الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عظات وعبر:
وقبل أن نودع قصة أصحاب الكهف نذكر جملة من العظات والعبر التي لم ترد مناسبة لذكرها في الفقرات السابقة:
1-
الفتيان الشباب أسرع استجابة لنداء الحق، وأشد عزمًا وتصميمًا وتضحية في سبيله.
2-
صدق التوجه إلى الله سبحانه وتعالى واللجوء إلى كنفه وحسن الظن به من قبل الفتية، قوبل من الله سبحانه وتعالى بما يتناسب مع رحمته الواسعة الشاملة بعباده المخلصين1.
"أ" أوجد الطمأنينة في القلوب وربط عليها بالسكينة فأوجد فيها السعة والهدوء والأمان قبل أن يوجد في المحيط الخارجي.
"ب" هيأ لهم من أسباب الحماية والدفاع ما تعجز قوى البشر عنه فسخر لهم الشمس، ورفع عن أجسادهم آثار تقلب الليل والنهار واختلاف الأجواء وحماها من الآفات والبلى كما حماها من عبث العابثين. واطلاع الفضوليين فألقى عليهم الرعب {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} .
3-
إن العناية الإلهية رافقت أحوال الفتية والمشيئة الصمدية هيأت الأسباب لإبراز الحكمة العليا من العثور عليهم، فلو لم يحملوا معهم عند الخروج من المدينة شيئًا من العملة "الورق" لما فكروا بالنزول لشراء الطعام ولما كان للاستدلال عليهم من سبيل، لولا شعورهم بالجوع المفاجئ الشديد -وقد لبثوا هذه الفترة الطويلة ولم يكن للجوع أثر في أجسادهم- لما أسرعوا بإرسال الشخص لإحضار ما يسد جوعتهم، إنها تدابير ربانية سابقة ولاحقة لتخليد ذكرى هذه الواقعة، وبرهان ساطع لمن فكر واعتبر.
4-
التزام القيم الصحيحة تورث السيرة العطرة والذكر الحسن في الدنيا والمشوبة والخلود في جنات النعيم يوم القيامة.
أما أصحاب القيم الباطلة فإنهم يذهبون مع معتقداتهم الزائفة وتندثر ذكراهم في الدنيا، وإن بقي منها شيء فتقبيح واستهجان وفي الآخرة عذاب شديد.
1 وقعت كلمة "ينشر، ويهيئ" مجزومتين لوقوعهما جوابًا للطلب "فأووا"، وفيه إشارة إلى صدقهم ويقينهم من الاستجابة لدعائهم، وهو من قبيل: إن من الناس من لو أقسم على الله لأبره.
لقد تمثلت القيم الزائفة الباطلة في موقف الطاغوت الذي ادعى الألوهية ودعا الناس إلى عبادته، وفي موقف أتباعه الذين أشركوا بالله واتخذوا معه آلهة أخرى.
وتتمثل القيم الصحيحة في موقف الفتية الذين آمنوا برب السماوات والأرض، ورفضوا ضغوط السلطة والبيئة والمجتمع والتجئوا إلى كنف الله سبحانه وتعالى وحمايته. فحماهم من الفتنة وخلد ذكراهم، وأجزل مثوبتهم.
لم يذكر كلب بعينه في القرآن الكريم إلا كلب أصحاب الكهف وذلك لصحبته الأماجد.
وما أجمل ما قاله الشيرازي في "كلستان" عن صحبة الكرام وكيف ترفع القدر والذكر. وقد صاغها بعض المتأخرين شعرًا بعد ترجمتها إلى العربية.
فقد دخل الحمام يومًا فوجد مجموعة من الناس يدهنون رءوسهم وأجسامهم بطين "البيلون" -وهو نوع من الطين الفخاري ينقع في الماء والورد ويعتبر نوعًا من المنظفات كالصابون والأشنان.
فخاطب البيلون بلسان الحال وهو يقول:
رأيت الطين في الحمام يومًا
…
بكف الحب أثر ثم نسم
فقلت له أمسك أم عبير
…
لقد صيرتني بالحب مغرم
أجاب الطين أني كنت تربًا
…
صحبت الورد صيرني مكرم
ألفت أكابرًا وازددت علمًا
…
كذا من عاشر العلماء يكرم