الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما يفيده هذا الحديث:
1 -
قد تلجئ الضرورة إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا، وأن هذا منه.
2 -
فضل الإخلاص في العمل.
3 -
دعاء الإنسان وتوسله بخالص عمله إلى الله تعالى.
4 -
ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بفعلهم دليلٌ على تصويب فعلهم.
5 -
الإخبار عما جرى للأمم الماضية؛ ليعتبر السامع بأعمالهم، فيعمل بحسنها، ويترك قبيحها
المبحث السادس: اختلاف الجزاء على العمل باختلاف النية
إذا عمل العبد عملاً فإن الجزاء عليه يكون بحسب نيته، فمتى ما تمكن الإخلاص من طاعةٍ ما فكانت خالصة لوجه الله تعالى فإن الله عز وجل يجزي عليها الجزاء الكبير، ويعطي العطاء العظيم لعباده المخلِصِين، وإن كانت هذه الطاعة في ظاهرها يسيرة أو قليلة، فالعبرة بإخلاصها لله تعالى (1) (2) وفي هذا قال ابن تيمية: [والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله له به كبائر كما في الترمذي وابن ماجه
(1) انظر الإخلاص والشرك الأصغر (6).
(2)
انظر الإخلاص والشرك الأصغر (6). ') ">
وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فيقال هل تنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا رب. فيقول: لا ظلم عليك، فتخرج له بطاقة قدر الكف، فيها شهادة أن لا إله إلا الله، فيقول: أين تقع هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فتوضع هذه البطاقة في كَفَّة والسجلات في كَفَّة، فثقلت البطاقة وطاشت السجلات» (1) فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق، كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم كانوا يقولون لا إله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم، كما ترجح قول صاحب البطاقة، وكذلك في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه فيها العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه
(1) انظر الجامع الصحيح 5/ 24، 25، كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب:(17) ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، الحديث (2639)، وقال الترمذي:[هذا حديث حسن غريب]، وانظر سنن ابن ماجه 2/ 1437، كتاب الزهد، باب:(35) ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، الحديث (4300)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/ 1345، الحديث (3176).
حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له» (1) وفي لفظ في الصحيحين:«أن امرأة بغيًا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له موقها فسقته به، فغفر لها» (2) وفي لفظ في الصحيحين «أنها كانت بغيًا من بغايا بني إسرائيل» (3) وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشي في طريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له» (4) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دَخَلَت امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمَ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ
(1) انظر صحيح البخاري 7/ 77، كتاب الأدب، باب:(27) رحمة الناس بابهائم، وصحيح مسلم 4/ 1761، كتاب السلام، باب:(41)، فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، الحديث (153).
(2)
انظر صحيح البخاري 4/ 100، كتاب بدء الخلق، باب:(17)، إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، وصحيح مسلم 4/ 1761، كتاب السلام، باب:(41)، فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، الحديث (154).
(3)
انظر صحيح البخاري 4/ 148، كتاب الأنبياء، باب:(54)، وصحيح مسلم 4/ 1761، كتاب السلام، باب:(41)، فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، الحديث (155).
(4)
انظر صحيح البخاري 3/ 106، كتاب المظالم، باب:(28) من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق فرمى به، وصحيح مسلم 3/ 1521، كتاب الإمارة، باب:(51) بيان الشهداء، الحديث (164).
الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ» (1) فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل ما بغيٍّ سقت كلبًا يغفر لها، وكذلك هذا الذي نحى غصن الشوك عن الطريق فعله إذ ذاك بإيمان خالص، وإخلاص قائم بقلبه فغفر له بذلك، فإن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص] (2) وفي المقابل نجد أن فعل أي طاعة من الطاعات بدون إخلاص وصدق مع الله تعالى فإنه لا قيمة له عند الله تعالى، بل إن هذا العامل مُتوعَّدٌ عند الله تعالى بالعذاب الشديد، ولو كانت هذه الطاعة من الأعمال العظيمة، كالإنفاق في وجوه الخير، وقتال الكفار، وتعلم العلم الشرعي وذلك لما أخبر به أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها، قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل،
(1) انظر صحيح البخاري 4/ 100، كتاب بدء الخلق، باب:(16) إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وخمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، وصحيح مسلم 4/ 2110، كتاب التوبة، الباب:(4) في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، الحديث (2619).
(2)
منهاج السنة النبوية 6/ 136. ') ">
ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها، قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار» (1) فالمعوّل عليه في قبول العمل هو النية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (2) مع العناية بتحري موافقة الشريعة في جميع الأعمال، لقوله عليه الصلاة والسلام:«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (3)
(1) صحيح مسلم 3/ 1513، 1514، كتاب الإمارة، باب:(43) من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، الحديث (152).
(2)
صحيح البخاري 1/ 2، كتاب بدء الوحي، باب (1) كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
صحيح البخاري 8/ 156، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب:(20)، إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ.