المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌البحوث رغيبة الفجر حكمها وأحكامها لفضيلة الدكتور / صالح بن علي - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌البحوث

- ‌الفتاوى

- ‌ أجرة نقل الزكاة على رب المال)

- ‌ جواز نقل الزكاة إلى غير بلد المال إذا كان فيه مصلحة)

- ‌ نقل الزكاة إلى الأقارب وإلى الحرمين)

- ‌ العبرة بالزارع إذا توسطت المزارع):

- ‌ والنظر في النقل وعدمه إلى الإمام أو نائبه)

- ‌ نقل الفطرة):

- ‌ تأديته الفطرة في بلده وهو في أمريكا)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌المشروع للمسلم الإكثار من الصدقة ولو بالقليل

- ‌الصيام ليس من خصائص هذه الأمة وحدها

- ‌لا أعلم شيئا معينا لاستقبال رمضان

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ الحكمة من حل أربطة الكفن داخل القبر

- ‌ حكم وضع وسادة تحت رأس الميت

- ‌ ستر جثة الميت والعناية بغسله

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ القراءة في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌منهج البحث:

- ‌المبحث الثالث: أداؤها بعد الإقامة:

- ‌المبحث التاسع: صفة القراءة فيهما:

- ‌من أخلاق القرآن الكريم

- ‌المقدمة:

- ‌التمهيد

- ‌أولاً: تعريف الأخلاق

- ‌ثانيا: أقسام الأخلاق

- ‌الفصل الأول: الإخلاص

- ‌المبحث الأول: تعريف الإخلاص

- ‌المبحث الثاني: أهمية الإخلاص

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الإخلاص

- ‌المبحث الرابع: اقتران الإخلاص بالصدق وافتراقهما

- ‌المبحث الخامس: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الخالص

- ‌المبحث السادس: اختلاف الجزاء على العمل باختلاف النية

- ‌المبحث السابع: من ثمرات الإخلاص

- ‌الفصل الثاني: الصدق

- ‌المبحث الأول: تعريف الصدق

- ‌المبحث الثاني: أهمية الصدق

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الصدق

- ‌المبحث الرابع: أنواع الصدق

- ‌المطلب الأول: الصدق في الإيمان

- ‌المطلب الثاني: الصدق في الإخلاص

- ‌المطلب الثالث: الصدق في المحبة

- ‌المطلب الرابع: الصدق في التوكل

- ‌المطلب الخامس: الصدق في القول

- ‌المطلب السادس: الصدق في العمل

- ‌المبحث الخامس: من ثمرات الصدق

- ‌الخاتمة:

- ‌أدب الاختلاف في العقائد عند أهل السنة والجماعة

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأول: معنى الأدب والاختلاف

- ‌المبحث الأول: تعريف الأدب وفضله

- ‌المبحث الثاني: تعريف الاختلاف والفرقبينه وبين الخلاف والجدل والشقاق

- ‌الفصل الثاني: أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: من هم أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الثاني: أهل السنة والجماعة هم أهل العدل والإنصاف

- ‌المبحث الثالث: قواعد في منهاج أهل السنة والجماعة مع الآخرين ويتضمن:

- ‌المبحث الرابع: ضوابط وآداب أهل السنة والجماعة في الحكم على المخالفين

- ‌الخاتمة

- ‌الحرب وأخلاقياتها في الإسلام

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: الحرب في الإسلام ودوافعها

- ‌المطلب الأول: هل شرع الإسلام الحرب

- ‌المطلب الثاني: حروب المسلمين كانت هجومية أم دفاعية

- ‌المطلب الثالث: المبادئ الحربية: آراء متعارضة وشهادات منصفة

- ‌المبحث الثاني: خيارات الحرب في الإسلام

- ‌المطلب الأول: الدخول في الإسلام، كأحد الخيارات السلمية

- ‌المطلب الثاني: فرض الجزية، كأحد الخيارات السلمية

- ‌المطلب الثالث: إعلان الحرب

- ‌المبحث الثالث: جرائم الحرب والإبادات الجماعية والحماية للمدنيين

- ‌المطلب الأول: التعاليم الإسلامية في منع الإبادة والإفساد

- ‌المطلب الثاني: معارضات حول موقف الإسلام من جرائم الحرب والإبادات الجماعية:

- ‌المبحث الرابع: أسرى الحرب

- ‌خاتمة البحث:

- ‌بيان من هيئة كبار العلماء

- ‌حديث شريف

- ‌البحوث

الفصل: ‌ ‌البحوث رغيبة الفجر حكمها وأحكامها لفضيلة الدكتور / صالح بن علي

‌البحوث

رغيبة الفجر حكمها وأحكامها لفضيلة الدكتور / صالح بن علي الشمراني ..... 49

من أخلاق القرآن الكريم (الإخلاص-الصدق) لفضيلة الدكتور / محمد بن عبد الله العيدي ..... 101

آداب الاختلاف في العقائد للدكتورة / إحسان بنت عبد الغفار مرزا ..... 187

الحرب وأخلاقياتها في الإسلام لفضيلة الدكتور / خالد بن محمد الشنيبر ..... 269

بيان من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية

373

ص: 5

صفحة فارغة

ص: 6

الافتتاحية

لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

مفتي عام المملكة العربية السعودية.

(خطر الإشاعة على الفرد والمجتمع)

إن الصدق في القول والعمل خلق أهل الإيمان، فالمؤمن صادق في قوله، صادق في إيمانه فإيمانه بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم إيمان ظاهر وباطن، وبذلك خالف المنافق الذي آمن ظاهره وكفر باطنه، ولذا قال الله تعالى في المؤمنين الذين يخشون ربهم بالغيب:{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ، فالمؤمنون صدقوا في إيمانهم أظهروا الإيمان بألسنتهم مع اعتقاد قلوبهم لحقيقة ما تكلموا به ابتغاء وجه الله تعالى، وأدوا أركان الإسلام الظاهرة عن إيمان حقيقي بفرضيتها ولزومها، أما المنافقون فإنهم كذبوا، يقولون بأفواههم بخلاف ما يعتقدون بقلوبهم، قال الله تعالى:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} ، وقال المولى عز وجل:

ص: 7

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «والصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا» (1) وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} ، فالمؤمن صادق في أعماله، وصادق في أخباره، وصادق في تعامله، وصادق في كل أحواله، وصادق القول والعمل لا يقول إلا خيرًا، ولا يتحدث إلا بخير، فلا تسمع منه عوائد الكذب، وغرائب الأخبار، ولكن تسمع منه الصدق الحق، والحق فيما يقول.

ومعنى الشيوع: نشر الشيء وإظهاره حتى يشيع بين الناس ويعرفه من كان جاهلاً به، هذه الإشاعات في الغالب عليها أنها تستعمل في نشر أخبار غير لائقة، وبث أقوال غير صادقة، القصد منها الإرجاف بالأمة، والفت في عضدها وإضعاف عزائمها، والإشاعات قديمة وليست حديثة اليوم لكنها تتفاوت من زمن إلى آخر، وقد ذكر الله في كتابه في قصص أنبيائه ورسله كيف أشاع عنهم أقوامهم ما ليس لائقًا بالأنبياء فهذا نوح عليه السلام قالوا فيه

(1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم (2607).

ص: 8

كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: {مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} ، فأشاعوا عنه أنه يريد التفضل والمنة عليهم، وأشاعوا عنه أن أتباعه هم ضعفاء العقول، قال الله تعالى:{مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} ، وقال قوم هود لهود عليه السلام كما أخبر الله عنه أنهم قالوا له:{قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ، وقالوا كما قال الله عنهم {إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} ، فهم يظنون ويشيعون عنه أن آلهتهم أصابته بخبل.

من أسباب الشائعات:

أولاً: الجهل الذي يخيم على عقول كثير من الناس فلا يميزون بين حسن وقبيح، ولا بين صدق وكذب، ولا حق وباطل، لكن يشيعون ما سمعته آذانهم سواء كان ما أشيع حقًا أم كان ما أشيع باطلاً، فللجهل وقلة العلم والمعرفة، تحدثت الألسن بما سمعت الأذن، ولا يهم ذلك المتحدث أنقل خيرًا أم شرًا، أنقل صدقًا أم كذبًا، كل

ص: 9

هذا لا يبالي به لجهله، وقد يشيع ما فيه ضرر عليه وعلى غيره، ولو كان يعقل ما تكلم إلا بما فيه خير وفائدة.

ثانيًا: الحسد، الحسد داء عضال، ومرض قلبي خبيث ينخر في جسم المرء حتى يملأ نفسه همًا وغمًا، ذلك أن الحاسد لا ترضيه نعمة أنعم الله بها على عبده، وإنما همه وغاية مراده سلب نعم الله عن عباده، فالحاسد خبيث الطبع سيئ النية، معترض على الله في قضائه وقدره.

ولذا يفرح الحاسد بكل عيب أو خطأ أو نقيصة في المحسود ليشيعها، ويذيعها، ويوسع نطاق انتشارها، ويضيف إليها ما يضيف؛ لأن الحاسد من يتمنى زوال النعمة عن المحسود، فبحسده فرح بكل نقيصة يظفر بها، فرح بكل بلاء يحصل له؛ لأن قبله يغلي على ذلك الإنسان الذي فضله الله بالعلم، أو بالمال، أو بالجاه، فهو لا يرضى بقسم الله، وأن الله حكيم عليم عادل في قضائه وقدره، بل يسعى في إذلال ذلك الإنسان والحط من قدره وشأنه، لذلك يسعى إلى الإساءة والنميمة ضده، فالنمام هو الناقل للكلام السيئ على وجه الإفساد والتفريق بين الأحبة، قال الله تعالى:{وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} ، وفي الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة نمام» (1) والنمام يفسد في الساعة ما يعجز عنه

(1) أخرجه البخاري في صحيحه، برقم (6056)، ومسلم في صحيحه، برقم (105).

ص: 10

الساحر في سنة، فهو ينقل ما سمع إلى من قيل فيه، ويشيع ذلك الأمر إلى أن يتصدع بنيان المجتمع، ويضرب بعضه ببعض.

ثالثا: الكذب، وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم «بئس مطية القوم زعموا» (1) فزعموا، وقالوا، وقيل كل هذه أمور لا تصلح أن تكون مصدرًا لخبر، ولهذا توقف العلماء في بعض الأحاديث التي جاء فيها يروى ويذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع» (2) فلعله إذا حدث ببعض الأمور أنها حدثت أن يكون كذبًا فينسب الكذب إليه وهو لم يكذب، لكن المصادر التي نقل عنها ليست مصادر صدق وإتقان.

والإشاعة تكون أحيانًا على الفرد ذاته إما طعنًا في دينه، أو طعنًا في ذاته، أو طعنًا في معنويته، أو طعنًا في قيمه وفضائله، والطعن في ذات الشخص هو أن يشيع عن فلان أنه كذاب، أنه مماطل، أنه غاش الخ، أو يشيع عنه أنه مفلس، وأن معاملته سيئة، أو يشيع عنه أنه فاسق، أنه مبتدع، أنه كافر، أنه منافق، أنه من حزب كذا الخ.

وإن انتشار الإشاعة في الجماعة المسلمة أمر خطير، ومنكر عظيم فكم يشاع بالأمة من أكاذيب، وأراجيف، وأباطيل لا أصل لها ولا حقيقة لها، ولكن ابتلي بعض الناس بترويج الباطل والتحدث به

(1) أخرجه أبو داود في سننه، من حديث أبي مسعود الأنصاري، برقم (4974).

(2)

أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، برقم (5).

ص: 11

دائمًا يطعن في الأمة، وفي الأفراد، وفي العلماء، وفي الولاة بلا روية، ولا خوف من الله، هم الواحد أن يقول، ويتحدث، ويتلقف الأقوال من غير مصادرها ومن لا يرى فيهم الخير، ولا يؤمل فيهم الصدق، فهم أناس انتزع الحياء من نفوسهم، فلا يبالون بما يقولون، جاء عن أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت» (1) إن هؤلاء الذين يشيعون الأخبار دون تثبت من صدقها يرجفون بالأمة، فيفتون في عضدها، ويضعفون عزائمها ويهولون الشر في نفسها، وكأنهم جنود للأعداء يثبطون الأمة، ويذلونها، والمسلم مطلوب منه ضبط النفس، وتقوية عزيمة الأمة، وإشاعة الثقة بالله ثم بهذا الدين، وتقوية روابط المجتمع، والحرص على لمّ الشعث، وجمع الكلمة، ووحدة الصف وتبصير الأمة بما ينفعها، وتحبيب الراعي لرعيته، والرعية لراعيها، والربط بين قلوب الجميع، والحرص على تضييق شقة الكلام الباطل حتى يعلم الناس ما يقولون وما يفعلون.

وبعض وسائل الإعلام المنحرفة من قنوات فضائية، أو وسائل معلوماتية، كالإنترنت وأمثالها في بعض ساحاتها، وفي بعض مواقعها أمور يقطع المسلم حقًا بكذب كثير منها أو كلها، ويعلم أن أولئك الناشرين لها هم أقوام لا حياء عندهم، ولا خوفًا

(1) أخرجه البخاري في صحيحه، برقم (3483).

ص: 12

من الله، ولا مراقبة لأمر الله، وإنما يستحسنون ما يمليه عليهم الهوى فيطعنون في الأمة إما بعلمائها، وإما في قيادتها ليجدوا متنفسًا لهم بما امتلأت به قلوبهم من الخبث والبلاء، والعداء لله ولرسوله ودينه، إن المؤمن قوي الثقة بالله، ثم قوي الثقة بنفسه وبإيمانه بالله، وتمسكه بشرع الله، ثم هو أيضًا قوي الثقة بولاة مره الذين حكموا شرع الله، وأقاموا دولتهم على حكم الله، فيعلم أن هذه النعمة فضل من الله لا تدوم إلا بشكرها والثبات على دين الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر، فيسعى في جمع الكلمة، يحذر من الفرقة والاختلاف ولذلك يقول نبينا صلى الله عليه وسلم «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (1) فالمقصود أنه يجب على المسلم أن يفحص في قلبه محبة ولاة أمره، وليس محبته لهم أن يبغضهم لخطأ قد يكون غير مقصود، فالخطأ ليس أحد معصومًا منه، لكن لا يفرح بالخطأ، ولا بالنقص، بل هو يعد لهم الحسنات، ويدعو إلى الخير، وينصح في سبيل إصلاح الأمة ونصرتها.

إن دأب المنافقين ومن في قلبه مرض السعي إلى شق عصا الطاعة وتفريق الأمة، وتشتيت شملها، وإحداث العداوة والبغضاء بين أفرادها، وبين قيمها، قال الله تعالى:{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا}

(1) أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما برقم (1851).

ص: 13

فالمرجفون في الأمة هم الذين لا يرتاحون إلا بنشر خبر سيئ يقولونه، أو أنباء سيئة يشيعونها، وينشرونها، ويذيعونها، ويبدؤون فيها ويعيدون رجاء أن يضعف كيان الأمة، فالمنافقون في عهد رسول الله أخذوا من قضية الإفك راحة لنفوسهم، وجعلوا يتحدثون بها في مجالسهم لينفسوا بها عما في نفوسهم من حقد، ولكن الله - جل وعلا - أكذب ظنهم، وأنزل آيات بينات في براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال الله تعالى {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} ، وقال تعالى:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} .

إن أعداء الأمة يحاولون إيجاد الفرقة بين أفراد الأمة، ثم بين أفرادها وقيادتها وبين علمائها، فهم يسعون إلى إيجاد الفرقة بينهم جميعًا بما يحدثونه من نشر الشائعات السيئة، والشائعات المغرضة، والشائعات المفرقة لوحدة الأمة، والمزعزعة لكيانها، ونحن مطلوب منا دائمًا ولا سيما في هذه الظروف الحرجة أن نكون يدًا واحدة، أعوانًا على الخير، وأعوانًا على البر والتقوى، يكمل بعضنا نقص بعض، ويعين بعضنا بعضًا، نسعى في جمع الكلمة، ونسعى

ص: 14

في وحدة الصف، ونسعى في لمّ الشمل، ونسعى بتذكير الأمة نعم الله عليها التي أصلها نعمة التمسك بالإسلام وتطبيقه، ثم ما تابع الله به علينا من هذه النعم العظيمة، والخيرات الجزيلة، ثم هذا الأمن، وهذه القيادة المباركة، وهذا الخير الكثير، فلنحمد الله على هذه النعمة، ولنرعها حق رعايتها، ولنحذر في أن نكون سببًا في إنقاصها، أو زوالها، قال الله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .

إن الشائعات المغرضة هي التي أحدثت في الإسلام شرخًا عظيمًا، ونقصًا كبيرًا، فما استبيح دم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إلا بالشائعات التي تحمل الكذب والافتراء والطعن عليه رضي الله عنه وعلى ولاته، ونقل الأخبار الكاذبة التي أغروا بها من أغروا، ولبسوا بها على من لبسوا إلى أن وقع الناس فيما وقعوا فيه، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، فالشائعات الكاذبة السيئة تقضي على حياة الناس، وتتلف أموالهم، وتهتك أعراضهم، وتفرق المجتمع، وتجعله مجتمعًا متفرقًا ضعيفًا غير منتج، والمجتمع المسلم مطلوب منه الوحدة، والإخاء على الخير، والصدق، والهدى.

وإني أنصح كل مسلم أن يفحص كل قول يرد إليه أو يسمعه، ويتثبت في صحته.

ص: 15

أيها المسلم كل قول يبلغك فمحص هذا القول، واعرضه على العقل، وزنه بميزان العدل، فإن يكن حقًا فهذا ينبغي نشره، وإن يكن باطلاً فإنه يجب رده وعدم الخوض فيه، والتحدث الخطير في القضايا المصيرية ليس لكل أحد من الناس، فنحن في زمن كل يريد أن يكون مناقشًا، ومحللاً، ومعطيًا جوابًا وهو لا يدرك حقيقة تلك القضايا التي يناقشها ويتكلم فيها، ولا يتصورها التصور الصحيح والواجب أن ترد إلى من جعلهم الله أهلاً لهذه المهمات، ولذلك قال الله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} الآية، فقضايا الأمة المصيرية إنما مرجعها إلى العقول النيرة، والأفكار الناضجة، والعقول المستقيمة، وذوي الرأي وأولي الأمر الذي هيأهم الله لهذه المهمات وأناط بهم تلك المسؤوليات {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} الآية.

وأما أن يكون كل واحد يتحدث، أو يناقش، أو يعطي تحليلاً وجوابًا في أمور لا يدري عن فحواها، ومصدرها، وأبعادها فذلك خطأ، وذلك أن السياسة الدولية فيها من التذبذب والتناقض ما الله به عليم، فليس لها وجه صحيح، تراها اليوم بوجه، وغدًا تراها بوجه آخر، وتراها بأسلوب ولها أسلوب آخر، ومغزى لا يخطر على بالك، فهي ألعوبة دولية ينظمها ويخطط لها من يحبون الإفساد

ص: 16

والفساد في الأرض، ولا ترى لهذه السياسة قدمًا راسخة، ولا وجهًا واضحًا، وإنما هي أمور تدور على مصالح أقوام، فقد يغتر بها الإنسان يومًا، وتضع حلولاً ونقاطًا على الحروف، ولكن غدًا يتبين له أن ما رأى وخطط كان خلاف الواقع، لأن هذه السياسات لا تعتمد على الصدق في أخبارها، وإنما تعتمد على التضليل، وإلهاء الناس، وإضاعة أفكارهم، وخلق البلبلة والشقاق بينهم فيتذبذبون لا يدرون كيف يتصورون الأشياء، ولا كيف يحكمون عليها، ولهذا فإن تلك المكائد والمخادعات لا يستطيع التحدث عنها، ولا معرفة واقعها، وإدراك آثارها وأضرارها ودورها إلا أناس تخصصوا وهيئوا لهذه المهمة فهم الذين إذا تحدثوا، تحدثوا عن علم، وإن سكتوا، سكتوا عن علم، أما قاصر النظر، ومن عهدته ما أذيع ونشر فتلك أدلة غير قطعية، والله سبحانه قال في كتابه العزيز لليهود:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ، فهم يسعون دائمًا في الفساد؛ لكن صور هذا الفساد لا تراها في عام مثلما تراها في العام الماضي، فلها في العام وجه، ولها في العام الآخر وجه آخر على حسب المناخ الذي يناسبهم؛ ليكون مهيأ لنشر فجورهم، وفسادهم، وضلالهم، لهذا كان على المسلم التوقف في الحكم على كثير من الأشياء إذ الحكم على شيء فرع عن تصوره، والتصور قد لا يكون تامًا، وقد يكون غير واقع، ولهذا قال

ص: 17

الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ، فالذين يستنبطون، ويدركون، ويتحرون الحقيقة التامة، ويتتبعون مصادر جميع الأحداث، ويربطون بين الماضي والحاضر، وبين الأشياء كلها هم الذين يكون عندهم التصور التام، والفهم الصحيح، والإدراك البعيد المدى، وأما عوام الناس فإنما يسمعون كلامًا يردد، وأخبارًا تقال يرقب بعضها بعضًا، ويكذب بعضهم بعضًا، والحقائق خفية على كثير من الناس، إذًا فلسنا مسؤولين عن إشاعة أخبار لا ندري عن صحتها، ولا عن صدقيتها، وإنما نتحدث عما ندركه، ونتصوره، ونعلم صدقه مما يكون في نشره فائدة للإسلام والمسلمين، ونكل ما عجزنا عنه إلى من هيئوا لهذا الأمر ليعطوا الجواب الصحيح، والتصور التام فيما يتصورون ويعلمونه عن حقيقة ما يقال، ونرجو لهم من الله التوفيق والسداد.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 18

‌البحوث

وسائل القرآن الكريم في تحقيق الأمن الفكري للدكتورة هانم محمد عبده عوض ..... 79

الأمن والإيمان لمعالي الدكتور/ محمد بن بن سعد الشويعر ..... 167

بعض العبادات أسباب تحمي من المصائب وترفعها بإذن الله للدكتورة منيرة بنت محمد المطلق ..... 217

وزن أفعال العباد يوم القيامة لفضيلة الدكتور مسفر بن بن سعيد الغامدي ..... 333

بل فرعون مات كافرًا لمعالي الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان ..... 375

بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول ما نسب إليها من فتوى مكذوبة ومزورة 379

ص: 5