المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: حقيقة الصدق - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌البحوث

- ‌الفتاوى

- ‌ أجرة نقل الزكاة على رب المال)

- ‌ جواز نقل الزكاة إلى غير بلد المال إذا كان فيه مصلحة)

- ‌ نقل الزكاة إلى الأقارب وإلى الحرمين)

- ‌ العبرة بالزارع إذا توسطت المزارع):

- ‌ والنظر في النقل وعدمه إلى الإمام أو نائبه)

- ‌ نقل الفطرة):

- ‌ تأديته الفطرة في بلده وهو في أمريكا)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌المشروع للمسلم الإكثار من الصدقة ولو بالقليل

- ‌الصيام ليس من خصائص هذه الأمة وحدها

- ‌لا أعلم شيئا معينا لاستقبال رمضان

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ الحكمة من حل أربطة الكفن داخل القبر

- ‌ حكم وضع وسادة تحت رأس الميت

- ‌ ستر جثة الميت والعناية بغسله

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ القراءة في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌منهج البحث:

- ‌المبحث الثالث: أداؤها بعد الإقامة:

- ‌المبحث التاسع: صفة القراءة فيهما:

- ‌من أخلاق القرآن الكريم

- ‌المقدمة:

- ‌التمهيد

- ‌أولاً: تعريف الأخلاق

- ‌ثانيا: أقسام الأخلاق

- ‌الفصل الأول: الإخلاص

- ‌المبحث الأول: تعريف الإخلاص

- ‌المبحث الثاني: أهمية الإخلاص

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الإخلاص

- ‌المبحث الرابع: اقتران الإخلاص بالصدق وافتراقهما

- ‌المبحث الخامس: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الخالص

- ‌المبحث السادس: اختلاف الجزاء على العمل باختلاف النية

- ‌المبحث السابع: من ثمرات الإخلاص

- ‌الفصل الثاني: الصدق

- ‌المبحث الأول: تعريف الصدق

- ‌المبحث الثاني: أهمية الصدق

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الصدق

- ‌المبحث الرابع: أنواع الصدق

- ‌المطلب الأول: الصدق في الإيمان

- ‌المطلب الثاني: الصدق في الإخلاص

- ‌المطلب الثالث: الصدق في المحبة

- ‌المطلب الرابع: الصدق في التوكل

- ‌المطلب الخامس: الصدق في القول

- ‌المطلب السادس: الصدق في العمل

- ‌المبحث الخامس: من ثمرات الصدق

- ‌الخاتمة:

- ‌أدب الاختلاف في العقائد عند أهل السنة والجماعة

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأول: معنى الأدب والاختلاف

- ‌المبحث الأول: تعريف الأدب وفضله

- ‌المبحث الثاني: تعريف الاختلاف والفرقبينه وبين الخلاف والجدل والشقاق

- ‌الفصل الثاني: أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: من هم أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الثاني: أهل السنة والجماعة هم أهل العدل والإنصاف

- ‌المبحث الثالث: قواعد في منهاج أهل السنة والجماعة مع الآخرين ويتضمن:

- ‌المبحث الرابع: ضوابط وآداب أهل السنة والجماعة في الحكم على المخالفين

- ‌الخاتمة

- ‌الحرب وأخلاقياتها في الإسلام

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: الحرب في الإسلام ودوافعها

- ‌المطلب الأول: هل شرع الإسلام الحرب

- ‌المطلب الثاني: حروب المسلمين كانت هجومية أم دفاعية

- ‌المطلب الثالث: المبادئ الحربية: آراء متعارضة وشهادات منصفة

- ‌المبحث الثاني: خيارات الحرب في الإسلام

- ‌المطلب الأول: الدخول في الإسلام، كأحد الخيارات السلمية

- ‌المطلب الثاني: فرض الجزية، كأحد الخيارات السلمية

- ‌المطلب الثالث: إعلان الحرب

- ‌المبحث الثالث: جرائم الحرب والإبادات الجماعية والحماية للمدنيين

- ‌المطلب الأول: التعاليم الإسلامية في منع الإبادة والإفساد

- ‌المطلب الثاني: معارضات حول موقف الإسلام من جرائم الحرب والإبادات الجماعية:

- ‌المبحث الرابع: أسرى الحرب

- ‌خاتمة البحث:

- ‌بيان من هيئة كبار العلماء

- ‌حديث شريف

- ‌البحوث

الفصل: ‌المبحث الثالث: حقيقة الصدق

‌المبحث الثالث: حقيقة الصدق

قال ابن القيم في حقيقة الصدق: [وهي منزلة القوم الأعظم، الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكا الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه، الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلاً إلا أرْدَاه وصرعه، مَن صال به، لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة، التي هي أرفع درجات العالمين](1)(2) وحقيقة الصدق في أعمال العباد مبناها على الإخلاص، الذي يحصل به استواء السريرة والعلانية، والظاهر والباطن (3) وقد أخبر تعالى عن أهل البِر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان والإسلام والصدقة والصبر بأنهم أهل الصدق فقال:

(1) مدارج السالكين 2/ 206.

(2)

مدارج السالكين 2/ 206. ') ">

(3)

انظر المغني عن حمل الأسفار في الأسفار 5/ 86، والصدق والصادقون في القرآن العظيم والسنة النبوية (37).

ص: 152

{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} وهذا صريح في أن الصدق يجب أن يكون بالأعمال الظاهرة والباطنة، فهؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صَدَقوا في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال فهؤلاء هم الذين صدقوا {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات (1) وقد أخبر الله تعالى أن الناس في حقيقة أفعالهم ينقسمون إلى صادق ومنافق فقال:{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} ، فالإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، ولا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر. (2) وفي بيان هذه الحقيقة قال السعدي: [{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} أي: بسبب صدقهم،

(1) انظر مدارج السالكين 2/ 269، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 209. ') ">

(2)

انظر مدارج السالكين 2/ 269. ') ">

ص: 153

في أقوالهم، وأحوالهم، ومعاملتهم مع الله، واستواء ظاهرهم وباطنهم، قال الله تعالى:{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} . الآية. أي: قدرنا ما قدرنا، من هذه الفتن والمحن، والزلازل، ليتبين الصادق من الكاذب، فيجزي الصادقين بصدقهم {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ} الذين تغيرت قلوبهم وأعمالهم، عند حلول الفتن، ولم يفوا بما عاهدوا الله عليه. {إِنْ شَاءَ} تعذيبهم، بأن لم يشأ هدايتهم، بل علم أنهم لا خير فيهم، فلم يوفقهم. {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بأن يوفقهم للتوبة والإنابة، وهذا هو الغالب، على كرم الكريم، ولهذا ختم الآية باسمين دالين على المغفرة، والفضل، الإحسان فقال:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} غفورًا لذنوب المسرفين على أنفسهم، ولو أكثروا من العصيان، إذا أتوا بالمتاب. {رَحِيمًا} بهم، حيث وفقهم للتوبة، ثم قَبِلَهَا منهم، وستر عليهم ما اجترحوه] (1) فالمؤمن الحق عنده مِن حُسن القصد، وكمال العزم، وقوة الإرادة ما يجعله على استمرار في صدق السلوك مع الله تعالى، ومع عباده، مع الميل الشديد عما يؤثر على صدق هذا التعامل. وهذا دليل على صحة التوجه إلى الله

(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (661، 662). ') ">

ص: 154

تعالى، فهو اجتهاد لا يمازجه رياء ولا فتوار، ولا يكون فيه قسمة بحال، ولا يصح الدخول في شأن السفر إلى الله والاستعداد للقائه إلا به. فهو بذلك لا يستجيب لأي داعٍ يدعوه إلى نقض عهده، وترك صدقه في كل حال، فهو صادق حقيقة، قد انجذبت قوى روحه كلها إلى إرادة الله وطلبه، والسير إليه، والاستعداد للقائه. ومن تكون هذه حاله لا يحتمل سببًا يدعوه إلى نقض عهده مع الله بوجه من الوجوه، فهو لا يصاحب أهل الغفلة؛ لأنهم قُطّاع طريق القلب إلى الله تعالى، وأضر شيء على الصادق في عمله لربه جل وعلا، وفي عمله مع الناس. فالمؤمن الصادق لا يقعد عن الجد بحال، فهو في جميع أحواله لا يُرَى إلا جادًا، وأمره كله جد، فلا يتمنى الحياة إلا للحق، ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان، فلا يحب أن يعيش إلا ليشبع من رضى محبوبه، ويقوم بعبوديته، ويستكثر من الأسباب التي تُقَرّبُه إليه، وتدنيه منه، لا لعلة من علل الدنيا، ولا لشهوة من شهواتها، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا ثلاث لما أحببت البقاء، لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله، ومكابدة الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقَى أطيب التمر. يريد رضي الله عنه الجهاد والصلاة والعلم النافع، وهذه درجات الفضائل، وأهلها هم أهل الزلفى والدرجات العليا. وقال معاذ رضي الله عنه عند موته: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لجري

ص: 155

الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولا لنكح الأزواج، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر (1) قال ابن القيم: [فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق، وبحسب كمال هذه الأمور فيه، وقيامها به، تكون صديقيته، ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ذروة سنام الصديقية، سمي الصديق على الإطلاق، والصديق أبلغ من الصدوق، والصدوق أبلغ من الصادق. فأعلى مراتب الصدق: مرتبة الصديقية، وهي كمال الانقياد للرسول، مع كمال الإخلاص للمرسِل (2) وفي هذا قال تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} ، وقد وضح هذا السعدي بقوله: [{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} في قوله وعمله، فدخل في ذلك الأنبياء ومن قام مقامهم ممن صدق فيما قاله عن خير الله وأحكامه، وفيما فعله من خصال الصدق:{وَصَدَّقَ بِهِ} أي: بالصدق؛ لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق، ولكن قد لا يصدق به، بسبب استكباره، أو احتقاره لمن قاله وأتى به، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق،

(1) انظر مدارج السالكين 2/ 279 - 282. ') ">

(2)

انظر مدارج السالكين 2/ 270. ') ">

ص: 156

فصدقه يدل على علمه وعدله، وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره. {أُولَئِكَ} أي: الذين وفقوا للجمع بين الأمرين {أُولَئِكَ} فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصدق بالحق والتصديق به] (1) وفي بيان هذه الحقيقة قال ابن القيم: [الصدق مفتاح الصديقية ومبدؤها، وهي غايته، فلا ينال درجتها كاذب البتة، لا في قوله، ولا في عمله، ولا في حاله، ولا سيما كاذب على الله في أسمائه وصفاته، ونفي ما أثبته، أو إثبات ما نفاه عن نفسه، فليس في هؤلاء صِدّيق أبدًا، وكذلك الكذب عليه في دينه وشرعه، بتحليل ما حرمه، وتحريم ما لم يحرمه، وإسقاط ما أوجبه، وإيجاب ما لم يوجبه، وكراهة ما أحبه، واستحباب ما لم يحبه، كل ذلك منافٍ للصديقية، وكذلك الكذب معه في الأعمال، بالتحلي بحلية الصادقين المخلصين والزاهدين المتوكلين، وليس في الحقيقة منهم. فلذلك كانت الصّدّيقية: كمال الإخلاص والانقياد، والمتابعة للخبر والأمر ظاهرًا وباطنًا. حتى إن صِدق المتبايعين يُحِلّ البركة في بيعهما، وكذبهما يمحق بركة بيعهما، كما في الصحيحين عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي

(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (724). ') ">

ص: 157