الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهداف سورة الكهف:
تقدم في قسم الدراسة المنهجية للتفسير الموضوعي الحديث عن محور السورة وأهدافها، وقلنا هناك إن الدخول إلى تفسير السورة بعد تحديد محورها أو أهدافها يلقي أضواء كاشفة على الروابط بين مقاطع السورة وموضوعاتها كما ذكرنا هناك أن السورة قد يكون لها هدف واحد أو أكثر تدور السورة حوله لإبرازه وتقريره في الأذهان، وقلنا إن بعض السور المتوسطة أو الطويلة قد تتضمن عدة أهداف وتشكل محاور متداخلة لكنها متعاضدة متساندة لا متعارضة متناقضة.
وسورة الكهف التي نحن بصدد تفسيرها تفسيرًا موضوعيًا، نرى من اللزام قبل البدء بالتفاصيل أن نحدد أهدافها لتلقي أمامنا أنوارًا كاشفة ونحن نبحث في ثناياها ومقاطعها ومنعطفاتها.
لما كانت سورة الكهف سورة مكية فإننا نجد الأهداف الأساسية في السور المكية مقررة تقريرًا واضحًا قيها:
- فالدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى.
- وبيان صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ووجوب الإيمان برسالته، وبيان أنه بشر يوحى إليه من ربه وأن مهمته البشارة والإنذار.
- وكذلك الدعوة إلى الإيمان باليوم الآخر، وذكر مشاهد القيامة، وعرض موقف الحساب والمناقشة والمخاصمة.
كل هذه الأسس والدعوة إليها تشغل جيزًا واضحًا من مقاطع السورة وتشكل محاور تدور أحداث السورة ومقاطعها حولها كما ذكرت بشكل مختصر وبإيجاز
شديد في افتتاحية السورة وخاتمتها وسنذكر بعض التفاصيل لكل ذلك عند الحديث عن كل مقطع بمفرده إلا أننا اخترنا هدفًا رابعًا غير الثلاثة المذكورة، وجعلناه عنوانًا للبحث في سورة الكهف للاعتبارات التالية:
1-
أن سبب النزول كشف لنا، أن الدافع لقريش لإرسال وقد إلى يهود المدينة للتحقق من صدق محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الدافع كان ضياع الميزان القيوم الذي يدركون به الحق من الباطل والصدق من الكذب والصحيح من الزيف.
وسبب فقدانهم لهذا الميزان انخداعهم بمظاهر كاذبة مخادعة من الحياة الدنيا وجعلها مقياس الحق والصدق والصحة.
لقد ظنوا -وساء ظنهم- أن الغنى ووفرة المال والرجال مقياس الأفضلية والسيادة والصلاح لاختيار الرسل وإنزال الوحي عليهم:
وهذا الغبش في تصوراتهم دفعهم للمطالبة بطرد فقراء المسلمين من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما اقتضى أن ينزل القرآن الكريم لبيان حقائق الأشياء وإعطاء القيم الحقيقية لهذه المظاهر:
2-
وورد في صحيح مسلم: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال". وفي رواية أخرى عنده "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال".
ورواية الإمام أحمد تنص على اكتساب المؤمن نورًا يضيء بين يديه عندما يقرأ سورة الكهف، ولو حاولنا البحث عن سر هذه العصمة وهذا النور الذي يكسبه المؤمن الحافظ أو القارئ لسورة الكهف، لوجدناه يكمن في هذه المبادئ وهذه الحقائق التي اختزلتها افتتاحية السورة وأكدتها الخاتمة وفصلتها المقاطع، فمن وعاها حق الوعي والتزم بها اعتقادًا ومنهج حياة فقد أمسك بالميزان الحق والنور المضيء الذي يفرق به بين الصحيح والسقيم وبالتالي يكون بمنأى عن زيف المخادعين المموهين ولا تؤثر فيه فتنة.
إن من يدرك حقيقة ما على الأرض، وأنه خلق ليكون وسيلة إلى غايات نبيلة، وهذه الغايات حددها الوحي المنزل بالكتاب على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الوحي المنزل قد بين مصير المكذبين وأنه العذاب الشديد، وبين مصير المؤمنين بما جاء به الوحي وعملوا بموجبه وأنه الأجر الحسن والخلود الدائم في النعيم وقرر الوحي المنزل أن منهج التلقي ينبغي أن يكون مصدره ربانيًا وأن المناهج الأخرى مبنية على الجهل والكذب ومصيرها إلى النار والشقاء:
إن من تكون هذه الحقائق ملء جوانحه ونصب عينيه وتكون بين يديه ويقيس بها حقائق المبادئ الواردة والأعمال المعروضة ومناهج الحياة المختلفة، لا شك أنه يكون على نور من ربه وعلى بصيرة من أمره، فيكون في عصمة من جميع الفتن وعلى رأسها فتنة المسيح الدجال.
يقول الإمام النووي: قيل سبب ذلك -أي العصمة من الدجال- ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال، وكذا في آخرها قوله تعالى:{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا} الآيات1.
فسورة الكهف عرضت أهم الأمور التي تأتي الفتنة من قبلها ففي قصة أصحاب الكهف ذكرت فتنة السلطان، وفي قصة صاحب الجنتين عرضت فتنة المال والرجال، وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام عرضت فتنة العلم -ولو بشكل خاص- وفي قضية ذي القرنين عرضت فتنة الأسباب -والعلم التجريبي التطبيقي- وفي كل ذلك عرضت السورة حقائق هذه الأمور في ضوء المبادئ التي ذكرتها الافتتاحية وقررتها الخاتمة.
وهذا ما دفعنا أن نختار هذا العنوان الدقيق للبحث في تفسير السورة الكريمة:
"القيم في ضوء سورة الكهف"
لقد ألقت السورة الكريمة أضواء كاشفة على كل أسباب الفتن، وأعطت المؤمن الميزان الحق لمعرفة الحقائق من الأباطيل، والصدق من الكذب والصحيح من الزيف.
ولا شك أن أول حقيقة عظمى يدركها المؤمن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وثبوت رسالته، وزيف الدعوات المناقضة لها مهما موهت واقعها بالشعارات وزخارف القول.
1 شرح النووي على صحيح مسلم: 6/ 93.