الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» (1)]
(1) صحيح البخاري 3/ 18، كتاب البيوع، باب:(44) البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وصحيح مسلم 3/ 164، كتاب البيوع، باب:(11) الصدق في البيع والبيان، الحديث (47).
المبحث الرابع: أنواع الصدق
أنواع الصدق كثيرة، وقد يكون للعبد صدق في بعض الأمور دون بعض، فان كان صادقًا في الجميع فهو الصِّدِّيق حقًا. وأفضل هذه الأنواع وأعزها الصدق في مقامات الدين، كالصدق في الإيمان والإخلاص والخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والمحبة وغيرها. (1) وسأتناول في هذا المبحث أربعة مِن هذه الأنواع، وهى: الصدق في الإيمان، والصدق في الإخلاص، والصدق في المحبة، والصدق في التوكل، مضيفًا إليها الصدق في القول، والصدق في العمل، لأهمية هذين النوعين، وحاجة المجتمع إليهما، وظهور أثرهما بين الناس.
(1) انظر إحياء علوم الدين 4/ 388، 391، ومختصر منهاج القاصدين 402.
المطلب الأول: الصدق في الإيمان
الإيمان يصف بالصدق أو الكذب، لأنه يتعلق بالقلب والجوارح. (1)(2) وقد وصف الله تعالى المؤمنين بالصدق، كما وصف المنافقين
(1) انظر الإيمان: للدكتور محمد نعيم ياسين (85).
(2)
انظر الإيمان: للدكتور محمد نعيم ياسين (85). ') ">
بالكذب في دعوى الأيمان، فقال الله تعالى في وصف المؤمنين الصادقين:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ، فهذه الآية مبيِّنَة لحقيقة الإيمان الكامل، والتصديق المحض بالله تعالى، تعليمًا لهؤلاء الأعراب ومَن على حالهم، الذين ادعوا الإيمان بالكلمة الظاهرة، ولم تؤمن قلوبهم، كما قال تعالى:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) فالصدق دعوى كبيرة في كل شيء يُدّعَى يحتاج صاحبه إلى حجة وبرهان، وأعظم ذلك دعوى الإيمان، الذي عليه مدار السعادة، فمن ادعاه وقام بواجباته ولوازمه فهو الصادق المؤمن حقًا، ومَن لم يكن كذلك فليس بصادق في دعواه، وليس لهذه الدعوى فائدة، فإن الإيمان في القلب لا يُطّلع عليه إلا الله تعالى (2) وقد وصف الله المؤمنين بالصِّدِّيقين، حيث قال
(1) انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 219، والصدق في القرآن الكريم (126). ') ">
(2)
انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (802). ') ">
سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} ، قال السعدي:[والإيمان عند أهل السنة: هو ما دل عليه الكتاب والسنة، هو قول القلب واللسان، عمل القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. فالذين جمعوا بين هذه الأمور هم الصديقون، أي الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين، ودون مرتبة الأنبياء](1) وفي المقابل وصف الله المنافقين بالكذب في دعوى الإيمان، فقال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} ، ذلك لأن الإيمان لم يباشر قلوبهم ولم يتدخل في حركاتهم وسكناتهم وخطواتهم، وإن بدت منهم حسنات وعبادات وأخلاق، بل وجهاد، إن هي إلا حركات جوفاء، فارغة من معاني الإيمان الصادق، ليس وراءها إلا رياء وسمعة وخداع للمؤمنين، كما قال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا}
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (840). ') ">
فالمنافقون يتخذون من الألفاظ الجميلة أمثال الإيمان بالله واليوم الآخر، والتمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، واتباع منهج السلف الصالح، والالتزام بالشريعة الإسلامية، وغيرها من الألفاظ البراقة، إنهم يتخذونها شعارات تُقَال وتُذاع وتُنشر في كل مناسبة وفي كل اجتماع، يُحْمَد عليها قائلوها ويُشكرون ويُمَجَّدون، وقد صور الله تعالى حالهم بقوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} . إن هؤلاء المنافقين يَدّعون الإيمان وصحة العقيدة ولكنهم في الحقيقة كاذبون، حيث قال تعالى عنهم:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} . وقد يبتلي الله تعالى من تلفظ بالإيمان ليظهر صدقه من كذبه كما قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}