلظة الأستاذ وجفائه.
كل ذلك نأخذه من إيحاءات قول الخضر عليه السلام: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} .
10-
ولطالب العلم -بعد الاعتماد على الله سبحانه وتعالى وربط الأمر بمشيئة مولاه- أن يُري الأستاذ من نفسه الجلد والتحميل والمصابرة، وأن عين الأستاذ ستقر به وأنه سيجده حيث يحب، وذلك تحدثًا بفضل الله ونعمته عليه واستظهارًا لرغبته الصادقة في الطلب -لا من باب تزكية النفس أو الرياء.
{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} .