الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي قلت لهم صِدْقًا (1)(2)
الصدق اصطلاحًا: تنوعت عبارات السلف في تعريف الصدق، والقصد واحد، فمنها:
هو الوفاء لله بالعمل. وقيل: استواء السر والعلانية. وقيل: القول بالحق في مواطن الهلكة. وقيل: أن تصدق في موضع لا ينجيك منه إلا الكذب وقيل: ألا يكون في أحوالك شوب، ولا في اعتقادك ريب، ولا في أعمالك عيب. وقيل الصدق: ضد الكذب، وهو الإبانة عما يخبر به على ما كان. والصديق: هو الذي لم يدع شيئًا مما أظهره باللسان إلا حققه بلقبه وعمله
(1) انظر الصحاح 4/ 1505، 1506، ومعجم مقاييس اللغة 3/ 339، ولسان العرب 4/ 24، 25، مادة (صدق).
(2)
انظر الصحاح 4/ 1505، 1506، ومعجم مقاييس اللغة 3/ 339، ولسان العرب 4/ 24، 25، مادة (صدق). ') ">
المبحث الثاني: أهمية الصدق
الصدق مطلب أساس في حياة المؤمن، وهو رأس الفضائل، وأجمل الصفات الحميدة التي يتحلى بها الإنسان وتزيده هيبةً ووقارًا (1)(2) ولذلك أثنى الله تعالى على مَن لزمه فصار خُلقًا، قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} .
(1) انظر الصدق الفضيلة الجامعة (11).
(2)
انظر الصدق الفضيلة الجامعة (11). ') ">
قال الرازي: [الصديق: نعت لمن كَثُرَ منه الصدق، وجَمَع صِدقًا إلى صِدق في الإيمان بالله تعالى ورسله](1) كما أن الله تعالى أمر أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين، فقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} قال الشوكاني: [هذا الأمر بالكون مع الصادقين بعد قصة الثلاثة فيه الإشارة إلى أن هؤلاء الثلاثة حصل لهم بالصدق ما حصل من توبة الله، وظاهر الآية الأمر للعباد على العموم](2) وهذه الآية نزلت في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه، وتخلفه عن غزوة تبوك بدون عذر، وصدقه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، واعترافه بأن نفسه ق غلبته في هذا الموطن، فآثر الصدق ورجا فيه من الله حسن العاقبة، ثم وقع له ما وقع من هجر المسلمين له مدة خمسين يومًا، حتى ضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت، ثم مَنَّ الله عز وجل عليه بقبول توبته، قال كعب بن مالك: [فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من
(1) التفسير الكبير 29/ 202، وانظر معالم التنزيل 8/ 38. ') ">
(2)
فتح القدير 2/ 414. ') ">
صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون كذبتُه فأهلِك كما هلك الذين كَذَبوا، فإن الله تعالى قال فيهم حين أَنزل الوحي شر ما قال لأحد، حيث قال سبحانه:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (1) قال الحافظ ابن حجر في هذه القصة: [وفيها عظم مقدار الصدق في القول والفعل، وتعليق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرهما به](2) وقال العيني: [ولما جرى على هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب، وهجر المسلمين إياهم نحوًا من خمسين ليلة، فصبروا على ذلك واستكانوا لأمر الله، فرَّج الله عنهم بسبب صدقهم جميع ذلك، وتاب عليهم، وكان عاقبة صدقهم وتقواهم نجاةً لهم وخيرًا، وأعقب ذلك بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} يعني: الزموا الصدق تكونوا مع أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجًا من
(1) صحيح البخاري 5/ 134، 135، كتاب المغازي، باب:(79) حديث كعب بن مالك. ') ">
(2)
فتح الباري 7/ 730. ') ">
أموركم ومخرجا] (1) وبهذا تظهر فضيلة الصدق وملازمته، وإن كان فيه مشقة على صاحبه، فإن عاقبته خير، لأن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، كما ثبت في الصحيح (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكوُنَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» (3). قال النووي: [قال العلماء معناه أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم، والبر اسم جامع للخير كله، وقيل البر الجنة، ويجوز أن يتناول العمل الصالح والجنة، وأما الكذب فيوصل إلى الفجور، وهو الميل عن الاستقامة، وقيل الانبعاث في المعاصي .. قال العلماء هذا فيه حث على تحري الصدق، وهو قصده والاعتناء به، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه، فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فعرف به، وكتبه الله لمبالغته صديقا إن اعتاده، أو كذابا إن اعتاده، ومعنى:(يُكتب) هنا
(1) عمدة القاري 15/ 209. ') ">
(2)
انظر المنهاج شرح صحيح مسلم 17/ 100. ') ">
(3)
صحيح البخاري 7/ 95، كتاب الأدب، باب:(69) قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، وما يُنْهى عن الكذب.
يُحكم له بذلك، ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم، أو صفة الكذابين وعقابهم، والمراد: إظهار ذلك للمخلوقين، إما بأن يكتبه في ذلك ليشتهر بحظه من الصفتين في الملأ الأعلى، وإما بأن يُلْقِي ذلك في قلوب الناس وألسنتهم، كما يوضع له القبول والبغضاء، وإلا فَقَدَرُ اللهِ تعالى وكتابه السابق قد سبق بكل ذلك. والله أعلم] (1) وفي هذا الحديث:[إشارة إلى أن من توقَّى الكذب بالقصد الصحيح إلى الصدق صار له الصدق سجية حتى يستحق الوصف به، وكذلك عكسه](2) ولأهمية الصدق فقد جعل الله مرتبة الصديقين في الجنة مع المنعم عليهم من النبيين والشهداء والصالحين، وذلك لكمال تصديقهم بما جاءت به الرسل، حيث علموا الحق وصدقوه بيقينهم، وقاموا به قولاً وعملاً وحالاً ودعوةً إلى الله تعالى، فقال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} فهم الرفيق الأعلى، وحسن أولئك رفيقًا، ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه وكرمه، إحسانًا منه وتوفيقًا، حيث جعل لهم
(1) المنهاج شرح صحيح مسلم 16/ 160، وانظر فتح الباري 10/ 524. ') ">
(2)
فتح الباري 10/ 525. ') ">
منزلة القرب منه، إذ درجتهم ثاني درجة النبيين، ولهم مرتبة المعية مع الله تعالى، فإن الله مع الصادقين في إيمانهم وتقواهم، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِين اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (1) وأخبر تعالى أن مَن صدقه فهو خير له، حيث قال سبحانه:{فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} فالله تعالى يخبر عَمّن جاءهم الأمر المحتم، فصار الأمر معزومًا عليهم، ففي هذه الحال لو أخلصوا النية لله تعالى، وصَدَقُوه في الإيمان والطاعة، والاستعانة به، وبذل الجهد في امتثال أمره، لكان خيرًا لهم في عاجل دنياهم، وآجل معادهم (2) وفي قوله تعالى:{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} إشارة إلى أهمية الصدق، وأنه في يوم القيامة لا ينفع
(1) انظر مدارج السالكين 2/ 269، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (186). ') ">
(2)
انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن 26/ 55، ومعالم التنزيل 7/ 286، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 178، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (788)، ومدارج السالكين 2/ 269.
العبد وينجيه من عذاب الله إلا صِدقُه (1) وقد وصف الله تعالى نفسه بالصدق فقال جل شأنه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} ، قال البيضاوي:[إنكار أن يكون أحد أكثر صدقًا منه، فإنه لا يتطرق الكذب إلى خبره بوجه، لأنه نقص، وهو على الله محال](2) وفي قوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا} نفي أن يكون أحد أصدق منه سبحانه (3) ووصف الله تعالى به الأنبياء والمرسلين عليهم السلام في معرض المدح لهم، والثناء عليهم، فقال تعالى في حق إبراهيم عليه السلام:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} قال ابن عاشور: [وصف إبراهيم بالصدّيق لفرط صدقه في امتثال ما يكلفه الله تعالى، لا يصده عن ذلك ما قد يكون عذرًا للمكلَّف، مثل مبادرته إلى محاولة ذَبح ولده حين أمره الله بذلك في وحي الرؤيا، فالصدق هنا بمعنى: بلوغ نهاية الصفة في الموصوف بها](4)
(1) انظر مدارج السالكين 2/ 269، 270. ') ">
(2)
أنوار التنزيل وأسرار التأويل 2/ 106. ') ">
(3)
انظر مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/ 360. ') ">
(4)
التحرير والتنوير 16/ 112. ') ">
ولأهمية الصدق فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأله بأن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} ، قال السعدي:[أي: اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك وعلى مرضاتك، وذلك لتضمنها الإخلاص وموافقتها الأمر](1) وبشر سبحانه وتعالى عباده بأن لهم عنده قدم صدق، ومقعد صدق فقال تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ، قال السعدي:[{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} إيمانا صادقا {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي: لهم جزاء موفور، وثواب مذخور عند ربهم بما قدموه وأسلفوه من الأعمال الصالحة الصادقة](2) وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} ، أي: في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم، عند مَلِكٍ قادر لا يعجزه شيء. ومدح الله المكان بالصدق فلا يُقْعِد فيه إلا أهل الصدق
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: (465). ') ">
(2)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: (357). ') ">