الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالصدق والإخلاص مقترنان لهذين الحديثين، فإن الذي يشهد أن لا إله إلا الله وهو صادق مخلص فإنه يكون أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإنه جدير وحري ألا يدخل النار، كما قال صلى الله عليه وسلم:«لَنْ يُوَافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَاّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ» (1) أي: خالصًا لله في ذلك (2) ومع أن الصدق والإخلاص مقترنان ومتداخلان ومتلازمان فإن بينهما فرقًا، فقد سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن قوله صلى الله عليه وسلم:«من قال لا إله إلا الله صدقًا» .. والحديث الآخر ". . . «مخلصًا دخل الجنة» ما معنى الصدق والإخلاص، والفرق بينهما؟ فكان جوابه:[المسألة كبيرة، ولما ذَكَر الإمامُ أحمد الصدق والإخلاص، قال: بهما ارتفع القوم. ولكن يقربهما إلى الفهم التفكر في بعض أفراد العبادة، مثل الصلاة، فالإخلاص فيها يرجع إلى إفرادها عما يخالطها كثيرًا من الرياء والطبع والعادة وغيرها. والصدق يرجع إلى إيقاعها على الوجه المشروع ولو أبغضه الناس لذلك](3) وذكر ابن القيم الفرق بين
(الزء رقم: 93 PgPg 128
الصدق والإخلاص فقال: [والفرق بينه وبين الإخلاص أن للعبد مطلوبا وطلبا، فالإخلاص توحيد مطلوبه، والصدق توحيد طلبه. فالإخلاص ألا يكون المطلوب منقسما، والصدق ألا يكون الطلب منقسما، فالصدق بذل الجهد، والإخلاص إفراد المطلوب].
(1) صحيح البخاري 7/ 172، كتاب الرقاق، باب:(6) العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى.
(2)
انظر أعمال القلوب 1/ 293، 294. ') ">
(3)
الدرر السنية 2/ 131، وانظر أعمال القلوب 1/ 294. ') ">
المبحث الخامس: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الخالص
مما يعود نفعه على المؤمن في الدنيا قبل الآخرة إخلاصه في عمله لله تعالى، فقد يكون هذا العمل الذي أخلصه لوجه الله تعالى سببًا لنجاته من كل كرب وشدة تعرض له في هذه الدنيا، فيتوسل إلى الله سبحانه وتعالى أن يُفَرِّج عنه ما به من كرب وشدة بما أخلصه من عمل ابتغاء وجه الله تعالى (1) (2) وذلك لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه، فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحِلاب فآتي به أبويَّ فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغَون عند رجلي، فلم يزل ذلك دَأْبي ودأبهما حتى
(1) انظر الإخلاص: حسين العوايشة (17).
(2)
انظر الإخلاص: حسين العوايشة (17). ') ">
طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال: فَفُرِج عنهم، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء فقالت: لا تَنالُ ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتها فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تَفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فَافْرُج عنا فرجة، قال: فَفَرَج عنهم الثلثين، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بِفَرَق (1) مِن ذُرَة فأعطيته وأبى ذاك أن يأخذ فعمدت إلى ذلك الفَرَق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعِيَها ثم جاء فقال: يا عبد الله أعطني حقي فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك فقال: أتستهزئ بي، قال: فقلت ما أستهزئ بك ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكُشِفَ عنهم» (2) فهذا
(1) الفَرَق: بفتح الفاء والراء بعدها قاف وقد تسكن الراء. وهو مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وهي اثنا عشر مدًا، ويساوي: ثلاثة آصع عند أهل الحجاز. انظر الصحاح 4/ 1540، ولسان العرب 5/ 122، مادة (فرق)، وفتح الباري 6/ 586.
(2)
صحيح البخاري 3/ 37، 38، كتاب البيوع، باب (98) إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي، وأخرجه مسلم - بلفظ قريب منه- في صحيحه 4/ 2099، 2100، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب:(27) قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال، الحديث (100).
الحديث دليل على استحباب الدعاء في الكرب، والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل، واستنجاز وعده جل وعلا بسؤاله، حيث إن هؤلاء النفر استقر أمرهم أنهم لن يجدوا شيئًا لنجاتهم وتفريج كربهم خيرًا من أن يدعو كل امرئ منهم بأفضل عملٍ عمله لوجه الله تعالى، فسألوا الله إن كانت أعمالهم خالصة وقُبِلت أن يجعل جزاءها الفرج عنهم، فقال كل واحد منهم:«إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك» ، فلم يعتقد أحد منهم في عمله الإخلاص، بل أحال أمره إلى الله تعالى، فإذا لم يجزموا بالإخلاص فيه مع كونه أحسن أعمالهم فغيره أولى، فالذي يصلح في مثل هذا أن يعتقد الشخص تقصيره في نفسه، ويسيء الظن بها، ويبحث عن كل واحد من عمله يظن أنه أخلص فيه فيفوض أمره إلى الله تعالى، ويعلق الدعاء على علم الله به، فحينئذ يكون إذا دعا فإنه يرجو الإجابة، ويخاف من الرد، فإن لم يغلب على ظنه إخلاصه ولو في عمل واحد فليقف عند حده ويستحي أن يسأله ربَّه بعمل ليس بخالص، فهؤلاء النفر تأدبوا مع الله تعالى وقالوا:«ادعوا الله بصالح أعمالكم» في أول الأمر، ثم عند الدعاء لم يطلقوا ذلك، فلم يقل واحد منهم أدعوك بعملي، وإنما قال:«إن كنت تعلم» ، ثم ذَكَر عمله.