الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتصامهم بالسنة والآثار، لأن للإمام أحمد في باب أصول الدين من الأقوال المبينة لما تنازع فيه الناس ما ليس لغيره.
وأقواله مؤيدة بالكتاب والسنة واتباع سبيل السلف الطيب ولهذا كان جميع من ينتحل السنة من طوائف الأمة - فقهائها ومتكلمتها وصوفيتها - ينتحلونه.
ثم قد يتنازع هؤلاء في بعض المسائل فإن هذا أمر لا بد منه في العالم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن هذا لا بد من وقوعه وأنه لما سأل ربه ألاّ يلقى بأسهم بينهم منع ذلك.
فلا بد في الطوائف المنتسبة إلى السنة والجماعة من نوع تنازع لكن لا بد فيهم من طائفة تعتصم بالكتاب والسنة كما أنه لا بد أن يكون بين المسلمين تنازع واختلاف، لكنه لا يزال في هذه الأمة طائفة قائمة بالحق لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى قوم الساعة.
ولهذا لما كان أبو الحسن الأشعري وأصحابه منتسبين إلى السنة والجماعة كان منتحلاً للإمام أحمد، ذاكرًا أنه مقتد به، متبع سبيله.
وكان بين أعيان أصحابه من الموافقة والمؤالفة لكثير من أصحاب الإمام أحمد ما هو معروف
المبحث الثاني: أهل السنة والجماعة هم أهل العدل والإنصاف
.
الإسلام جاء ليُقيم الحق والعدل بين الناس، قال تعالى:
{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} ، فالمسلمون هم أهل الميزان الذي تنضبط به العدالة ويتحقق الإنصاف، قال تعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} .
وحرم الإسلام الظلم كما جاء في الحديث: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا» (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا» (2)
(1)
العدل والإنصاف مع غير المسلمين:
قال تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} . {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} .
(2)
إنصاف أهل السنة والجماعة للمبتدعة.
(1) رواه مسلم عن أبي ذر في البر والصلة باب تحريم الظلم.
(2)
رواه مسلم، ك الفتن، ح رقم 2026.
إذا كنا مأمورين بالإنصاف مع الكفار واليهود والنصارى فأن نكون منصفين لأهل البدعة ممن لم يخرجوا عن الإسلام أولى.
يقول ابن تيمية في تفسير قوله تعلى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألاّ يعدلوا، فكيف إذا كان البغض لفاسق، أو مبتدع من أهل الإيمان؟ فهو أولى ويجب عليه ألا يحمله ذلك على ألا يعدل على مؤمن وإن كان ظالمًا له (1)(2)
أمثلة تثبت ذلك:
1) يذكر ابن تيمية أن أهل البدع غير المكفرة خير من اليهود والنصارى:
يقول: (كل من كان مؤمنًا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو خير من كل من كفر به، وإن كان في هذا المؤمن نوع من البدعة سواء كانت بدعة الخوارج أو الشيعة أو المرجئة أو القدرية أو غيرهم، فإن اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام. والمبتدع إذا كان يحسب أنه موافق للرسول لا مخالف له لم يكن كافرًا به.
(1) الاستقامة، 1/ 38، تحقيق محمد رشاد سالم.
(2)
الاستقامة، 1/ 38، تحقيق محمد رشاد سالم. ') ">
ولو قدر أنه يكفر فليس كفره مثل كفر من كذب الرسول) (1)
2) الإقرار بأن أهل البدع غير المكفرة فيهم إيمان وتقوى:
يقول شيخ الإسلام: (ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنًا وظاهرًا لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق ثم قد يكون فيه عدوان وظلم يكون به فاسقا أو عاصيا، وقد يكون مخطئا مغفورا له خطؤه، وقد يكون مع ذلك معه الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية من الله بقدر إيمانه وتقواه)(2)
3) اعتراف شيخ الإسلام بفضائل المبتدعة وجهودهم في نشر الإسلام:
يقول رحمه الله: (وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين وهو خير من أن يكونوا كفارا).
إلى أن قال: (وأكثر المتكلمين يردون باطلاً بباطل وبدعة ببدعة، لكن قد يردن باطل الكفار من أهل الكتاب والمشركين بباطل المسلمين فيصير الكافر مسلمًا مبتدعًا وأخص من هؤلاء من يردون
(1) مجموع الفتاوى، 35/ 201. ') ">
(2)
مجموع الفتاوى، 3/ 353 - 354. ') ">
البدع الظاهرة كبدعة الرافضة ببدعة أخف منها) (1)
4) ومن ذلك موقف شيخ الإسلام من الذين خالفوه وكفروه من أهل البدع.
قال رحمه الله: (هذا وأنا في سعة صدر لمن يُخالفني، فإنه وإن تعدى حدود الله فيَّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصية جاهلية فأنا لا أتعدى حدود الله فيه بل أضبط ما أقوله أو أفعله وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمًا بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكمًا فيما اختلفوا فيه
…
، وذلك أنك ما جزيت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه) (2)
5) ومن ذلك كلامه في التفضيل بين طوائف المبتدعة بحسب قربها من الحق وذكر ما في بعضها من صفات حسنة:
فقال رحمه الله: (والرافضة فيهم من هو متعبد ورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء، فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين، والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة، والزيدية من الشيعة خير منهم وأقرب غلى الصدق والعدل والعلم، وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج
…
ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام
(1) مجموع الفتاوى، 13/ 96 - 79. ') ">
(2)
الفتاوى، 31/ 145 - 246. ') ">
مطلقًا كما تقدم) (1)
6) ومن إنصاف شيخ الإسلام أنه حينما يتعرض لعلماء فيهم بدعة فإنه يذكر محاسنهم ومحاولة الاعتذار لهم:
فمثلاً حينما نقل كلام أبي أمامة المالكي في أبي ذر الهروي قوله: (لعن الله أبا ذر الهروي، فإنه أول من حمل الكلام * (2) إلى الحرم وأول من بثه في المغاربة) علَّق شيخ الإسلام على هذه العبارة فقال: (أبو ذر فيه من العلم والدين والمعرفة بالحديث والسنة وانتصابه لرواية البخاري عن شيوخه الثلاثة وغير ذلك من المحاسن والفضائل ما هو معروف به)(3)
ثم يُحاول أن يعتذر لأبي ذر وأمثاله فيقول:
(ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساعٍ مشكورة وحسنات مبرورة له من الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لأهل السنة ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، لكن لما التبس على الناس هذا الأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة، وهم فضلاء عقلاء احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس
(1) منهاج السنة، 5/ 157. ') ">
(2)
يعني علم الكلام والمنطق. ') ">
(3)
درء تعارض العقل والنقل، 21/ 101. ') ">
بسبب ذلك منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل وخيار الأمور أوساطها) (1)
وقال شيخ الإسلام فيمن قال بخلق القرآن: وهذا الذي نقلوه - من إنكار أبي حامد وغيره على القاضي أبي بكر الباقلاني - هو بسبب هذا الأصل وجرى له بسبب ذلك أمور أخرى وقال عليه الشيخ أبو حامد والشيخ أبو عبد الله ابن حامد وغيرهما من العلماء من أهل العراق وخراسان والشام وأهل الحجاز ومصر مع ما كان فيه من الفضائل العظيمة والمحاسن الكثيرة والرد على الزنادقة والملحدين وأهل البدع (2)
7) الإمام الذهبي يتحرى العدل والإنصاف في الكلام على الرجال: وتجلى ذلك مع المبتدعة من ذلك كلامه عن (قتادة السدوسي) وكان ممن قال بالقدر قال في ترجمته: "ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يُريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر زلَلُه ولا نُضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا
(1) درء تعارض العقل والنقل، 22/ 102. ') ">
(2)
درء تعارض العقل والنقل، 2/ 92 - 100. ') ">
نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك " (1)
ويقول الذهبي: (ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في إحدى المسائل خطأ مغفورًا له قمنا عليه، وبدّعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نضر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، ثم قال: والخوض في ذلك لا يجوز)(2)
ومن ذلك قوله في ترجمة رأس الصوفية عبد الواحد بن زيد:
" الزاهد القدوة شيخ العباد "(3)
ومن ذلك قوله في عمر بن عبيد رأس المعتزلة: " الزاهد العابد " وعند نقله كلام يحيى بن معين عن الدهرية قال: (لعن الله الدهرية فإنهم كفار وما كان عمرو هكذا)(4) وهناك أمثلة كثيرة تدل على أن منهج أهل السنة قائم على إنصاف المخالفين لهم وحرصهم على إعطاء كل ذي حق حقه، والأخذ بقاعدة الموازنة ين الحسنات والسيئات، فمن كانت حسناته غالبة لا ينظر إلى سيئاته، ونقتدي بالحسنة ونجتنب السيئة.
كلام ابن تيمية عن الصوفية: وما أحدثوه من السماع والرقص
(1) سير أعلام النبلاء، 5/ 269 - 283. ') ">
(2)
سير أعلام النبلاء، 5/ 269 - 283. ') ">
(3)
سير أعلام النبلاء، 9/ 104. ') ">
(4)
سير أعلام النبلاء، 9/ 104. ') ">
وتمزيق الثياب حيث قال: (والذين شهدوا هذا اللغو متأولين من أهل الصدق والإخلاص غمرت حسناتهم ما كان لهم من غيره من السيئات أو الخطأ في مواقع الاجتهاد، وهذا سبيل كل صالحي الأمة في خطئهم وزلاتهم)(1)
ويقول ابن القيم: (وهذه الشطحات للصوفية أوجبت فتنتين على طائفتين من الناس إحداها حجبت بها محاسن هذه الطائفة ولطف نفوسهم وصدق معاملتهم فأهدروها لأجل هذه الشطحات وأنكروها غاية الإنكار وأساؤوا الظن بهم مطلقًا، وهذا عدوان وإسراف فلو كان من أخطأ أو غلط تُرِك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات وطائفة حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائمهم وحسن معاملتهم عن رؤية عيوب شطحاتهم ونقصانها فسحبوا عليها ذيل المحاسن وأجروا عليها حكم القبول والانتصار لها)(2)
ثم يقول: (وهذا الشطحات التي تُرجى مغفرتها بكثرة الحسنات ويستغرقها كمال الصدق وصحة المعاملة وقوة الإخلاص وتجريد التوحيد ولم تُضمن العصمة لبشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) الاستقامة، 1/ 297. ') ">
(2)
مدارج السالكين، 2/ 49 - 50. ') ">