الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أخلاق القرآن الكريم
(الإخلاص - الصدق)
للدكتور: محمد بن عبد الله بن محمد العيدي
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد (1)(2) فإن من خير ما يجرِي فيه الحديث بين أهل هذه الملة، ومن أعظم ما يدار حوله الفكر والنظر والاستبصار المقصود من الخَلقِ والرسالة، موضوع الأخلاق التي يجب على المسلم أن يتصف بها، حيث أسلم وجهه لله تعالى، فيه أخلاق الإسلام التي ارتضاها الله تعالى لعباده، وأمرهم بها، وأحبها منهم، فهي الصفات التي ندب الإسلام إليها، ودعا كلَّ مسلم إلى التحلي بها. والمطالع لنصوص الكتاب والسنة يجد أنها قد توافقت في الحديث عن الأخلاق، فرغّبت في محاسنها، ورهّبت من مساوئها، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} ، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم «واهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَاّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَاّ أَنْتَ» (3) بل إن الناظر بعين الإنصاف يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن أنه بعث لإتمام مكارم الأخلاق
(1) انظر خطبة الحاجة للألباني (10 - 11).
(2)
انظر خطبة الحاجة للألباني (10 - 11). ') ">
(3)
صحيح مسلم 1/ 534، 535، كتاب صلاة المسافرين، باب:(26) الدعاء في صلاة الليل وقيامه، الحديث (771).
وصالحها، فقال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مكارمَ الْأَخْلَاقِ» (1) وقال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» (2) فيجب على كل مسلم أن يجعل همَّه في إصلاح أخلاقه، وإقامتها على هدي القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وأن يجاهد نفسه في الاتصاف بما أحبَّ اللهُ منه، وأن يأخذ من البعثة النبوية مقصودها. ولَمّا كان المتحلي بهذه الأخلاق الكريمة والشيم النبيلة محط أنظار الناس، وتأثرهم به؛ لِمَا امتاز به مِن مِنة الله تعالى عليه، حيث جعله إمامًا يُقتدى به في الخير، وقد تحقق فيه قول الله تعالى:{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} فهو مثال حي، وقدوة صالحة، يثير في نفس العاقل البصير قدرًا كبيرًا من الاستحسان والإعجاب والتقدير والمحبة، فيميل إلى الخير بسببه، ويتطلع إلى مراتب الكمال، فيأخذ بالأسباب ليعمل مثله، حتى يحتل درجة من الكمال والاستقامة وحيث إن أخلاق
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10/ 192، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 112، برقم (45).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/ 381، والبخاري في الأدب المفرد 273، والحكم في المستدرك 2/ 613، وقال صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (207).
القرآن سلسلة مترابطة يُكَمِّل بعضها بعضا، رأيت أن أكتب فيها كتابة علمية مؤصلة من كتب التفسير، وموثقة من كتب السنة والعقيدة والأخلاق، فاستعنت بالله تعالى في كتابة هذا البحث مبتدئا بِخُلُق الإخلاص والصدق، عازمًا بإذن الله تعالى على الكتابة بعده في هذه السلسلة، عسى الله تعالى أن يجعله علمًا يُنْتَفَع به (1)
ومن ثم فقد جاء هذا البحث تحت عنوان:
من أخلاق القرآن الكريم - الإخلاص والصدق -
وقد اشتمل هذا البحث على: مقدمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة أما المقدمة: فاشتملت على أهمية الموضوع، وسبب اختياري له وأما التمهيد: فاشتمل على ما يأتي:
أولاً: تعريف الأخلاق، ثانيًا: أقسام الأخلاق، ثالثًا: ترغيب الإسلام في الأخلاق الفاضلة.
وأما الفصل الأول: الإخلاص
فقد اشتمل على سبعة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الإخلاص
(1) من ضمن هذه السلسلة: خُلُق الخشوع، وقد تم -والحمد لله- أنني كتبت فيه، بعنوان: آيات الخشوع - دراسة تفسيرية - وقد حُكِّم مِن قِبَل مجلة جامعة القصيم العلمية، فرع العلوم الشرعية، برقم 48، وتاريخ 3/ 6 / 1429 هـ-.
المبحث الثاني: أهمية الإخلاص
المبحث الثالث: حقيقة الإخلاص
المبحث الرابع: اقتران الإخلاص بالصدق وافتراقهما
المبحث الخامس: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الخالص
المبحث السادس: اختلاف الجزاء على العمل باختلاف النية
المبحث السابع: من ثمرات الإخلاص
وأما الفصل الثاني: الصدق
فقد اشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الصدق
المبحث الثاني: أهمية الصدق
المبحث الثالث: حقيقة الصدق
المبحث الرابع: أنواع الصدق
وتحته ستة مطالب: المطلب الأول: الصدق في الإيمان
المطلب الثاني: الصدق في الإخلاص
المطلب الثالث: الصدق في المحبة
المطلب الرابع: الصدق في التوكل
المطلب الخامس: الصدق في القول
المطلب السادس: الصدق في العمل
المبحث الخامس: من ثمرات الصدق
الخاتمة: وسوف أذكر فيها ما ظهر لي من نتائج في هذا البحث
فهرس المراجع
وقد كان منهجي في هذا البحث على النحو التالي:
- عزو الآيات القرآنية.
- تخريج الأحاديث الواردة مكتفيًا بما ورد في الصحيحين أو أحدهما، فإن لم يكن فمما وجدته في كتب السنة، مع الاجتهاد في بيان درجته من أقوال أهل العلم.
- شرح الكلمات الغريبة.
- ضبط المُشْكِل بالحركات.
- عدم الترجمة للأعلام المشهورة.
- تقسيم البحث إلى فصول ومباحث، تسهيلاً للوصول إلى مطلب القارئ.
- تأصيل البحث بتوثيق معلوماته من كتب التفسير والحديث والعقيدة والأخلاق.
وقد اجتهدت في جمع مادة البحث، مع الاعتراف بالتقصير، راجيًا من الله سبحانه وتعالى أن ينفع به، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، فأشكر الله سبحانه وتعالى الذي مَنّ عليّ بإعداد هذا البحث، ثم أشكر كل من أعانني على ذلك، وأسأل الله أن يجزيه عني خيرًا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.